|
نقد مسرحية المسحور
اشرف عتريس
الحوار المتمدن-العدد: 6812 - 2021 / 2 / 12 - 20:03
المحور:
الادب والفن
على الرغم من قصر هذه المسرحية فإنها تبرز خصائص مسرح عتريس التي رأيناها في مسرحياته الطويلة، ومنها أنه يهتم بالمجاميع، ولا يعبأ بالبطولة الفردية فيها، وكذلك نرى فيها شاعرية تتخللها كلها، وتبدو على ألسنة معظم الشخصيات في حوارها، وكذلك نرى الطقوس والاحتفالات الشعبية لها حضور قوي فيها. وأيضا نرى في هذه المسرحية ومسرحيات أشرف عتريس الطويلة كسر للعرض المتتابع للأحداث، فمن الممكن أن يتم استدعاء حدث قديم، ومن الممكن استدعاء حدث مستقبلي خلال الأحداث التي يتم عرضها في تلك المسرحيات. وكثيرا ما نراه فيها يمزج بين السرد والتمثيل، ويكون السرد عن طريق شخصية تشارك في الأحداث، وتتقمص شخصية الراوي في الوقت نفسه، كشخصية قبيصي الحكواتي في مسرحية المسحور. وكثيرا ما تقوم المجاميع التي تمثل الكورس بالرواية لبعض الآحداث، والتعليق عليها، ودورها قريب مما كانت تؤديه الجوقة في المسرح اليوناني القديم، وقد كان استدعاؤها في مسرحيات عتريس لما فيها من تأدية طقوس تقربنا من الأجواء التي كانت في المسرح اليوناني القديم. والملاحظة الأهم في مسرحيات أشرف عتريس أنه يتعامل مع الطقوس الشعبية على أنها هي القوة المسيطرة في حياة الشخصيات في مسرحياته، وهي تعادل في سيطرتها وتسلطها القدر في المسرح الإغريقي الذي كانت تتصادم معه بعض الشخصيات، وتلقى حتفها في النهاية لدخولها في هذه الحرب غير المتكافئة معه. وكما قلت فأشرف عتريس يتعامل مع الطقوس الشعبية على أنها ما زالت حية وفاعلة لا سيما في المجتمعات القروية التي تبعد عن المدينة والمدنية. ولا شك أن هذا الاعتماد من أشرف عتريس على تلك الموروثات والطقوس الشعبية قد أضفى على مسرحه مسحة من الشاعرية، وجعله يجد دوافع عميقة للصراع فيها، ولكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أن هذه الطقوس والموروثات الشعبية قد انحسرت - في العقود الأخيرة - كثيرا مع توغل المدنية، ووجود الوعي لدى كثير من الناس في القرى، ومن ثم فإن بعض المشاهدين لهذه المسرحيات سيرون أن ما تعرضه لا يمثل الواقع، ولكنه يمثل بعض ما كان في الماضي القريب أو البعيد. ونرى في مسرحية المسحور عرضا لبعض هذه الطقوس الشعبية، بل إن هذه الطقوس تغلف هذه المسرحية من أولها لآخرها، وفيها نرى بلدا ريفيا يعتمد على الصيد من نهر النيل، ويشعر أهله أن نهر النيل له سلطة كبيرة في حياتهم، تشبه إلى حد كبير سلطة نهر النيل على الفراعنة، ونرى هؤلاء الصيادين يخاطبون النيل آملين في ان يسمح لهم بالصيد منه، وأن يسهل لهم الحصول على أرزاقهم منه. وفي الوقت نفسه نرى قبيصى الحكواتي وعزمية الحيزبون من أهل هذه القرية يتحدثان عن طاهر الشاب المسحور من أهل هذه القرية الذي أوذي من السحر، وتسبب هو أيضا في سحر فتيات بجماله، فكان لهن كالنداهة التي يقبلن نحوها بغير إرادة منهن، ويضعن بعد ذلك.ثم نعرف من حوار قبيصى وعزيمة أن طاهر المسحور قد سحرته غزية أعجبت به، ولكنه تجاهلها، فسحرته، وعقدت سحرها في مياه النيل. ونرى قبيصى يرغب في أن يفك سحر طاهر، ويعود لرشده، وأن تكف الفتيات في القرية عن الهرب إليه قرب النيل، حتى لا يختفين، كما حدث لغيرهن من قبل. نكتشف أن طاهر يحب فتاة من أهل قريته هي وعد، ولكن تأثير السحر يجعله يتجاهلها أحيانا ولا يهتم بها، وتسعى هي أيضا لتخليصه من هذا السحر. وتذهب أم طاهر به لمقام أحد الأولياء، ونرى هذا الولي يحضر بشخصه على المسرح، ويقوم بطقوس رقية طاهر، ويتحول الكورس الذين كانوا صيادين لمريدين لهذا الولي. ويستعين مناع أخو طاهر بأبي حجر الساحر لكي يفرق بين وعد وأخيه طاهر، حتى تكون له وحده؛ لأنه هو أيضا يعشقها. ويقوم أبو حجر بطقوسه الغريبة، ويساعده الكورس من المساعدين له في تعزيماته. ويستطيع قبيصة أن يوقف شر أبي حجر الساحر بتلاوته آيات من القرآن الكريم. ويشتبك الأخوان طاهر ومناع، ويتعاركان، ويقتل أحدهما الآخر خلال ذلك العراك، وعند ذلك يقول أبو حجر: إن هناك من هو أشد شرا منه، ويعني بكلامه من ينفثون أحقادهم، ويقتلون الأبرياء، وهو يقصد بذلك مناع ومن على شاكلته، وتنتهي المسرحية بذلك. وقد عرفنا أن أبا حجر بسحره يمثل الشر، وهو التجسيد الحي للساحرة الأخرى التي سحرت طاهر في الماضي، وتسببت في مأساته ومأساة أهل هذه القرية. أن عرض بعض النساء والرجال وحكاياتهم تمثل مآسى شعبية لم تزل موجودة حتى الآن ,, ان الدراما الطقسية التى يصنعها عتريس فى هذه المسرحية لاتقدم الواقع كما هو ، ان السحر فى قلب العاصمة يختلف عن السحر فى المدن الكبرى عنها فى القرى لكنه يعرض تلك الطقوس ولايروج لها ولا يعيد انتاجها قدر انه يحاول صنع حالة مسرحية ومشهد مستلهم من الخيال والوجدان وبعض الاساطير الموجودة بالفعل حتى الآن .. هذا يبدو من خلال الأحداث وطرح موقفه أن السحر بلاء، ولا يمكن أن تأتي أي حلول طيبة من ورائه.
#اشرف_عتريس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد مسرحية هستيريا
-
أكثرهم المثقف الرمادى
-
قصايد من محدش غيرى
-
ثقافة المدينة وثقافة القرية
-
دى ليالى سمحة نجومها سبحة
-
سؤال مزعج
-
نقد مسرحية - حلقة نار
-
نقد مسرحية سر الولد
-
رباعيات جاهين النادرة جدا
-
نقد مسرحية ( شهدى ) د.على خليفة
-
محمود ياسين والمسرح
-
كلاكيت - مسرح الثقافة الجماهيرية
-
بين النجيبين (محفوظ وسرور)
-
ضياع الأدب الشعبى
-
الجيل الجديد واثراء العقل
-
حالة زهق مجانية
-
قصيدتان من ديوان محدش غيرى
-
بمناسبة وبدون مناسبة
-
تاريخ الفوتوغرافيا فى المنيا
-
دعواتكم سر قوتى
المزيد.....
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|