محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 6809 - 2021 / 2 / 8 - 16:52
المحور:
الادب والفن
لم يكن والدي يعبأ بالفواكه الأخرى
كان يومئُ إلى أشجارِ الكرزِ ويقولُ،
"أترينَ هذه الأشجارَ؟ أتمنى لو كانت أشجارَ تين".
في كلِّ مساءٍ كانَ يجلسُ بإزاءِ أسرتنا
ليحيكَ القصص الشعبيةَ مثل أوشحةٍ صغيرةٍ زاهيةٍ.
كانت تحتوي دائما على شجرةِ تينٍ
حتى وإن بدا الأمرُ غيرَ ملائمٍ، كان يقحمها إقحاماً.
في إحدى المراتِ كان جحا يمشي في الطريقِ
فرأى شجرةَ تينٍ.
أو أنه قامَ بربطِ جمله إلى شجرةِ تينٍ وذهب ليخلدَ للنومِ.
أو بعد ذلكَ حينما أمسكوا به وقبضوا عليه،
كانت جيوبه ملأى بثمرِ التينِ.
في السادسةِ أكلتُ ثمرةَ تينٍ مجففةٍ فاستهجنتُ طعمها.
"ليسَ هذا ما أتحدثُ عنه!" قال،
" إنني أتحدثُ عن تينةٍ تطلعُ مباشرةً من الأرضِ-
هبةً من اللهِ!- فوقَ غصنٍ مثقلٍ ينحني
ليلامسَ الأرضَ.
إنني أتحدثُ عن قطفِ أشهى وأسمنِ وأكبرِ تينةٍ
في العالمِ ووضعها في فمي".
(هنا كان يتوقفُ عن الحديثِ ويغمضُ عينيهِ.)
مرَّتِ السنونُ، وعشنا في منازلَ عديدةٍ،
ولم يكنْ في أيٍّ منها أشجارُ تينٍ.
كانَ لدينا فاصوليا بيضاءُ وكوسةٌ وبقدونسٌ وبنجرٌ
"ازرعْ واحدةً!" قالتْ أمي،
ولكنَّ أبي لم يقمْ بذلكَ أبداً.
كان يعتني بالحديقةِ دون كبيرَ اهتمامٍ، وينسى أن يسقي الزرعَ،
ويتركُ البامياءَ لتصبحَ كبيرةً جداً،
" يا له من حالمٍ. انظري كم من الأشياءِ
يشرعُ فيها دون أن يتمها".
في آخرِ مرةٍ انتقلَ فيها، جاءتني مكالمةٌ هاتفيةٌ،
كانَ والدي يترنمُّ بالعربيةِ بأغنيةٍ
لم أسمعها من قبلُ. " ما هذه الأغنيةُ؟"
أخذني إلى الخارجِ إلى حيثُ الفناءُ الجديدُ
هنالكَ، في وسطِ دالاس، تكساس،
كانت شجرةُ تحملُ أشهى وأسمنَ
وأكبرَ التيناتِ في العالمِ.
" إنها أغنيةُ شجرةِ التينِ!" قال،
قاطفاً فواكهه مثل تذكاراتٍ يانعةٍ،
ومثلَ رموزٍ، توكيداً
لعالمٍ كان على الدوامِ عالمه.
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟