أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - نظام حرب على المجتمع














المزيد.....

نظام حرب على المجتمع


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6805 - 2021 / 2 / 3 - 13:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الراجح أنه لم يكن في مخيلة أصحاب القرار في نظام الأسد أنهم حين بدؤوا بحرق البلد، رداً على رفض قطاع واسع من السوريين للنظام، إنما بدؤوا بحرق النظام نفسه. في الحق، إن النظام الذي يسمح لنفسه بأن يهدد بحرق البلد الذي يحكمه، يخرج من تعريف الاستبداد ليدخل في مفهوم الاحتلال أو الاستعمار، ليس فقط بمعنى استخدامه لوسائل الاستعمار نفسها، بل وبمعنى انعدام شعوره بالانتماء إلى البلد الذي يحكمه والاستعداد، ولو بالتهديد، لحرقه. فما بالك إذا تجاوز التهديد إلى الفعل.
بعد عشر سنوات من استباحة دماء السوريين وأملاكهم بصورة لا سابق لها، غادر السؤال السياسي في وعي السوريين موضوع الاستبداد. لم يعد من الممكن مقاربة القضية السورية بمفهوم مقاومة الاستبداد، ذلك أن نظام الأسد لم يعد مجرد "نظام استبداد" ينبغي الخلاص منه والانتقال إلى نظام ديموقراطي أو شبه ديموقراطي، بل أصبح اسم علم لما هو مرفوض. بكلام آخر، لم يعد نظام الأسد مرفوضاً لأنه نظام مستبد، بل لأنه "هذا النظام"، لأنه النظام الذي أجرم بحق السوريين أيما إجرام، لأنه النظام الذي حرق البلد. صار رفض النظام الذي أوصل سورية والسوريين إلى درك غير مسبوق من الدمار والإذلال والجوع والتشرد والهوان الوطني، أكبر من صفته كنظام مستبد. أصبح نظام الأسد هو النظام المحروق أو النظام المرفوض الذي لم يعد له محل مقبول في ذهن غالبية السوريين.
بات نظام الأسد يكتسب هويته من كونه محط رفض عام وليس من كونه مستبداً. يمكن للناس أن تقبل نظاماً مستبداً، أو أن تتعايش معه، فاستبداد نظام ما ليس مرادفاً لرفضه العام بالضرورة. هكذا كان حال النظام الستاليني أيام الاتحاد السوفييتي ونظام فرانكو في اسبانيا ونظام عبد الناصر في مصر، وهو الحال اليوم في الصين مثلاً. ويمكن القول أيضاً، وإن بحدود أدنى، هكذا كان حال نظام الأسد قبل أن يدخل في تحديه الصفيق مع الشعب السوري ويقود إلى دمار البلاد.
النظام المستبد يحرس المجال العام ضد أي نشاط مستقل، ويضع المجتمع في ترهيب مستمر وتحت ضغط ثابت. يمكن لهذا الضغط أن يتحول، في لحظات معينة، إلى عنف صريح ودموي ضد حراك معارض. هذا ما شهدته معظم، أو كل، الأنظمة المستبدة في العالم. غير أن منسوب العنف الموجه ضد المجتمع ونوعيته وديمومته ليست شيئاً بلا حساب في معادلة الاستبداد. الأنظمة المستبدة ليست منفلتة، بعد كل شيء، من قيود المجتمع. حتى في الاستبداد هناك حدود غير مصرح عنها وغير مكتوبة تمس عمق المجتمع المحكوم، يتوجب على المستبد احترامها كي يستمر. حين تجرأ رفعت الأسد في 1982 على نزع إشاربات النساء في شوارع دمشق، اضطر حافظ الأسد إلى الخروج على شاشة التلفزيون ليعتذر للشعب، إدراكاً منه أن في هذا تجاوز للحد الذي على الاستبداد احترامه كي يدوم، أو كي لا يقطع حبل الوصل مع المجتمع. يمكن القول إنه بعد حد معين من العنف، يستهلك النظام المستبد "مقبوليته" أو "شرعيته الاستبدادية"، إذا صح القول، ويتحول إلى نظام مرفوض.
كما يمكن أن يخرج المجتمع على النظام المستبد، كذلك يمكن أن يخرج النظام المستبد على المجتمع، وذلك حين يتجاوز في بطشه وعدوانه على المجتمع حدوداً معينة، ويتحول إلى نظام خارجي، بالمعنيين، الغربة عن المجتمع والخروج عليه.
العنف الذي مارسه النظام الصيني، على سبيل المثال، في ساحة (تيان آن من) عام 1989، على وحشيته وفظاعته، ليس كالعنف الذي مارسه النظام منذ عشر سنوات، ولا تترتب عليه النتائج نفسها. لا يوجد في تاريخ قمع نظام الأسد للثورة السورية، مثيل للصورة التاريخية لذاك الرجل الصيني البسيط الذي يقف في وجه دبابة صينية ويمنعها من التقدم، لأن دبابة نظام الأسد لا تتوقف أمام رجل أعزل.
أمام قوة ثورة السوريين وديمومتها، أباح نظام الأسد لنفسه التحرر من كل قيد في القمع، فقطع حبل الوصل مع المجتمع السوري بلا رجعة، وتحول بالتالي إلى نظام مرفوض لا مكان له في نفوس السورين. لذلك لم يعد أمام نظام الأسد اليوم سوى أن يستمر كنظام حرب.
للخروج من حالته بوصفه نظام حرب، يحتاج النظام اليوم إلى تسوية سياسية واسعة "تقنع" الشارع السوري بأنه خرج من جلده ولم يعد هو النظام السابق نفسه الذي حرق البلد. النظام بحاجة إلى تسوية سياسية تخرجه من مساحة الرفض العام وتعيده إلى محله السابق كنظام استبداد عادي. يعتمد نجاح ذلك على قدرته على استيعاب مشاركة معقولة للمعارضة في الحكم (هذا محط شك كبير)، وعلى مقدرة المعارضة (المحكومة بدورها للشارع الرافض) على تحجيم مفهوم العدالة الانتقالية إلى حدود يستطيع النظام تقبلها والخروج من دائرة صراع الحياة أو الموت.
المحاولة الحوارية الشكلية التي بادر بها النظام في بدايات الثورة كانت مختلفة عن التسوية التي يحتاجها ويسعى إليها اليوم، أو يرتبها له حلفاؤه. في تلك المحاولة كان طرفا الصراع ليسا في وارد تسوية. الشعب ثائر وممتلئ بطاقة التغيير، والنظام مغرور بتفوقه، ولم يكن العالم، أيضاً، قد اعترف بكيانات معارضة تمثل الشعب السوري. بعد عشر سنوات، دخل الكثير من اليأس إلى نفوس السوريين، وانحط النظام إلى مستوى نظام حرب معلنة على المجتمع، كما انحطت مؤسسات المعارضة المعترف بها دولياً، إلى مستوى يلائم حاجة النظام اليوم إلى تغيير بدون تغيير.
على هذا فإن نظام الحرب السوري في حاجة إلى تسوية سياسية واسعة، على أن لا تمس اللب الصلب للنظام (أجهزة القوة فيه وتبعيتها). التسوية السياسية، وليس الحل العسكري، حتى لو استطاع النظام أن يستعيد بالقوة كل الأراضي التي انتزعت منه، هي المدخل الذي يحتاجه النظام إذا أراد أن يحاول فتح حساب جديد له محلياً ودولياً. غير أن التوازنات التي تتشكل داخل دائرة النظام تشير إلى أن النظام يتجه نحو الاستمرار كنظام حرب.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في النقد الفارغ من النقد
- نقد النخب السلمية في الثورة السورية
- البحث عن سبيل للتحرر من الاستبداد
- الهاوية
- مات بتوقف القلب
- تبدل حال جمهور النظام السوري
- الوجه والصورة
- على خط التماس
- القوة الغاشمة، أسيد الضمائر
- تحت خط الوطن
- في مساءلة خياراتنا وأهدافنا
- لماذا نقبل السجن؟
- تأثير السجن
- ملاحظات على عقد عربي فريد
- مشكلتي مع التعابير
- المعارضة السورية في طور الهبوط
- المأساة السورية وليمة صحفية (قراءة في كتاب الأسد أو نحرق الب ...
- المنشقون والثورة السورية
- العلويون في مهب السلطة السياسية 2
- العلويون في مهب السلطة السياسية 1


المزيد.....




- استمع إلى ما قاله بايدن في أول تصريحات علنية له منذ ترك منصب ...
- شاهد.. متظاهرون يتعرضون للصعق أثناء جلسة حوارية للنائب مارغو ...
- الرئيس الإيطالي يخضع لعملية جراحية
- هل تعرقل قرارات ترامب خطة مكافحة تغير المناخ العالمية؟
- المساعدات تنفد في غزة وسط حصار مطبق وأزمة إنسانية متفاقمة
- فرنسا والجزائر.. علاقة يحكمها التوتر والأزمات المتلاحقة
- مفتاح جديد للسيطرة على ضغط الدم المرتفع
- الجيش الإسرائيلي يعلن مهاجمته بنية تحتية تابعة لـ-حزب الله- ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على المساعد الأبرز لقائد لواء غ ...
- الدفاعات الروسية تسقط 26 مسيرة أوكرانية غربي البلاد


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - نظام حرب على المجتمع