|
الحراك الشعبي التشريني ... خطوط المعركة الثلاث
وليد سلام جميل
كاتب
(Waleed Salam Jameel)
الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 31 - 18:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بيل غيتس وعائلة روكفلر وأشباهههم من أثرياء العالم ، يتبعون استراتيجية واحدة لجني الأرباح . هي استراتيجية الاستثمار في صناعة واحدة ، أو وضع البيض كلّه في سلّة واحدة . أليس من الغريب ذلك ؟ ، إذ المعروف أنّ وضع البيض كلّه في سلّة واحدة خطأ استثماريّ فادح ، أو لعب بالنار في لغة السياسة . قبل بيان سبب ذلك ، أرجّح أن نتوجه لفهم رؤية الطرف الآخر ، الطرف الذي يعارض هذه السياسة ، صاحب فكرة الاستثمار في صناعات متعددة ، وهم بالطبع أثرياء أيضا !. هؤلاء يوزعون استثماراتهم في سلّات متعددة ، عكس غيتس وأشباهه ، فتجد أموالهم منتشرة في إتجهات عديدة ، ويبحثون عن التجديد دوماً . الفكرة الأساسية التي تدفعهم لسلوك هذا الخيار ، فكرة الأمان ، ففي توزيع الاستثمارات بسلّات متعددة ، تكون نسب الأمان أعلى ، حيث أنّ الخسارة في الاستثمار (س) يمكن أن تعوضها الأرباح في الاستثمار (ص) . إذاً لماذا لا يفعل غيتس ذلك ؟ ألا يشعر بالمخاطرة باتباعه استراتيجية الاستثمار في مجال واحد فقط ؟ يستثمر غيتس وأمثاله في صناعة واحدة ، يعرفونها جيداً ويعرفون نسب الأمان والمخاطرة فيها بدقة متناهية ، مما يدفعهم للبقاء على الاستمرار في هذه الاستراتيجية وتعزيزها ، بدلاً من الانتقال إلى استراتيجية تعدد الاستثمارات . فالسرّ هو وضوح الحسابات ودقتها ومعرفة العائد على الاستثمار ونسب المخاطرة والأمان ومقاييس تحليل العائد على الاستثمار والعوامل البيئية المؤثرة . فيما أنّ الفريق الثاني ، لم يتمكن من بلوغ هذا المستوى ، مما دفعه لسلوك استراتيجية تعدد الاستثمارات . القاسم المشترك ، في تحديد الاستراتيجيات على مستوياتها المتعددة ، معرفة حقل الاستثمار جيدا ودراسة مؤثرات البيئة الخارجية والداخلية - كما ينبغي - للسير في خطىً واثقة . وهذا لا يعني أن سلوك استراتيجية المخاطرة غير محبّذ دوماً ، فقاعدة الاستثمار تقول : ( كلما ارتفعت المخاطرة كانت العوائد أعلى ) ، في حال الربح قطعا . وهكذا فإن المؤثرات التي تؤثر في الاستراتيجيات عديدة وأدوات قياسها مختلفة ، حسب الزمان والمكان أو ما يسمّى ( العوامل البيئية ) . الحراك الشعبي في العراق ، مرّ بمراحل عديدة وتطورات ملحوظة ، تجلّت بصورة أكثر وضوحاً ، في الحراك التشريني الأخير . تشرين انطلقت رافعة شعار الإصلاح وتغيير الواقع السيء في العراق ، وانطلقت وسط الألغام ومجموعة القنّاصين الخائفين ، الذين يقتلون من وراء لثام ، شباباً يحملُ وردة وعلما ، مكشوف الوجه والهدف .! نتيجة للقمع الشديد ، من قبل السلطات والميليشيات التي تقود دولة العراق (الهشّة) وأزمة كورونا ومؤثرات أخرى ؛ تراجعت قوة الحراك الشعبي التشريني في السّاحات ، لينتقل لصفحة جديدة ، صفحة التنظيم والاستعداد لدخول ساحة العدو ، ونقل المعركة من ساحات التحرير ، إلى قبة البرلمان . بالطبع ، فإنّ سياسة الرعب والاغتيالات ، لم تنجح في إسكات صوت المحتجين ، لتنتقل السّاحات إلى مرحلة النّقاش في الآليات التنظيمة ، وسط خلاف شديد بين المحتجين ومعارضة طرف لآخر بقوة ، أدّى إلى إحباط ، ظهر على السّطح جليّاً ، نتيجة هذا الإنقسام ، رغم أنني أعتقد أنّ ذلك الإنقسام ، ليس سلبياً ، بل على العكس ، فهو مرحلة من مراحل بناء (الهوية) الغائبة . يقول لوثر كينغ : " لا يمكن أن يبقى الناس المقموعون على حالهم إلى الأبد ، إذ أن التّوق إلى الحرية يتجلّى في نهاية المطاف ." بمطالعة سريعة للوضع الراهن ، يتجلّى لنا تياران احتجاجيان ، يؤمن كلّ واحد منهما بآلية معينة ، تتعارض مع الآخر ، رغم وحدة الهدف . تيار يدفع بقوة لدخول الإنتخابات ، أملاً بالفوز بمقاعد كثيرة ، تؤهله لتغيير الواقع ، وهو التيار المؤمن بنقل ساحة المعركة ، من ساحات الإحتجاج إلى قبة البرلمان ، وبالطبع فإنّ هذا التيار ، يتبنى الخيار السّلميّ . فيما يدفع التيار الثاني لسلوك طريق المقاطعة ، كخيار يمثل الرفض الشّعبي للنظام القائم ، حاملاً فكرة ( المقاطعة ترفع الشرعية عن نتائج الإنتخابات الضعيفة ) ، والآليات عند هذا التيار غير واضحة أو متعددة ، فمنهم مَن يدعو لثورة شعبية مسلحة عارمة لإسقاط النّظام ومنهم مَن يرغب بالانقلاب العسكري ومنهم مَن يرغب بتدخل دوليّ ، يرفع الشرعية عن هذا النّظام ، ومنهم مَن ما زال ينتظر ولادة فكرة أو آلية جديدة. هذا الإنقسام ، أدّى بالطبع إلى تسقيط وتخوين ما بين الطرفين ، فنسي الكثير ، عدوّه الحقيقيّ الذي صرخ بوجهه سابقاً ، وانشغل بحرب جانبية مع الذين يسيرون معه في نفس الإتجاه ونحو نفس الهدف ، سوى الآليات ، التي بينّا الخلاف عليها . في تصوّري ، أنّ الحراك الشعبي التشرينيّ ، يمكنه أن يستثمر ذلك لصالحه ، من خلال فكرة وضع البيض في سلّات متعددة ، ليصعب على الفاسدين والمجرمين ، الإنقضاض عليه ومحوه ، لأنّ سلّة البيض الواحدة ، يمكن تكسيرها بسهولة ، فيما التعدد يثقل كاهل المتربّص لضرب الضربة القاضية . لربما يمكنني القول ، أنّ على المحتجين أن يستخدموا فكرة ( تعدد الأدوار ووحدة الهدف ) ، عبر خطوط ثلاثة تكاملية ، تساعد كلّ منها الأخرى . هذه الخطوط هي : 1- الخط الإنتخابي ، 2- خط مقاطعة الإنتخابات ، 3- الخط المرن . فيما يدفع الخط الأول ، باتجاه الإنتخابات ، يسير الخط الثاني ، باتجاه المقاطعة والإحتجاج الشعبي ، لأنّ الخطين قائمان ، شئنا أم أبينا ، فمن الأفضل أن يواصل كلّ خط مساره ، عبر اتفاق مباشر أو غير مباشر ، بعيداً عن لغة التّخوين والتسقيط ، ما دام الهدف واحد والخصم واضح . أمّا الخط الثالث ، فهو الخط المرن ، الذي يتابع من الخارج ، وينصر كلّ مَن يتعرض إلى ( هجوم الإبادة ) ، ويعمل على المتابعة والتقييم ليدعم التيار الذي سيحقق الهدف ، بعد القراءة الشاملة ، وحساب نسب المخاطرة والأمان . على هذا الخط أن لا يميل ميلاً كاملاً لخط من الخطوط ، إلّا بعدما يتأكد - بشكل قطعيّ – إمكانية تحقيق الهدف مع هذا التيار أو ذاك . على هذا الخط أن يحمل على عاتقه التنظيم وتقريب وجهات النّظر والتّطوير الفكريّ ، لبناء قاعدة متينة ، يمكن الإعتماد عليها مستقبلاً . استراتيجية توزيع الاستثمارات والحركة المرنة ، أفضل من خيار الإتحاد والدفع للتقوقع في خط واحد ، بسبب العوامل الداخلية والخارجية ، التي تؤثر على الحراك الشعبي في حركته النّضالية ، التي تواجه مجموعة من اللصوص الفاسدين المجرمين ، تقف خلفهم دول إقليمية ودولية لا ترغب بتغيير الوضع الراهن ، لأنّ العراق ساحتهم الهشّة لتحقيق سياساتهم المعادية للشعب العراقيّ . على هذه الخطوط أن تعمل قدر الإمكان على التّكامل والتعاضد ، ولا تتجه لحرب جانبية ، تسبب ضياع الهدف الرّئيسي من الحراك الشّعبي الإحتجاجي . إنّ ( معركة الإصلاح ) ، معركة طويلة وصعبة ولا بُدّ فيها من الإتحاد والقوة والثّبات .
#وليد_سلام_جميل (هاشتاغ)
Waleed_Salam_Jameel#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديخ مقراطية عراقية من فرن العم سام !
-
أسباب ودوافع الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا : قراءة عامة
-
الحركة الطلابية: من ثورة مايو الفرنسية إلى الحركة التشرينية
...
-
مصير قيادات الثورة بعد الوصول إلى السلطة: صدام حسين والخميني
...
-
الإنتخابات المبكرة في العراق: الواقع والتّحديات
-
البدايات والنّهايات المفتوحة!
-
تظاهرات الخريجين في العراق... شمس حارقة ودولة مارقة... ما هو
...
-
دولة -التغليس- والكشف العظيم!
-
اصرخ يا بائس... فليحيا العدل!
-
وماذا بعد إقرار قانون الإنتخابات؟!
-
إلى متى ستبقى المعركة مُؤجلة؟ ألم يحن الوقت؟!...
-
الحراك الشّعبي التّشريني في العراق... رؤية تنظيمية قبل فوات
...
-
الحملة الوطنية لإكمال قانون الإنتخابات... ناشطون يطلقون حملة
...
-
الإنتخابات البلدية في العراق: رؤية نحو بناء ديمقراطي تنافسيّ
المزيد.....
-
راكبة تلتقط بالفيديو لحظة اشتعال النار في جناح طائرة على الم
...
-
مع حلول موعد التفاوض للمرحلة الثانية.. هل ينتهك نتنياهو اتفا
...
-
انفصال قطعة كبيرة من أكبر جبل جليدي في العالم!
-
15 قتيلاً على الأقل خلال انفجار سيارة في مدينة منبج في سوريا
...
-
روسيا تعلّق الطيران في عدة مطارات عقب هجوم أوكراني بالطائرات
...
-
عواقب وخيمة لوقف أمريكا المساعدات الخارجية.. فمن سيعوضها؟
-
الصفائح الجليدية في القطب الجنوبي أكثر قدرة على الصمود
-
انتشال رفات 55 شخصا ضحايا اصطدام طائرة الركاب بمروحية عسكرية
...
-
لبنان .. تغيير أسماء شوارع وساحات تذكر بالنظام السوري السابق
...
-
الرئيس الجزائري: أبلغنا الأسد رفضنا للمجازر بحق السوريين
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|