|
الصراع المتواصل بين الديمقراطية الليبرالية والاستقراطية اليمينية ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 29 - 11:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ ليس أبداً بالسجال الجديد لكي يعتقد المرء أن مبعثه اليمين المتشدد بل هو عتيق حسب سجلات التاريخ والاعتقاد السياسي ، وهي ايضاً فلسفة اختص بها التيار السياري قبل الاحزاب الأخرى ، لقد جرت العادة بين أوساط التيار اليسار والاشتراكية أكثر من اليمين المحافظ أو المتشدد ، بدفع إلى قائمة الانتخابات شباب أعمارهم قريبة من طلبة الجامعات من أجل كسب اصواتهم التى تعتبر حاسمة في أي منافسة انتخابية ، لكن مؤخراً انتبه اليمين لهذه الميزة التى تنامت في القارة الأوروبية وباتت تشهد سياسين صغار سناً كما هو حال الرئيس ايمانويل ماكرون وقبئذ في الولايات المتحدة ، الرئيس اوباما وأبعد من ذلك الرئيس المغتال جون كينيدي الذي سجله التاريخ كأصغر رئيساً بين الرؤوساء الذين تعاقبوا على ادارة البيت البيضاوي ، في المقابل ، بدأ اليمين في الغربي بدفع على سطح المشهد السياسي شخصيات ايضاً شبابية ، تحديداً في فرنسا ، قد بدأ بالمرشحة السابقة للرئاسة مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية واليوم أصبح الناطق الرسمي للحزب جوردان باديلا المرشح الاوفر حظاً ، تلك الشخصية التى بدأت تثير جدلاً واسعاً بين الشرائح الشبابية ، والذي لم يتجاوز عمره 23 عاماً ، ففي مدة قصيرة أصبح نائب لزعيمة الحزب وعضواً في البرلمان الأوروبي ، فالرجل عرف بطلاقة لسانه أمام الصحافيين وايضاً بمواقفه العنصرية التى بات في الآونة الأخيرة يتجنبها مثل انتقاده للمنتخب الوطني الفرنسي لكرة القدم ، عندما قال بالحرف ، تحول إلى تكني كلر كفصل الربيع ، ( المنتخب يجمع ناس ملونين ) ، كما أنه أطلق توصيف صريح وقاسي على ساكن قصر الإليزية ، إذ لم يسلم منه ايضاً الرئيس الأسبق ساركوزي عندما وصفه بالأجنبي لأنه يهودي .
في الحقيقة مازلتُ حتى الآن أطرح على نفسي السؤال إياه ، هل من سبيل للسياسي تحقيق السعادة للناس أم وظيفته تقتصرعلى تكملت آلام ، وبالتالي لم تنحسر في حقيقة الأمر التغيرات في حزب الجبهة الوطنية الفرنسي ( اليميني ) على الفئة العمرية بقدر أن لوبان الابنة أدركت مؤخراً أن محاكاة الشعب لا تبدأ إلا من تغير الخطاب التقليدي والانفتاح إلى كافة الفئات المتنوعة ، وهذا استدعى اولاً أن تقدم على خيارات صعبة ، كان المؤتمر العام للحزب الأخير قد أبعد الكثير من مفاصل الاساسية والمراكز القوى للحزب ، والذين اشتهروا بخطاباتهم المتطرفة تجاه المهاجرين وفي مقدمة هؤلاء والدها المؤسس للحزب ، جان لوبان ، فهؤلاء إعتاد الشعب الفرنسي على لغتهم الحادة والتى انحسرت بين الترويج لكراهية المهاجرين وتسويق فيلم الاسلاموفوبيا دون التفريق بين المسلمين والجهات المسلحة ، أو العنصرية تجاه اليهود وغيرهم ، وبالتالي ينتقل اليوم حزب لوبان الابنة إلى الخطوة الأخرى والأهم ، بشاب يخلو رصيده من التصريحات المستفزة التى أثارت الدهشة لدى شرائح عريضة من المجتمع الفرنسي ، وهذا الانقلاب التى احدثته مارين لوبان ، انعكس بالفعل على نظرة الناس نحو الحزب ، بل بفضله حصل الشاب جوردان باديلا عندما خاض الانتخابات البرلمانية الاوروبية على تبرعات بلغت 11 مليون دولار .
لم يغيب الفكر اليمين المتجدد الحالي عن النهج السابق ، يعود الفكر اليميني بشكله المعاصر إلى المفكرين فرديك نتشه ابو الفلاسفة كما يسمى بالغرب وأوزنالد شنجلر ، لقد قاما الرجلان بتجديد الفكر اليميني والذي ينتمي له معظم شباب الغرب ، ولانهما نجمان ساطعان ليس فقط بالفكر اليمين بل في الدعوة إلى ضرورة العمل على النهوض باوروبا من جديد ، ولزوم بوقف الانحدار الحاصل آنذاك ، قبل أن تتدهور الأمور أكثر من ما هي عليه ، وقد أطلق نتشه على حال اوروبا مصطلح ( التفسخ الثقافي والاخلاقي ) الذي نتج عنهما الحرب العالمية الأولى والثانية ، وأثناء المتغيرات ، تحديداً خلال الثورات التى شهدتها كل من فرنسا والمانيا والنمسا والمجر وايطاليا والدنمارك والافلاق وبولندا ، كان قد دار سجالات ومناقشات حادة وواسعة حول أفضلية التوجه بعد الملكية ، هل تتوجه اوروبا نحو البرجوازية المتحكمة بالمال أو الديمقراطية الليبرالية ، وبقى السؤال المركزي ، هو ما مدى جدوى الديمقراطية الجماهرية أو البلشفية التى بدورها ستجعل الحكم بأيدي الجماهير ، أي سيكون الحكم للكم وليس للكيف الذي يمكن له هدم كل شيء إبداعي ، وهذا تماماً ما اطلق عليه لنين قائدة ثورة التغير ومؤسس الإتحاد السوفياتي ، ( ضرورة دراسة التناقص في صميم جوهر الاشياء ) ، وعلى رأسها ، النشوء في بيئة اجتماعية التى تمتلك من خلالها الوعي والقدرة على التفكير والتخطيط وإنتاج الإبداع ، وبالتالي المعركة تجددت مجدداً بين ماركس المفكر الاشتراكي واليمينين نتشه وشنجلر ، فالأخيران أرادا رفع الإنسان إلى مكانة خاصة ، مقابل ماركس ، جعل من كل شيء مادة اقتصادية ، بل قدم ايضاً دارون نظريته التى ذهب إلى أبعد من ذلك ، عندما حاول إثبات بأن الإنسان تعود أصوله إلى الحيوان ، في الجانب الآخر ، صنف فرويد الإنسان وثقافته إلى مجموعة من الانشطة الجنسية ، وبالتالي نتشه عندما حاول اختصار رؤيته بين ما سماه بالحبل المشدود بين الإنسان الاعلى والحيوان الأقل شأناً ، كان يُصرّ على وضع الإنسان ضمن الناتج الإرادة وليس مجرد كونه طفرة تطورية ووراثية ذات طابع عشوائي كما وصفها دارون ، إذنً لا يمكن تجاهل بأن الإنسان على سبيل المثال ، هو الوحيد على كوكب الأرض مهيئاً لكي يتعلم الكتابة بلقلم والذي شكل له هذا الامتياز جملة ثقافات وفنون خاصة لا يمكن لها أن تتحقق بين مخلوقات أخرى .
لقد أنتجت الديمقراطية طبقة التاجر كبديل عن شريف الدم والعلوية والتى سمحت للغريب التملك في المجتمعات الغربية والتحكم في سياساتها ، وهذا ما أشار له شبنجلر صاحب المقولة الشهيرة ( المال شكل من أشكال التفكير ) ، حول معارضته للديمقراطية لأنها تؤدي إلى انحلال المجتمع وتجعله عرضت للتفكك التى بدورها تساهم في إنتاج ثقافات وفنون رديئة ، وبالتالي الشخصيتان نتشه وشبنجلر حاولا تطوير المورفولوميا الاجتماعية ( علم الاحياء ) ورفع مِّن مكانة الثقافة فوق الاستنباطات الاقتصادية والجنسية والحتمية الجينية ودحض كل ذلك لصالح القيم الإنسانية لتكون رؤية متكاملة للعالم ، إذنً ، لم يكن الخط اليمين يتيماً أو مشرداً بلا مفكرين على الإطلاق، لقد شهد حركات تصحيحية منذ نتشه ، لكنه أخفق بعد ذلك في تمثيل نفسه لأن الشخصيات التى تتصدر المشهد والخطاب وسرد الحكاية ، كانوا دائماً منفرين واختزاليين ، فاليمين بلا شك ، يسعى جاهداً لإعادة الريف إلى حياته الطبيعية مع وضع حد لتفوق المدينة ، التى تتوفق دائماً على حساب الريف ، بل يجتهد للحد من المنظومة المالية التى كما يعتقدون حلت مكان القيم التى تمثلها الاستقراطية التقليدية ، فالمال في النظام الليبرالية الديمقراطي أو في الاقتصاد عند الماركسيين البلشفيين تحول إلى دين ، لقد حل مكان العائلة والنخب أو الصفوة .
كان في الماضي خسارة اليمين المتشدد بمثابة الانذار الاعظم لمواصلة الصراع الدائر بين الديمقراطية لليبرالية واليمين المحافظ على القيم الريفية ضد المنظومة في المدينة ، لقد انتج الصراع سلسلة حقول من الالغام ، ولأن المدينة هجين تتيح لأي رجل أعمال التفوق على البرجوازي الكسول ، مثلاً ، أو العامل المجتهد يحل بسهولة مكان ابن البلد الخامل ، وهذا كله لم يكن له أن يحصل لولا النظام الديمقراطي المعتمد على انماط المدن ، بل هناك حرباً تخاض بسرية تامة ، بين أتباع الاجهاض وعدم الإجهاض، فاليمين المحافظ يدرك حجم مخاطر الإجهاض الذي سيمكن الغرباء من الوصول لسدة الحكم ، بالإضافة إلى ذاك وتلك ، استطراداً ، سيطرة المنظومة البنكية الرباوية على المجتمع ، أفقدت البرجوازية اليمينية التقليدية مقدرات الحكم تماماً .
يخطئ اليمين المحافظ عندما يعتقد أنه قادر على صنع انقلاباً خالصاً لصالحه ، لقد تعودت المجتمعات الغربية على أنماط الديمقراطية واللبرلة ، لم يعد ينفع دفع عقارب الساعة للعودة إلى الماضي القديم ، بقدر أن الغرب بحاجة إلى نظرية جديدة تجمع بين اليمينية الصاعدة والليبرالية المتجذرة ، غير ذلك ، سيتعرض الغرب للتفسيخ . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس الجديدة / صراع بين الاخوة الديمقراطيون على مراكز القوى
...
-
ماذا يريد نتنياهو من الهند ... بعد الشرق الاوسط والمغرب العر
...
-
بعد الشرق الاوسط والمغرب العربي وصولاً لافريقيا ، ماذا يريد
...
-
بين القديم والحديث ، عالم يتغير لا يعترف باللبوث ...
-
اختيارات الرئيس الأمريكي بايدن دلالة على إستراتيجيته الخارجي
...
-
خمسمائة عاماً حتى تمكنت إمبراطورية التاج إقامة دولة اسرائيل
...
-
إذا وجد المخرج الجيد يمكن ايجاد عمل مميز ..
-
بعد يهودية الدولة تخطو الصهيونية بخطى ثابتة إلى المملكة السل
...
-
الربيع الأسود أي زمن هذا ...
-
الجميع يتجسس على الجميع ...
-
التاريخ فن قبل أن يكون علم / المغرب الأقصى والارتباط التاريخ
...
-
فرسان التيار
-
الطاقة الإيجابية / بين العقد الاجتماعي والاستعمار والاجتهاد
...
-
عدم استقرار المغرب ، فرصة للعبث في شمال أفريقيا ...
-
من الضروري للمعارضة العربية مراجعة الطريقة التى تفكر بها ...
-
الشعار الأول والثاني والعاشر لجهاز الموساد ( أقتل اولاً ) ..
...
-
ها نحن نعود معاً كما حلمنا يا صديقي ..
-
البحث عن الهواء النقي ...
-
لم يكتفي بملامستها بل كانت لصيقة حذائه ...
-
كما الماء حق للجميع ، ايضاً من حق الجميع بناء دولة قوية ...
المزيد.....
-
أي أخلاق للذكاء الاصطناعي؟ حوار مع العالم السوري إياد رهوان
...
-
ملايين السويديين يتابعون برنامجًا تلفزيونيًا عن الهجرة السنو
...
-
متطوعون في روسيا يساعدون الضفادع على عبور الطريق للوصول إلى
...
-
واشنطن: صفقة المعادن مع كييف غير مرتبطة بجهود وقف القتال في
...
-
wsj: محادثات روما قد تضع إطارا عاما وجدولا زمنيا لاتفاق أمري
...
-
قتلى وجرحى.. مأساة في حلبة مصارعة الديوك! (فيديو)
-
سيئول: 38 منشقا كوريا شماليا وصلوا إلى كوريا الجنوبية
-
خبير أمريكي: الاتحاد الأوروبي سينهار وسيأخذ معه الناتو
-
-أيدت فلسطين-.. قاض أمريكي يحدد جلسة للنظر بقضية طالبة تركية
...
-
تونس: أحكام بالسجن بين 13 و66 عاما على زعماء من المعارضة في
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|