|
وليم جيمس (1842 – 1910)
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 6801 - 2021 / 1 / 28 - 14:42
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعتبر أيضاً من آباء الفلسفة البرجماتية، ولد وليم جيمس في نيويورك، وبعد ان امضى بضع سنوات في المدارس الامريكية الخاصة أُرسِلَ مع أخيه هنري الذي يكبره بسنة واحدة إلى المدارس الخاصة في فرنسا، وهنالك وقع على بعض الكتب في علم النفس، وأخذ في مطالعتها. بدأ محاضراته الجامعية أولاً في التشريح وعلم وظائف الاعضاء ثم في علم النفس وأخيراً في الفلسفة، ولعل اعظم مؤلفاته هو أولها صدوراً "أصول علم النفس" الذي نشره في عام (1890) وهو مزيج من التشريح، والفلسفة والتحليل. تلقف جيمس أفكار بيرس البراغماتية، وطورها، واستخدمها، بصورة أساسية، للدفاع عن الايمان الديني، مما يصبغ براغماتيته بألوان دينية صارخة، فقد "انطلق جيمس من موضوعة بيرس، القائلة بأن الفكر ليس إلا وسيلة تؤدي إلى الاعتقاد، ليطرح نظرية "إرادة الاعتقاد"، وإن من غير المجدي، في رأي جيمس، الاعتماد على العقل والعلم في حل المسائل العقائدية الهامة، كقضية الايمان بالله، مثلاً، مثل هذه المسائل لا يمكن حلها إلا بالاعتماد على الشعور والارادة فقط. يقول جيمس : "إن لنا الحق الكامل في أن نغامر بالايمان بأية فرضية كانت.." شريطة ان تأتي لنا بنتائج مرضية، فللإيمان بوجود الله تكفي رغبتنا في ان يكون، إن هذا الإيمان يجلب للإنسان الراحة والطمأنينة، ولذا فانه يلقى تبريراً كاملاً عند البراغماتيين"([1]). لقد استخدم جيمس الفهم البرغماتي للحقيقة في محاولة للدفاع عن الدين والمعتقدات الدينية، إنه ينسب إلى الأفكار الدينية قيمة عظيمة، كونها تدخل الطمأنينه والراحه إلى نفوس معتنقيها، "وهي يقينية، بالقدر الذي تخدم فيه هذا الهدف"، وقد وَسَّعَ جيمس دائرة أفكاره البراغماتية بحيث تشمل العلاقات الاجتماعية أيضاً، إن الحياة الاجتماعية، عنده، ليست إلا تياراً من التجربة، في إطار من الفهم المثالي الذاتي، وهكذا لا يخضع الانسان، في تصرفاته، لأية ضرورة موضوعية، إنه حر في اعتماد هذا السلوك أو ذاك، في تبني هذه المثل الاخلاقية أو تلك، في اعتناق هذه المعتقدات أو غيرها، إن الوصية الأخلاقية الوحيدة، التي تنبع من الآراء البراغماتية، هي: "اعمل ما يثاب عليه"، ما يعطي نقودا، ويمضي جيمس بآرائه الفردية والإرادية عن الاخلاق ليصل بها إلى مذهب التحسن، فهو يؤمن بامكانية الاصلاح التدريجي للعالم، وللأفراد كل على حدة"([2]). لقد أعطى جيمس الأساس النظري للفلسفة البرجماتية، وللأسطورة الأمريكية عن تكافؤ الفرص في إطار الشعار الديماغوجي الوهمي: بامكان كل أمريكي أن يصبح مليونيرا!"، حين يقول بان النجاح في الحياة رهن بسعي الفرد وإرادته، إن كل إنسان يصنع سعادته بنفسه، يستطيع بلوغها اذا أحسن استخدام الإمكانيات المتوفرة لديه([3]). إن طريقة جيمس في التفكير طريقة امريكية، ذلك إن شهوة الامتلاك والحركة الامريكية تبدو واضحة تماماً في أسلوبه وتفكيره، وقد اطلق "هونيكر" على فلسفة جيمس اسم الفلسفة المادية النفعية، والواقع ان فيها شيئاً من هذا الاتجاه المادي. ان فحص الحقيقة الذي جاء به جيمس ليس جديداً طبعاً، وقد اعترف جيمس بهذا بأمانة وصراحة بقوله، "إن فلسفة البراجماتزم اسم جديد لوسائل فكرية قديمة، فان كان هذا الاختبار الجديد للحقيقة يعني بان الحقيقة هي ما قامت التجربة والاختبار على صدقها فهو مقبول، اما إذا كانت تعني بأن المصلحة والمنفعة الشخصية هي المقياس والاختبار لصدق الحقيقة فهو امر مردود، لان المنفعة الشخصية ليست سوى منفعة شخصية"([4]). ووجد "وليم جيمس" ما يبتغي في عام 1878 –كما يقول ديورانت- وذلك "في مقال مشهور للفيلسوف الامريكي تشارلز بيرس بعنوان "كيف نوضح افكارنا" قال فيه، لكي نجد معنى للفكرة ينبغي ان نفحص النتائج العملية الناجمة عن هذه الفكرة، اذ بدون هذا فان النزاع حول معنى الفكرة لا ينتهي ولا يؤدي إلى فائدة، وهكذا أحّبَّ "جيمس" أن يسير في طريقه وفق أفكار "بيرس"، وراح يفحص الميتافيزيقا القديمة على هذا الاساس وتوصل إلى تعريف جديد للحقيقة، فالحقيقة هي القيمة الفورية للفكر، فعوضاً عن ان نتساءل عن مصدر الفكرة ومن اين جاءت أو استمدت أو ما هي مقدماتها، فان البراجماتزم تفحص نتائجها، وهي تبتعد عن كنه الشيء ومصدره، وتتجه إلى نتيجة الشيء وثمرته وعقباه. فعوضاً عن ان نتساءل عن ما هو الشيء ونضيع انفسنا ونضل في البحث عن كنهه مواهيته أو حقيقته أو نتساءل عن اصله، فان البراجماتزم تتساءل عن نتائج الشيء وبذلك تحول وجه الفكر إلى العمل والمستقبل، فالناس يقبلون الفلسفات أو ينبذونها وفقاً لحاجاتهم وطباعهم لا وفقاً للحقيقة الموضوعية، وهم لا يتساءلون هل هذا المنطقي ؟ بل يتساءلون عن مدى ما تتناسب الفلسفة مع حياتهم ومصالحهم، "ومع ذلك فهو –كما يضيف ديورانت- لا يعتقد بفلسفة تقوم على التفكير والتأمل في الموت، ولا قيمة للأمور في نظره الا اذا ارشدتنا ودفعتنا إلى تحسين أوضاع حياتنا واعمالنا على هذه الأرض"([5]). لقد "شغل وليم جيمس حياته وكرس نفسه لمثل هذه الامور، وكان عاملاً نشيطاً في مئات الجهود التي تستهدف تحسين الحياة الانسانية، في إطار النظام الرأسمالي، وكان يعتقد أن في كل فرد طاقات وامكانيات كامنة تولدها الظروف المناسبة، وكان يدعو إلى استخدام هذه الطاقات لكامنة، ويبدي جزعاً كبيراً من تبديد طاقات الناس في الحرب، ويدعو إلى ايجاد مخرج افضل لدوافع القتال والحرب والسيادة بتوجيه الحرب على الطبيعة. أخيراً، "يُعَرِّف وليم جيمس الفلسفة بطريقته البسيطة بقوله "انها التفكير الوحيد بالاشياء في افضل طريقة شاملة مدركة وتحقق الفائدة" وهكذا كانت كل مؤلفاته التي نشرها بعد عام 1900 في ميدان الفلسفة، تكريساً للبراجماتيه، فبدأ في كتابه "ارادة الايمان" عام 1897، واعقبه بكتاب "انواع من التجربة الدينية" عام 1902، ثم انتقل إلى كتبه الشهيرة في "البراجماتزم" عام 1907 و"الكون المتعدد" عام 1909، معنى الحقيقة " عام 1909، وبعد وفاته بعام واحد نشر له كتاب "بعض مسائل الفلسفة " عام 1911.
([1])جماعة من الأساتذة السوفيات – موجز تاريخ الفلسفة - تعريب: توفيق ابراهيم سلوم - دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) – ص 956 ([2]) المرجع نفسه - ص 957 ([3]) المرجع نفسه - ص 958 ([4]) ول ديورانت– قصة الفلسفة – ترجمة: د.فتح الله محمد المشعشع - مكتبة المعارف – بيروت – الطبعة الخامسة 1985م - ص623 ([5])المرجع نفسه - ص622
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشارلز بيرس (1839 – 1914)
-
في ذكرى الرفيق القائد الخالد جورج حبش
-
إرنست ماخ (1838 – 1916)
-
هربرت سبنسر (1820 - 1903)
-
فريدريك انجلز (1820 – 1895)
-
ميخائيل باكونين (1814 – 1876 )
-
سورين كيركيغارد (1813 - 1855)
-
تشارلز داروين (1809 – 1882)
-
دافيد فريدريك شتراوس (1808 - 1874)
-
بوضوح وصراحة... عن المطلوب
-
أوغيست بلانكي (1805 – 1881 م)
-
ألكسي دو توكفيل (1805 - 1859)
-
لودفيج فيورباخ (1804 – 1872 )
-
جون ستيوارت مل (1803 – 1873)
-
أوجست كونت ( 1798 - 1857)
-
آرثور شوبنهاور (1788 – 1860 )
-
نظرة على فلسفة القرن التاسع عشر
-
كارل ماركس ( 1818 – 1883 )
-
جيمس مِل (1773 - 1836)
-
جورج ويلهلم هيجل (1770 - 1831 )
المزيد.....
-
تطورات الحادث الجوي في واشنطن.. طائرة ركاب اصطدمت بمروحية عس
...
-
مصادر لـCNN: اصطدام مروحية عسكرية بطائرة ركاب بالقرب من واشن
...
-
فيديو استقبال محمد بن سلمان وأداء صلاة الميت على الأمير محمد
...
-
كيف تتم عملية تبادل الرهائن في غزة؟
-
اصطدام مروحية عسكرية أمريكية بطائرة ركاب تحمل 60 شخصا بالقرب
...
-
يكثر استهلاكه في المنطقة العربية.. الحليب الحيواني الأكثر فا
...
-
إسرائيل: 11 رهينة محتجزين في غزة سيتم الإفراج عنهم هذا الأسب
...
-
تصادم طائرة ركاب مع مروحية عسكرية قرب مطار ريغان بالعاصمة ال
...
-
عاجل | رويترز: طائرة ركاب تابعة لخطوط جوية أميركية اصطدمت بط
...
-
ترامب يستعد لإعلان قرار يهم طلاب الجامعات المتعاطفين مع حماس
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|