شفرات حلاقة صالحة للتدوير -24-

علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6798 - 2021 / 1 / 25 - 23:10
المحور: الادب والفن
    

مع اقتراب رأس السنة
يفرح قلبه
تشرق عيناه
يجدّل ضفائر الكون في رأسه الصغير
يرسم لوحة طقس الاحتفال
لوحة كبيرة كمساحة غرفة
كافية للجلوس والطعام والضيافة والنوم
تستلقي فيها الأفكار والأحلام ومشاريع الطفولة:
صوبا المازوت بطاستها المتخمة على غير العادة
ستقوم حتماً بواجبها في هذا اليوم لمدة أطول
ستتراقص قطرات المازوت
ستتلاحق بتسارعٍ استثنائي غير منتظم
سيسخن صاج الصوبا حتى الاحمرار والتوهّج
سيسمح لهيبها الدافئ بالجلوس بعيداً عن بواريها
ستعبق رائحة بقايا الخبز المقمّر تحت الصوبا أو فوقها
ستمتزج مع رائحة البرتقال
مع رائحة حطبٍ يحترق في دكان الجيران
سيعلو أنين إبريق الشاي الراقد فوق غطاء الصوبا
سينتظر ورق الكوتشينة امتداد الأيادي
سيفرح الجميع بلعبة الباصرة
ستكون المنافسة صاخبة حول الرهان المُتفق عليه
علبة راحة وثلاث علب بسكويت
سيكتمل الضجيج
حالما ينهمك الأطفال فرحين بلعبة الطرة والنقش
طامعين بالفرنكات
لشراء حبات الفول المسلوق المبهّر
لشراء بذور عبّاد الشمس المحمّصة
في طريقهم إلى المدرسة.
مع اقتراب رأس السنة
سيتركون البطون خاوية بانتظار العشاء
"بيض على لحمة ناعمة"
لحمة مطحونة حتى الألم
ستختفي الرغبة باكتشاف محتواها ونوعيتها
سيُسخَّن زيت الزيتون في المقلاة لبرهة
سيُضاف إليه البصل المفروم واللحم الناعم
مع قليل من الملح والبهارات
سيُحمس الخليط لدقائق
ستُكسر عدة بيضات وتُخلط جيداً
ستُضاف إلى المزيج الشهي
ستُغطى المقلاة وتُترك على حرارة منخفضة
كي ينضج الحلم.
مع اقتراب رأس السنة
ستبدأ التحضيرات عصراً لمداواة انقطاع التيار الكهربائي:
إحضار ضوء الكاز بقاعدته النحاسية
التأكد من نظافة البلّورة الزجاجية
ملئه بالكاز
تجدّيد فتيله
شراء "قزازة" الكاز.
مع اقتراب رأس السنة
مع حلول الساعة الثانية عشرة ليلاً
سَتُسمَعُ أصوات العيارات النارية
ستتعالى أصوات الجيران
خلال زياراتهم الخاطفة اللطيفة لتبادل الأماني والتهاني.
مع اقتراب رأس السنة
تحديداً في يوم رأسها
قد ينهمر المطر
قد تعصف ريح عاتية مفاجئة
قد تصرخ الصوبا الهرمة المريضة
قد تنفض غضبها في جو الغرفة
قد ينتشر دخانها الأسود
قد تتساقط بقاياه في كل مكان
قد يكون للسرير المغطى بالشرشف الأبيض النصيب الأكبر
قد تعلو الأصوات بالشّتائم والسّباب واللعنات
قد يغضب رب الأسرة
قد يترك البيت متذرعاً بالنفضة/الرعشة سبباً
قد يأخذ طريقه إلى خمَّارة رويش
أو خمَّارة دليلة
أو خمَّارة عزيز
لا فرق
فكلهم أصدقاء لأرباب الأسر.
مع اقتراب رأس السنة
تزداد وتيرة توفير فرنكات الطفولة
مصروف الجيب اليومي في المدرسة
سَتُشتَرى بها في المساء
حفنات قليلة من القضامة المغبرة
سيضع حبات قليلة منها في فمه
سيلحس ملحها
سيمصها
سيلوكها ويمضغها دون أن يبلعها
سيبصقها
سيكوّرها بين أصابعه
سيسوّي سطوحها
سيضع الكرات المبلّلة بلعابه تحت الصوبا
سيُلصقها على جوانب الصوبا
سيتركها تسخن حتى يحترق سطحها
سيتناولها
سيمضغها من جديد
ويبتلعها أخيراً
ثم يعيد الكرّة.
مع اقتراب رأس السنة
في المساء الموعود
سيأخذ نصيبه من البرتقال/الليمون
برتقالة
سيقشرها حزوزاً
سيأكل قسماً بتلذذ
سيترك القسم الآخر لوقت لاحق
سيطوي قشرة البرتقال بين أصابعه
سيقترب من الأقرب
سيمازحه ثم يفاجئه بالقشرة المطوية
سيضغطها بقوة أمام عينيه
ستنزف القشرة
سيصيب رذاذها العين
ستفوح رائحة الليمون
سيضحك
يبكي الآخر
تعلو الأصوات ويبدأ العراك.
في يوم رأس السنة
ستكتمل اللوحة
ستعلو هامة الفرح
لكن الوقت تأخر بعض الشيء
أليس كذلك؟
كم ثقيل هو الانتظار
لم يعد ربّ الأسرة إلى المنزل بعد
لعله تأخر في السوق
الزحمة لا ترحم
طاسة المازوت تحوي أقل من ربعها
تأجَّلَ سباق المسافات القصيرة لقطرات المازوت
لا بأس في كل الحالات
إمكانية تعبئتها من الدكان ما زالت قائمة
وإن تأخر الوقت
لا بأس حتى لو كان اللّحّام يبيع بقايا اللحم الأخيرة
قد يجلب إله الأسرة اللحم الناعم معه من المدينة
لعل كيس البرتقال قد ضل الطريق إلى البيت
سيصل متأخراً بعض الشيء
لا همّ
المهم أن يصل.
مع اقتراب رأس السنة
في مساء اليوم المنتظر
يعود أخيراً ربّ الأسرة إلى المنزل
الهيئة تفصح عن قدومه من الخمَّارة مباشرةً
البرد لاسع
شهوة الاحتفال ما زالت كبيرة
يدخل الرب عابساً
لا بأس
كل الأرباب عابسون
كلهم منشغلون بتأمين لقمة العيش.
مع اقتراب رأس السنة
تسأله إحداهن بلطف:
هل جلبتَ معكَ اللحمة الناعمة؟
ينظر الربّ باتجاه طاولة الفوراميكا الجديدة
تقبض أصابعه على جهاز الراديو الأحمر
يرفعه عالياً
يرميه بما تبقى لديه من قوة إلى أرض الغرفة
تتطاير منه نشرات أخبارٍ عن القائد وحركته التحريرية
تتطاير منه أغانٍ وطنية تُمجّد الانتصارات الوطنية
يُمسك الربّ بيده القوية كأساً زجاجيةً
يُلْحِقُها بالراديو
تتطاير شظاياها
يفك حزام بنطلونه
يعاقب الطاولة
يضربها
تتشقّق شرائح الفوراميكا
يرتعد الأطفال
يتجمعون حول صوبا المازوت الباردة
في يوم رأس السنة.

#علي_دريوسي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات