أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معتز نادر - جوهر الفن والنزعة الطرزانية














المزيد.....

جوهر الفن والنزعة الطرزانية


معتز نادر

الحوار المتمدن-العدد: 6793 - 2021 / 1 / 20 - 17:18
المحور: الادب والفن
    


جوهر الفن والنزعة الطرزانية...
من المعروف أن قصة طرزان هي حكاية أسطورية عن إنسان يعيش في الأدغال بين الحيوانات ، ولطالما كان الإنسان مهما كان تقنياً وعملياً يهفو للأشياء البدائية ويجنح فعلاً للعيش معها ولو لبعض الوقت
وهذه طبيعة متجددة في أعماق الجنس البشري فالمرء يحنّ دائماً إلى أيام الطفولة يوم كان يلعب مع أقرانه في الحي أو إلى أيام الدراسة الابتدائية ويعني ذلك انه يحن بشكل عميق إلى بداياته, بداية الأشياء وزهوها الأول والعذب باستثناء من عايشوا ظروفاً صعبة لها علاقة بالفقر والاضطهاد , فعندما نكون أطفالا كل شيء يكون كبيراً وواسعاً في أعيننا وعندما نغدو كباراً يختلف الأمر فتنمو أجسادنا ونرى الأشياء صغيرة والباحات والشرفات التي كنا نركض فيها تغدو ضيقة لا تتسع لنا وهذه النقطة هي الأكثر حساسية فعندما نرى الأشياء بزهوها الأول نكون قد رأينا الجمال الذي لن يتكرر والفن الذي لن يعاد ونحن نتمنى دائما الإحساس بتلك الصورة أو بذلك المشهد وأكثر ما يفسر ذلك الشعور ويعبر عنه أشد تعبيرا هي الفنون إذ تحاكي النزعة البدائية اللطيفة وعلى الأخص في حياة بعض الشعراء والفنانين التشكيليين ونلحظ ذلك جلياً في لوحات ومنحوتات فنان عصر النهضة العظيم (مايكل إ نجيلو) إذ نرى الأجساد العارية ذات العضلات المفتولة في وضعيات مدهشة تعكس حالة طفولية وتلاحم انساني وأيضاً الأجسام الأنثوية المكتنزة ذات البعد النفسي والأمومي وهي تحاكي جمالا بعيدا بإيهام جنسي عميق , في أعماله تتبدى البدائية التي أتكلم عنها في أبهى صورها ونجد الرغبة بإظهار الحالة المثالية التي تشكل جوهر الفن وتعبر عن الجانب الايجابي في مفهوم (الطرزان) ببعده النفسي والأسطوري على حد سواء , إنسان الأدغال الذي يقفز بين الأشجار بحرية مطلقة ويلعب مع باقي الحيوانات غير آبه بالقوانين والأنظمة وهو يمتلك الرشاقة والعضلات ليعبر عن نزعته وهذا ما يفتقر إليه أغلب البشر - إرادة غريزية خيرة مع قوة جسد وثاب ورشيق بعيدا عن قانون يقيد حركة الجسد وتغدو الحياة سيركاً يتحكم الفن بكافة حباله وبطبيعة الحال يعبر مفهوم الطرزان عن حالة روحية قصوى لأنه بمنأى عن ضغوطات حضارية ومادية تؤثر على جوهر إنسانيته وعلى خياله المنطلق الذي هو خيال باقي البشر في حالته الرومانسية الحالمة وعليه يجب أن يكون راضيا يطلق كما نتخيل صيحات مبهجة وواثقة .
نموذج آخر يعبر عن طرزان كبير هو الشاعر الفرنسي الرائع (آرثر رامبو) والمتفرد بأسلوبه الشعري رامبو قريب جدا من حقيقة نفسه واضطراباتها السامية نحو الصفاء والسلام الأبدي وهي الرغبة التي كانت معاكسة لحياة ومسيرة رامبو المليئة بالمغامرات والمجازفة حياةٌ موجود سرها في أعماقه ولا يمكن الهروب من نهايتها إلا بالتجوال من بلد إلى آخر هائما على وجهه ناهيك عن هذاينات استثنائية رافقت موته , في واحدة من أولى مقطوعاته وأكثرها شاعرية وهي قصيدة (إحساس) وهذه نصها :
(سأمضي بين الدروب في أمسيات الصيف الزرقاء تخزين سنابل القمح
دائساً العشب الدقيق ولسوف أحس وأنا احلم بندواته عند قدميه ولسوف أدع الريح تغمر رأسي الحاسر لن أتكلم لن أفكر في شيء :
لكن الحب اللامتناهي سيصعد إلى نفسي ،
وسأمضي بعيدا ،بعيدا جدا مثل بوهيمي عَبر الطبيعة سعيدا كأنني مع امرأة ).
سأمضي في الدروب سعيدا كأنني مع امرأة , المرأة هنا تشبه الحالة القصوى التي يتمناها لكنها لا تمثلها بالكامل هو يريد أن يشعر بسعادة تذكره بامرأة عرفها يوما بينما بواقع الأمر يريد أن يكون بوهيمي لا يفكر بشيء ولا يشعر إلا بحب طفولي ويبدو أنه يتمنى أن يكون طرزانا وحسبْ. حتى المرأة لا تمثل الانفلات الروحي الذي يحلم به وحياة رامبو كانت قصيرة وعاصفة وغريبة الأطوار كلما كان المرء منسجما وصادقا مع حالته النفسية كلما زاد تفردا واقترابا من أعماقه مثال آخر على حديثنا يكمن في رواية (فيكتور هيغو) العظيمة (عمال البحر) وبالتحديد عند بطل الرواية (جيليات)هذا البحار الانطوائي المنعزل والحالم أيضا يمضي معظم وقته في البحر بين الأمواج وأحيانا يتسلق الصخور المحاذية للمياه بحثا عن شيء ما وكأنه في غابة وفي حوزته حالة حب من طرف واحد عميقة وغريبة وفجأة عندما يفشل الحب ينهار العالم المتخيل عند جيليات , إنه يزوج حبيبته ويقرر إنهاء حياته غرقا وهو مازال في ريعان الشباب جيليات لم يكن ضعيفا بل على العكس كان شجاعا وقويا وهو كمن ولد على ظهر سفينة وأمضى عمره فيها وعندما نزل منها لم يحتمل فراقها .
الرسام الهولندي الشهير (فان كوخ) مثال آخر إثر الحكاية التي رويت عنه بأنه اقتطع إذنه تعبيرا عن محبته الجارفة لمعشوقته فجاجة التعبير وغرابة التصرف هنا تشبه غرابة أن نعيش طوال حياتنا في برية دون انعكاس حضاري على ردود أفعالنا الفطرية .
النموذج الأخير في حديثي ستكون شخصية (دنكشوت دي لامتشا) رواية الاسباني الأشهر (ميغل دي سيرفانتس) تعبر هذه الشخصية عن جموح الروح وانطلاق الخيال إذ نحن أمام الحالم والعاشق المهووس مع رغبة جسدية لا مثيل لها في تحويل الخيال إلى واقع فهو الفارس القادم من زمن آخر الرشيق والجاهز لكل المخاطر ممتطيا جواده مرتديا درع الفرسان ومنتقل من بلد إلى آخر غير آبه بالأعراف وهو يصارع طواحين الهواء التي تريد أن تسرق منه عالمه الجميل وتنهي عشقه المستحيل لحبيبته إذ هو يصطدم بها دائما ويقع أرضا ومع ذلك لا يتقبل الهزيمة إذ لا يمكن أن يكون هناك عالما بديلا لعالمه المليء بالفطرة البشرية الراغبة بالانفلات والجموح. الموت أهون عليه من تقبل ذلك وفي النهاية عندما اعترف بأنه كان يهذي ويتخيل وعاد إلى رشده ، لم يعش لقد مات وكأن بموته لم يستطع أن يتقبل الهزيمة وان يتنازل عن أحلامه وخيالاته التي كان يعيش من اجلها .



#معتز_نادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمسُ مقالات في الحضارة العاكِسة
- الأخلاق الحرّة نظرة نقدية للأخلاق الإقتصادية
- 2011 مدخل لمفهوم الثورة النقيّة *البداية *:
- العنكبوت الأرملة
- شِعر حُر- الحياة غريبة والجمال بسيط
- النظرة العكسية للِنتَاج الإنساني
- المثليين بين الإضطهاد التاريخي وعُقم النظرة *الأخلاقية* :
- شِعر حر - * من ديواني عواطف الشرق -سمفونية الغزل *
- قصص قصيرة جداً
- ثورة ضد الحكومات * الفصل بين الميلشيوي والثوري
- شِعر حر -مذكرات عام 2008
- من الثورة السورية إلى الأزمة الأخلاقية الكبرى :
- في إنتصار العبث الأخلاقي على *الأخلاق الشكلية للعصر :
- ملخص وفكرة فيلم - النهاية المحتملة- ( قصة سَعيد ):
- شِعر حر
- فاعلية وجَمال المرض النفسي ؟!
- حقيقة الشعور الثوري ووهم الجاذبية السياسة :
- الإلحاد بوصفه قيمة -من كتاب *الحوارالعظيم*
- غرابة الفرد ومفهوم الحضارة العاكسة:


المزيد.....




- نادي الشعر في اتحاد الأدباء يحتفي بمجموعة من الشعراء
- الفنانة المغربية لالة السعيدي تعرض -المرئي المكشوف- في -دار ...
- -الشوفار-.. كيف يحاول البوق التوراتي إعلان السيادة إسرائيل ع ...
- “المؤسس يواصل الحرب”.. موعد مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس ...
- المسرح الجزائري.. رحلة تاريخية تجمع الفن والهوية
- بفعاليات ثقافية متنوعة.. مهرجان -كتارا- للرواية العربية ينطل ...
- حديقة مستوحاة من لوحة -ليلة النجوم- لفان غوخ في البوسنة
- عودة الأفلام الرومانسية إلى السينما المصرية بـ6 أعمال دفعة و ...
- عائلات وأصدقاء ضحايا هجوم مهرجان نوفا الموسيقي يجتمعون لإحيا ...
- كيف شق أمريكي طريقه لتعليم اللغة الإنجليزية لسكان جزيرة في إ ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معتز نادر - جوهر الفن والنزعة الطرزانية