أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم محمد - العلاقات العربية الأفريقية















المزيد.....



العلاقات العربية الأفريقية


ابراهيم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 6793 - 2021 / 1 / 20 - 16:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعد تجربة التعاون العربي الأفريقي من أقدم تجارب التعاون الإقليمية إذ يمتد إلى أبعد وأعمق من مظاهر الجوار الجغرافي ليشمل أيضا الروابط الثقافية والبشرية والحضارية التي نسجتها قرون طويلة من الحراك الاجتماعي والتفاعل الحضاري بين الشعوب العربية والأفريقية، وفي إطار هذه الحقيقة يمكن رصد تطور العلاقات العربية الأفريقية خلال ثلاث مراحل تاريخية، تتناول المرحلة الأولى العلاقات العربية الأفريقية قبل العهد الاستعماري، في حين تعرض المرحلة الثانية لأثر العهد الاستعماري في العلاقات العربية الأفريقية، وتركز المرحلة الثالثة على العلاقات العربية الأفريقية في مرحلة ما بعد الاستقلال1
أدى ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي إلى ازدياد الاتصال العربي الأفريقي, فقد أمد الإسلام العرب بسياج ديني وفكري ساعدهم على خلق وحدة وطنية وعلى ازدهار النهضة الثقافية، ترجع الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية إلى ما قبل ظهور الإسلام حيث كان المجتمع العربي الجاهلي يزخر ببعض المجموعات الأفريقية التي استقرت بين العرب وانصهرت في بوتقة القبائل العربية عن طريق الولاء والانتماء الكامل، وبعض هذه المجموعات شقت طريقها إلى الجزيرة العربية لعوامل غير الرق والغزو. وكان الأحباش (وهم سكان بلاد القرن الأفريقي في الصومال وبلاد الحبشة وإريتريا) أكثر من وفد إلى جزيرة العرب قبل الإسلام. وتأثرت هذه المجموعات التي وفدت من الساحل الأفريقي بالثقافة العربية. ومن ناحية أخرى ساعد الغزو الحبشي لليمن على دعم الديانة المسيحية التي ساندها الأحباش2
وقد أدى ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي إلى ازدياد الاتصال العربي الأفريقي, فقد أمد الإسلام العرب بسياج ديني وفكري ساعدهم على خلق وحدة وطنية وعلى ازدهار النهضة الثقافية، وخرج العرب لنشر الدين في الشمال والغرب والشرق، وتمكنوا من نشر الإسلام في أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية. وأدى هذا التطور إلى حدوث نقلة نوعية في تاريخ العلاقات الثقافية بين العرب والأفارقة، فبالإضافة إلى دعم التعامل التجاري والهجرات البشرية، قام العرب بدور إيجابي في نشر العقيدة الإسلامية وبسط نفوذهم السياسي في أفريقيا. وساعد انتشار الإسلام على رواج كثير من مظاهر الثقافة العربية في القارة السمراء3
وبصفة عامة يمكن الحديث عن ثلاث ركائز إقليمية في القارة الأفريقية تواصلت فيها العلاقات العربية الأفريقية في هذه المرحلة:
1- الحبشة وشرق أفريقيا:
فقد كانت هجرة المسلمين للحبشة أول اتصال رسمي للإسلام بأفريقيا حيث وجد المسلمون الحماية والرعاية في كنف ملك الحبشة المسيحية، وكانت العلاقات السلمية سائدة بين الطرفين، وأنشأ العرب مراكز تجارية في تلك المنطقة، وكثر عدد الوافدين العرب إليها سواء لأسباب اقتصادية (عمال الزراعة باليمن وتجار حضرموت وعمان والحجاز ) أو سياسية (الشيعة) وأدى الاختلاط بين العرب المسلمين وسكان هذه المنطقة إلى انتشار الإسلام في الهضبة الحبشية وإريتريا وبلاد البجة. وقامت بعض الإمارات الإسلامية على ساحل البحر تمتعت بنفوذ سياسي كبير مما أدى إلى اصطدامها في حروب متواصلة مع ملك الحبشة منذ القرن الرابع عشر، وتدخلت بعض القوى الاستعمارية لدعم الأحباش4
ورغم هذا الصدام اتسعت دائرة الإسلام بفضل جهود التجار والعلماء، واعتنقت بعض الجماعات الدين الإسلامي (القالا في الهضبة الحبشية والتقرى في إريتريا). ولكن معارضة الدولة الرسمية لتلك الجهود ومقابلتها بسياسة تبشيرية وتمسك الأحباش بدينهم حد من فرص انتشار الإسلام بصورة أعم خاصة مع سعي الدولة الإثيوبية إلى تحجيم دور المسلمين في المجتمع.
وفى الشرق الأفريقي تردد العرب على الساحل الشرقي للقارة -الذي أطلقوا عليه ساحل الزنج- بقصد الاتجار بالعاج والذهب والرقيق، أو هروبا بمعتقداتهم الدينية التي تجد معارضة من بعض الحكومات. وقد أدى توافد العرب من جنوب الجزيرة ومنطقة الخليج العربي إلى اختلاطهم بالوطنيين وقيام عدد من المراكز التجارية العربية في زنجبار وكلوه وممباسا. وبين القرنين الثاني عشر والخامس عشر شهد الساحل الأفريقي ازدهار ثقافة عربية إسلامية عرفت بالثقافة السواحلية التي ظهرت منذ القرن الثامن الميلادي5
وفي إطار هذا التواصل كانت تجارة الرقيق تحتل حيزا مهما, ولكنها لم تكن القاسم المشترك في التعامل التجاري كما يزعم الأوروبيون. وقد ازدهرت تجارة الرقيق في فترتين مهمتين أولاهما بين القرن الثامن والعاشر الميلاديين ونقل خلالهما عدد كبير من الأفارقة لاستصلاح الأرض في المنطقة الجنوبية من العراق, وأدى ذلك الوجود الأفريقي إلى ثورة الزنج المشهورة. وارتبطت الفترة الثانية بالتوسع العماني في شرق أفريقيا حيث جلب عدد كبير من الزنوج للعمل في المزارع الكبرى التي يمتلكها العرب على الساحل الشرقي6.
ومن الساحل الشرقي لأفريقيا توغلت المؤثرات العربية الإسلامية إلى منطقة البحيرات الاستوائية التي تضم تنجانيقا (تنزانيا حاليا) وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندي والكونغو, وحققت نفوذا كبيرا خاصة في منطقتي تنجانيقا وزنجبار حتى إن الأوروبيين بصفة عامة والبلجيكيين بصفة خاصة استفادوا من جهود العرب في إنشاء محطات تجارية، كما استفادوا من معرفتهم بالمنطقة لإكمال عمليات الكشوف الجغرافية التي قادها الأوروبيون, حيث استعان البرتغاليون بالملاحين العرب في القرن الخامس عشر الميلادي للإبحار في المحيط الهندي7
كانت مصر من أول الأقطار الأفريقية تمثلا للعقيدة الإسلامية والثقافة العربية، ومنها تسربت كثير من المؤثرات العربية، وكان لصلاتها التجارية الواسعة بالأقطار الأفريقية أثر كبير في دعم العلاقات العربية الأفريقية
2- مصر والسودان: فقد كانت مصر من أول الأقطار الأفريقية تمثلا للعقيدة الإسلامية والثقافة العربية، ومنها تسربت كثير من المؤثرات العربية، وجعلها موقعها الجغرافي ترتبط ارتباطا وثيقا بالكيان الأفريقي تؤثر فيه وتتأثر به. وكان لصلاتها التجارية الواسعة بالأقطار الأفريقية أثر كبير في دعم العلاقات العربية الأفريقية. فعن طريق مصر وعبر البحر الأحمر تدفقت المؤثرات العربية الإسلامية بقوة إلى سودان وادي النيل8
وقد أدى دخول العرب في أعداد كبيرة إلى نتيجتين مهمتين:
أولاهما: غلبة الثقافة العربية واللسان العربي على أجزاء كبيرة من البلاد.
وثانيهما: انتشار الإسلام بين الوطنيين الذين كانوا يؤمنون بالمسيحية وبعض المعتقدات الأفريقية. وصار الإسلام عامل ربط مهم بين شعوب سودان وادي النيل ذات الجذور العرقية المتباينة والثقافات المتنوعة9
وقد ساعدت تلك المؤثرات على إعطاء الجزء الشمالي من السودان درجة كبيرة من التجانس الثقافي والاجتماعي. وهيأ هذا التطور سودان وادي النيل ليكون مركز إشعاع للثقافة العربية الإسلامية في قلب القارة الأفريقية. أما الجزء الجنوبي من السودان الذي لحق بالبلاد إبان العهد التركي المصري في منتصف القرن التاسع عشر فكان يعيش في شبه عزلة عن الإقليم الشمالي, وعندما فتحت الإدارة التركية المصرية تلك المنطقة للتجارة المنظمة بدأ العرب والمسلمون في التوغل إليها والعمل على نشر الإسلام إلى أن خضعت للسيطرة البريطانية10
3- الغرب والشمال الأفريقي:
انتشر الإسلام والثقافة العربية في بلاد المغرب على يد المسلمين العرب الذين اشتركوا في موجة الفتوحات الإسلامية. واختلط العرب مع البربر مما أدى إلى ظهور جيل من البربر المستعربين. وحمل العرب والبربر مشعل الإسلام والثقافة العربية عبر أربع طرق تجارية من شمال أفريقيا إلى غربها ووسطها، أولها ربط ليبيا وتونس بمنطقة بحيرة تشاد، وثانيها ربط تونس ببلاد الهوسا، وثالثها ربط الجزائر بأواسط نهر النيجر، ورابعها ربط المغرب الأقصى بأعالي نهر النيجر11
ويمكن تقسيم توغل النفوذ الإسلامي العربي إلى غرب أفريقيا وأواسط بلاد السودان إلى ثلاث مراحل:
الأولى: يغلب عليها الاحتكاك السلمي وكان تجار العرب والبربر دعامته.
والثانية: يغلب عليها جهاد المرابطين الذين أعطوا النفوذ الإسلامي المتنامي اقتصاديا وثقافيا سندا سياسيا.
والثالثة: تجمع بين السلم والجهاد، وترتبط بالدعوة للعقيدة الإسلامية وتعميق مفاهيمها بين المواطنين.
وقد اقترنت المرحلة الأخيرة بقيام عدد من الممالك الإسلامية تعاقبت على حكم المنطقة بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر، ومنها مملكة مالي وصنغاي وإمارات الهوسا التي تأثرت بالتدهور العام الذي حل بحوض النيل الأبيض المتوسط مع بداية القرن السادس عشر نتيجة سيطرة البرتغاليين على مصادر التجارة الشرقية.
إذن يمكن القول بصفة عامة إن المرحلة السابقة على العهد الاستعماري اتسمت بازدهار العلاقات العربية الأفريقية وانتقال المؤثرات العربية إلى شرق القارة وغربها مما أدى إلى ظهور حضارة عربية إسلامية واضحة المعالم في تلك المناطق12
أثر العهد الاستعماري في العلاقات العربية الأفريقية: ظهرت الآثار السلبية للاستعمار على العلاقات العربية الأفريقية عن طريق مشكلة اللاتعريب في جنوب السودان, في إطار ما يسمى بالسياسة الجنوبية التي ابتدعتها بريطانيا لفصل الجنوب السوداني عن شماله ومحاولة تغيير الهوية الثقافية للجنوب ، إذا كانت المرحلة السابقة على العهد الاستعماري قد اتسمت بازدهار العلاقات العربية الأفريقية فإن القارة السمراء دخلت منذ السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر الميلادي مرحلة جديدة ارتبطت بنجاح البرتغاليين في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح والسيطرة على السواحل الأفريقية, وبدأت منذ ذلك الحين السيطرة الاستعمارية على القارة والتي استمرت حتى منتصف القرن العشرين. وتركت هذه السيطرة آثارا سلبية في مجال العلاقات العربية الأفريقية بطريقة مباشرة وغير مباشرة. ويمكن رصد أهم هذه الآثار فيما يلي:
1- ضعفت منطقة حوض البحر المتوسط حضاريا وثقافيا واقتصاديا، وتحول مركز الثقل الحضاري والاقتصادي إلى سواحل المحيط الأطلنطي، واستمر هذا الوضع حتى القرن التاسع عشر. وفى شرق أفريقيا وقع صدام عنيف بين البرتغاليين والمراكز التجارية والمدن والإمارات التي أسسها العرب. وخاض العرب والأفارقة كفاحا مشتركا لتحرير تلك الشواطئ في منطقة شرق القارة من الغزو البرتغالي.
2- عملت القوى الاستعمارية البريطانية والألمانية على تفكيك سلطنة زنجبار العربية عندما احتدم التنافس البريطاني الألماني على شرق أفريقيا، والذي انتهى بفرض الحماية البريطانية على هذه السلطنة، وبعد انتهاء الحماية البريطانية قامت جمهورية تنزانيا من تنجانيقا وبقايا سلطنة زنجبار العربية.
3- في منطقة الكونغو وقع قتال عنيف بين الاستعمار البلجيكي من جانب والمعارضين له من العرب القادمين من شرق أفريقيا والوطنيين من جانب آخر. وأراد ليوبولد الثاني القضاء على العرب في الكونغو حيث كانوا القوة المنظمة التي تستطيع مقاومته، ولأنه أراد تنفيذ هذا الهدف دون إثارة العالم لجأ إلى تشويه صورة العرب على أساس أنهم تجار رقيق يعملون على نشر الهوان بين شعوب الكونغو. وكان ذلك سببا في النزاع البلجيكي العربي الذي نشب مع أواخر القرن التاسع عشر وصوره البلجيكيون على أنه حملة لمناهضة تجارة الرقيق مما أدى إلى انتهاء الوجود العربي في الكونغو، إلا أن أثر الحضارة العربية لم ينته باعتراف البلجيكيين أنفسهم.
4- عمل الاستعمار على تحجيم الامتداد المصري إلى الجنوب في عهد محمد علي والخديوي إسماعيل حتى عادت مصر إلى حدودها التقليدية عند وادي حلفا. فقد كانت هذه الأراضي التي امتدت إليها السيطرة المصرية مطمعا للقوى الاستعمارية الأوروبية خاصة أن مصر في اختيارها لمناطق عمقها كانت تهتم بالمواقع الإستراتيجية في البحر الأحمر والمحيط الهندي. كما أن مصر قامت إبان فترات امتدادها بإعداد مناطق وجودها حضاريا وعمرانيا على نحو أغرى القوى الاستعمارية بإرث تلك المناطق13
الاستعمار على اختلاف مصادره وأشكاله حاول إضعاف الروابط العربية الأفريقية وطمس معالم تاريخ العرب في أفريقيا, إلا أنه في الوقت ذاته عزز من شعور العالم العربي والقارة الأفريقية بأنهما يواجهان مصيرا مشتركا وتهديدا واحدا
ومن ناحية أخرى فإن الإنفاق في مناطق العمق المصري لم يعد ممكنا بعد اتجاه الدائنين الأوروبيين إلى الضغط على مصر لتخفف من أعبائها المالية في الجنوب وتوفر الأموال اللازمة لسداد ديونها. كما أدى توظيف مصر لبعض الأوروبيين في مناطق امتدادها الجنوبي إلى نتائج سلبية حيث شن هؤلاء حملة تشهير عنيفة ضد تجارة الرقيق في الأراضي التي كلفوا حكمها، واعتبروا أن هذه التجارة مسؤولية مصر ورفضوا التبعية للحكام المصريين وغلبوا المصالح الأوروبية على المصالح المصرية. وقد وفرت الثورة المهدية في النهاية فرصة مناسبة لتقوم القوى الإمبريالية التي أحدقت بالقارة لترث الوجود المصري في مناطق وجوده بأفريقيا.
كذلك أسهمت القوى الإمبريالية الأوروبية في تدمير الوجود المصري في أفريقيا عن طريق تسابقها على امتلاك أقصى ما تستطيع من القارة. فقد شارك الإنجليز والفرنسيون والإيطاليون في التسابق على المناطق المصرية على ساحل البحر الأحمر والمحيط الهندي، فضغطت بريطانيا على مصر لإخلاء السودان وعملت على تصفية الوجود المصري على الساحل الصومالي، كما سيطرت إيطاليا على خليج عصب وخططت مع بريطانيا للسيطرة على ميناء مصوع, في حين سيطرت فرنسا على مناطق تاجوره وأويوك.
5- ظهرت الآثار السلبية للاستعمار على العلاقات العربية الأفريقية عن طريق مشكلة اللاتعريب في جنوب السودان في إطار ما يسمى بالسياسة الجنوبية التي ابتدعتها بريطانيا لفصل الجنوب السوداني عن شماله ومحاولة تغيير الهوية الثقافية للجنوب عن طريق عدة وسائل منها: إضعاف الوجود الشمالي في الجنوب بمنع العرب المسلمين من الشمال من دخول الجنوب، وإضعاف انتشار الإسلام في الجنوب سواء بإحلال الإنجليزية محل العربية أو بتشجيع اللغات المحلية أو دور الإرساليات التبشيرية، والعمل على التخلص من الموظفين والتجار الشماليين وإبعادهم عن الجنوب. وكان هدف هذه السياسة في النهاية أفرقة جنوب السودان أو لاتعريبه.
6- حاول الاستعمار الإيطالي وقف المد العربي الإسلامي إلى داخل القارة الأفريقية إذ تمكنت إيطاليا من مناطق كانت جزءا من رقعة إسلامية يمثلها المصريون أو العثمانيون أو العمانيون. وسد الإيطاليون باستعمارهم لمناطق شرق أفريقيا المنافذ التي كان يستخدمها التجار العرب الذين كانوا يتوغلون داخل القارة حاملين معهم الإسلام والحضارة واللغة العربية.
كما قضت إيطاليا في طرابلس على تجارة القوافل الليبية إلى داخل القارة الأفريقية، تلك التجارة التي أثر فيها سلبا الاستعمار البريطاني لمصر والفرنسي لتونس. وقضى الاستعمار الإيطالي أيضا على الزوايا السنوسية في أفريقيا، وساعد الاستعمار الإيطالي بذلك على خلق فاصل بين أفريقيا شمال الصحراء وأفريقيا جنوبها, إذ لم تكن الصحراء قبل المد الاستعماري فاصلا إنما امتلأت دروبها بالتجار العرب والأفارقة.
ولعل من أبرز نتائج الاستعمار الإيطالي مثولا حالة إريتريا التي كانت منطقة إسلامية تجمعها مع الحبشة خلافات عميقة، واستولت عليها القوات البريطانية عام 1941 من الإيطاليين، ووضعتها تحت السيطرة العسكرية لبريطانيا التي مكنت إثيوبيا من السيطرة عليها.
7- حاولت السياسة الفرنسية في شمال أفريقيا تحطيم مراكز الثقافة الإسلامية وركزت على التعليم, وسعت إلى دمج شمال أفريقيا في الميدان الحضاري الأوروبي المسيحي، وحاولت إقامة الحواجز أمام بلدان الشرق الأدنى وقطع كل صلة مع المراكز التعليمية العربية الإسلامية، وتعليم اللغة الفرنسية. واتبعت في مناطق غرب أفريقيا التي سيطرت عليها سياسة مشابهة حيث أنفقت على المدارس التبشيرية، واعتمد المبشرون الغربيون -وأغلبهم فرنسيون- على الأعمال الاجتماعية لتنصير بعض الأفراد من بين المسلمين ثم الهرب بهم أو عزلهم عن المناطق الإسلامية بقدر الإمكان حتى لا يعودوا للإسلام.
وبذلك فإن الاستعمار على اختلاف مصادره وأشكاله حاول إضعاف الروابط العربية الأفريقية وطمس معالم تاريخ العرب في أفريقيا, لكنه في الوقت ذاته عزز من شعور العالم العربي والقارة الأفريقية بأنهما يواجهان مصيرا مشتركا وتهديدا واحدا, مما كان له أثر في تدعيم العلاقات في فترة الخمسينيات مع حصول الدول العربية على استقلالها14
العلاقات العربية الأفريقية في فترة ما بعد الاستقلال
شهدت الخمسينيات درجة عالية من التنسيق والتضامن بين الدول العربية وأفريقيا في العديد من القضايا من أهمها مكافحة الاستعمار والتخلص من الاحتلال والدعم السياسي الذي قدمته الدول العربية لحركات الاستقلال في أفريقيا، نمت العلاقات العربية الأفريقية في الخمسينيات بعد حصول الدول العربية على استقلالها, وشهدت هذه المرحلة درجة عالية من التنسيق والتضامن في العديد من القضايا من أهمها مكافحة الاستعمار والتخلص من الاحتلال والدعم السياسي الذي قدمته الدول العربية لحركات الاستقلال في أفريقيا. وكانت مصر أول دولة تساند حركات التحرر الأفريقية ماديا وعسكريا ودبلوماسيا وإعلاميا في إطار تصاعد الدور المصري في أفريقيا بعد قيام ثورة يوليو/تموز 1952.
كما شمل هذا التنسيق والتضامن دعم القضايا العربية والأفريقية في أروقة الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز، فقد كافحت الدول العربية والأفريقية معا ضد الاستعمار الاستيطاني في جنوب أفريقيا وروديسيا وفلسطين، وتجلت مساعدة الدول العربية للدول الإفريقية في الموقف الإيجابي لوفود دولها لدى الأمم المتحدة من قضايا تحرير البلاد المستعمرة، وقضية مناهضة الدول العنصرية في جنوب أفريقيا وروديسيا وما أدى إليه هذا الموقف من إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 1514 في سبتمبر/أيلول 1960 والخاص بمنح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة.
وفي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 أعربت حكومات الدول الأفريقية المستقلة ومنظمة الوحدة الأفريقية عن تضامنها مع الشعوب العربية، وقد ترجم ذلك في شكل إجراءات قطع جماعي للعلاقات مع إسرائيل. وبانتهاء حرب أكتوبر/تشرين الأول بلغ عدد الدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل 29 دولة ولم يتبق من الدول الأفريقية الأعضاء في المنظمة سوى أربع دول لها علاقات مع إسرائيل هي ملاوي وموريشيوس وليسوتو وسوازيلاند.
وشهدت الفترة التالية لشهر أكتوبر/تشرين الأول مباشرة مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات العربية الأفريقية كان من أبرز سماتها الاتصالات والمشاورات بين الأمانة العامة لكل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية. وبادر الجانب الأفريقي بإصدار المجلس الوزاري لمنظمة الوحدة الأفريقية قرارا خاصا بالتعاون العربي الأفريقي نص على إنشاء لجنة سباعية لإجراء اتصالات مع الدول العربية عن طريق الجامعة العربية لدراسة آثار حظر البترول على الدول الأفريقية، وأوصى المجلس بإقامة تعاون اقتصادي عربي أفريقي وشكلت لجنة خاصة بهذا الموضوع عقدت أول اجتماع لها في أديس أبابا عام 1973.
كما قامت الدول الأفريقية في تلك الفترة بتأييد النضال العربي وطالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، كما ربطت الدول الأفريقية بين حركة التحرر الفلسطينية وحركات التحرر الأفريقية واعتبرت قضية فلسطين قضية عربية أفريقية.
وأصدر مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في فبراير/شباط 1975 إعلان أديس أبابا الذي أكد فيه أن جوهر مشكلة الشرق الأوسط هو قضية فلسطين, وأوصى بضرورة إجراء مشاورات مشتركة بين جامعة الدول العربية ولجنة التنسيق لتحرير أفريقيا بهدف وضع إستراتيجية لتحرير فلسطين على غرار إستراتيجية أكرا ودار السلام لتحرير القارة الأفريقية. وبالإضافة إلى ذلك ساندت الدول الأفريقية الحقوق العربية في إطار قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة, فساندت قرار 242 واشتركت في تدعيم القرار الآسيوي الذي يقضي بأن استمرار الموقف الخطير والمتدهور في الشرق الأوسط يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، كما ساندت بعض الدول الأفريقية قرار اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية.
ومن جانبها أدانت الدول العربية عبر عملها في إطار الجامعة العربية الأنظمة العنصرية في أفريقيا, فأصدر مجلس الجامعة قرارا في أبريل/نيسان 1975 أكد فيه تعاون الدول العربية والأفريقية من أجل تحرير الأراضي الأفريقية من الاستعمار الاستيطاني والتفرقة العنصرية. وأعلن المجلس قراره بأن قضايا التحرير في القارة الأفريقية قضايا عربية أفريقية. كما تقدم العرب خطوات جادة في مجال التعاون مع الدول الأفريقية فقدموا المنح والقروض والاستثمارات وأنشؤوا الصناديق المالية وأرسلوا الخبراء إلى أفريقيا.
وأشاد مؤتمر القمة العربي في الجزائر 1973 بموقف الدول الأفريقية، واتخذ مجموعة من القرارات والتوصيات في المجالين السياسي والاقتصادي لتدعيم وتنمية التعاون العربي الأفريقي فضلا عن تكليف الأمانة العامة لجامعة الدول العربية اتخاذ الإجراءات التنفيذية والاتصال بأمانة منظمة الوحدة الأفريقية. وفى الفترة التي تلت عقد هذا المؤتمر أنشئت المؤسسات المالية لدعم التعاون العربي الأفريقي وهي: الصندوق العربي للمعونة الفنية للبلدان العربية الأفريقية، والصندوق العربي للقروض في أفريقيا، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا. وقد دمج الجهازان الأخيران في جهاز واحد.
مؤتمر القمة العربي الأفريقي الأول 1977
مهدت الخطوات الإيجابية السابقة لانعقاد مؤتمر القمة العربي الأفريقي الأول في مارس/آذار 1977. وصدر عن المؤتمر أربع وثائق أساسية تغطي الأسس والسندات التاريخية والحضارية والأيدولوجية لمجموعة العلاقات العربية الأفريقية المتنامية كما تحدد مجالات التعاون وأدواته ومؤسساته المسؤولة عن تنمية هذه العلاقات، وهذه الوثائق هي:
•الإعلان السياسي: وحدد الأساس القانوني والسياسي للتعاون العربي الأفريقي والمبادئ التي يستند إليها هذا التعاون فضلا عن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها وهي: الدفاع عن قضايا التحرير الوطني العربي والأفريقي، وتدعيم التعاون الاقتصادي، وتحقيق المزيد من التفاهم بين الشعوب العربية والأفريقية.
•إعلان برنامج عمل التعاون العربي الأفريقي: وأهم ما جاء فيه تعهد البلدان العربية والأفريقية بتنمية علاقاتها على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف في الميادين المختلفة، وإنشاء لجنة وزارية مشتركة دائمة لمتابعة التعاون بين الطرفين.
•إعلان التعاون الاقتصادي والمالي العربي الأفريقي: وضع خطة للتعاون الاقتصادي والمالي المشترك تتضمن عدة بنود أهمها: تشجيع التعاون الفني بين الدول العربية والأفريقية، وزيادة المساعدات المالية الثنائية، وتشجيع توظيف رؤوس الأموال العربية في الدول الأفريقية وغيرها، وتنظيم طريقة العمل لتحقيق التعاون العربي الأفريقي. وتضمنت الوثيقة الأجهزة والمؤسسات المسؤولة عن وضع إعلان وبرنامج العمل للتعاون العربي الأفريقي موضع التنفيذ وهي: مؤتمر القمة ومجلس الوزراء المشتركان، واللجنة الدائمة، ومجموعات العمل واللجان المتخصصة، ولجنة التنسيق، والمحكمة الأفريقية العربية أو لجنة التوثيق والتحكيم.
وبذلك التقت الإرادة العربية والأفريقية لتحقيق التطلعات والطموحات المشتركة في كافة مجالات التعاون, وتتويج التضامن العربي الأفريقي الذي ساد في الفترة السابقة على عقد هذا المؤتمر. لكن هذه الإرادة سرعان ما تراجعت في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات لتشهد تجربة التعاون العربي الأفريقي أزمة غيرت طبيعة العلاقات15
5.راوية توفيق، الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية موقع الجزيرة.نت
أزمة التعاون العربي الأفريقي: ظهرت العديد من السلبيات في التعاون العربي الأفريقي مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات حيث شابت العلاقات في تلك الفترة أزمات ثقة وشكوك متبادلة في نوايا كل طرف تجاه الآخر بسبب آثار ونتائج اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية
مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ظهرت العديد من السلبيات في التعاون العربي الأفريقي حيث شابت العلاقات في تلك الفترة أزمات ثقة وشكوك متبادلة في نوايا كل طرف تجاه الآخر, ذلك أن تلك الفترة قد شهدت آثار ونتائج اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية, وانتشر الارتباك والتشتت في علاقات النظام العربي وامتد ذلك إلى تفاعلات النظامين العربي والأفريقي، كما حدث ذلك نتيجة تأثر دور القلب المنظم للتفاعلات العربية الأفريقية حتى إن قضية عضوية مصر في منظمة الوحدة الأفريقية وفي اللجنة الدائمة للتعاون العربي الأفريقي أثارت كثيرا من الجدل وحدث توقف في اجتماعاتها بين عامي 1978 و1982.
ومن أبرز صور الارتباك في العلاقات العربية الأفريقية في تلك الفترة اتهام الأفارقة للعرب بمحاولة تصدير خلافاتهم إلى الاجتماعات العربية الأفريقية بل إلى اجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية أيضا. وقد طلبت المنظمة في اجتماعاتها وقراراتها المعلنة عدم تدخل السياسات العربية في شؤون القارة الأفريقية، ومن أمثلة ذلك قرار المنظمة عام 1978 الذي يطلب عدم التدخل العربي في النزاع بالقرن الأفريقي.
وقد استفادت إسرائيل من نتائج الأزمة التي أصابت التعاون العربي الأفريقي وبدأت في متابعة ما يحدث من انكسار وشروخ في العلاقات العربية الأفريقية وعملت على تعميقها واستغلالها لصالحها كي تحل محل الدول العربية في القارة الأفريقية على المستوى التجاري والاقتصادي والعسكري، فتزايدت صادراتها إلى أفريقيا وتزايدت وارداتها منها ومارست نشاطا في حوالي 22 دولة أفريقية في ميادين إنشاء المشروعات المشتركة والتدريب العسكري والمعونة الفنية. كما بدأت إسرائيل بإرسال بعثاتها الزائرة إلى القارة في صورة سرية وعلنية مع تسريب الأخبار بشكل متعمد, وتمكنت إسرائيل من إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأفريقية تباعا بداية من زائير (الكونغو الديمقراطية حاليا) عام 1982 وليبيريا وأفريقيا الوسطى عام 1983.
ومع بداية التسعينيات وفى ظل النظام العالمي الجديد الأحادي القطبية وما ارتبط به من اتساع دور الدول المانحة الأوروبية والأميركية في ميدان القروض والمنح والمساعدات، ودور البنك وصندوق النقد الدوليين في دعم اقتصاديات العديد من الدول الأفريقية، انعكست تلك الظروف في مجملها سلبا على حجم المساعدات العربية المقدمة للدول الأفريقية مما دفع العديد من تلك الدول إلى التشكيك في أهداف التعاون وفى مدى مصداقيته ومدى حماس الجانب العربي للتعاون مع الدول الأفريقية.
وقد أدت تلك الظروف إلى تعثر مسيرة التعاون العربي الأفريقي وانعكس ذلك بشكل سلبي على اجتماعات أجهزة التعاون واَلياته وعلى مدى انتظامها, حيث اجتمعت اللجنة الدائمة في آخر دورة عادية عام 1989 ولم تعقد أية اجتماعات طيلة التسعينيات.
وبذلك شهدت الفترة منذ أواخر السبعينيات تراجعا للعلاقات العربية الأفريقية على المستوى الجماعي, وطرحت العديد من الدراسات إشكالية غياب الرؤية الإستراتيجية في التخطيط لهذه العلاقات, وتخلى الجانب العربي عن الأساس الإستراتيجي والأيدولوجي الصحيح الذي يقضي بأن التعاون العربي الأفريقي هو أمر تحتمه ضرورات الأمن المشترك والمصلحة المشتركة.
في ظل المستجدات الدولية وما يرتبط بها من دور متنام للتكتلات والتجمعات الاقتصادية, تبرز أهمية تدعيم التعاون العربي الأفريقي على المستوى الحضاري استغلالا للمشتركات الحضارية والبشرية والتاريخية بين المجموعتين. وقد شهدت الأعوام الأولى من القرن الحادي والعشرين تطورات إيجابية تبعث الأمل في مستقبل التعاون العربي الأفريقي, حيث طرحت القمة العربية بعمان في مارس/آذار 2001 فكرة إحياء التعاون العربي الأفريقي. كما عقدت اللجنة الدائمة للتعاون العربي الأفريقي دورتها الثانية عشرة في الجزائر في أبريل/نيسان من العام نفسه بعد انقطاع استمر أكثر من عشر سنوات. وأصدرت اللجنة في ختام أعمالها بيانا يعكس مدى حرص الجانبين العربي والأفريقي على تفعيل التعاون بينهما في مجالاته المختلفة, والارتقاء بمستوى العمل العربي الأفريقي المشترك للوصول به إلى الشراكة الكاملة. وتعكس هذه التطورات إدراك الجانبين للتحديات والمخاطر المرتبطة بالنظام العالمي الجديد وضرورة مواءمة التعاون العربي الأفريقي مع المستجدات الدولية الراهنة. ولكن ما زال الفيصل في دعم التعاون المشترك هو وضع هذه التطلعات موضع التنفيذ، وهو ما ستكشف عنه السنوات القادمة16
العلاقات الأفريقية التركية: تشكّل العلاقة التركية الأفريقية جانبًا جديدًا ومهمًا في السياسة الخارجية التركية، ويعد اهتمام تركيا للقارة الأفريقية مؤشرًا على رغبتها في أن تصبح فاعلًا نشطًا فيها، عبر الجهود الحكومية وغير الحكومية، وبالنسبة للجذر الدبلوماسي التركي مع إفريقيا، فأنه ينبغي أن نؤكد أن أول بادرة في هذا الشأن، هي افتتاح سفارة تركية في إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك خلال عام 1926م، أي بعد اعلان قيام الجمهورية التركية عام 1923م، بثلاث سنوات فقط، على انقاض الخلافة العثمانية التي ألغيت خلال ذلك العام من قبل الضابط التركي العلماني “كمال آتاتورك”، الذي حوّل تركيا إلى جمهورية علمانية على النمط الأوروبي، قاطعًا بذلك صلات هذه الجمهورية، الثقافية بماضيها الإسلامي ذي الامتداد العربي والإفريقي
والجدير بالذكر، أن أصقاع الدولة العثمانية- التي استمر عهدها لأكثر من خمسة قرون- امتدت إلى أجزاء واسعة من إفريقيا شملت مصر وليبيا وتونس والجزائر وأجزاء من الصحراء الكبرى والقرن الأفريقي وجزر البحر الأحمر، ولكن لم يلحظ نشاط تركي واضح المعالم حيال إفريقيا، لا سيما الجزء الواقع جنوب الصحراء طوال الحقب التي تلت افتتاح السفارة التركية وحتى مطلع الستينيات من القرن الماضي. وعليه وكما قال “إرسين كالايسي أوغلو”- أستاذ العلاقات الدولية في دامعة “بوغار” التركية- أن تركيا:” من أواسط الستينيات فصاعدًا إعادة النظر في دورها في العالم، وتطوير علاقات متنوعة مع أكبر عدد ممكن من الدول في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وإفريقيا وآسيا وأوقيانيا وفي الأمريكيتين”. وبعد أن وجدت أن قيام علاقات وثيقة مع أعضاء حلف شمال الأطلسي- برغم منافعها على تركيا- إلا أنها أدت عزلة تركيا وجعلها منكشفة للضغط من قبل حلفائها الأطلسيين، وخلال الحقبة الثمانينية من القرن الماضي، أعلنت تركيا- مستذكرة ماضيها التاريخي والديني والثقافي “العثماني”، حيث كانت الإمبراطورية العثمانية على علاقات وثيقة مع العديد من مناطق إفريقيا- أنها ستتبنى سياسة إفريقية أكثر إيجابية، قوامها المساعدات والمشروعات الاقتصادية، والتبادل الثقافي، وحفظ السلام … مع مراعاتها تجنب التدخل في نزاعات القارة، نظرًا لتعقدها.
وبدأ ظهور النفوذ التركي في إفريقيا عام 1998م، حين أصدرت تركيا عن توجهها نحو القارة السمراء باسم” السياسة الإفريقية”، والتي تهدف إلى تدعيم وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين تركيا ودول إفريقيا، وبعد مجيء حكومة العدالة والتنمية إلى حكم تركيا في 18 تشرين الثاني/نوفمبر2002م، زاد الاهتمام بالقارة الإفريقية في إطار سياستها الخارجية المتعددة الأبعاد، ومن هذه الأبعاد البعد الإفريقي، التي انتهجها رئيس الوزراء التركي السابق ورئيس الجمهورية الحالي “رجب طيب أردوغان”، ومنظر سياسته الخارجية وزير الخارجية السابق ورئيس وزرائه الحالي “أحمد داود أوغلو”. ولتحقق تركيا حضورها الفاعل في إفريقيا استندت سياستها الخارجية على البعد الدبلوماسي والاقتصادي والديني الثقافي17
أهمية الوجود التركي بإفريقيا للعالمين العربي والإسلامي: في إطار سعي تركيا لاستعادة نفوذها السابق في محيطها الإقليمي وفي العالم؛ فإن تركيا تستخدم أدوات لذلك، منها منظمة المؤتمر الإسلامي التي تريد تركيا أن تعظّّم من دورها, وأن تكون مظلة للعمل المشترك مع دول العالم الإسلامي البالغ عددها 57 دولة, منها عدة دول من جنوب الصحراء الإفريقية، منها أوغندا وبنين وبوركينافاسو وتوجو وتشاد وجيبوتي والسنغال والصومال والجابون وجامبيا وغينيا وغينيا بيساو وجزر القمر والكاميرون وكوت ديفوار ومالي وموريتانيا وموزمبيق والنيجر ونيجيريا، وحرصت تركيا على أن يكون رئيس هذه المنظمة تركياً، وهو أكمل الدين إحسان أوغلو منذ عام 2005م(25).
كما تحاول تركيا أيضاً أن تبسط نفوذها على المنظمات الإقليمية، فقد استطاعت أن تحصل على صفة «شريك استراتيجي» بمنظمة الوحدة الإفريقية، بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى التي سبق الإشارة إليها، وبذلك تحاول تركيا أن تربط عدة شرايين مهمة بينها وبين إفريقيا، لتزيد من قوتها الناعمة وتبادلها التجاري مع القارة السمراء، والذي من شأنه أن يعيد اكتشاف تلك الدولة المسلمة لإفريقيا مرة ثانية بعد أن تجاهلها المسلمون منذ انهيار الخلافة العثمانية وتبدل الأوضاع الدولية منذ الحرب العالمية الأولى، وكذلك من شأنه أن يعيد بعضاً من قوة المسلمين في مواجهة مشاريع التنصير واحتكار الثروات في تلك القارة التي تبلغ نسبة المسلمين بها 47%، بإجمالي 462 مليون مسلم.
وتلك العلاقات المتجددة بين تركيا وإفريقيا تعيد ربطها مرة ثانية بالعالم الإسلامي، وتُدخلها في بؤرة الاهتمام من جديد، عن طريق الشراكات التجارية والاقتصادية، حيث إن مظلة المؤتمر الإسلامي وحدها لا تكفي دون أن يتم ربط الدول الإسلامية بشبكة من المشروعات التنموية والتجارية والإنسانية، ويمكن أن يمثل الوجود التركي في يوم من الأيام عامل ثقل موازناً للمشاريع الغربية التي تهدف إلى تنصير القارة ونهب ثرواتها.
وبصرف النظر عن الخطابات المعلنة لتركيا عن التنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية؛ فإن سياسة تركيا تجاه إفريقيا مدفوعة بتوجهات سياستها الخارجية على المدى البعيد ورغبتها في تنويع حلفائها الاقتصاديين، فتركيا مهتمة بتقليل اعتمادها الاقتصادي على شركائها التجاريين التقليديين, أمثال الاتحاد الأوروبي وروسيا, بفتح أسواق جديدة ومن بينها إفريقيا، فتركيا فهمت أن العالم قد تغير بصورة عميقة, وأن وجود حلفاء جدد بحسابات وتخطيط استراتيجي جديد أصبح أمراً حتمياً في تلك الحقبة التي تشهد تغيراً سريعاً في الاقتصاديات العالمية.
إن انفتاحة تركيا على إفريقيا تعد جزءاً لا يتجزأ من إعادة التعريف الجديد لسياسة تركيا الخارجية، وعلى المنظور الأوسع فإن الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت عام 2009م شددت على أهمية تنويع الأسواق التركية, وأثبتت أن التجارة مع إفريقيا كانت خطوة جيدة, وأنها أفادت تركيا كثيراً، لبُعد الأسواق الإفريقية عن اهتزازات أسواق المال العالمية الكبرى، فكان الاستثمار في إفريقيا أكثر أمناً من بلدان أخرى حول العالم، لذا من المتوقع أن تتزايد الشراكة التركية الإفريقية في السنوات القادمة من أجل تحقيق المصالح التركية السياسية والاقتصادية, ولأهداف سياستها الخارجية الجديدة.
كما أن الشراكة التركية مع دول إفريقيا تعد نتيجة لكلٍّ من التحولات الداخلية التركية والتغيرات في الاقتصاد السياسي العالمي، فالتحولات الداخلية التركية مثّلت تحدياً للشركاء التقليديين لتركيا في الاقتصاد؛ لذا هدفت تركيا إلى تنويع بدائلها التجاريين تماشياً مع التغير في محددات القوة الاقتصادية والسياسية العالمية، فالتغير في النظام الدولي قاد الدول إلى إعادة تعريف مصالحها الخاصة في النظام الناشئ الجديد, واستجابة تركيا لمثل تلك التغيرات كان بتعريف سياسة خارجية جديدة متعددة الأبعاد بتطوير علاقات اقتصادية وسياسية ليس فقط مع الجيران الحاليين، ولكن أيضاً مع المناطق والقارات الأخرى التي تحمل آمالاً واعدة للاقتصاد التركي مستقبلاً18
اهداف تركيا في إفريقيا
ذهبت بعض التحليلات السياسية العربية بالقول أن انفتاح السياسة الخارجية التركية نحو إفريقيا، جاء بالأساس، لتعويض خسارتها الجيوسياسية في سوريا إثر اندلاع الانتفاضة السورية في 15 آذار/مارس2011م، والتي لا تزال تداعياتها مستمرة واحتمالاتها مفتوحة على كل المسارات. وتعويض خسارتها أيضًا في مصر خاصة بعد عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم في تموز/يوليو2013م. ونرى في هذه التحليلات ما يجانبها الصواب لأمرين: أولهما، أن الاهتمام التركي المتزايد بإفريقيا جاء بعد قدوم حزب العدالة والتنمية للحكم في18 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2002م.وعليه فإن هذا الاهتمام سابق على وقوع الانتفاضة السورية وعزل الرئيس محمد مرسي. لكن هذا لا يعني أن السياسة الخارجية التركية لم تتعرض لخسائر في تلك الدولتين. ثانيهما، أن حكومة العدالة والتنمية في تركيا والتي تتطلع في عام 2023م، وهو العام الذي يصادف الذكرى المئوية لقيام الدولة التركية المعاصرة، في أن تصبح عاشر اقتصاد على المستوى العالمي، وبناتج قومي يقارب 2 تريليون دولار أمريكي، لذا تبني سياساتها الخارجية وفق رؤى اقتصادية ودبلوماسية واضحة المعالم، ولا تبنى على رد الفعل فهي تختلف عن مثيلاتها العربية.
ويمكن القول بأن تركيا ماضية في توجهاتها وجهودها الدبلوماسية والاقتصادية في القارة الإفريقية، ولكن هذا التوجه والجهد قد يجابه بعوائق من داخل القارة تحول دون الوصول إلى الأهداف المنشودة بين تركيا والدول الإفريقية، وتحديات من خارجها قد يقيد تحركاتها، ففي الجانب الاقتصادي هناك بعض المعوقات أهمها: عدم استجابة الجهات الإفريقية لمحاولات الجانب التركي للاستثمار في إفريقيا وعدم معرفة رجال الأعمال الافارقة بالسوق التركي. وضعف مشاركة الدول الإفريقية في المعارض التركية. وتنوع وعدم وضوح القوانين الخاصة بالاستثمار في إفريقيا مما يجعل المستثمر أقل حماسا وأكثر خوفا وعدم الجدية لدى بعض المؤسسات الإفريقية. ثم ضعف إمكانيات المكاتب التجارية الإفريقية في أنقرة بالمقارنة بالمكاتب التركية في إفريقيا، ويبقى التحدي الذي يواجه تركيا هو ما ستفضي إليه جهودها، فإمّا أن تحقق انفتاحا اكبر وتحصل على مكانتها التي تسعى إليها على المستويين الإقليمي والدولي، وإما أن يكون كل ما تقوم به رهينا بظروف القارة المأزومة، وأسيرا لتعثر خطط ومبادرات الاستثمار والتنمية فيها.
ولعل أهم التحديات التي تواجه تركيا في القارة الإفريقية تتمثل في التنافس الإقليمي والدولي عليها، فإيران وإسرائيل والهند والصين وغيرهما من الدول الكبرى لن تسمح لتركيا بأن تحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب الاستراتيجية دون تعطيلها أو تقاسمها أو على أقل تقدير تقسيم مناطق النفوذ فيها، فالقارة الإفريقية ليست طريق يفرش بالورود، كي تسير عليه بيسر السياسة الخارجية التركية، وإنما مليء بالأشواك المرتقبة التي تحتاج لإزالتها وهو التحدي الحقيقي لها هناك19
انقسام الدراسة حول دوافع تركيا في توجيه سياستها الخارجية نحو إفريقيا على النحو الآتي:
أولًا- البعد الدبلوماسي التركي تجاه القارة الإفريقية
في إطار السياسة الخارجية المتعددة الأبعاد التي تتبعها الحكومة العدالة والتنمية في تركيا، جاء انفتاح تركيا نحو إفريقيا ضمن أهداف السياسة الخارجية التركية في العقود الأخيرة، التي بدأت تستشعر روحها القيادية القديمة، باعتماد المشاركة الفعالة في القضايا العالمية. ومما ساعد على ذلك إحساس تركيا المتفاقم بالبحث عن شركاء إقليميين من خلال “التعنت” الأوروبي في انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وعليه، يمكن تقسيم تطور الدبلوماسية التركية تجاه القارة الأفريقية إلى مرحلتين:
1-المرحلة الأولى (2005م-2011م): ففي هذه المرحلة، عملت تركيا على تقوية علاقاتها بإفريقيا على المستويات كافة، وحصلت على منصب مراقب في الاتحاد الإفريقي في 12نيسان/ ابريل عام 2005، وانضمت الى البنك الإفريقي للتنمية في 15 أيار /مايو عام 2005م، كما عملت على تقوية علاقاتها بهيئة المنظمات الحـكومية الدولية للتنــمية في شرق إفريقيا، والتجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا، ما ساهم في إعطاء هذه العلاقة شكلاً مؤسسياً. وفي سبيل تدعيم العلاقات التركية الإفريقية، استضافت تركيا في آب/ أغسطس عام 2008م، ” قمة التعاون التركي الإفريقي”، ليعلن الاتحاد الإفريقي بعدها مباشرة أن تركيا هي” شريكه الاستراتيجي”
ومن أجل تقييم المرحلة التي وصلت إليها العلاقات بين تركيا والدول الإفريقية وتحديد الطرق والوسائل الكفيلة بتعزيز هذه العلاقات، عقد في إسطنبول قمة التعاون التركية الإفريقية الأولى في الفترة ما بين 18 – 21 آب/أغسطس 2008 بمشاركة 49 دولة إفريقية وممثلو 11 منظمة إقليمية ودولية من ضمنها الاتحاد الإفريقي، وقد تم في هذه القمة اعتماد الوثائق التالية بالإجماع: “إعلان إسطنبول للتعاون التركي الأفريقي: التعاون والتضامن من أجل مستقبل مشترك” و”إطار التعاون للشراكة التركية الأفريقية”.
ومن أجل تعزيز علاقاتها مع الدول الواقعة جنوب الصحراء الإفريقية قررت تركيا زيادة عدد ممثلياتها الدبلوماسية في هذه الدول وفقا لأهدافها المتعلقة بهذه الدول. وقد أصدر مجلس الوزراء القرارات المتعلقة بهذا الموضوع في الفترة ما بين 13 تشرين الأول/أكتوبر 2008 – 11 تموز/يوليو 2009، فتم بموجب هذه القرارات افتتاح 11 سفارة وقنصلية عامة واحدة جديدة، نوضحها في الشكل الآتي:
سفارات تركيا جنوب الصحراء
الدولة العاصمة تاريخ الافتتاح
تنزانيا دار السلام 18 آيار/مايو2009م
ساحل العاج أبيدجان 15 تشرين الثاني /نوفمبر2009م
الكاميرون ياوندي 15 كانون الثاني/يناير 2010م
غانا أكرا 1 شباط/فبراير 2010م
مالي باماكو 1 شباط/فبراير2010م
أوغندة كامبالا 28 شباط/فبراير2010م
انغولا لواندا 2 نيسان/إبريل2010م
مدغشقر أنتاناناريفو 21 نيسان/إبريل2010م
زامبيا لوساكا 15 شباط/فبراير2011م
موزمبيق مابوتا 15 آذار/ مارس2011م
موريتانيا نواكشوط 15 نيسان/إبريل2011م
كما افتتحت تركيا قنصلية عامة في جوبا بعد اعترافها بجمهورية جنوب السودان بتاريخ 9 تموز/يوليو 2011 وهو تاريخ إعلان استقلال جنوب السودان، وتجري الأعمال حاليا لتحويلها إلى سفارة. وفي المقابل توجد في أنقرة سفارات لثماني دول واقعة جنوب الصحراء الإفريقية وهي أثيوبية وغامبيا وجمهورية جنوب إفريقيا وموريتانيا ونيجيريا والسنغال والصومال والسودان. وفي السنوات الأخيرة كانت كل من السنغال في عام 2006 والصومال في عام 2008 وغامبيا في عام 2010 قد افتتحت سفارات لها لدى أنقرة. وعلى ضوء ما تقدم، وبفعل النشاط الدبلوماسي التركي في إفريقيا فقد وصل عدد سفاراتها حتى اليوم إلى 39 سفارة فيها بينما كان عددها في عام 2002م، سبع سفارات، إضافة إلى أربع قنصليات عامة، وفي المقابل زاد عدد سفارات الدول الأفريقية في تركيا من ثمان إلى نحو عشرين سفارة.
وقد أثمر تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين دول الإفريقية وتركيا في انجاح مرشح الأخيرة “أكمل الدين إحسان أوغلو” في تولي منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي العام 2005م، ونيل تركيا مقعد العضو غير دائم في مجلس الأمن في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2008م، حيث صوتت 51 دولة من إجمالي 53 دولة لصالح تركيا قبل أن يصبح عدد دول القارة 54 بعد استقلال جنوب السودان في يوليو/تموز2011م.
أما على مستوى الزيارات رفيعة المستوى في هذه المرحلة، فقد زاد عددها إلى القارة الإفريقية. إذ قام رئيس الجمهورية التركية الأسبق “عبد الله غل” بزيارات رسمية إلى كل من إلى كينيا وتنزانيا في عام 2009م، وإلى جمهورية الكونغو الديمقراطية والكاميرون ونيجيريا في عام 2010م، وأخيرا إلى غانا والغابون في الفترة ما بين 23-26 آذار /مارس2011م. وعليه فإن البعد الدبلوماسي المبني على فتح السفارات بين تركيا والدول الأفريقية والزيارات المتبادلة بينهما كان مدخلا لتعزيز مصالح تركيا العليا في إفريقيا20
المرحلة الثانية2011- وحتى يومنا هذا
وهي مرحلة الاهتمام التركي بالوضع في الصومال، فقد ألقت الضوء على ما يعانيه الشعب الصومالي، وأطلقت حملة إنسانية تجاه مقديشو لتأسيس وجود كبير هناك، وتبنّت مشروعات هدفت إلى مساعدة الصومال على تطوير بنيته التحتية. وكان رئيس الوزراء السابق ورئيس جمهورية تركيا الحالي “رجب طيب أردوغان” في عام 2011م، هو أول زعيم غير أفريقي زار الصومال منذ حوالي عقدين، حيث افتتحت تركيا سفارة لها في مقديشو. وفي زيارته الأخيرة للصومال في كانون الثاني/يناير عام 2015م، تعهد رئيس الجهورية التركي ببناء 10 آلاف وحدة سكنية في الصومال لإعادة تأهيل للمحتاجين، إلى جانب إعادة ترميم وتوسيع ميناء مقديشو الدولي.
وفي سياسة المضي في دعم الصومال، استضافت مدينة اسطنبول “المؤتمر الصومالي الثاني” خلال عام 2012م، تحت عنوان “تحديد المستقبل الصومالي أهداف عام 2015″، بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة وبمشاركة 57 دولة، و11 هيئة إقليمية ودولية، ونوقشت خلاله قضايا ملحّة، مثل المياه والطاقة والطرق والنزعات الانفصالية.
أما على مستوى الزيارات الدبلوماسية في هذه المرحلة، فقد تضاعفت تلك الزيارات بين القيادة تركيا وقادة الدول الأفريقية، ونشير هنا فقط للزيارات التي قام بها رئيس الوزراء التركي السابق ورئيس الجمهورية الحالي “رجب طيب أردوغان” لدول إفريقيا، خلال عام 2014م، حيث زار 12 دولة إفريقية، وهذا مؤشر واضح على أهمية إفريقيا في السياسة الخارجية التركية
وفي مطلع هذا العام، قام الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بزيارة كل من جيبوتي وأثيوبيا والصومال في كانون الثاني/ يناير 2015م، ففي كلمته التي ألقاها في منتدى الأعمال التركي الجيبوتي، أكد الرئيس التركي أن دولته “دائماً وقفت بجانب قارة إفريقيا، وستستمر في ذلك باعتبار أنها دولة تدرك جيداً حجم المشكلات في القارة السمراء، وحجم الإمكانيات التي تتمتع بها”. وقال أيضًا: “دولة جيبوتي واحدة من دول القرن الإفريقي المستقرة التي تحرز تقدماً على مسار التنمية كما تعد في الوقت ذاته واحدة من أهم المراكز الإفريقية لما تتمتع به من إمكانيات اقتصادية وموارد بشرية، وهي دولة ذات ثقل في علاقاتها الدولية بالمنطقة”.
وأضاف: “الزيارة التي أُجريتها لجيبوتي تعد مؤشراً على مدى اهتمامنا بهذه الدولة الصديقة والشقيقة، حتى ولو جاءت متأخرة بعض الشيء”، مشيراً إلى أن علاقات تركيا بالدول الإفريقية شهدت قفزات كبيرة خلال السنوات العشر الماضية، موضحاً أن دولته تتبنى في علاقاتها الافريقية سياسة قائمة على استراتيجية تعميق تلك العلاقات بمرور الأيام في كافة المجالات.
وشدد على أهمية القارة الإفريقية بالنسبة لدولته “فلها أهمية كبيرة، قائمة على أواصر الصداقة والأخوة، فضلا عن البعدين التجاري والاقتصاد”، مؤكداً على ضرورة رفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وجيبوتي إلى 200 مليون دولار.
وفي زيارته لأثيوبيا ومن خلال كلمته التي ألقاها في جامعة” أديس أبابا” حيث أُعطي الدكتوراه الفخرية قال:” إن اهتمامنا بهذه المنطقة لا يشبه اهتمام البعض بدافع الطمع في خيرات موارد البلاد والماسها. إن اهتمامنا بها يأتي من منطلق إنساني بالدرجة الأولى”. فهو هنا يوجه رسالة نقد ضمنية للأسلوب الأوروبي والأمريكي المبني على الإمبريالية والغطرسة، والأسلوب الصيني والهندي الذي مفادهما: “أعطني النفط والمواد الخام، وستحصل على دعمي غير المشروط” هذا الأسلوب الذي يتسم بالتهور ويجعله متواطيء في انتهاكات حقوق الإنسان.
ونظرًا لتناقض وصراع المصالح بين الدول الكبرى في بيئة إقليمية ما، كالبيئة الإفريقية، لفت الاهتمام التركي بالجانب الإفريقي، انتباه فاعلين دوليين، أبدوا رغبتهم في التعاون مع تركيا في هذا الصدد، إذ عقد مسؤولون أتراك مشاورات مع مسؤولين من الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا والمملكة المتحدة والسويد والاتحاد الأوروبي بشأن التعاون في القارة الإفريقية، وقد اقترح بعض الدول مثل فرنسا، أن تنفذ تركيا بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، بعثات تجارية مشتركة في إفريقيا لمواجهة نجاح الصين في الاستحواذ على جانب كبير من الصفقات التجارية مع الدول الأفريقية21
ثانيًا- الدوافع والأهداف في التوجه التركي نحو إفريقيا
تسير السياسة الخارجية التركية صوب إفريقيا مدفوعة بعدد من الدوافع، منها دافع التوازن الحضاري بين إرث الماضي ومعطيات الحاضر، حيث تعطي أنقرة أولوية قصوى لتحقيق مصالحة تاريخية مع محيطها العربي والإسلامي والإفريقي وإقامة شراكة استراتيجية مع هذه الدول. أما الدافع الاستراتيجي، فلدى حكومة العدالة والتنمية قناعة بأن أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية مرتبط أكثر بمحيطها العربي والإسلامي، ما يدفعها إلى إقامة شراكة استراتيجية مع الدول العربية والإسلامية والإفريقية.
وفي هذا السياق، يؤكد رئيس الوزراء التركي “أحمد داود أوغلو في كتابه “العمق الاستراتيجي” على دور ومكانة تركيا في الجماعة الدولية، بمعنى أن الدولة التركية لم تعد دولة طرفية أو جسرية كما رسمها الغرب لها في أثناء وبعد الحرب الباردة، وإنما دولة مركزية في بيئتها الإقليمية والدولية.
ويمثل الدافع الديني عنصراً مهماً في دفع تركيا نحو إفريقيا. حيث يذكر هنا، أن إدارة الشؤون الدينية في تركيا لم تكن، تاريخياً، تؤدي أي دور على مستوى السياسة الخارجية، وكان دورها مقتصراً على تلبية احتياجات المسلمين داخلها، إلا أن ذلك تغيّر في عهد السياسة الخارجية التركية الحالية النشطة ومتعددة المستويات. وأصبح “الدِين” أحد أبعاد قوة تركيا الناعمة بخاصة في إفريقيا، ما انعكس على دور الإدارة الدينية، ومن أدوارها الآن جمع القيادات الدينية الإفريقية للاجتماع في اسطنبول، وهذا تحول مهم لتركيا، الدولة العلمانية وفق دستورها.
وبهذا الصدد تعد استضافة تركيا لقاء رجال الدين الإفارقة في اسطنبول عام 2006، والذي ضمّ ممثّلين عن 21 دولة، مؤشراً الى نقطتي تحوّل كبيرتين في السياسة الخارجية التركية، الأولى، تغيّر رؤية الدولة في التعامل مع الجماعات والمؤتمرات ذات التوجه الديني، إذ أصبحت تراها وسيلة لتحقيق المصالح القومية التركية بالقوة الناعمة، والثانية إدراك تركيا أن استكمال سياسة الانفتاح على إفريقيا ودعمها يتطلبان توظيف البعد الديني.
أما عن الدافع الاستخباري، فقد اوجبه ادراك القيادة التركية أنها قطعت مرحلة من التطور الاقتصادي والاستقرار السياسي والمنعة العسكرية داخليا، وأنها بحاجة إلى جمع المعلومات الكامنة عما يجري حولها في محيطها الخارجي وخاصة إفريقيا.
ويأتي الجانب الاقتصادي في مقدمة الدوافع التي تحرك رغبة تركيا تجاه إفريقيا ذات الموارد الكبيرة والمتنوعة والأسواق الواعدة وفرص الاستثمار غير المتناهية، في ظل سعي محموم بين قوى آسيوية صاعدة مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية وإيران فضلا عن الدول الأوروبية والولايات المتحدة والبرازيل للاستفادة من الخيرات الوفيرة في القارة.
فإفريقيا اليوم القارة صاحبة الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم، وبحسب معطيات صندوق النقد الدولي، فإن 10 دول إفريقية تقع على لائحة الدول الـ 64 الأسرع نمواً في عام 2014م، لذلك فإن إفريقيا تجذب انتباه الدول المتقدمة بشكل مختلف عما جرت عليه العادة في السابق. النظرة الآن مختلفة، لأنه في السابق لم تكن النظرة الى إفريقيا بالنسبة للدول المتقدمة سوى على أنها فرصة استعمارية جيدة، للحصول على ثروات مصادرها الطبيعية.
ولم يكن الاستعمار واستغلال الثروات والمصادر الطبيعية لهذه القارة سببًا لأي تطور فيها، فبينما كانت الدولة المتقدمة تستعمر إفريقيا لتقدم الرفاهية لشعوبها، كانت تتدخل في كل شؤون الدول الإفريقية وتعيق تقدمها وتسيطر على إدارتها وحدودها. بينما رات تركيا في إفريقيا فرصة للانفتاح الاقتصادي، لذا ارتكز الدور التركي على تقديم المساعدات التنموية والعلاقات التجارة، وأولت اهتمامها الأكبر للمساهمة في نهضة الدول الإفريقية، من خلال تسعة مكاتب لمؤسسة التعاون التركي “تيكا” والتي تقدم خدماتها في إفريقيا بمجال المشاريع الخدمية الطبية ومشاريع الإنماء الزراعي ومصادر المياه، كما إن تركيا أصبحت إحدى أكبر الدول المتبرعة من خلال مساعداتها المالية التي تجاوزت 300 مليون دولار. أما على مستوى التبادل التجاري فقد وصل حجم بين تركيا ودول إفريقيا إلى 24 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2014م، بينما كانت 3مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2002م. أما عن الاستثمار التركي في إفريقيا فقد بلغ 6 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2013م.
وعلى الجانب الإفريقي لقى التحرك التركي نحو إفريقيا استجابة إيجابية، لاعتبارات عدة، منها: سعي إفريقيا لإقامة علاقة إيجابية مع تركيا وخاصة أن الأخيرة الحديثة ليس لديها ماض احتلالي أو استعماري مع القارة، والاستفادة من التجربة التركية لاسيما في مجال الاستثمار بالبنية التحتية التي تحتاج إليها معظم الدول الإفريقية وخاصة الخارجية من صراعات وحروب، والحصول على الدعم الإنساني والاقتصادي، لاسيما بعد أن استجابت تركيا لبعض النداءات الإفريقية لتوفير المساعدات التنموية والإنسانية لبعض الدول المنكوبة بالصراعات والحروب الأهلية والكوارث الطبيعية من خلال مؤسسة “تيكا”. وسعيها أيضًا – أي- إفريقيا لنيل الدعم السياسي والأمني، للاستفادة من الدعم التركي في خدمة القضايا الأفريقية في المحافل الدولية خاصة في إطار الأمم المتحدة وكذا الاستفادة من المساعدات التركية وخاصة في المجال الإنساني.
وبهذا التلاقي الإيجابي بين الدول الإفريقية وتركيا، يمكن للأخيرة أن تحقق أهدافها في القارة الإفريقية وهي على النحو الآتي:
– الدفاع عن بقاء مصالح تركيا في بيئتها الإقليمية المتنوعة وذلك من خلال فك طوق العزلة الأوروبية المفروضة عليها سياسيا واقتصاديا، كي تتمكن من الخروج من هذه العزلة المفروضة عليها إقليميا لتتجاوز المسرح الإقليمي إلى ما وراءه “إفريقيا”، والحصول على أكبر تأييد دولي لوجودها وسياساتها من جانب، فضلا عن السعي لخلق تيار مناهض لمنافسيها في إفريقيا من جانب ثان.
– خلق مجال حيوي لطاقاتها وإمكانياتها الإنتاجية والفنية، على نحو يؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من زيادة التبادل التجاري وخلق سوق واسعة للصادرات الصناعية التركية وضمان مورد هام للخامات، وخلق مجالات عمل جديدة للخبرات الفائضة لدى تركيا22
استفادة إفريقيا من الشراكة التركية:
اقتصادياً يستفيد الطرفان من زيادة التجارة بين تركيا وإفريقيا، فهي تزيد الوظائف والاستثمارات، بل إن إفريقيا شهدت زيادة مضطردة في نشاطات التنمية والمساعدات التركية ومشروعاتها، فوكالة التعاون الدولي التركية وسّعت من نطاق عملياتها بعد 2003م، فالوكالة لديها الآن ثلاثة مكاتب في إفريقيا، في إثيوبيا والسودان والسنغال، ومكاتبها تدعم مشروعات التنمية في تلك المناطق، ومن خلال تلك الدول الثلاثة تعمل في 37 دولة أخرى في إفريقيا، ومع افتتاح سفارات تركية جديدة في القارة فمن المتوقع أن تزداد مكاتب الوكالة, ومن ثم يزداد تدفق المساعدات والشراكة التجارية والاقتصادية مع القارة السمراء.
تهدف مشروعات الوكالة ونشاطاتها في إفريقيا إلى خدمة الأهداف طويلة الأمد في تطوير البنية التحتية والاجتماعية والاقتصادية في القارة، وتوفير الدعم في النواحي الإنسانية العاجلة في أوقات الأزمات, ففي أغسطس 2008م أطلقت الوكالة برنامج تنمية الزراعة الإفريقية للمساعدة في تطوير ذلك القطاع المهم من القارة لمدة عامين في ثلاث عشرة دولة، في كل من بوركينافاسو وجيبوتي وإثيوبيا وغينيا وغينيا بيساو ومالي والسنغال وجزر القمر ومدغشقر وتنزانيا وكينيا ورواندا وأوغندا، كما تم افتتاح مكتب تنسيق للتعاون لوكالة التنمية والتعاون الدولية التركية TİKA في إفريقيا، بوصفه أول مكتب يتم افتتاحه في العاصمة الإثيوبية أديس أباب عام 2005م، ثم بعد ذلك تم افتتاح مكاتب في الخرطوم وداكار في عامي 2006م و 2007م على التوالي، ويدعم مكتب الوكالة المشروعات التنموية في إفريقيا.
كما تعمل تركيا أيضاً بالتعاون في المنظمات الدولية لتطوير إفريقيا، فقد خصّصت 50 مليون دولار لتمويل مشروعات تنموية في دول إفريقية في السنوات الخمس في الفترة من 2008م وحتى 2013م، وقد خصّصت تركيا 7,5 ملايين دولار لعدة دول إفريقية عبر منظمات دولية, مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة والهلال الأحمر، لمساعدة تلك الدول لمواجهة الآثار السلبية للجفاف والتصحّر والكوارث الطبيعية الأخرى.
أما من الناحية السياسية؛ فإن إفريقيا تتوقع دعماً تركياً من خلال عضويتها في العديد من المنظمات الدولية، حيث إن تركيا لديها مقعد غير دائم في مجلس الأمن, كما أن منظمة المؤتمر الإسلامي يرأسها التركي أكمل الدين إحسان أوغلو، وتركيا عضو أيضاً بالعديد من المنظمات الدولية الفاعلة, مثل حلف شمال الأطلنطي ومنظمة التعاون الأوروبي وغيرها من المنظمات.
وفي 14 أكتوبر 2010م صرّح وزير الزراعة التركي مهدي إيكر أنه يجب تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا والسودان لتسهيل الإجراءات التجارية بين الجانبين، وذلك بعد أن التقى وزير الخارجية السوداني محمد علي قطري في مكتبه في أنقرة، وصرّح للصحافيين في أثناء الزيارة أن «تركيا والسودان يجب أن يرفعا كافة الحواجز أمام التجارة المشتركة بين الجانبين لتحسين مناخ الاستثمار»، وقد عقدت عدة زيارات بين الجانبين، وصرّح الوزير التركي أن بلاده حققت تقدماً في مجال الزراعة السودانية في السنوات السبع الماضية.
وقد زار وفد مكوّن من 12 عضواً من ممثلي قطاع القطن الإفريقي من تنزانيا وأوغندا وزامبيا مدينة إزمير بغرب تركيا مؤخراً من أجل حثّ أنقرة على الاستثمار في صناعة القطن الإفريقي، وجاءت تلك الزيارة بدعم من مركز التجارة الدولي التابع للأمم المتحدة، وزار الوفد حقول القطن ومصانع الغزل والنسيج في إزمير، وقال ممثل عن الوفد إن الطلب المتزايد على القطن الإفريقي أدى إلى ارتفاع سعره، حيث يُنتج الأفارقة أكثر من مليون طن قطن سنوياً، وهناك مصلحة مشتركة للجانبين في دفع إنتاج القطن الإفريقي، حيث إن تركيا من أكبر الدول المستثمرة في صناعة الغزل والنسيج، كما قامت الخطوط الجوية التركية بعمل رحلات مباشرة إلى كل من تنزانيا وأوغندا، والأخيرة لديها أكثر من مليوني هكتار من الأرض الخصبة الصالحة لزراعة القطن, وتنتظر مستثمرين من تركيا لضخ الاستثمارات في ذلك القطاع المهم.
وقد صرّح سيركان ألبمان، أحد كبار المستثمرين الأتراك والذي يتملك شركات في نيروبي الكينية, أنه «بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في فرص جديدة للاستثمار؛ فإن إفريقيا هي العالم الجديد وأرض الفرص»، مضيفاً أن ذلك يعود إلى عدم وجود ثورة صناعية في أي من أنحاء القارة حتى الآن، وبسبب الأزمة المالية التي أدت إلى تقليص التجارة التركية في الخارج؛ فإنها تهدف إلى زيادة تجارتها مع الدول الإفريقية، فقد استطاعت تركيا أن تُحدث قفزات مهمة في عدة مجالات في إفريقيا، مثل النقل والمواصلات, وعقدت الخطوط الجوية التركية رحلات إلى كل من أديس أبابا والخرطوم ولاجوس وجوهانيسبيرج ونيروبي.
كما تهدف تركيا أيضاً إلى الاستثمار في قطاع النقل البحري الإفريقي، باستثمارات في أهم المنشآت مثل ميناء مومباسا، وقال أحمد يوسيل رئيس القسم الإفريقي بوزارة الخارجية التركية: «لقد جاء رجال الأعمال الأتراك إلى الوزارة وأخبرونا أن هناك فرصاً استثمارية هائلة في إفريقية»، فالعلاقات الوثيقة مع إفريقيا مهمة للغاية بالنسبة لتركيا، حيث إن لدى الأخيرة مصادر طبيعية قليلة ويخضع اقتصادها حالياً إلى عملية تحوّل من الاعتماد الكبير على الزراعة والتصنيع إلى الاتجاه العالمي الحديث الذي يعتمد على قطاع الخدمات، كما أن النمو المطرد للاقتصاد التركي يُعد شرطاً أساسياً لتحقيق حلم تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
كما أن المبادرات التركية في إفريقيا تمتد إلى ما وراء العلاقات التجارية والاقتصادية، حيث إن المساعدات التركية لإفريقيا قد تضاعفت أيضاً لتصل إلى 700 مليون دولار في الفترة من 2005م إلى 2008م، وقال وزير الخارجية التركي علي باباجان - في تلك الفترة - إن تركيا خصّصت عدة صناديق تمويلية لإفريقيا23
القارة الإفريقية و السياسة الخارجية التركية
اكتسب القارة الإفريقية أهمية كبرى لدى السياسة الخارجية التركية، والتي تسعى إلى تمديد نفوذها واستعادة مجدها القديم... فالقارة السمراء لا تزال حتى الآن قارة بكراً بالرغم من سنوات الاستعمار الطويلة، من حيث المصادر الطبيعية والمعادن ومصادر المياه والأرض القابلة للزراعة، وكذلك من حيث النفوذ والهيمنة والتوسّع؛ حيث إن القارة في منطقة جنوب الصحراء لا تزال تتكون من عدة دول فقيرة ومهمّشة, استغلتها القوى الإمبراطورية في السابق، وتطحنها الرأسمالية الطاغية والديون والاتفاقات الدولية في الوقت الراهن، ويمكن أن تمثل زخماً كبيراً للسياسة الخارجية التركية لممارسة قوتها الناعمة، بالاستفادة من كسب أصوات تلك الدول في المنظمات الدولية, وفي عقد شراكات معها لتسويق البضائع التركية، وكذلك لاستيراد المصادر الطبيعية منها؛ بعد أن ظهرت كذلك الكثير من احتياطيات النفط واليورانيوم والذهب والبوكسيت في عدة دول إفريقية.
ولتركيا حضور بارز تاريخياً في أهم دول القارة السمراء من الناحية الاستراتيجية، حيث سيطرت الخلافة العثمانية على دول الشمال بالإضافة إلى دول القرن الإفريقي، فقد كانت كل من مصر وليبيا وتونس والجزائر وإريتريا والصومال والسودان تابعة لها في الفترة ما بين 1536م و 1912م، وكان ذلك يتم في إطار هيمنة الخلافة العثمانية على السواحل في البحرين الأبيض والأحمر، بعمق داخل أرض السودان حيث بعض منابع النيل، وبامتداد حتى الصومال جنوباً في تلك المنطقة المهمة من الناحية الاستراتيجية في القرن الإفريقي, والتي سيطرت على المسارات التجارية قديماً.
لا يخفى على المتابعين الدور الجديد الذي تريد أن تمارسه تركيا في العلاقات الدولية في عالم اليوم بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في البلاد، حيث أصبحت السياسة الخارجية التركية تنظر إلى العالم بوصفها دولة مركز وليس دولة أطراف، لذا فهي تريد أن تضطلع بدور محوري في السياسات الدولية، على محيطها الإقليمي في مناطق شرق المتوسط والقوقاز والبلقان، بالإضافة إلى امتداد نفوذها إلى المناطق الغنية بالثروات من العالم، مثل القارة الإفريقية التي تتمتع بكثير من المصادر الطبيعية غير المستغلة.
وتعد إفريقيا امتداداً للشرق الأوسط, وتؤثر التفاعلات فيها على استقراره، فمشكلات مثل تقسيم المياه بين دول حوض النيل أو القرصنة في القرن الإفريقي أو النزاعات العرقية في دول جنوب الصحراء، كلها تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على استقرار الشرق الأوسط الذي تنتمي إليه تركيا، فتركيا تتمتع برؤية أكثر اتساعاً وعالمية بحكم موقعها المثالي الذي يجعلها دولة آسيوية وأوروبية في الآن نفسه، مع قربها من إفريقيا عبر شرق المتوسط، وتتسم تركيا كذلك بالعمق التاريخي بوصفها كانت في مركز الأحداث التاريخية، سواء في المرحلة البيزنطية أو العثمانية.
ويعود الاهتمام التركي بإفريقيا إلى نهاية التسعينيات؛ حيث إنها أرادت أن تعيد أمجاد إمبراطوريتها العثمانية، والبحث عن دور إقليمي فعّال في القارة السمراء, ففي عام 1998م أصدرت تركيا وثيقة عن توجهها الجديد تجاه إفريقيا, أطلقت عليها اسم «السياسة الإفريقية»، وتسعى هذه السياسة إلى تدعيم الروابط الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية التركية مع الدول الإفريقية.
ولكي نرصد الدور التركي في إفريقيا يجب علينا أولاً أن نعرض أهم محدّدات السياسة الخارجية التركية الجديدة، والتي يديرها البروفيسور أحمد داود أوغلو باقتدار، منذ أن كان مستشاراً لرئيس الوزراء رجب طيب أردوجان منذ عام 2002م، وحتى تقلّده منصب وزير الخارجية بدءاً من عام 2009م، حيث حدّد أهم مرتكزات السياسة الخارجية التركية الجديدة في النقاط الآتية:
1 - سياسة «تصفير المشكلات»: بحيث تستطيع تركيا أن تتمدد في جوارها القريب أو البعيد، والذي يجب ألا يكون معادياً أو به مشكلات تعوق انتقال الأموال والبضائع، ومن ثم تستطيع عقد اتفاقيات شراكة أمنية واقتصادية وفي مجالات الطاقة مع تلك الدول التي تُعد الفناء الخلفي لتركيا جنوباً؛ بدءاً من العراق وسوريا, ومروراً بالشرق الأوسط, وانتهاء بإفريقيا.
2 -سياسة البيوت الخشبية: وتعني أنه إذا شبّ حريق في أي بلد مجاور فبالضرورة سوف يمتد إلى تركيا والبلدان المجاورة بسبب طبيعة تلك الدول المتلاصقة، والتي تتشابك مصالحها بعضها ببعض عن طريق الروابط التجارية والثقافية والتاريخية، ومن هنا تبرز مشكلات مثل تقسيم المياه بين دول حوض النيل, وكذلك القرصنة في القرن الإفريقي، بوصفها تهديدات محتملة للنفوذ التركي الناشئ في القارة السمراء، حتى لو كانت تهديدات بعيدة الأمد.
3 - العمق الاستراتيجي: حيث يرى أحمد داود أوغلو أن تركيا يجب أن تتمع بعمق استراتيجي لكي تتمدد تمددها الطبيعي في جوارها, وذلك بالتخلص من كل المشكلات، حيث قال في كتابه: «الفرضية الأساسية لنظرية العمق الاستراتيجي؛ هي أن قيمة الدولة في السياسات الدولية تعتمد على موقعها الجيواستراتيجي وعمقها التاريخي، وتركيا تتمتع بكلٍّ من المكان الذي يعطيها نفوذاً على المناطق الجيوبوليتيكية عن طريق تحكّمها في مضيق البسفور, وتركتها التاريخية للإمبراطورية العثمانية
كما يسمح مفهوم المجالات أو الأحواض القارية بمنح تركيا عمقاً استراتيجياً في إفريقياً، وإمكانات للتأثير في أوروبا وآسيا، وهو ما يُطلق عليه أوغلو: «أفروأوراسيا», فتركيا تتمتع برؤية أكثر اتساعاً وعالمية بحكم موقعها المثالي الذي يجعلها دولة آسيوية وأوروبية في الآن نفسه، مع قربها من إفريقيا عبر شرق المتوسط, وتتسم تركيا كذلك بالعمق التاريخي حيث كانت في مركز الأحداث التاريخية، سواء في المرحلة البيزنطية أو العثمانية24
أهمية إفريقيا في السياسة الخارجية التركية:
في الفترة من 18 إلى 21 مارس 2008م عقدت تركيا في إستانبول قمة إفريقية تركية هي الأولى من نوعها تحت عنوان «التضامن والشراكة لمستقبل مشترك», حضرها ممثلون من 50 دولة إفريقية، حيث شكّلت تركيا في ظل حكومة «حزب العدالة والتنمية» رؤية جديدة للعلاقات التركية الإفريقية(5)، وصرّح الرئيس التركي عبد الله جول أنه عقد لقاءات ثنائية مع رؤساء وفود 42 دولة في إطار القمة(6), فمنذ عام 1998م تبنّت تركيا سياسة الانفتاح على إفريقيا، بهدف تنمية علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية بالدول الإفريقية، وتهدف تلك السياسة إلى تقوية التعاون في مختلف المجالات، كما أعلنت تركيا عام 2005م «عام إفريقيا»، وزار أردوجان إثيوبيا وجنوب إفريقيا في مارس من العام نفسه، ليصبح أول رئيس وزراء تركي يزور دول تحت خط الاستواء، كما حظيت تركيا برتبة «مراقب» في الاتحاد الإفريقي في 12 أبريل 2005م، كما منحت قمة الاتحاد الإفريقي - التي عُقدت في يناير 2008 في أديس أبابا - تركيا وصف «حليف استراتيجي»
وقد عقدت تركيا مؤتمراً كبيراً جمعت فيه كل السفراء والممثلين الأتراك من جميع أنحاء العالم في ضيافة وزير الخارجية التركي آنذاك علي باباجان في 15 يوليو 2008م, وأعلن فيه أن تركيا «تهتم اهتماماً خاصاً بإفريقيا في سياق رؤية تركيا السياسية الجديدة»، وقال إنه في السنوات القليلة القادمة سوف تفتح تركيا خمس عشرة سفارة جديدة في القارة السمراء.
في إطار الشراكة الإستراتيجية التركية الإفريقية صحب الرئيس التركي عبد الله جول في جولته الإفريقية في مارس 2010م عدداً كبيراً من الوزراء ورجال الأعمال، وناقش في جولته التي شملت الكونجو والكاميرون العلاقات السياسية, وكذلك القضايا الإقليمية والدولية, وسبل تعزيز التعاون المشترك في مجالات التعدين والطاقة والسياحة والزراعة، وقبل ذلك بعام في فبراير من عام 2009م قام جول بزيارة كينيا وتنزانيا، وكان حجم تجارة تركيا مع إفريقيا يبلغ 5 مليارات دولار أمريكي فقط في عام 2003م، لكنه ارتفع إلى 15 مليار دولار أمريكي في عام 2009م, وقال الرئيس التركي: «إن هدفنا هو رفع حجم التجارة إلى 30 مليار دولار أمريكي في أقرب وقت ممكن، واليوم الأتراك يصدّرون السلع والمنتجات التركية لإفريقيا, بدءاً من مساحيق الغسيل وحتى الملابس الجاهزة, كما أن شركات المقاولات التركية تساهم في بناء المطارات والمساكن والسدود في إفريقيا ويتوقع أن يصل حجم التجارة بين تركيا وإفريقيا إلى 50 مليار دولار بحلول عام 2012م, فقد صرّح وزير التجارة الخارجية التركي كورشات توزمان أن حجم التجارة بين تركيا والدول الإفريقية ارتفع بنسبة 140% في الفترة من 2003م حتى 2007م، وقال توزمان - في كلمته التي ألقاها خلال افتتاح «منتدى الأعمال للقمة التركية الإفريقية» في إستانبول - إن حجم التجارة بين تركيا والدول الإفريقية ارتفع بنسبة 55% خلال النصف الأول من عام 2008م, مضيفاً أنه قد يصل إلى 19 مليار دولار أمريكي بنهاية 2010م.
والسياسة الخارجية التركية تجاه إفريقيا لا تعتمد فقط على الأهداف الاقتصادية والتجارية، ولكن تشتمل أيضاً على توجّه متكامل عبر المساعدات التقنية في مجالات مثل مكافحة الأمراض والتنمية الزراعية والري والطاقة والتعليم والمساعدات الإنسانية, ورحّبت تركيا بقرارات مؤتمر الوحدة الإفريقية الذي عُقد في يناير 2008م بإعلان تركيا شريكاً استراتيجياً، وكانت قمة «التعاون الإفريقي التركي» التي عُقدت في 2008م نقطة انطلاق التعاون المستمر بين الجانبين، وقد خصّصت تركيا آليات لمتابعة تلك القمة بإعلان إستانبول للشراكة التركية الإفريقية، وتهدف إلى تنظيم لقاءات على مستوى القادة بين الجانبين في السنوات الخمس الأولى من تلك الشراكة حتى نهاية 2010م، ولقاءات على المستوى الوزاري لمراجعة نتائج المؤتمر في 2011م، ولقاء ثان على مستوى القادة في 2012م, وقمة ثانية بين تركيا وإفريقيا في عام 2013م.
وبالإضافة إلى وضعية تركيا كمراقب في الاتحاد الإفريقي؛ فإن تركيا تم قبولها عضواً غير إقليمي ببنك التنمية الإفريقي عام 2008م، كما أنها أصبحت عضواً أيضاً في منتدى «الإيجاد» IGAD منذ عام 2008م، كما أن السفارة التركية في أبوجا النيجيرية تشارك في التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا ECOWAS، وتشارك السفارة التركية في دار السلام في تجمّع شرق إفريقيا EAC منذ 2010م.
كما تساهم تركيا في مهام السلام والاستقرار في إفريقيا، حيث إن تركيا تشارك في مهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام المنتشرة في القارة، حيث تقدّم تركيا مساعدات مالية وبشرية لست مهام من المهام الثمانية التي تشارك فيها الأمم المتحدة بإفريقيا، كما شاركت تركيا مع مصر في رئاسة «المؤتمر الدولي للمانحين لإعادة إعمار وتنمية دارفور» الذي عُقد في القاهرة في 21 مارس 2010م، وفي أثناء المؤتمر أعلنت تركيا عن منحة قدرها ما بين 65 إلى 70 مليون دولار للمساعدات الإنسانية في مجالات الصحة والزراعة والتعليم في دارفور.
كما استضافت تركيا مؤتمر إستانبول بشأن الصومال الذي تم تنظيمه في إطار منظمة الأمم المتحدة في الفترة ما بين 21 إلى 23 مايو 2010م، وقدّم هذا المؤتمر دعماً مهماً لعملية السلام التي تجري في جيبوتي لدعم الحكومة الفيدرالية الانتقالية، وجاء إعلان إستانبول في أثناء المؤتمر كخريطة طريق لتسوية الوضع في الصومال.
كما قررت تركيا أيضاً أن تفتح 15 سفارة جديدة لها في كل من غانا والكاميرون وكوت ديفوار وأنجولا ومالي ومدغشقر وأوغندا والنيجر وتشاد وتنزانيا وموزمبيق وغينيا وبوركينافاسو وموريتانيا وزيمبابوي، كما بدأت السفارات التركية العمل في عدة مناطق أخرى من القارة, مثل أبيدجان في نوفمبر 2009م، وياوندي في يناير 2010م، وأكرا في فبراير 2010م، وباماكو في فبراير 2010م, وكامبالا في مارس 2010م, ولواندا في أبريل 2010م, وأنتاناناريفو (مدغشقر) في أبريل 2010م، ولدى تركيا الآن 20 سفارة في إفريقيا، منها 15 في دول جنوب الصحراء الإفريقية25
الروابط الدينية
تمثّل الروابط الدينية والتاريخية عنصراً مهماً في دعم العلاقات التركية الأفريقية. يذكر أن إدارة الشؤون الدينية في تركيا لم تكن، تاريخياً، تؤدي أي دور على مستوى السياسة الخارجية، وكان دورها مقتصراً على تلبية احتياجات المسلمين داخل البلاد، إلا أن ذلك تغيّر في عهد السياسة الخارجية التركية النشطة ومتعددة المستويات.
وأصبح الدين أحد أبعاد قوة تركيا الناعمة بخاصة في أفريقيا، ما انعكس على دور الإدارة الدينية، ومن أدوارها الآن جمع القيادات الدينية الأفريقية للاجتماع في اسطنبول، وهذا تحول مهم لتركيا، الدولة العلمانية وفق دستورها.
وتعدّ استضافة تركيا لقاء رجال الدين الأفارقة في اسطنبول عام 2006، والذي ضمّ ممثّلين عن 21 دولة، مؤشراً الى نقطتي تحوّل كبيرتين في السياسة الخارجية التركية، الأولى، تغيّر رؤية الدولة في التعامل مع الجماعات والمؤتمرات ذات التوجه الديني، إذ أصبحت تراها وسيلة لتحقيق المصالح القومية التركية بالقوة الناعمة، والثانية إدراك تركيا أن استكمال سياسة الانفتاح على أفريقيا ودعمها يتطلبان توظيف البعد الديني
وتراهن تركيا في استراتيجيتها الاقتصادية مع أفريقيا، على غياب العقد التاريخية التي تعكّر علاقات شعوب القارة مع باقي الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، وعلى كون قسم من سكان هذه القارة من المسلمين، لإقناع الدول الإفريقية بضرورة الانفتاح الاقتصادي البيني، في مواجهة تكتلات الدول الكبرى 26
يوجد عدد هائل من الخرجين من الجامعات العربية والاسلامية في إفريقيا ويوجد منهم الدكاترة في مختلف التخصصات، ولم يكن لهم متابعة حية من الدبلوماسيات الدول العربية والتركية والقطرية وهم بمثابة المنسيين في بعض الدول الإفريقية، وخاصة في الدول التي يقل فيها الأنشطة الثقافة العربية والاسلامية، وجل الدبلوماسيات الدول العربية تعتني ببناء المساجد وحفر الآبار وإفطار الصائم وهو عمل خيري لا يستخف به لكن طموحات بعض الشعب الإفريقي أن تفتتح الدول العربية فروع جامعاتها في مختلف الدول الافريقية، وتمول مشاريع تقدم اللغة العربية وآدابها، وتدعم البحوث والدراسات العربية الافريقية، والاندية الأدبية والثقافية.















المصادر والمراجع
1. راوية توفيق، الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، الجزيرة.نت
2. نفس المرجع
3. نفس المرجع
4 . نفس المرجع
5. نفس المرجع
6. نفس المرجع
7. نفس المرجع
8 . نفس المرجع
9 . نفس المرجع
10. نفس المرجع
11. نفس المرجع
13 . نفس المرجع
14. نفس المرجع
15. نفس المرجع
16. نفس المرجع
17 معمر فيصل خولي مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
http://rawabetcenter.com/archives/4228
18http://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%A3%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1
19.معمر فيصل خولي ، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
http://rawabetcenter.com/archives/4228
20. نفس المرجع
21. نفس المرجع
22. نفس المرجع
23.http://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%A3%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1
24.نفس المرجع
25. نفس المرجع
26.http://www.alhayat.com/Articles/7371516/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9



#ابراهيم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأدب العربي الإفريقي/ ديوان إفريقيا النازفة للشاعر ابراهيم ...
- ديوان إفريقيا النازفة للشاعر ابراهيم محمد
- الدمية الجنسية والمرأة الإفريقية
- الصدق الفني والصدق العاطفي في الرثاء الجاهلية
- المقالة الصحفية الادبية واثرها في تغيير المجتمع
- عالمية الغزل في اعمال الشاعر التشادي أحمد جابر دراسة أسلوبية ...
- المراة المحبوبة في عمق القلب
- الأدب الإفريقي الخلاسي
- الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية
- العلاقات التركية الأفريقية من جديد
- البلاغة الكلاسيكية والجديدة
- علاقة الأدب بالمجتمع
- النقد الأدبي تعريفه ومفهومه ومنهجيته ومقاييسه واتجاهاته
- الأدب المقارن مفهومه ونشأته وتطوره
- القصة الإفريقية الشفهية وأهميتها
- القصة الإفريقية الشفهية وميلاد القصة العربية
- المرأة في الأدب العربي الإفريقي في جنوب الصحراء شعراء وسط إف ...
- الأدب العربي الإفريقي في منظور الدكتور يوسو منكيلا
- اثر الثقافة العربية على قبيلة مزغوم في الكاميرون
- الأدب العربي الإفريقي في جنوب الصحراء عالمية الغزل في الشعر ...


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم محمد - العلاقات العربية الأفريقية