|
توظيف الدين في السياسة… رامي مخلوف نموذجاً
مالك الحافظ
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 6790 - 2021 / 1 / 17 - 00:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إطلالات عديدة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" كانت بمثابة مرحلة جديدة لرجل الأعمال واين خال رئيس النظام السوري، رامي مخلوف، هذه المرحلة التي يمكن القول عنها بأنها المحطة الأكثر حساسية وخطورة لمخلوف، فإما الانقلاب فيها على بشار الأسد أو القضاء عليه بشكل نهائي إلى دون رجعة.
لا يبدو أن مصير سلمان المرشد "مؤسس الطائفة المرشدية في سوريا" (أعدم شنقاً عام 1946) يغيب عن ذهن رامي مخلوف، وهو الذي يتشابه معه بالأسلوب ذاته في تعزيز قاعدته الشعبية، وإن اختلف عنه قليلاً رامي في شكل بناء هذه القاعدة وظروفها، فالأخير لم يبدأ حملته على موقع "فيسبوك" من أجل بناء القاعدة و إنما تعزيزها واستغلال ذلك سياسياً للهروب إلى الأمام والانقلاب على ابن عمته الذي شعر بخطر الابن الأكثر شهرة في عائلة مخلوف؛ فشن عليه و تياره الاقتصادي حملة أسماها "مكافحة فساد" تذكر أن يقوم بها بعد عشرين عام من تنفذ تيار مخلوف وسطوته المنقطعة النظير في تاريخ الاقتصاد السوري، بدعم وتنسيق من قبل بشار الأسد في ذلك الوقت.
باتت المنشورات ذات الطابع الديني هي السمة العامة لصفحة مخلوف الشخصية على "فيسبوك" والتي قد يتخلل بعضها منشورا يحمل طابع التظلم والاستعطاف جرّاء الظلم الذي لحق به خلال الشهور الماضية وفق ادعائه. فتكررت أدعية رفع البلاء و رد القضاء التي قال عنها مخلوف بأن مفعولها سيكون محصناً للسوريين من كثرة البلاء القادم عليهم، وكأنه يقول أن حكم بشار الأسد لن يجلب لهم إلا الويلات. هذا قول مفروغ منه ومن حتميته، ولكن المضحك المبكي أنه صادر عن أكثر شخصية أضرت بمصالح السوريين وسرقت أموالهم بشكل شرعنه رئيس النظام الذي انقلب عليه الآن.
كان مقطع الفيديو الذي نشره مخلوف في السابع من شهر كانون الثاني الجاري، والذي تنبأ فيه بظهور "المهدي المنتظر"، فرصة لإنعاش الذاكرة لتعود بنا إلى قبل حوالي مئة عام، عندما تنبأ سلمان المرشد بقرب ظهور المهدي "ليملأ الأرض عدلاً"، ليبدأ بعد ذلك التنبأ الذي أسس له قاعدة شعبية بين أهالي منطقته؛ وفي عام 1938 بالتحديد، وليشرع عندئذ بتعيين فدائيين (عسكريين تابعين له) وقضاة، وهنا يكمن الاختلاف بين مخلوف والمرشد، فظروف المرحلة و خصوصيتها فضلا عن طبيعة الدور والحجم لكل منهما تعطي الفارق الشكلي في توظيفهما للدين، فمخلوف لن يحتاج لتشكيل فرق عسكرية و لن يسعى لتأسيس قاعدة شعبية داعمة فهي بالأساس مكونة له من خلال أعمال مؤسساته التي يصفها بـ "الخيرية" (راماك، و جمعية البستان)، فضلا عن أن "البستان" تملك فصيلا مسلحا جند الكثير من السوريين خلال فترة الحرب، إلى جانب تقديمها المساعدات والدعم المالي بصنوف مختلفة، وهو ما ساهم بتأسيس تلك القاعدة الشعبية والتي رفضت بشكل كبير الإجراءات التي مورست ضد مخلوف ضمن ما أسماه الأسد "مكافحة الفساد" حيث فسرها البعض على أنها انتقامية، وانتشرت موجة سخط على الأسد وزوجته التي اتهموها بالسطو على حصتهم في السطوة الاقتصادية وتصفية وجود مخلوف من على الخارطة الاقتصادية السورية.
في سياق آخر ذي صلة، لا يمكن الاتهام بمسؤولية جهة معينة داخل سوريا مرتبطة بالأسد أو مخلوف، أو متصلة بالقوى المتدخلة في الشأن السوري بافتعال حرائق مناطق الساحل خريف العام الفائت، طالما أن لا دلائل دامغة، غير أن مراقبة ردود فعل مخلوف والأسد ما بعد الحرائق تظهر استغلالاً سياسياً للحرائق، فالأسد بدأ حملته الانتخابية ما بعدها، وأما مخلوف فأعاد فتح ملف كياناته الاقتصادية المحجوز عليها مبديا تقديمه عدة مليارات لتعويض المتضررين. وكأن تلك الحرائق جاءت في وقتها المناسب لدى البعض.
عموماً فإن ثقة رامي مخلوف في تحدي ابن عمته، و نقل الصراع على العلن في وسائل التواصل الاجتماعي، لا يدع مجال للشك بأنه عاقد العزم على تصدير نفسه كشخصية قادرة على قيادة مرحلة سياسية جديدة في سوريا وهو الذي ابتعد عن المشهد العام في سوريا في أوائل فترات الحراك الشعبي ضد النظام السوري، وعاد الآن بصبغة متوازنة قد ترضي بعض من الأطراف المتدخلة في الملف السوري، فهو من نفس المنظومة التي ما تزال تمتلك رصيداً لا بأس به من الشعبية، إضافة إلى أنه رجل اقتصادي يجيد التعامل مع تفاصيل ومكامن إعادة الإعمار، وهو الذي يملك قاعدة شعبية ضمن الحاضنة الرئيسية للأسد.
عليه يبقى التساؤل مُثار حول سيناريو تحدي مخلوف للأسد وتصدير خطابه الديني للتوظيف السياسي، فهل يلقى نفس مصير سلمان المرشد، وينجح الأسد في التغلب عليه وكذلك على أي جهة داعمة له، حيث لا يبدو أن مخلوف يعتمد على نفوذه المجتمعي محلياً و إن كان هذا النفوذ ستكون له الكلمة الأخيرة، إلا أن جهات دولية قد تكون إلى جانب مخلوف وإن لم تتضح معالم ذلك بعد.
*كاتب صحفي و باحث سياسي سوري
#مالك_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسس ومبادئ وطنية في الدستور السوري الجديد
-
الجيش السوري بين العقائدية و الفيدرالية
-
التوظيف السياسي لفيروس -كورونا المستجد- في سوريا
-
عن روسيا والصراع في سوريا
-
أن تكون سوريّاً
-
نحو صفر مشاكل تركية؟
-
اشكال الهوية ما بعد الاستعمارية
-
نحو جنيف2 والمعارضة الوطنية السورية
المزيد.....
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
-
زاخاروفا ترد على تصريحات بودولياك حول صاروخ -أوريشنيك-
-
خلافات داخل فريق ترامب الانتقالي تصل إلى الشتائم والاعتداء ا
...
-
الخارجية الإماراتية: نتابع عن كثب قضية اختفاء المواطن المولد
...
-
ظهور بحيرة حمم بركانية إثر ثوران بركان جريندافيك في إيسلندا
...
-
وزارة الصحة اللبنانية تكشف حصيلة القتلى والجرحى منذ بدء -ا
...
-
-فايننشال تايمز-: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا و
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|