|
ازدراء الأديان والزندقة تهمة من لا تهمة له..
هبه محمد حافظ
الحوار المتمدن-العدد: 6784 - 2021 / 1 / 10 - 08:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ازدراء الأديان و الزندقة لهما معانى مختلفة بين الماضي والحاضر ولكن كلتا التهمتان لهما نفس النتائج على المتهم حيث أنها تنتهى بإراقة الدماء أو السجن . في السطور التالية سوف نتعرض لبعض النماذج التي تم استخدام فيها تهمة الزندقة لتصفية حسابات بين المتنافسين، ولكننا نبدأ بالتعريف لمعاني الازدراء والزندقة. ازدراء الأديان وهى إساءة واستخفاف تصدر ناحية دين ما ينتج عنها تعمد النيل من هذا الدين أو من شخصياته المقدسة وتبنى أفكار سلبية ومواقف متعصبة ، وقد تستخدم هذه التهمة للنيل من الخصوم عبر رميهم بها. الزندقة كانت تطلق قديماً علي من يؤمن بالديانة المانوية ويعتقد في عبادة النور والظلام ، ثم تطورت وأصبحت تهمة تلاحق كل مختلف فكرياً عن كل ما هو سائد في المجتمع ، فرُمي بها علماء أتوا بعلم لم يستطع مغلقو العقول علي فهمهم فحاربوهم ورموهم بها ، أو استخدمت كتهمة للتنكيل بالمتخاصمين سياسياً أو علمياً وأمثلة على ذلك نذكر:
ابا الوليد ابن رشد صورة ابن رشد في مدينة قرطبة ولد في قرطبة عام 520 هــ ولقب بالحفيد وذلك تمييزا له عن جده وأبيه الذين كانا قاضيين وفقيهين مشهورين . درس الفقه المالكي وعلم الكلام والطب والفلسفة و قدمه ابن طفيل إلى الخليفة أبى يعقوب يوسف الأندلسي الموحدى وولى القضاء في عهده. نال المناصب في عهد الخليفة الموحد المنصور وذلك كان سببا في جعله مثاراَ لحسد اقرانه ، فحاول بعض الكارهين له السعي به عند الخليفة المنصور الموحدي واخذوا بعض تلاخيصه التي كتبها شارحا بعض رموز الفلسفة القديمة واخذوا بعض اوراقه تأولوها خروجا عن ما عرف من الدين ، ورفعوا هذه الاوراق الي الخليفة بعد ان اتي الي قرطبة بعد معركة الارك ، فأمر بعقد جلسه حضرها الرؤساء والاعيان وأُتي بابن رشد واعطاه الخليفة المنصور الاوراق وقال له : أخطك هذا ، فأنكر ابن رشد فقال الخليفة :لعن الله كاتب هذا الخط وأمر بلعنه .ليس الاشتغال بالفلسفة هو كل ما أتُهم به ابن رشد، بل أتُهم بأنه كذب صريح القران الكريم وأتهم بالزندقة والخروج من الدين وأمر أن يحدد أقامته في مدينة أليسانة وأن لا يخرج منها.
إحراق مؤلفات الامام الغزالى ولد الأمام أبو حامد الغزالي في نيسابور عام 450 هــ وعرف أنه أحد مؤسسي المدرسة الأشعرية في علم الكلام . كان من أشهر مؤلفاته كتاب إحياء علوم الدين الذى حاز على شهرة واسعة في زمانه .وفى عهد دولة المرابطين في الأندلس كان فقهاء المالكية ذو نفوذ كبير خاصة في عهد الامير علي بن يوسف بن تاشفين أمير المرابطين في المغرب فقاموا بالإيعاز لأمير المؤمنين علي بن يوسف لحرق كتاب احياء علوم الدين لما يتضمنه من مسائل فلسفيه وكلامية وكره المالكية لهذه العلوم فطلبوا من الامير حرق هذا الكتاب لما يحمله من افكار . وكان هذا السبب الظاهري ، فلقد كانت هناك اسباب خفيه تتعلق بهؤلاء العلماء الذين طالبو بالحرق ، فلقد كان هذا الكتاب ينتقد وبشده علاقه الائمة والفقهاء بالسلطة واستخدامهم الدين كوسيله لتحقيق الأطماع الدنيوية كالثراء والجاه ، فلقد وصفهم الامام الغزالي بعلماء السوء الذين يطلبون الدنيا بعلمهم فأقل درجات العالم ان يعي حقارة الدنيا وعظم الاخرة ودوامها , والبعد عن الترف والتشبه بالسلف الصالح.
ابن عربي شيخ المتصوفة مؤلفات ابن عربي ولقد تعرض لهذه التهمة أيضاً الشيخ محي الدين الطائي الحاتمي الشهير بابن عربي شيخ المتصوفة والذى ولد في مدينة مرسيه عام 560 هــ في أسرة غنية مرموقة عرفت بالزهد والتصوف ،زهد في الشهوات في سنوات شبابه واتجه إلى التصوف ونما إيمانه بالظواهر الخارقة في الحياة الصوفية ، سافر ابن عربي الي مصر عام 603 هـ , وعاش في القاهرة مع جماعة من الصوفية , وذاع صيتهم في مصر ووصل الي مجموعه من الفقهاء الغيورين علي السُنه واتهمه هؤلاء الفقهاء بالمروق عن الدين والزندقة , واتهمهم بن عربي بالجهل وسوء الاخلاق , فسعوا به الي الملك العادل لإراقة دمه , فتشفع له الشيخ ابي الحسن البجائي وفسر له مذهب بن عربي في الوحدة والوجود تفسيرا مبسطا فأمر بإطلاق سراحه. إذا توقفنا هنا قليلاً ناظرين للنماذج المختلفة نستنبط شيء شديد الخطورة ، وهو كما نري في النماذج السابقة تدخل رجال الدين في السياسة ومحاولة تكميم كل فكر جديد خوفا من التعرض لمكانتهم في الدولة ومحاربة كل من يقوم بذلك بشتي الطرق المستقيمة كانت أو الملتوية . بالإضافة الى محاولة كل عالم دين المحافظة علي الكهنوت الخاص به وعدم التطاول عليه من العامة معتقداً أنه الوسيط بين العامة والله سبحانه وتعالي وبدونه لن يستطيع الإنسان أن يفهم دينه . ديوان الزندقة أما في الشرق حيث مجد الدولة العباسية فكانت هذه التهمة تطلق علي كل من يتشبه بالفرس في حياتهم ومعتقداتهم الدينية . فبعد أن قامت الدولة العباسية علي أكتاف الفرس ولولا مساعدتهم لما قامت ، وبعد أن تخلص الخليفة أبو جعفر المنصور من أبو سلمة الخلال وأبو مسلم الخراساني القائدين الفارسيين والذين كانت لهما شعبية جارفة لدي الفرس خوفا من مكانتهم في الدولة الوليدة ،ظهرت حركات دينية عديدة تطالب بالقصاص لدم أبو مسلم الخراساني ، وظلت هذه الحركات في خراسان طوال عهد الخليفة أبو جعفر المنصور و أبنه الخليفة المهدي العباسي حتي قام الأخير بإنشاء ديوان أسماه ديوان الزندقة والذى كان العاملين عليه يطاردوا كل من يعتقد في الديانة الزرادشتية . وأستغل بعض كبار الدولة تشدد المهدي في التنكيل بالزنادقة في التخلص من بعض الخصوم السياسيين فلقد وشي حاجب الخليفة المهدي الربيع ابن يونس الي الخليفة عن ابن خصمه عبد الله بن ابي عبيد الله وذلك لمنافسته ووالده . ولم ينتهى الأمر على هذا بل أشار علي الخليفة ان يقتل ابي عبيد الله ابنه فخارت قواه وهنا تدخل الحضور أن يتولى غير ابي عبيد الله هذه المهمة الذي بدوره عنف ولده قائلا "ما بهذا أدبتك ، وقد علمتك كتاب الله عز وجل " فأمرا لخليفه حارسه ان يقتل عبد الله ابن ابي عبيد الله ,وعندما هَمّ بقتله عرض التوبة علي الخليفة ولكنه رفض طلبه وتم قتله. تم رمى العديد بتهمة الزندقة منهم الكاتب عبد الله بن المقفع الذي ترجم العديد من امهات الكتب الفارسية الي العربية مثل كليلة ودمنه ، والذي قال فيه الخليفة المهدي إنه لم يري مطلقاً كتاب زندقة إلا ويرجع إلي بن المقفع ، فأُتهم أنه زنديق مُفسد للناس فقُتل ابن المقفع ومُثّل بجثته. لم ينجو من هذه التهمة علماء الحضارة الإسلامية فأتهموا بالزندقة أمثال جابر بن حيان ، وبن سينا ، وبن الهيثم ، والفارابي ، وأبو بكر الرازي . وامتدت أيضاً للشعراء أمثال أبو العلاء المعري وكل من أشتغل بالفلسفة فكانت تصاحبه تهمة الزندقة من الإسلاميين الأصوليين ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أمتد إلي المتصوفة والمعتزلة وأصحاب المذاهب الكلامية. ومع امتداد هذا الخط المتطرف نصل إلي محاولة اغتيال نجيب محفوظ و اغتال فرج فودة علي أيدي إسلاميين متشددين بسبب كتب التراث الإسلامي وما فيها من الفتاوى تتيح تكفير هؤلاء العلماء وإهدار دمائهم واعتبارهم خارجين عن الدين ، ومن رأيي أن هذا ناتج عن عجزهم عن الرد علي أصحاب الآراء المخالفة فالأسهل هو رميهم بالكفر والإلحاد . فإذا استطاعوا الرد ودحر الآراء المعارضة لهم لما اضطروا إلي اللجوء إلي العنف ، فالفكر يرد بالفكر ، القلم يواجه قلم ،مثلما كتب الأمام ابو حامدالغزالي كتاب " تهافت الفلاسفة " فقام بن رشد بالرد عليه بكتاب " تهافت التهافت " أري من وجهة نظري أن هذه الطريقة المثلي للتعامل مع المختلفين فكرياً وهو الرد دون تجريح شخصي وداخل الإطار الموضوعي للنقد.
#هبه_محمد_حافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازدراء الأديان والزندقة تهمة من لا تهمة له..
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|