أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مدن - غسان كنفاني: رائحة رغيف طازج














المزيد.....

غسان كنفاني: رائحة رغيف طازج


حسن مدن

الحوار المتمدن-العدد: 6783 - 2021 / 1 / 9 - 14:56
المحور: الادب والفن
    


مرة وجه أحد الصحفيين سؤالاً إلى الشهيد غسان كنفاني عن علاقة هذا الأخير بالكتابة. سأله الصحفي : هل تحب الكتابة أم تكرهها؟
وقتها كان غسان رئيسا لتحرير مجلة "الهدف" الفلسطينية الشهيرة، فأجابه غسان بالتالي: "عادة، عندما أفرغ من عملي في المكتب وأعود إلى البيت ينتابني شعور بالإرهاق، مما يمنعني من ممارسة الكتابة، لذلك أفضل القراءة، وطبعا يتوجب علي أن أقرأ مدة ساعتين يومياً، إذ ليس بإمكاني الاستمرار دون ذلك، ولكن بعد الانتهاء من القراءة أشعر بان الإخلاد إلى النوم أو مشاهدة فيلم سخيف أفضل بالنسبة لي. إذ أنني لا أستطيع أن أكتب بعد انتهائي من عملي".

علينا، بعد ذلك، أن نلاحظ أن قائل هذا الكلام هو كاتب بارع وعذب ومتدفق مثل غسان كنفاني، لكنه لم يقل إنه يحب الكتابة، بل أوحى لنا بأنه إلى النفور منها أميل من الإقبال عليها. ولن نقبل بسهولة انه يكره الكتابة، ولكنه هنا يتحدث عن معاناتها التي تجعله يفضل، أحياناً، مشاهدة فيلم سخيف عليها، لأن ذاك لن يتطلب منه الشدّ الذهني والتوتر العصبي، بيد أن الأمر على الأرجح أعمق من هذا، إنه يتصل بالشعور العالي بالمسؤولية تجاه الكتابة طالما كانت هذه الكتابة ستقدم للقارئ.

في حوار آخر يعود إلى عام 1960 قال غسان: "أفكر في كتابة قصتين، الأولى قصة إنسان مخذول، خذلته القيمة التي اعتقد أنها مقياس الحياة الوحيد، وإذا بها قيم لا تعتبر في عالم الحضارة المعاصر. إنني لم أتوصل إلى اصطياد الحادثة الملائمة، ولكنني أحتاج إلى أن أصل منه إلى التعبير عن الإنخداع الكامل الذي يحسه إنسان صفع بشيء اّمن به، فإذا به عند الآخرين لا يساوي شيئا، وليس يهمني على الإطلاق أن يكون هذا الإيمان خطأ أو صواباً، يهمني فقط أنه إيمان يحمل على دعائمه كل طموح ذلك الإنسان".

ثم يتحدث غسان عن موضوع القصة الثانية. قال إنه سمع الموضوع من صديق رواها له "ببساطة حرقت محجري". ويضيف: "لم أصل بعد إلى صياغة جميع تفاصيل هذه القصة، ولكني أشعر اني أستطيع أن أفهمها بإخلاص وصدق .. بل وأن أعانيها".

في كلام غسان أعلاه شبكة مصطلحات وعبارات ذات شحنة دلالية عالية: "اصطياد الحادثة الملائمة"، "يهمني فقط انه إيمان"، "فهم القصة بإخلاص وصدق معاناتها". هذه الأمور كلها تجعل المبدع نافراً من الكتابة، غير مقبل عليها قبل أن تكون قد استوت في داخله، قبل أن يكون قد تمثلها.

إن الكتابة هنا ليست مهنة أو حرفة أو أمر يؤدى كما تؤدى بقية الأمور، أو تؤتى كما تؤتى. إنها، في حال المبدع الحقيقي، طقس من العذاب والاحتراق، لذا فإننا حين نعود إلى ما كتبه غسان بعد عقود من الزمن تفصلنا عن الوقت الذي كتب فيه ما كتب، نكاد نشعر برائحة رغيف طازج خارج من تنور الكتابة للتو. إنها كتابة لا تتقادم ولا يعلوها الغبار أو يأتيها الصدأ، لأنها فلذة من الروح قذفت في لحظة من اللحظات التي تشبه طلق الولادة. إنها، والحال كذلك، كائن حي قد يستقل مع الوقت عن صاحبه، لكنه هو الذي يمنح هذا الصاحب سر الخلود.



#حسن_مدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافات لا ثقافة واحدة
- التفكير (الجديد) قديم أيضاً
- التقدّم أم التوحش؟
- حاتم علي
- عن لغة العرب
- وقفة مع الذات في بداية العام
- هاكرز التاريخ
- بين التعددية والخصوصية
- إبداع الأمس.. إبداع اليوم
- جدل الدولة والأمة
- ذكي وحنون
- البابا ذو الخف الأحمر
- (وطن) الفلسطيني
- حداثات لا حداثة واحدة
- رفع الأشخاص على الأكتاف
- الأمية أنواع
- توليد الجدل
- لبنان وموسيقى تايتانيك
- غطرسة الثقافة
- سرفانتس العاشق


المزيد.....




- عرس وموسيقى بين الأنقاض.. -كلنا في غزة مشاريع شهداء ولكننا ن ...
- صناعة الحرير على طريق الحضارات.. سمرقند تنسج التاريخ بخيوط ا ...
- ترقية المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية أفيخاي أد ...
- -كناوة- والصويرة ..شغف فني في -المدينة السعيدة-
- شرور الديكتاتورية وترياق الأدب.. رحيل كاتب ألبانيا الكبير إس ...
- لينك مباشر بضغة زر.. نتيجة الدبلومات الفنية ” زراعي وصناعي و ...
- -في قلبي- الإصدار الرّوائيّ الأوّل للمحامي رضوان صندوقة
- استمع/اغنية مشتركة تجمع سامي يوسف والفنان الايراني همايون شج ...
- -زيارة خاطفة-.. مغني الراب الأمريكي الشهير كاني ويست في موسك ...
- رحلة السقوط الحر.. المخرج شريف عرفة تحت المجهر


المزيد.....

- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مدن - غسان كنفاني: رائحة رغيف طازج