أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حكايات صغيرة لليلة رأس السنة














المزيد.....


حكايات صغيرة لليلة رأس السنة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6777 - 2021 / 1 / 2 - 22:20
المحور: الادب والفن
    


أستأذن القاريء ونحن على أعتاب رأس سنة جديدة أن أخلع حقيبة الذكريات عن ظهري لأفتش بين صورها عن بسمة وأمل، وعن حكايات صغيرة تنطوي على ضحكة وتفاؤل ندخل بها العام الجديد. أفتش فأرى هذه الصورة : كانت والدتي شفيقة رشدي تعاني من مياه بيضاء على عينيها تكاد لا ترى بسببها. وذات يوم تكاسل أخي الحبيب عبد الرحمن عن الذهاب إلى الحلاق وسألها:" ماما.. ممكن تحلق لي شعري؟". وكان من طبعها إذا سألتها أن تقوم بأي عمل حتى لو كان فك وتركيب صاروخ أثناء تحليقه في الفضاءأن تقول لك بثقة وهدوء وبدون أدنى تردد:" طبعا يا إبني أنا طول عمري في موضوع الفضاء ده"! هكذا جلس أخي عبده تحت نور شباك الصالة مسلما نفسه لها بعد أن وضعت فوطة حول رقبته مثلما يفعل كبار الحلاقين. ضربتان أو ثلاث بالمقص لا أكثر، انتبه الغلبان بعدها فنهض مذعورا ينفض الفوطة عن نفسه:" يا نهار أسود ياماما! إيه ده؟! أنا بقيت أقرع!". تمتمت بهدوء وثقة الواثقين من عملهم:" ده طبيعي يا ابني، لأن والدك كان أقرع، ودي الوراثة"! صاح بها مدهوشا:"بس أنا ما كانش عندي وراثة من دقيقتين!". وانتبهنا جميعا فضحكنا وصحنا به: " يا ابني أمك لا ترى" فعارضتنا بحكمة الأمومة وحنانها:" مش موضوع رؤية، لاء ، هو واخد من أبوه حاجات كتير"! أفتش فأرى كيف كان بيتنا مفتوحا لكل من هب ودب، حتى أني كنت أرجع من الجامعة فأجد أحيانا أشخاصا لا أعرفهم في الصالة يديرون حوارا بينهم براحتهم، وآخرين في المطبخ لم يسبق لي رؤيتهم قط ، وكان بعضهم إذا رآني تصورني ضيفا غريبا فيسألني مشكورا:" أنا بأعمل شاي. أعمل لك معايا؟"! وكان البعض خاصة من المبدعين يحتلون مكتبي في حجرتي ويسرحون بعيونهم في السقف ويكتبون قصائدهم من دون أن يلتفوا إلي. في هذه الزحمة لم يكن الأمر يخلو من السرقات الخفيفة، ولم يكن من السهل أن تعرف من هو اللص في تلك الحشود الجماهيرية. لكن التناقص المستمر في المواد التموينية بالمطبخ لفت نظرنا إلى سعدية الشغالة عندنا، فاشتكت أمي لأبي :" البنت دي حرامية. شوف لك طريقة معاها". استوثق أبي بدهشة:"حرامية ؟". أجابته أمي:" أكيد. السكر بينقص، والشاي، والسمن"، هز والدي رأسه قائلا بتأثر : " أخيرا وجدت فيها شيء ممكن أحترمه"! مصمصت أمي شفتيها بتعجب، فراح أبي يوضح لها فكرته : " طبعا أحترمها. امرأة كهذه عندها ثلاثة أطفال يتامى، فإذا لم تسرق لأجلهم فإنها إذن عديمة الهمة والشجاعة"! ظهر اليوم التالي استدعى أبي سعدية إلي حجرة مكتبه وقال لها: سعدية أنا لي عندك طلب؟" قالت بأدب: " تأمر". قال لها : " دلوقت أنا عاوزك تآخديني شريك معاك. النص بالنص". تساءلت باستغراب: " شريك في إيه العفو؟". قال مبتسما بطيبة: " يعني لما تدخلي المطبخ وتلقي اتنين كيلو سكر، خدي واحد لك ، وسيبي واحد لي. النص بالنص يعني، لقيت باكو شاي نصه لك والنص لي". ارتفع صوت سعدية ببكاء مكذوب:" ده كلام ياأستاذ خميسي؟ يعني أنا حرامية؟". قال لها : " لاء مش حرامية، أنا باعرض عليك مشروع مربح نعمله احنا الاتنين، بس مش أكتر، فكري وردي عليه"! أفتش في الذاكرة، وأرى صورا كثيرة ضاحكة، من الطفولة والصبا والشباب، وأقوم بضخ الدماء في الوجوه التي اختفت، والأحداث التي توارت، وأضخ الأصوات والقهقهات في الحناجر التي رحلت، وليخلع كل منا حقيبة ذكرياته من على ظهره،ويفتش فيها عن كل ما هو جميل، وإنساني، لأني أتمنى أن نضع جميعنا أقدامنا في العام الجديد، بفرح، وأمل، حتى لو كان الأمل وهما، فإذا لم يتحقق شيء مما كنا نحلم به فسوف يسعدنا أننا شعرنا على طرف اللسان بحلاوة الأمنية وطعم الأمل، وبذلك الصدد يقول المتنبي: " منى إن تكن حقا تكن أسعد المنى.. وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا"، أي أنها أمنيات لو تحققت لكان ذلك رائعا، فإن لم تتحقق فإننا سنكون قد عشنا بها زمنا حلوا. فلنفتح باب العام الجديد، وندخل، مسلحين بكل الحكايات الصغيرة المضحكة من حقائب الذكريات، ومسلحين بوجوه الأحباء جميعا، من رحلوا منهم، ومن مازال يواصل السير بجوارنا. 



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغة الأدب في اليوم العالمي للعربية
- يحيي حقي .. الجميل الذي لا يتكرر
- رسالة عن الفلوس والفن
- فصل الدين عن الأدب .. معركة متجددة
- نظام جديد قصة قصيرة
- الــلــون والــديـــن والــســيــاســة
- روبرت فيسك .. وداعأ
- نحن والاسلام وفرنسا
- صــيــد الأخـطـاء والــنـواقــص
- فــتــــاة الــمــعــأدي
- ذكرى ميلاد شوقي .. شاعر الأمراء
- أيمن حسن .. أكتوبر زمن الأسأطير
- سعاد حسني .. وخشم الست بدور
- المرأة المصرية .. بطولة وجمال
- لمن يلومون فيروز .. زهقنا منكم
- جون ميدلي يتصدى لنهب الفقراء
- السد العالي .. تجربة أدبية
- أدونيس.. مدافع التطبيع
- جــــئـــت أنـــت قـصـة قــصـيــرة
- تـــصــادف أنــنــي .. قــصـة قـصـيـرة


المزيد.....




- زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
- أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي ...
- الكشف عن علاقة أسطورة ريال مدريد بممثلة أفلام إباحية
- عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
- مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا ...
- مصر.. ماذا كتب بجواز سفر أم كلثوم؟ ومقتنيات قد لا تعلمها لـ- ...
- أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21 ...
- السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني ...
- مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع ...
- -طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حكايات صغيرة لليلة رأس السنة