أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام عيسى رمضان - الوحش: قصة قصيرة














المزيد.....

الوحش: قصة قصيرة


حسام عيسى رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 6773 - 2020 / 12 / 28 - 23:19
المحور: الادب والفن
    


الوحش
في البيت كان دوماً يعيد رسم ملامح وجهها الجميل بالتفصيل في عقله. فلا يمكن لتلك الروح الجميلة والمنظر الفريد أن ينسى. وعلى جدار غرفته يصنع من ضوء الشمعة فرشاة يرسم بها ما يشاء، يرسم وطناً بلا حدود، أو أسلاك شائكة أو جدران تحاصره، ولا طائرات تنغص عيشه، وطناً فسيحاً دون ضحايا ويأس يسوق شبابه للموت أو الهرب، يلونه، يحرك أصابعه ويرسم ورداً، وعصفوراً حراً، ثم يرسم كلبا.
ما أحوج العالم إلى صفات تلك الرسومات الخالية من الروح. ما أحوجنا لحب صادق وقلب طاهر ووطناً يحتضن أحلامنا. ما أحوجنا في هذا الزمن إلى قلوب العصافير البريئة وأجنحتها الطليقة. كم نتعطش للوفاء الذي أصبح عملة نادرة لا يملكها سوى المساكين وأصحاب الحاجات.
ما زال يذكر اللحظة التي تحدى فيها نفسه، وفاض قلبه بجرأة لم تتح له الفرصة أن يفكر ماذا سيفعل أن وبختنه أو اتهمته بأنه عديم الأخلاق. خطواته تتسارع صوبها ، لكن ما إن اقترب منها هذه المرة حتى تنحسر جرأته، إذ لم يتخيل يوما أن تميل روحه لفتاة بيضاء. فهو من بلد طغى لون أرضها البني على أغلب سكانها. وترعرع على رؤية ذلك الصنف من الوجوه.
على حين غرة، مرت أمامه وملأت قلبه بأفراح تشبه أفراح العودة للوطن بعد اغتراب طويل، وآهات عجز عقله عن تفسيرها وامتلأت نفسه بأسحار استسلم الكهنة لفكها.

استيقظ من سباته، ارتشف قهوته، وتنعمت أذناه بصوت فيروز الصادح "إحكيلي إحكيلي عن بلدي إحكيلي!" انتعل حذائه، وأخذ حقيبته، وخرج إلى عمله ماراً عبر حديقة مليئة بعبارات :"الرجاء عدم الاقتراب من الزهور". ما أن وصل إلى الأمتار الأخيرة لاجتيازها، رأى وردة تنعمت بتراب الأرض، الخجل يأكل بتلاتها. اقترب منها معتذراً، دافع شوكها تاركاً الدماء تسيل على ظاهر يده، لم يعِ ذلك من فرحته.
وصل إلى مكان عمله الذي لطالما حلم أن يحظى به في بلاده وتحديداً في مدينته التي يخنقها الحصار لا في البلاد البعيدة، هرع يملأ كأساً ويودع وردته. رفعت رأسها للأعلى ظنا منها أنه عابر سبيل. جلس بجانبها والوردة في يده غير آبه بما ستقوله، وراح ينظر إلى زرقة السماء على وجه الماء الهائج ويحدث نفسه قائلا "ما أجمل صفار السماء وهدوء ماء البحر!"
انتظر أن ترد، لكنها لم تتلفظ بأي شيء، حنت رأسها للرمال ضاحكة مقهقهة. تجرأ وسألها عن اسمها وإذ بها تدعى فيرونكا. مد يده وصافحها. الوردة في يدها وابتسامة ساحرة أضاءت وجهها. عرف عن نفسه : أنا من هنالك، من أرض بلا شعب، هكذا يقولون! أبحرت النظر إليه وقالت: كيف أتيت إلى هذه الحياة؟ أولدتك الأرض؟ أم خلقت كما خلق مزمار بان؟ وماذا تفعل هنا؟ أتبحث عن شعب لأرضك؟ أم أنك تبحث عن أرض لشعبك العدم؟ مممم كما يقولون!

مر الوقت، غريبان يقتربان عبر حديث عفوي عن طفولتهما المليئة بالشقاء. هي تهوى إطلاق الطائرات الورقية وهو يجيد صنعها. تتمنى لو يعود بها الزمان للوراء لتستمتع بهوايتها المفضلة، التحليق هو الشي الوحيد الذي ينم عن حرية في زمن اعتقلت فيه الحرية وأعدمت.
صامتة حزينة، اقترب منها أكثر، علها تخبره ما بها، رسالة من صديقة وصلتها تهريبا من خلف جدار برلين الذي التهم وحصد الآلاف ممن يتوقون لرؤية أقربائهم خلفه. يمنعها الجدار من رؤية صديقتها لأكثر من عشر سنوات، تتوق شوقا لناتالي، صديقة الطفولة التي لا تزال تحتفظ بالطائرة الورقية التي صنعتها لها في صغرهما، تتوق لرؤية من حجب ذلك العملاق وجوههم وكان حجراً في طريق لقاءهم.
من قصب الأرض وأكياس كان يحملها صنع لها طائرة ورقية، استطاعت هزم ذلك الوحش الفاصل والعبور إلى الجهة الأخرى من الأرض. صنع لها من رحم الأسر حرية ترسم على وجهها أطياف ابتسامات مكسوة بالنصر.
أقلعت طائرتها، وداعبت الرياح ذيلها بنسماتها الرومنسية، ركضت لتسيطر على طائرتها، تقدم لمساعدتها فإذا بشعرها الذهبي ينساب على وجنتيه، حاولت الإمساك بحبل الطائرة الورقية أكثر، فهي تعرف أن من زاد من عمر الحرية يوماً هنا نقص عمره يوماً هناك.
ميزت نقطة تفتيش تشارلي ملامح فيرونكا الجميلة وشحذ الحراس أسنانهم لصيد ذلك الحمل الوديع. أنسته فرحته بها أنها تقترب من ذلك الوحش الذي شارف على عقده الرابع، وبينما كانت تركض وتصرخ فرحاً استطاعت طائرتها الإفلات منها كأنها تشعر أن جزءً منها لا ينتمي إلى هذه الأرض.
كمم جنود الأرض المحروسة فاهها وسحبوها إلى قلب العالم الآخر، بينما طارت طائرتها أبعد باحثة ًعن أصلها، حاول الاقتراب من الجنود ليساعدها لكن رصاص التهديد كان بالمرصاد.
في بيته ، شغل المذياع، فإذا بالمذيع يقول: اعتقال فتاة حاولت استخدام طائرتها الورقية للتجسس، فتاه في الجدار من جديد ورسم حدوداً وأسلاك شائكة وجدران فصل عديدة، عربد الموت فوقها.

يناير2020



#حسام_عيسى_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
- 77 دار نشر ونحو 600 ضيف في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام عيسى رمضان - الوحش: قصة قصيرة