|
تساقط الثلوج ووصول اللقاح!
طارق حربي
الحوار المتمدن-العدد: 6772 - 2020 / 12 / 27 - 02:11
المحور:
الادب والفن
يوميات مضيق الرمال (15) صحوتُ من النوم صباح اليوم على عالم أبيض! نُتَفُ الثلجِ على نوافذ الشُّقَّة تذكّر بزجاج سيارات الأعراس في العراق! مزينة بقطع صغيرة من القطن دلالة على الإخلاص والنقاء! وهنا عالم لفَّهُ البياض، الشوارع وصالونات الحلاقة النسائية والبار السردابي الذي لم أرتَدْهُ حتى الآن. ومطعم هونغ كونغ الذي لا يحلو لأحد العمال فيه إلّا التدخين في خارجه، مرتدياً بلوزه سوداء صيفية في عزِّ الشتاء! وصالون المساج التايلندي بتمثال بوذا في واجهته والبخور في داخله. وكنتُ أحيّي العاملات فيه بلغتهنَّ. متذكراً معهنَّ أسماء الأماكن في بلادهنَّ، التي أكاد أنسى كل شيء فيها عدا وجه صديقتي العزيزة بورن. تابعتِ الصحافة النرويجية الحريصة على صحة شعبها عربة النقل المبردة (ناقص 70 درجة مئوية) منذ انطلاقها من بلد المنشأ بلجيكا. حاملة 9750 جرعة من لقاح فايزر، وحتى 17 كانون الثاني القادم تكون النرويج حصلت على 130000 جرعة! تابَعَتْها حتى وصولها صباح اليوم محمية بسيارات الشرطة التي رافقتها من الحدود السويدية إلى مستشفى (Ullevål sykehus) الذي عملتُ فيه قبل سابقاً في قسم مصرف الدم. بلغ عدد المصابين في دولة العالم المختلفة وأنا أكتب هذه السطور، أكثر من 80 مليون شخصاً والوفيات مليوناً و760 ألف شخصاً. وفي النرويج أصيب حتى الآن 47 ألف شخصاً، بعد تصاعد حدة العدوى خلال الشهرين الأخيرين. توفي منهم 100 شخصاً فوصل العدد إلى 421. ومهما كلف الأمر فإن عدد المصابين والوفيات في النرويج أقل بكثير من ضحايا الجائحة في السويد. حيث بلغ عدد المصابين فيها 350 ألفاً وأكثر من 8000 وفاة. ما حدا بالملك السويدي غوستاف إلى الاعتراف مؤخراً بفشل النهج المرن للحكومة السويدية تجاه الجائحة! جاء في أخبار اليوم انتشار العدوى أكثر في مدينة تروندهايم الواقعة في وسط المملكة، جراء تجمع المحتفلين لمناسبة أعياد الميلاد. الأمر الذي حذرت منه الحكومة لكن الناس وبطبعهم الاجتماعي لا يفوتون فرصة الاجتماع في مناسبة دينية سنوية، مع أن الكثير منهم لا يأبهون بالدين والكنيسة، قدر ما يفضلون عملهم الذي يوفر لهم مرتباً ممتازاً، ومستوى معيشة يُعّدُّ الأفضل بين دول أوربا الغربية. تسرية عن النفس وممارسة لرياضة المشي خرجتُ بعد الفطور إلى الشوارع البيضاء الخالية فوصلتُ إلى الميناء بِشَقِّ الأنفُسِ. وليتني كنتُ في بتايا لأمتطي دراجتي النارية إلى ساحل البحر، وأمشي على الشواطىء الرملية الباردة المنعشة وأمواج الخليج التايلندي تداعبُ قدميَّ. حيث السيّاح بين من يمشي مطرقاً متوحداً مع نفسه، أو مع كلبه، أو سكراناً تتأبط ذراعه عشيقته! وإذن فقد وصل اللقاح ولا حديث لوسائل الإعلام والناس منذ عدة أشهر إلّا حوله. وسوف ينال كل شخص وبالعدل جرعته خلال طابور إلكتروني روجت له الصحافة منذ اليوم، حيث يمكن له وهو يتصفح الأنترنت في هاتفه معرفة دوره في الطابور، في القسم الأول أم الثاني أم العاشر وهكذا. وهذه هي السيدة سميرة بن عيسى رئيسة قسم اللقاح في المستشفى المذكور تجهز أولى جرعات اللقاح، التي لم يُعلن حتى اليوم أسم أي مستشفى يكون أولاً؟! سيكون على الأرجح واحداً من خمسة من دور العجزة في أوسلو وعددها 429، ابتداء من يوم غد الأثنين وهو الثاني بعد عيد الميلاد. وسوف توزع بقية اللقاحات على 7 بلديات في شرقي المملكة، إحداها بلديتنا! بالنسبة لي يعني اللقاح عودتي إلى تايلند الحبيبة لأنطلق منها في جولات طويلة إلى دول جنوب شرق آسيا. وربما تكون ليزا معي فقد أعربتْ عن رغبتها بالسفر والتجوال في بلدان العالم المختلفة. أما عودة المطارات إلى العمل ولاسيما مطار أوسلو، فلا يعني إلّا عودة الروح إلى النرويج وديمومة الحياة. أو (واخضرت الأرض) حسب عنوان رواية الكاتب النرويجي كْنُتْ هامسُون الهامة في تاريخ النرويج. ونال عنها وكذلك بقية نتاجه الأدبي جائزة نوبل للآداب عام 1920. وهي تذكّر برواية روبنسون كروزو لدانيال ديفو (صدرت لأول مرة عام 1719) وتتناول حلم الشباب بعالم أفضل بعيداً عن مظالم الإنسان لأخيه الإنسان. وتؤرخ رواية (واخضرت الأرض) التي تدور أحداثها في مزرعة حدودية في شمال النرويج لحياة مستوطنين في البرية. حيث يعمل اسحاق وزوجته انجر ذات الشفة الأرنبية في استصلاح الأرض وتحقيق الإكتفاء الذاتي. بالتزامن مع بداية نشوء المجتمع الصناعي. المؤرخ له بقيام شركة تعدين سويدية في استغلال الصخور المجاورة للمزرعة النرويجية. ودخول وسائل الاتصال الحديثة في ذلك الوقت من تلغراف وبريد وغيرها. إسحاق وزوجته ينشئان مزرعة وينجبان الأولاد ويغتنيان بالمزرعة والأولاد عن العالم الخارجي. وكذا النرويج الحالية بعد حوالي قرن من الزمان ما تزال مثل حديقة خضراء يانعة ممتلئة بالزهور بعيدة عن أزمات العالم. قريبة إلى ذاتها غنية وعادلة لا يمكن للجائحة ولا غيرها أن توقفها عن العطاء. 26/12/2020 مضيق الرمال Sandefjord
#طارق_حربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيلم (نظرية كل شيء) عن حياة الفيزيائي ستيفن هوكينغ
-
(14) قصة نجاح لقاح
-
يوميات مضيق الرمال (كباب اسطنبولي!)
-
مصافحة المرأة حرام وعبوديتها حلال!
-
عينا ليزا
-
حارس الثلج
-
يوميات مضيق الرمال 108)
-
يوميات مضيق الرمال (9)
-
يوميات مضيق الرمال (8)
-
يوميات مضيق الرمال (6)
-
يوميات مضيق الرّمال (5)
-
يوميّات مضيق الرمال 4
-
يوميات مضيق الرّمال (3)
-
يوميات مضيق الرّمال (2)
-
يوميات مضيق الرّمال (1)
-
رحيل ملحن الوجدان العراقي.
-
نهر ميكونغ Mekong River
-
قصيدة الرغبات
-
كورونا
-
درس ثورة أكتوبر العراقية 2019
المزيد.....
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
-
وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض
...
-
الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|