|
اللغة القبائلية إنتصرت في معركة و ينتظرها الأصعب
ردوان كريم
(Redouane Krim)
الحوار المتمدن-العدد: 6767 - 2020 / 12 / 21 - 13:42
المحور:
الادب والفن
لقد أتى إهتمام القبائل الكبير بالأغنية القبائلية و الشعر القبائلي القديم بعد أن رفضت حكومة ما بعد الإستقلال الأمازيغية ثماره نهاية 1970 و بداية سنوات 1980 . بحيث كان أفضل تجسيد لفلسفة فريدريك نيتشه الذي فسر أن العصر الذهبي للحضارة الإغريقية كان بفضل التطور الفني للتراجيدية المرتبط بقوتين مهمتين هما : القوة الديونيسوسية المنتشية و الأبولونية الحالمة. بحيث الأبولونية مرتبطة بالفنون البصرية و كل ما هو عقلاني، منطقي، منظم و منظبط. والديونيسوسية مرتبطة بالفنون الغير مرئية و على رأسها الموسيقى، و كل ما هو حسي، شعوري، و ما يتعلق بالجانب النفسي للطبيعة الإنسانية. يعتقد نيتشه أن التراجيدية اليونانية القديمة تجيبنا عن سؤال فلسفي مهم هو "معنى الوجود" و رمز لتطور ورقي الحضارة. و يرى أن زوال المأساة (التراجيدية ) و الحضارة الإغريقية يعود إلى التخلي عن القوة الديونيسوسية و المبالغة في الإهتمام بالقوة الأبولونية. ما علاقة هذا بالحضارة الأمازيغية؟ عندما كانت اللغة العربية تفرض على شمال أفريقيا من قبل حكومات ما بعد الإستقلال بإسم القومية العربية كانت الحضارة الأمازيغية و القبائلية على المحك، بين الزوال أو المقاومة، سارع المثقفون الأمازيغ من القبائل إلى إنقاذ الأغنية و الشعر القبائلي الذي يمثل القوة الديونيسوسية و قد تمثل ذلك في أعمال مولود معمري و آخرون من نفس التوجه، و ذلك بإعلاء شأن الشاعر سي محند أمحند و جمع الشعر القبائلي القديم، ثم جاء الإهتمام بالموسيقى مع جيل سليمان عزم لتتضح الرؤية مع شريف خدام، لونيس أيت منغلات و معطوب لوناس و غيرهم الذين كانوا بمثابة ريتشارد فاغنر الذي رأى فيه نيتشه إحياء و إنقاذ للثقافة الأوربية من التناحر و العقلانية المفرطة بسبب التفكير الأفلاطوني. لقد أثمرت الموسيقى القبائلية التي تعتمد على النص الشعري أكثر من شيء أخر و التي تحمل رسائل ثقافية، سياسية، و أفكار أدبية هادفة في جذب القبائل إعادة التفكير في ثقافتهم، لغتهم، هويتهم، و رغبة في إحياء تاريخهم و هذا يعد "سبب الوجود" الذي يتحدث عنه نيتشه. بعد إستعادة القبائل القوة الديونيسوسية المنتشية لثقافتهم عبر الشعر و الموسيقى، تحول سعيهم إلى إنقاذ الفنون الأخرى كالمسرح بحد ذاته و الذي حاول أمثال "محيا" إلى ربطه بالمسرح العالمي المعاصر من خلال ترجمات و تكيف المسرحيات العالمية مع الثقافة المحلية.
بعد ذلك تحول إهتمام القبائل ينصب على القوة الأبولونية الحالمة و العقلانية دون إهمال القوة الديونيسوسية، و ذلك بتقنين الفنون بالقواعد و القوانين، و تطوير الجانب الفكري العقلاني بحيث يظهر ذلك جليا في أمثال محند أكلي حدادو في اللسانيات. و بوصول جيل الإعلام الألي و المعلوماتية، عمل جيل الشباب الجديد على إدخال اللغة القبائلية إلى الأجهزة الإلكترونية، و تزامن ذلك مع تدريس القبائلية بالحرف اللاتيني و الذي جعلها تنتشر بشكل سريع متفوقة على باقي اللهجات الأمازيغية، سواء التي احتفظت بالحرف الأمازيغي "تيفيناغ" أم التي إتخذت الحرف العربي في كتابة لهجتها. اليوم هناك ملايين من المتحدثين و الذين يكتبون باللغة القبائلية و هذا ما نسميه "إستعادة الوجود" قبل البحث عن أسباب و طرق الوجود. لقد إستغرق الأمر أكثر من 40 سنة و إستهلك أكثر من ثلاثة أجيال و ليس وليد سنة وحدة. قد يعتقد البعض أن هذه المدة طويلة و لكن لو نظرنا إلى المعوقات التى قابلت القبائل ندرك أن الأمر كان شبه مستحيل. لقد لعب القبائل دور كبير في إنشاء الأكاديمية البربرية و إنشاء المحافظة السامية للأمازيغية HCA (High commission for Amazighity) سنة 1995 التي تبنت أعمالهم و أفكارهم منطقة القبائل و عملت على تدريس و تطوير ذلك الفكر. كانت معاناة منطقة القبائل من أجل الأمازيغية و لهجتهم أكثر من أي منطقة في شمال أفريقيا، فقد تعرض مناضلي القضية الأمازيغية القبائل إلى التعنيف و النفي الفرد ثم جاءت أحداث 1980 لتشعل فتيل الدفاع عن الهوية و اللغة الأم و الأصلية لمنطقة شمال أفريقيا بشكل جماعي من جامعة تيزي وزو بعد منع محاضرة للباحث الكاتب مولود معمري عن هذا الموضوع، لتنتفض الجامعة طلاب و أساتذة و يتبعهم الشارع فقابلهم القمع من السلطات لذلك الوقت، و استمر القمع و التعنيف لسنوات و الرغبة و الوعي يزداد مع كل ذلك العنف، و في سنة 2001 راح 128شاب ضحايا الدفاع عن الهوية من دون ذكر الذين تعرضو لإصابات خطيرة غيرة مجرى حياتهم و عائلاتهم. و قد نتج عن ذلك قبول تدريس اللغة الأمازيغية و إدخالها إلى الدستور الجزائري دون أن تكون رسمية بحيث لا تقل شئنا عن اللغة العربية و لا تزيد. لقد لعب القبائل دور كبير في عودة أمازيغ العالم إلى الإهتمام بتراثهم، ثقافتهم و لغتهم.
لقد إكتشف القبائل سريعا أن الأمازيغية هي لغة أجدادهم و هي لغة تقوم مقام اللغة اللاتينية في أوروبا، اللغة الأم للغات كالفرنسية، الإسبانية، و الكتالونية. اليوم أصبحت اللغة القبائلية لغة قائمة بحد ذاتها و إحرازها تفوق و تقدم عظيم مقارنة باللهجات الأمازيغية الأخرى جعل مقارنتها بهن أمر صعب، من حيث عدد المتحدثين و الذين يكتبون بها، و الإنتاج الفني و الأدبي. فاللغة القبائلية لغة مشتقة من اللغة الأمازيغية و اليوم تنافسها، رغم أن القبائل يعتبرون نجاح لغتهم نجاح للغة الأمازيغية و أمازيغ العالم ككل. عكس أمازيغ المغرب و منطقة الريف بالأخص المحافظين على حرف التيفيناغ أي الحرف الأمازيغي، و إن كان الكثير من علماء اللسانيات للقرن العشرون يتفقون على أنه لا يمكن فصل اللغة عن كتابتها، فقد ضحى القبائل بحروف التيفيناغ من أجل إنقاذ ثقافة و حضارة كاملة من الزوال. أنقذ القبائل ثقافتهم، لغتهم، عاداتهم و وتقاليدهم من الإندثار تحت وقع تعريب رهيب و لو بالتضحية مؤقتا بحرف التيفيناغ. إتخاذ الحرف اللاتيني أو الكتابة المعمرية نسبة لمولود معمري مؤسس قواعدها، ساهم في تسهيل تعلم الأمازيغية و القبائلية. تطوير و زيادة عدد البحوث في شتى المجالات؛ سواء في اللسانيات، الأنثروبولوجية، السوسيولوجية، التاريخ و الفلسفة. الكتابة بالحرف اللاتيني أعطى دفعا كبيرا للطباعة، النشر و التوزيع بالأمازيغية. أنشأ القبائل قناة تلفزيونية و إذاعات، و قنوات على اليوتيوب لتدريس القبائلية، فقد طوروا الجانب السمعي و البصري فأدى ذلك إلى نشر ثقافتهم، الحفاظ عليها، و حمايتها من التعريب. اليوم هنالك دور نشر للكتب الأمازيغية و القبائلية، و قد تم نشر عدد لابأس به من الكتب، الرويات، المسرحيات، و الأعمال الشعرية. يعد هذا نجاحا كبير، و لو إستمر الأمر على ذلك ستصبح القبائلية لغة مستقلة عن الأمازيغية بصفة رسمية، فهي في تطور مستمر، و هذا سينتج له عداوة أكبر من الذين لا يحبونها، و الغيرة لدى أصحاب اللهجات الأخرى لا يجب أن يذهب في الطريق الضيق بحيث يخوننهم بسبب الحرف اللاتيني، بل يجب المشي في طريقهم، لأن بعد 25 سنة سيكون هنالك حضارة قبائلية أمازيغية تكتب بالحرفين اللاتيني و التيفيناغ، و لا شيء للذين يكتفون بإستعمال لهجاتهم في الأحاديث اليومية فقط تحت تأثير التكنولوجيا و وسائل الاتصال و الإعلام بمختلف لغات العالم إلا باللهجات الأمازيغية. إنجاز القبائل مثال يحتذى به و لكن لا يجب أن يأخذهم الغرور إلى الإقتناع بما حققوه، بل يجب تطوير لغتهم أكثر لتتناسب أكثر مع التكنولوجية و عالم الإعلام الألي المعاصر.
#ردوان_كريم (هاشتاغ)
Redouane_Krim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنت حر بين قول لي من الأول أو من الأخير!
-
عندما تحكم العاطفة العرب، الغرب يصنع بهم السياسة
-
في الذكرة ال42 لرحيل الرائع جاك برال
-
الجزائري الإفريقي!
-
القلم لسان العقل
-
أين هي المشكلة تحديدا؟
-
نبذة عن بداية المسرح الجزائري و علاقته بالمجتمعات العربية و
...
-
نبذة عن حياة نيتشه الفلسفية (الجزء الثاني)
-
نبذة عن فلسفة فريديريك نيتشه (الجزء الأول)
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|