أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - هو الذي رأى كل شيء _الجزء الثالث















المزيد.....



هو الذي رأى كل شيء _الجزء الثالث


حامد تركي هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 6766 - 2020 / 12 / 20 - 02:02
المحور: الادب والفن
    


مدينة الأنهار الأربعة
الساعة الخامسة فجرا

نام الرجل الغامض ما تبقى من الليلة البارحة، بعد أن أملى على الشابّين تلك الحكاية العجيبة. والتي بقيا يحملقان بالفراغ ببسببها ساعة من الليل علّهما يفهمان شيئاً ممّا قال قبل أن يغطّا بنوم متقطع قلق. ربما لا يعرف بعضُنا كيفية نوم المجنون، يُستحسن في مثل هذه الحالة الاستعانة بطبيب أمراض عقلية أو نفسية لفهم تلك الكيفيات غير الاعتيادية بالمرة! أو ربما يكتفي المرء بجولة في أحدى محركات البحث ليعرف ذلك! كان الرجل الغامض قد تحدّث عن نفسه ظانّا أنه ميت يكلّم ملائكة! وتحدَّث عن مكان غريب، وأحداث غريبة زادت من إثارتهما الى الدرجة القصوى. بالمناسبة، يُظنُّ أن لكلّ مجنون درجة من الاحتمال، بعدها قد تحصل أشياء لا يمكن التنبؤ بها! لذلك يعمد المراهقون والعدوانيّون من مجتمع السطح الى إثارة المجنون لدفعه لبلوغ تلك الدرجة! فتتفجّر ساعتئذ مكنونات داخله المكبوتة، وتندلق مشاعره التي تبدو لنا وكأنه قد فقد السيطرة عليها، ولكننا لا نعلم السرّ وراء ذلك التدفق. هناك اعتقاد مفاده أن مجتمعات السطح في كلِّ زمان ومكان بحاجة الى المجانين كحاجتها الى الهواء! لذلك تحتفي كلُّ منطقة بمجنونها، وإن لم تجد مجنوناً فهي تسعى لصنع واحد، تدفع بأحد أفرادها الى تلك الحافة دفعاً، فتشيعُ عنه الأقاويل، وتستفزّه حتى يبدأ هو بالاقتناع أنه صار مجنوناً! يحتاج كل مجتمع صغير من مجتمعات السطح لوجود مجنون، ربما ليثبت لنفسه أنه عاقل! ويرى البعض أن مجتمعات السطح مثل مكائن ضخمة، مثل مطاحن عملاقة تطحن الناس، فيتساقط منها الضحايا من كل الأنواع والأصناف، مجرمون، جشعون، مجانين، مرضى، مصابون بأوهام العظمة، كذّابون، نرجسيّون، متطرفّون، جهلة، محبطون، خائفون، كلهم على السواء نتاج تلك المطحنة القاسية التي لا تتوقف عن الدوران! أقلّة من المجانين يتولد عندهم درجة من الوعي! أو ربما درجة من الألم المفرط، فيتمرّدون على مناطقهم، فيتجمّعون في الأماكن الأكثر عمومية، كمراكز المدن، حيث يكون لهم عالمهم الخاص الذي لا يشاركهم به أحد، ولا يلتفت اليهم أحد، أو يقصدون المقابر أو المناطق القديمة المهجورة من المدينة. هذا ما يعتقده البعض، عموماً، ليس هذا وقتاً مناسباً لمناقشة مثل تلك الأمور، ولا لتوضيح الفرق بين الأسوياء والمجانين. المؤكد أن الشابين كانا يودّان معرفة حقيقة هذا الكائن، وما إذا كان أحد الشخصيات التي تنتمي الى عالم القاع من مناطق أخرى غير منطقة وسط بغداد، دكتور منعم، سلمان، غازي! أم أنه شخص آخر ينتمي الى عالم السطح، أم أنه ربما كائن غريب من عالم آخر!
من الأمور التي لا نعرفها نحن السطحيّون، أي الذين ننتمي الى عالم سطح المدينة، بمقابل مجتمع قاع المدينة، وبموجب ما جرت عليه العادة، أن لكل فرد من مجتمع القاع الحق في معالجة أموره وما يستجدّ له في محيطه بالطريقة التي تخطر على باله، لا توجد قواعد ثابتة، ولا يُلام الشخص إن هو تصرّف بطريقة صحيحة أو خاطئة. بالمناسبة فان تصنيف الأمور على أنها إما أن تكون صحيحة أو أن تكون خاطئة كما نفعل نحن السطحيّون ليس له وجود في مجتمع القاع. هناك تجد التنوع الى درجة غير محدودة. ثم أن الصواب والخطأ كما يعتقدون شيئان نسبيّان. فلا يوجد خطأ ولا يوجد صواب. بل أن كل شيء يمكن أن يكون خطأً وصواباً في الوقت نفسه! وهم غير ملومين بذلك ببساطة لأنهم مجانين! أما نحن فإذا كان علينا أن نفهم بشكل معمق هذه المسألة فان علينا أن نتقمّصهم. ولا يمكننا أن نفعل ذلك، لأن الخط الفاصل بين السطع والقاع هو حافة هاوية سحيقة لا يُنصح بالاقتراب منها. لذلك لا يتدخل مجتمع القاع بالحالات التي تخص أفراده، إلا في حالات الضرورة القصوى. ولهذا تُرك الشابان المجنونان المستجدّان عماد وحسن يعالجان قضية الرجل الغامض لوحدهما. وليس مؤكداً ما اذا باتتْ هذه المسألة تُناقش على مستويات مختلفة، وبطرق سريّة منذ الساعة العاشرة من مساء أمس حين وُجد الرجل الغامض فاقد الوعي قرب خيمتهما، أم لا.
في ساعة متأخرة من الليل، ربما قبيل الفجر، عند الساعة الخامسة والنصف تقريباً بدأت بعض الأصوات تُسمع، وراحت الحركة تدبُّ في الشوارع رويداً رويداً، حينما بدأت جوامع بغداد تبثُّ تلاواتٍ وأدعيةً متداخلة لا تكاد تُفهم. كأن بغداد تصحو من غفوتها لتعيد بغداد ما كانت تقوم به صباح كل يوم منذ زمن بعيد. متوهمة أنها لازالت تلك المدينة الهادئة الجميلة، متوهمة أن الفلاسفة والشعراء سيستيقظون ليواصلوا ما بدأوه في الليلة السابقة. وأن تجّار العطور والحرير والتوابل سيعرضون بضاعتهم من جديد في أسواقها. وأن الحسناوات سيخرجن للنزهة بين الرصافة والجسر يسلبن قلوب المتيمين! تتوهم بغداد عندما تستيقظ فجراً أنها ما زالت هي. ولكنها صباح كل يوم حالما ترسل الشمس أشعتها، تكتشف بغداد أنها مدينة مزدحمة يخنقها الدخان، ويجتاحها الضجيج وتحتلها الفوضى. تجد أنها لا زالت ترزح تحت وطأة كابوس ليلة البارحة المقيت، فتعود لتنام مرة أخرى حتى فجر اليوم التالي لتعيد الكرَّة من جديد.على أمل أن تعثر على نفسها. لفجر بغداد الشتويً طعم أخر، ونكهة أخرى. فثمة ريح باردة تهبُّ من جهة النهر. ريح تبعث على النوم، وتمنع المستيقظين من النهوض. فللبقاء في الدفء والاستمتاع بالكسل فجراً لذّةٌ لا تقاوم في صباحات بغداد الشتوية. في تلك اللحظة تمتم الرجل الغريب قائلا:
- أعلم أنكما تريدان أن تعلما مني عن الجهة التي قدمتُ منها. فأنا أعلم أكثر من غيري بأساليب المحققين! ولكنني سأقول لكما كل ما أعرفه عن مدينتي، فقط أرجو أن لا تعودا لضربي وتعذيبي كما كنتما تفعلان دوماً، أرجوكما. سأقول لكما كلّ ما تريدان أن تعرفا عن مدينتي التي قدمت منها.
أوهام
ظنَّ الرجل الغامض هذه المرة على ما يبدو أن الشابين اللذين معه في تلك الخيمة الحقيرة هما محققان أمنيّان! فقد رآهما بصور مشوشة، صور تعود لجلستهما في الليلة السابقة وهما يحيطان به يستمعان لما يقول. وصورتهما المتخيلة وهما يضعان القيود على معصميه ويربطانه بإحكام. وصورتهما وهما مستلقيان على الأرض بنوم قلق، ظانّا أنهما رفيقا سجنٍ قضيا تحت التعذيب للتو. اختلطت الصور الذهنية المشوشة في رأسه. يراهما واقفين، ويراهما مستلقيين في الوقت نفسه. وهناك أيضاً صور قديمة تتداخل مع مايراه في الواقع. مشاهد لرجال قُساة في ظلمة وهم يقيّدونه الى عمود. صور بساطيل تتوجه الى وجهه مباشرة، تعقبها شرارات مضيئة تتطايرفي العتمة من عينيه، ثم ألمٌ حاد في رقبته. مشاهد لمروحة سقفية تدور ببطء فتتقاطع أذرعها مع ضوء ينفذ من كوّة صغيرة في أعلى الجدار. مشهد وجهه وهو يُسحب على بلاط خشن وبارد ورطب تنبعث منه رائحة كريهة. أصوات الألم تمتزج بصورة لكبير ما مغمورة بالضوء. صورة كبيرة مفعمة بالصحة والنور والكمال. ما إن سمعاه يتكلم حتى هبّا مسرعين اليه وجلسا بالقرب منه ليسمعا ما يقول. كان عماد قبل أن ينام قد أطفأ المصباح الكهربائي المتوهج المعلق على عمود الخيمة ليتمكن الرجل وليتمكنا هما أيضا من النوم. إضاءة الخيمة في هذه الساعة من الفجر خافتة، وقد مزقت ألاصوات المنبعثة من الجوامع البعيدة الهدوء، وتداخلت بشكل عجيب. شغَّل عماد هاتفه ليسجل كلام الرجل الغامض. بدأ حديثه بصوت خفيض، وراح يسرد قصة مدينته التي قدم منها هذه المرة:
- مدينتنا تقع في سهل ممتد هو وادي الأنهار الأربعة، لم تعد موجودة على أيةِ حال، ولم تعد جغرافيةُ المكان كما كانتْ من قبل أن يحصلَ ما حصلَ في السنوات الأخيرة التي قضيتها متخفٍ عن الأنظار. تنبع أنهارنا الأربعة من الجبال الشرقية وتصب في بحرنا الذي يقع في الغرب. نهران في الجهة الشمالية من المدينة، ونهران جنوبها. تتوقف السفن في المراسي المنتشرة على طول الضفاف وصولا الى بحرنا. أما البساتين فهي جنان حقيقية تتخللها قرى تقع على طول ضفاف الأنهار، ووسط البساتين. يحسد سكان القرى سكان المدينة على جمال مدينتنا، ويحسد سكان المدينة أهل القرى على الحياة الرغيدة التي يعيشونها. ولذلك فأهل القرى كثيرا ما يترددون على المدينة. أما سكان المدينة فلا يتركون فرصة تذهب سدى، اذ يتوجهون الى الريف يستمتعون بجمال الطبيعة، مستقلّين الزوارق والسيارات قبل اختفاء المسلّة، مارّين عبر الطرق التي تخترق البساتين بكل الاتجاهات، يتوقفون على جوانبها، وينصبون خِيَمهم، ويعدون وجبات غدائهم وعشائهم. يرقصون ويغنون، وأحيانا يبيتون. فقد كان الوادي كله آمنا. تحيط بوادي الأنهار الأربعة أراضٍ وعرة وجبال من ناحية الشرق حيث تنبع الأنهار، وبحر من جهة الغرب حيث تصب الأنهار، وهضاب من جهة الجنوب، وصحاري قاحلة من جهة الشمال.
واصل كلامه متحمساً ومتلذذاً بما يصف:
- مدينتنا مربعةَ الشكل، مثل رايتنا البيضاء التي تحمل شكلاً مربعا أخضرا. يقع مركزُ مدينتنا المربع هو الآخر وسطها، تتوسطه الساحة المركزية الواسعة، حيث تشخص وسطها تماماً مسلتُنا العالية البيضاء الجميلة، والتي تبدو وكأنها قد برزت من صفحة الماء الدائرية الكبيرة واتجهت نحو السماء. تحيط بالساحة مبان جميلة أهمها بناية المسرح المركزي العظيم، والأسواقُ الجميلةُ العامرةُ، جميع المباني في مدينتي مطلية بلون أبيض يحرص السكان على تجديده كلما شعروا أن الزمن قد نال من صفاءه وجماله. الأبواب والشبابيك الخشبية مصبوغة بلون أزرق غامق، فيما تتوهج القباب بلون أزرق مخضر. أما الشوارع فهي محاطة بالاشجار المعمّرة التي تسكنها الطيور. مماشي مدينتنا مبلطة بالمرمر الأبيص و البازلت الأسود، تتخللها أحواض ماء كبيرة وصغيرة، تصبُّ فيها صنابير الماء البروزنية ليل نهار. بعض المماشي مسقفة وبعضها غير مسقفة حيث بامكانك أن ترى الشمس من بين أوراق الاشجار الكثيفة. كان مركزُ مدينتنا متحفاً للفنون، وملتقى للجميع، يجدُ فيه الجميعُ ما يحتاجون اليه، من سلعٍ و متعٍ. التجوال في أسواق المركز متعة خالصة، حيث بامكانك أن تسير وسط السلع المعروضة بترتيب جميل وبألوان متعددة عبر شبكة لا نهائية من الممرات المسقفة بعقود عظيمة تتقاطع بقباب ينفذ الضوء من جوانبها. ويعبق هواؤها بروائح العطور والأكلات الشهيّة. أصواتُ الموسيقى تصدحُ في المكان، والباعةُ ينادون مروّجين لبضائعهم.
يحيطُ بالمركز مناطقُ السكن، حيث بُنِيَّت البيوتُ البيضاء، تتخللها الحدائقُ الغنّاءُ ذات الأشجار المعمرة بين المباني وحول الطرقات. لا تسمعُ أثناء تجوالك في مناطق السكن سوى زقزقة العصافير. تربطُ طرقٌ عديدةٌ المركزَ بمناطقِ السكن، وتربط طرقٌ أخرى مناطقَ السكن مع بعضها. وثمة طرق أخرى تربطُ المدينةِ المربعةَ بالجهات الأربع. تحيط بالمدينة المزارعُ والقرى والبلدات الصغيرة والغاباتُ والمراعي التي تمتدُ على كلِّ مساحة وادي الأنهار الأربعة، حتى حدوده مع الجهات الأربع. مدينتنا نظيفة، طرقاتها وأبنيتها، أسواقها ومتحافها وحدائقها. يحرص الجميع على النظافة، فتغسل الشوارع والأرصفة وواجهات المباني بالماء والصابون مساء كل يوم. وما أن تشرق الشمس حتى تظهر المدينة لامعة مشرقة تنبعث منها رائحة الورد.
تغيرت ملامحه التي كانت قبل قليل تنم عن سعادة الى حزن، وواصل كلامه:
- لكن كل ذلك تغيّر كثيرا. فقد صارت الطرقات غير آمنة في مرحلة ما. وهجرت المراسي. توقفت السفن عن الحركة. فلم يعد هناك ما يمكن نقله. وجفّت الحقول. وماتت الأشجار. بعد أن كنتَ تتيه بغابات خضراء لا حدود لها، صرتَ ترى أعمدة شاخصة جرداء ممتدة حتى حدود البصر. تعصف بها الرياح. غرقت السفن بعد أن تركت دون صيانة على ضفاف الأنهار. تسرب اليها الماء، ونخرت أخشابها الحشرات. وسرق السرّاق أخشابها ليستعملوه حطباً، أو ليصنعوا منه سقوفاً لمساكنهم الجديدة البائسة، أو ليصنعوا منه هراوات. يقال أنه ليس أفضل من هراوة مصنوعة من جسد سفينة قديمة أبحرت في النهر والبحر سنين طويلة حتى قسا خشبها فصار مثل الحديد. كنتَ ترى بقايا السفن العظيمة كأنها هياكل لكائنات أسطورية من عصور سحيقة. وفي مراحل لاحقة طفت بقايا السفن على الرمال! لم يعد أحد يذهب للنزهة في القرى. اذ لم تعد هناك قرى. فقد تقاتل أهل القرى ولم يجدوا الأمان في قراهم التي أخذت الرمال تعصف بها. فالتمسوا الأمن على أطراف مدينتنا. بنوا أعشاشاً لهم هناك مستخدمين جذوع الاشجار الميتة التي نقلوها معهم، والتي سرقوها من البساتين التي لا تعود لهم، والتي لم تعد لأحد. دعّموها بألواح السفن القديمة التي حطّموها عندما وجدوها ترسو على ضفاف الصحراء!
تغيرت الموسيقى التي اعتاد الناس سماعها شيئا فشيئا. فقد استُبدلت النغمات، وحلَّت محلها أصوات نفير بوق مرعب، ثم صرنا نسمع هديراً بدل الايقاعات، ثم صارت الموسيقى عبارة عن حقل ألغام متفجر! صرت تتخيل عندما تسمع الموسيقى أن الحرائق قد شبَّـت بحظائر الحيوانات المستنفرة، فاندفعت جموع تلك الوحوش عبر شارع ضيق تحيط به جدران صمّاء عالية لا أبواب ولا شبابيك فيها. شارع يضيق كلما تقدم فيه ذلك السيل العارم من الدواب المزمجرة. وهكذا فقد نسيَ الناس كليّاً ذلك الاحساس القديم الذي يكتنفهم عند سماع الموسيقى القديمة، بل أقسم البعضُ أن هذا هو الشكل الأوحد للموسيقى القديمة، وأن كلّ ما يُقال عن سماع البعض لموسيقى أخرى لا تسبب الغثيان، ولا تدفع الى الأغماء، ولا تجعل الناس يتقيئون، ضرب من الخيال المريض! وتغيرت اللغة في مدينتنا أيضا. فقد أصبح الحاضر ماض، والماضي حاضراً. ولم يجد الناس ضرورة للحديث عن المستقبل، فقد صار استعمال س وسوف حكراً على ثلّة من الناس، فهم وحدهم بإمكانهم أن يتكلموا عن المستقبل. أما الحاضر فالحديث عنه خطر جدا. فأنت إن أردت الحديث عن الحاضر فلابد أن يكون لك غرض ما. وهو ما يضعك في موضع لا تُحسد عليه. أما الماضي فبامكانك الحديث عنه كيفما شئتَ، ولكن عليك فقط أن تكون حذراً بخصوص ضبط التواريخ والأوصاف! ذلك لأن أي خطأ ربما تكون نتيجته مؤلمة. في النهاية عليك تجنب الحديث، وعليك الابتعاد عن اللغة قدر الامكان! وقد تم التلاعب بالأغاني والأشعار القديمة لتناسب الأوضاع الجديدة!
صارت مدينتنا أربعة مثلثات متشابهة تماماً، فكل مثلث له كبير يملكه، ولكل كبير مستشارون ومخلصون يحيطون به، ويهمسون بأذنه، وينطقون باسمه، ويتصرفون نيابة عنه. جميع المثلثات متشابة الى حد التطابق رغم أنها متحاربة دوماً. حتى القوانين التي تصدر في مثلث ما، تجدها قد صدرت في المثلثات الأخرى، أما الشائعات والخطط والبرامج والاحتفالات والانتصارات فهي جميعا متشابة أيضا. فقد عبرتُ الحدود وشهدتُ ذلك بأمّ عيني. فقد صادف أن كنت في المثلث الشرقي عندما عمَّت الاحتفالات الصاخبة بانتصاره على المثلث المجاور في معركة جرت البارحة، وعندما تسللت الى المثلث المهزوم وجدتهم يحتفلون بالنصر بالطريقة نفسها! تلتقي رؤوس تلك المثلثات في المركز القديم ذي الأبنية العامة والمسرح المركزي والاسواق العظيمة، أما قواعدها فهي أضلاع المربع القديم، حدود مدينتنا. وحين نشبتِ الحربُ بين المثلثات بعد انطفاء حلقة النار التي تحيط بمنطقة السخام! صار الاحتفاظ بمنطقة السخام ضرورةً رمزيةً. وهكذا احتدم الصراع بين المتقاتلين على تلك المنطقة ردحا طويلا من الزمن، حتى تهدمت تماما، وصارت بلا جدوى. فضلا عن أن الاحتفاظ بها من الناحية العسكرية صار أمراً مستحيلا لضيق المساحة وتجاور المتحاربين. وهكذا تحول شكلُ المدينةِ الى أربعة مثلثات مقطوعة الرأس. ثم بدأ المركز الخالي من البشر يتوسعُ، متحولا الى دائرة خاليةٍ من الحياة والبناء تتمدد باستمرار الى الخارج، وتتوسعُ بالمقابل الاطرافُ البعيدة بشكل أميبي غير منتظم.
هاجر سكان المركز الى الأطراف بعد تحولها الى ساحة حرب، قبل أن تختفي تماما، فشيدوا لهم بيوتا عند قواعد المثلثات. وانتقلت الأسواق أيضا الى الخارج بعيدا عن المركز. و نزح الى المدينةِ أعدادٌ كبيرةٌ من العائلات التي تسكن الأرياف بحثا عن الأمن. فبنوا مساكنهم البسيطة والمتراصة والمشوّهة في أطرافها. ثم بدأت هذه الأحياءُ تنمو الى الخارج محافظة على أربعة مناطق خالية بينها. شكلت تلك الفراغات أراضٍ محرّمة تفصل بين ما كان يوما مثلثات. ولم تبق الحدود الفاصلة بين المثلثات القديمة على حالها، فبفعل القتال المستمر، وبفعل تغير التحالفات بين المثلثات الأربع، صار كل مثلث يتوسع مرة على المثلث المجاور من جهة اليمين، وينكمش من جهة اليسار، ثم تتغير موازين القوى، فتتغير معها حدود الجهات، وهكذا على مدى عقود، لم تعد الخطوط مستقيمة، ولم تعد الاشكال هندسية، ولم تعد الحدود ثابتة، بل باتت تتحول مرة تلو الأخرى، ليلا ونهارا، صيفا وشتاءً. وبذلك تعذر الوصف. وأخترع الناس طريقة مثالية للتعايش مع هذه التحولات، فبدلاً من انشاء البيوت الثابتة، صارت المساكن خِيَما يسهلُ طيُّها، ونصبُها في مواقع جديدة، تبعاً لتغير الخارطة الجيوسياسية للمدينة! فيما فضّلتْ العائلات السكنَ بكرفاناتٍ ذات عجلات يسهلُ جُّرها وتغييرُ مواقعِها حسب المستجدات. انتشرت أيضا ظاهرةُ السكنِ في السيارات والعربات التي تجرّها الخيول والحمير والثيران، والعربات التي يدفعها البشر. فتحولت المدينة الى مواقف عظيمة للمركبات. لم يبق شيءٌ ثابتاً في المدينة. وقد حرص الناس على تحريك مساكنهم تبعاً لسير المعارك خوفاً من السقوط بأيدي العدو، فاذا كنت تسكن المثلث الجنوبي مثلاً، وكان في حالة حرب مع المثلث الغربي، فاذا حصل نتيجة للقتال المحتدم بينهما أن حقق المثلث الغربي انتصاراً وقتيا على المثلث الجنوبي ولم تحرك بيتك لتلحق بالجنوبيين المنهزمين، فانك وعائلتك وجيرانك ستقعون أسرى بيد الغربيين. وسيعذبونكم ويسرقوا حاجاتكم، ويرتكبون معكم شتى أنواع الجرائم والانتهاكات، لأنكم ببساطة مواطني مثلث آخر.وما إن تمر ليلة أو ليلتان حتى تتغير موازين القوى فيعاود الجنوبيون السيطرة على المنطقة التي تسكنون فيها، فتفرحون وتشعرون أن العذاب قد زال، ولكن هيهات، فالجنوبيون سيعذبونكم أيضا، وسينتهكون ما تبقى من حرماتكم! وسيتّهمونكم بالخيانة، كيف لم تنسحبوا حين انسحبنا تكتيكياً لاستدراج العدو؟ وكيف قبلتم لأنفسكم أن تكونوا تحت حكم الغربيين الأشرار؟ لابد أنكم كنتم تتعاونون معهم طوال الوقت دون أن نعلم، خونة. لقد سببتم لنا أعباءً كبيرة في تلك الساعات الحاسمة المصيرية. يا حقراء! سوف تنالون جزاءكم العادل جرّاء فعلتكم هذه. عائلات قد اختفت من السجل المدني تماماً لأنها لم تحرك كرفاناتها للحاق بالجنود المهزومين. وسمعت بقصص من العذاب لا يمكنني وصفها جرت بحق عائلات ذنبها أن عرباتها قد غارت في الطين في يوم المعركة، أو أنهم فقدوا الاتجاه بسبب الظلام فوقعوا في قبضة العدو، فاختفوا الى الأبد.
أبنية مبتكرة
قصور الكبار ذات أشكال غريبة ومخيفة وقبيحة. هي مستوحاة من أجسام أو أجزاء أجسام حيوانات. ومصممة ومشيدة بطرق مبتكرة يسهل طيها ونقلها ثم نصبها في مواقع جديدة. بعضها مبني بطريقة النفخ. وحين تعرضت القصور المنفوخة بالهواء الى الرصاص فثقبت في أكثر من موضع. لجأ المهندسون الى اصلاحها، حيث ظهرت القطع التي ألصقت فيها بعد رتق الثقوب والتشققات. وابتكر المهندسون كذلك طرقا جديدة، فظهرت القصور وهي على هيئة خِيَم كبيرة. وآخر ابتكار للابنية والذي عُدّ أكثرها ملائمة لمتطلبات الحرب هو ذلك الابتكار العظيم الذي ساد في السنوات الأخيرة. فقد اكتشف المستشارون أن الابنية تكون عرضة للهدم من قبل الأعداء أما بالقصف بواسطة المدفعية الثقيلة بعيدة المدى، أو بالصواريخ، أو بالتفجيرات التي يقوم بها عملاء الأعداء. واكتشفوا أن هدم البنايات يشكل صدمة للمواطنين، وخسارة للاقتصاد، ويعطي رمزية على قوة العدو. لذلك فقد توصلوا أن الأبنية بحد ذاتها هي خطأ لأنها توفر للعدو كل تلك الفرص التي يجب الا تتوفر. وعليه فقد تم ابتكار حجر الاساس للأبنية بدل الأبنية! خاصة لتلك الأبنية التي تخصّ الشعب. فانتشرت في مدينتنا مواقع زُرعت فيها علامات كأحجار أساسات للأبنية، وقد كان ذلك اكتشافا رائعا لأن الحجر الأساس لا يتطلب مساحة كبيرة، بأمكانك ان تضع حجر أساس على مساحة بقدر مساحة خيمة. ثم أن الكبار صار بأمكانهم أن يضعوا كل يوم حجر أساس لمبنى. وهكذا انتشرت في مدينتنا مزارع الأحجار العظيمة. كانت متشابهة في كل المثلثات ولكنها تغيرت في المراحل الأخيرة واكتسبت خصوصية تليق بها. وقد دعي مهندسون لوضع تصاميم لمزارع الأحجار. بذل في تصمصها وتنفيذها جهود، حتى أصبحت مفخرة.
واهتمت مهندسون كذلك بوضع خرائط لحقول الموت الشاسعة. في حقول الموت الشاسعة يمكنك أن تجد أنواع البناء الثابت، فقد حرص الجميع في البداية على بناء أهرامات صغيرة. ولكن نظرا لأن الأهرامات تتطلب مساحات كبيرة من الأرض فقد تم الاستعاضة عنها باسطوانات، ثم مؤخرا تم تنحيف تلك الاسطوانات الى درجة التقشف، فصارت عبارة عن أعمدة رشيقة مثل أوتاد مغروسة في الأرض. تعلوها الرايات. فصارت رؤيتها تثلج الصدر، ويمكن أن تشعر بالرضا وأنت ترى امتداد مزرعة جماعتك الى مسافات مذهلة وكأنها جيش جرار! ترددت شائعات أن صحفياً حاول أن ينشر خبراً سيئاً عن تلك الحقول قد منح قبراً جديداً ضمن مخطط التوسعة الأخير وذلك في اليوم الثاني الذي تلا محاولته الماكرة تلك! تحتلُّ حقول الموت الشاسعة والتي ما انفكت تزداد اتساعا يوماً بعد يوم منذ أن اندلعت المعارك بين المثلثات مساحات متوسعة تقع خلف مناطق السكن العشوائي التي نمت على حافات المثلثات. وامتدت طولياً بشكل شريطي، أربعة أشرطة ضيقة من نهاية المثلثات الى الخارج. والسبب في اتخاذها هذا الشكل الشريطي هو لابعادها عن عبث الأعداء. فحين كانت القبور قريبة تسلل لها الأعداء ليلا ونبشوها، وقاموا باخراج الجثث الحديثة الدفن، ونزعوا عنها الأكفان البيضاء الموشاة بالرموز. وتم الباسها الزيّ العسكري الخاص بالاعداء، حيث أن لكل مثلث زياً عسكرياً خاصاً يميّزه، ثم تم اطلاق النار عليها، وصلبها في الساحات الداخلية المنتشرة بين الاحياء السكنية.
مفاوضات شاقة
تم التفاوض مع الجيران الشرقيين على حقوق الماء. فقد أدعى الشرقيون أن الماء الذي ينبع من الجبال الشرقية تعود ملكيته لهم، وبما أنهم لا يستطيعون أخذه باتجاههم لأن انحدار الأرض لا يساعدهم، لذلك يتعين على مدينتنا دفع مبالغ طائلة مقابل الماء. رغم أن الجبال التي ينبع منها الماء تقع ضمن حدودنا! الا أن الوفود التي تذهب لاجراء المفاوضات غالبا ما تعود وهي مقتنعة بضرورة إيجاد حل ما! أما الغربيون التي كانت بلادهم عبارة عن جزر بعيدة تقع في عمق البحر الذي لم يصل اليه أحد. فقد طالبوا بتعويضات، مدعين أن مياهنا التي تصب في بحرهم تسبب لهم الأمراض، وتزيد من ملوحة ماء البحر! وادعوا أيضا أن الاسماك التي يعتمد عليها شعبهم لم تعد تجوب البحر قريبا من جزرهم بسبب تلوث المياه. وادعوا أن شعبهم بدأ يتضوّر جوعاً بسبب ذلك. وطالبوا باتخاذ كل ما يلزم لوقف تدفق مياه الأنهار الأربعة باتجاه البحر. ولكون ذلك مستحيل، فقد حاول مهندسوا المياه جعل المياه تدور في الوادي، وبهذا فلن تكون هناك حاجة لشراء مياه جديدة من الشرقيين، ولا نضطر في الوقت نفسه لدفع مبالغ تعويض للغرببين بسبب تلويثنا لمياه بحرهم. الا ان ذلك المشروع تعذر انجازه في اللحظات الأخيرة حين اكتشف المهندسون أن المياه لا يمكنها الجريان عكس الاتجاه القديم الذي اعتادت عليه! رغم انهم بذلوا جهودا جبارة لاقناعها! وهكذا وقّعت الوفود التي ذهبت للغرب اتفاقات بعد مفاوضات شاقة تم بموجبها دفع مبالغ سنوية للغربيين والشرقيين. وطالب الشماليون والجنوبيون بتعويضات متذرعين بأن الرمال التي تجرفها الرياح من أراضيهم وتلقيها في وادينا تسبب لها التعرية. قالوا ان أرضهم مهددة بالزوال، فاذا استمر الوضع هكذا ربما سيجدون أنفسهم ذات يوم محصورين داخل حفرة عميقة لا يمكنهم الخروج منها! أو ربما سيجدون أنفسهم معلّقين في الهواء عندما تتطاير آخر ذرات الرمال من تحت أقدامهم! لذلك وضعوا مطالبهم التي تنصّ على أن ندفع لهم لقاء خسارتهم لرمالهم، أو أن نعيد لهم الرمال التي تجرفها الرياح، أو أن نشاركهم بوادينا، فيكون لهم الحق باستغلال أراضينا كيفما شاءوا. ونظرا لتعذر إعادة الرمال اليهم، ونظرا للروح الوطنية العالية التي ترفض التفريط بالسيادة! فقد وافق الكبار على اجراء مفاوضات لحساب كميات الرمال. وقد انشغل المهندسون والفنيون بحساب الامتار المكعبة من الرمال التي تصل الى وادينا، واستخدمت تقنيات متطورة لحساب الكمية ومن ثم تقدير سعر المتر المكعب من الرمال. واخيرا توصلت الوفود المفاوضة أنه ومن أجل تحقيق أعلى درجة من التوازن، ولاستحالة حساب كميات الرمال المتكدسة، فقد تم اعتماد المبالغ المدفوعة للشرقيين مقابل المياه على أن يتم دفع مبالغ مماثلة للجهات الثلاثة الأخرى لتفادي النزاع حول الكميات واسعارها واختلافها من سنة الى أخرى. في النهاية لم تعد هناك أنهار تجري، فقد أضطر النزاع الذي حصل بين كبار المثلثات الى تحالف كل منهم مع أحد الجيران وذلك لتعزيز قدراته القتالية في مواجهة المثلثات الأخرى، ما أضطرهم الى تقديم تنازلات. وفي النهاية جفّت الأنهار، ومع هذا فلابد من التقيّد بتطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية الملزمة. اذ لم يتم ذكر فقرة تنصّ على عدم دفع تعويضات في حال عدم وجود مياه! إما لغفلة المفاوضين وقتها أو لأسباب أخرى! وهكذا فقد التزم الكبار بدفع التعويضات مقابل المياه التي لم تعد تجري، وعن الرمال التي تذروها الرياح، وعن الأملاح التي لم تعد تلقيها الانهار الجافة في البحر!
الشكل الأخير
في النهاية صارت أرضنا عبارة عن صحراء قاحلة تعصف بها الرياح. الأنهار الأربعة تحولت الى أخاديد في الأرض تصدر عويلا مرعبا عند هبوب الرياح. وقد استخدمت تلك الأخاديد للقتال بين جماعات المثلثات. أما المدينة فقد تحولت الى أشكال أميبية يصعب وصفها، اذ تتغير كل لحظة، منذ اختفاء المسلة التي كانت تنتصب كشاخص في مركز مدينتنا تحيط بها بركة ماء يصعب تحديد الشكل الأخير للمدينة المنقسمة، فهو عبارة عن مركز خال من الأبنية تشغله الأنقاض وتفوح منه رائحة الموت والدخان، تليه مزارع الاحجار العظيمة، تليها أربع كتل هلامية الشكل عشوائية اندمج البناء العشوائي للمهاجرين على الأطراف مع البناء القديم وتجانسا حتى صار يصعب التمييز بينهما. فكلها عبارة عن خِيَم، وبيوت كرفانية على عجلات، يتوسط كل منها غالباً هياكل نصبية غامضة ومرعبة عبارة عن أبنية منفوخة، يمنع الأقتراب منها. وتفصل بين هذه الكتل الهلامية الاربع مساحات شاسعة عبارة عن أراضي حرام خصصت للمعارك! تم زراعتها بكثافة من قبل المتحاربين بالألغام. تمتد بعد ذلك بدل البساتين والحقول الخضراء القديمة حقول الموت الشاسعة، وهي عبارة عن أربعة أشرطة طولية متعرجة تمتد كأنها أذرع نجم بحر عملاق الى الخارج، حتى أنها عبرت الأخاديد الرملية التي كانت فيما مضى أنهارا.
رفع رأسه عن الوسادة. أصوات السيارات تزداد وتعلو في الشارع الذي يربط ساحة التحرير بساحة الطيران مختلطة بأصوات الأذان وقرع نواقيس الكنائس التي ترددت عاليا في سماء بغداد. أشار اليهما أن يكتبا ما يمليه عليهما قائلا بصوت واضح هذه المرة : - أرجو أن تكتبا ما أقول، فلا حاجة لاتباع أساليب أخرى معي فأنا منهك، أرجوكما أكتبا ما أقول وليس ما تريدان أن تكتبا. بدت نظراته اليهما مختلفة تماما عن نظراته اليهما الليلة السابقة، فقد صارت نظرات كراهية وحقد. في هذه اللحظة أرسل عماد مقاطع صوتية متفرقة سجّلها على هاتفه للرجل الغامض وهو يصف المدينة التي قدم منها لأصدقائه القدماء من مجتمع السطح الذين ما زال يحتفظ بأسمائهم وأرقامهم في هاتفه، مثلما أرسلها لأصدقائه الجدد في مجتمع القاع الذين تعرّف اليهم مؤخرا، أولئك الذين لازالوا يحتفظون بهواتفهم وبعض عاداتهم القديمة السيئة، والذين ساعدوا مجتمع القاع في تسريع نقل الاخبار. وفي تلك اللحظة رفع حسن قماش الخيمة الحقيرة المتسخ ليسمح للهواء والضوء بالدخول اليها، فخُيِّل له وكأنه رأى عباءة مطوية بجانب الخيمة، ما إن رفع ستار الخيمة حتى هبت ريح خفيفة حملتها بعيدا. أو ربما كان ذلك الشيء رجلاً يجلس القرفصاء هناك طوال الليل يسترق السمع لكل كلمة قيلت لينقلها الى الرجال والنساء من مجتمع القاع حيث يتداولون بشأن هذا الرجل الغامض الذي اقتحم عالمهم فجأة! أما عماد فقد تنفس الصعداء. وهو يقول في سرّه: سوف يفسّرون لنا كل ذلك قريباً!
للحكاية تتمة



#حامد_تركي_هيكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الثاني
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الأول
- سالم ابن دَهَش -ج4 والأخير
- سالم ابن دَهَش -ج3
- سالم ابن دَهَش -ج2
- سالم ابن دَهَش- ج1
- دوامة الأوراق
- حلم بورجوازي سخيف
- جريمة قتل
- سلسلة فنارات -ج4- الرائد والمقدم-الحلقة الثالثة
- سلسلة فنارات -ج4- الرائد والمقدم-الحلقة الثانية
- سلسلة فنارات -ج4- الرائد والمقدم-الحلقة الأولى
- سلسلة فنارات- الجزء الثالث- جاسم جليل
- البصرة عام 2075
- بوادر الفساد في البصرة
- حتى الهواء يا أمي
- صديقي صالح
- سلسلة فنارات - ج2 - الحاج سعود الفالح
- الحَمَر
- لوحة گلگامش التي ستهزّ العالم


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - هو الذي رأى كل شيء _الجزء الثالث