أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - شارل مونتسكيو ( 1689م. – 1755م. )















المزيد.....


شارل مونتسكيو ( 1689م. – 1755م. )


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 6750 - 2020 / 12 / 2 - 19:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



2/12/2020

شارل مونتسكيو ( 1689م. – 1755م. ):
هو المحامي الفرنسي شارل – لويس دو سيكوندا والذي صار في ما بعد البارون دو مونتسكيو، وهو من أوائل رجال التنوير الفرنسي، تأثر بالتجربة الديمقراطية في بريطانيا أثناء وجوده فيها، واهتم في الوقت نفسه بشؤون السياسة، والمغامرات الغرامية، والأخلاق، وعلوم الأعراف والعادات، وود لو كان في مقدوره أن يتحقق على وجه اليقين اين تختبئ العظمة الحقيقية للإنسان، "ووصل في نهاية المطاف انكلترا حيث أقام إلى عام 1732، وهناك دخل المحفل الماسوني، ورصد جيداً الأعراف السياسية والبرلمانية، وفي أثناء تلك الأسفار كان يقابل كل الناس، ويلاحظ كل الاشياء ويستعلم عن كل عجيب غريب، ويزور المعامل والورشات والموانئ والمتاحف"([1]).

عُرِفَ مونتسكيو بشكل خاص بإسهامين اثنين أساسيين وهما: نظرية فصل السلطات كشرط للحرية، ونظرية تأثير البيئات المختلفة على السياسة([2]).

روح القوانين:
"في عام 1748 أصدر أهم كتبه "روح القوانين" بلا تاريخ وبلا اسم مؤلف، وبعد ذلك بعام واحد، وبالتحديد في كانون الثاني 1750، كان عدد طبعات الكتاب قد بلغ اثنتين وعشرين، وقد اقتضى هذا الاستقصاء الهائل مؤلفه عشرين عاماً من العمل، وفحواه البرهان على أن القوانين التي تنظم أمر المجتمعات ليست اعتسافيه أو غير قابلة للتغيير، فليست هي من اختراع النزوة، لكن ليس هناك كذلك من مبدأ ميتافيزيقي يثبتها إلى الأبد، فتبقى هي هي مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة، فالقوانين تعبر عن علاقات الأشياء، وتتبعه للمناخ ولمساحة البلد ولطرق المواصلات ولطبيعة الحكم، وهذا الأخير يستند إلى مبدأ يضمن له سلامة العافية وفعالية الاشتغال، وعلى هذا النحو يرتكز الاستبداد على الخوف، والملكية على الشرف، والجمهورية على الروح المدني، وهو ما يسميه مونتسكيو بالفضيلة، فعندما يفسد المبدأ، يتهاوى نظام الحكم.

يدعو الكتاب بوجه خاص إلى فصل السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضية، وقد صاغ مونتسكيو نظرية الفصل هذه، التي بدت له الضمانة الوحيدة للحريات السياسية، على ضوء ما لاحظه من اشتغال تجربي للمؤسسات الانكليزية عام 1730"([3]).

لقد كانت العناوين على أيام مونتسكيو توضيحية حقا، دقيقة غالباً، ولذا سمى كتابه "في روح القوانين" أو "في العلاقات التي يجب أن تقوم بين القوانين وبين دستور كل حكومة، والعادات، والمناخ والديانة والتجارة، وغيرها"، وكان بحثاً في العلاقات بين القوى المادية والأنماط الاجتماعية، وفي العلاقات المتبادلة بين مكونات الحضارة"([4]).

وبمعنى أدق، كانت فكرة مونتسكيو أن روح القوانين "-أي أصلها وطبيعتها ونزعتها- إنما يحددها أولاً مناخ البلد وتربته"، ثم فسيولوجية الشعب واقتصاده وحكومته ودينه وخلقه وعاداته. وبدأ بتعريف عريض: إن القوانين بأوسع معانيها واكثرها تعميماً هي العلاقات الضرورية التي تنشأ عن طبيعة الأشياء، وواضح أنه أراد أن ياتي "بالقوانين الطبيعية" في العالم المادي، والاطرادات القياسية في التاريخ، تحت مفهوم عام واحد.

ميز مونتسكيو بين عدة انواع من القوانين([5]):

1- القانون الطبيعي، الذي عَرَّفَهُ بانه "عقل إنساني، بقدر ما يحكم شعوب الأرض بأسرها" أي "الحقوق الطبيعية" لكل الناس بوصفهم كائنات وُهَبِتْ عقلاً.

2- قانون الأمم في علاقاتها بعضها ببعض.

3- قوانين سياسية تحكم العلاقات بين الفرد والدولة.

4- القانون المدني علاقات الأفراد بعضهم ببعض.

يقول مونتسكيو: "يوجد في كلّ دولة ثلاثة أنواع للسلطات، وهي السلطة التشريعية، وسلطة تنفيذ الأمور الخاضعة لحقوق الأمم، وسلطة تنفيذ الأمور الخاضعة للحقوق المدنية (القضائية)….فلا تكون الحرّية مطلقاً إذا ما اجتمعت السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية في شخص واحد أو في هيئة حاكمة واحدة. وكذلك لا تكون الحرّية إذا لم تفصل سلطة القضاء عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية،.. فكلّ شيء يضيع إذا مارس الرجل نفسه أو هيئة الأعيان هذه السلطات الثلاث"([6]).

أما بالنسبة للعلاقة بين الاستبداد والدين، "يؤكد مونتسكيو أن الدين في الأنظمة المستبدة يحل محل القوانين الأساسية, فهو يرى ان هناك وحدة بين الدين والدولة, يفرض على كل منهما السعي وراء بقائه وتوطيد نفسه بالطرف الأخر.

" إن نفور مونتسكيو من الاستبداد والحكم المطلق، أدى به إلى تحبيذه حكومة مختلطة: فيها ملكية وأرستقراطية وديمقراطية معاً – ملك ونبلاء وجمعية عامة. ومن هنا كان أشهر آرائه، نظرية الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الحكومة، فالسلطة التشريعية تَسِنْ القوانين، لكن لا تتولى تنفيذها، وتتولى السلطة التنفيذية القيام على تنفيذها ولكن لاتَسِنَّها، وتقتصر السلطة القضائية على تفسيرها. "وتضم السلطة التشريعية مجلسين، مجلس يمثل الطبقات العليا، وآخر يمثل العامة، وهنا يتحدث البارون ثانية، وفي مثل هذه الدولة، يوجد دائماً، أناس يتميزون بحكم مولدهم وثرواتهم وألقابهم، فإذا تساووا وخلطوا بعامة الشعب، فلا يكون لهم إلا صوت واحد مثل الباقين، فإن الحرية العامة تكون بمثابة استرقاق لهم، ومن ثم يفقدون اهتمامهم بمساندة الحكم، وتكون معظم القرارات الشعبية في غير مصلحتهم، ويجدر "أن يتناسب نصيب النبلاء مع سائر امتيازاتهم في الدولة، وهذا يحدث فقط حين يشكلون هيئة في الدولة يكون لها الحق في مقاومة إساءة استعمال الشعب للسلطة في الدولة، كما يكون للشعب الحق في مقاومة أي اعتداء على حريته، ومن هنا تكون السلطة التشريعية في أيدي النبلاء، وأيدي الذين ينتخبهم الشعب، على أن يكون لكل هيئة اجتماعاتها ومداولاتها منفصلة عن الأخرى، ولكل صلاحيتها وآراؤها"([7]).

في هذا الجانب، عرَّف مونتسكيو الحرية مع كل تمجيد لها بوصفها الهدف الصحيح للحكومة، بأنها "حق كل إنسان في عمل ماتجيزه القوانين، فإذا أتى مواطن شيئاً تُحَرِّمه القوانين، فإنه لا يعود يتمتع بالحرية، كما حرص في "روح القوانين" على مسالمة المسيحية بمعنى اعترافه بوجود الله، ولكنه تصور الله، أو هذا العقل الأسمى كما عَبَّرتْ عنه قوانين الطبيعة، وهو لا يتدخل فيها مطلقاً "إن الله بالنسبة لمونتسكيو هو روح القوانين"، كما وينبغي أن تكون الدولة والكنيسة رقيبة كل منهما على الأخرى، لكن ينبغي ان تظل كل منهما منفصلة عن الأخرى. وهذا التفريق الكبير بينهما هو أساس هدوء الأمم"([8]).

لقد دافع مونتسكيو عن الدين، ولكنه أخضعه، مثل أي شيء آخر لتأثير المناخ والخلق القومي، "إن حكومة معتدلة هي أصلح ما يكون للعالم المسيحي، والحكومة المستبدة أصلح للعالم الإسلامي. وإذا أختيرت ديانة تلائم مناخ بلد ما، تتعارض مع مناخ بلد آخر فإن هذه الديانة لن تقوم في هذا البلد الثاني، وإذا أدخلت كان مآلها النبذ والرفض"([9]).

في هذا السياق، انتقد مونتسكيو عقيدة التثليث المسيحية ومذاهبها المتنوعة، كما انتقد نظام الرهبنه وتحريم الطلاق، واعتبر الرهبان فئة خامله لديها ثروات هائلة يجب استثمارها لخدمة الدولة.

كما افترض مونتسكيو –كما يقول يوسف حسين- "ان البيض يرون الله أشقر اللون والشيطان اسود اللون، في مقابل السود في افريقيا يرون الله أسوداً والشيطان أبيض البشرة وأشقر، ما يعني ان هذه التطورات الالهية هي مجرد انعكاس لأحوال الناس وأوضاعهم، ومن وجهة نظره ان المناخ والجغرافيا لها تأثير كبير على القوانين ، وتحديد طبيعة ومعيشة هذا الشعب أو ذاك، فالناس في البلاد الباردة أكثر نشاطاً وحيوية على عكس البلاد الحارة حيث يتسم الناس بالبلاده والضعف والتخلف والشهوات الجنسية.. إلخ (اعتبر ان حرارة الجو لها دور كبير في اثارة الشهوات في الشرق ومن ثم التقليل من الاختلاط وتعدد الزوجات بعكس الغرب)، وألح في أن تكون الكنيسة خاضعة للسلطة المدنية، ومع كل احترامه للرقيب ظل مونتسكيو عقلانياً "فالعقل هو أكمل وأكرم وأجمل ملكاتنا"([10]).

لكن مونتسكيو على الرغم من أنه قدَّر الروح الوطنية أكبر تقدير إلى حد أنه سوى بينها وبين الفضيلة إلا أنه –كما يقول ديورانت- "راوده في بعض الأحيان حلم مبادئ أخلاقية أرحب افقاً: "إذا علمت أن ثمة شيئاً نافعاً لشخصي، ولكنه يضر بأسرتي، فينبغي عَلَيَّ ألا أُقدم عليه، وإذا علمت أن ثمة شيئاً نافعاً لشخصي، ولكنه يضر بأسرتي، وليس لوطني، فيجدر بي أن أحاول أن أنساه، وإذا رأيت أن شيئاً ذا فائدة لوطني، ولكنه يضر بمصلحة أوربا والجنس البشري فلابد أن اعتبره جريمة رسمية"([11]).

لقد أُعجب مونتسكيو بالنظام الديمقراطي الدستوري الانجليزي النقيض لنظام الاستبداد الملكي الفرنسي، وهذا الإعجاب كان نتيجة لوجود مونتسكيو في عصر مليء بالصراعات المذهبية الدموية، إلى جانب أنظمة الحكم المطلق في فرنسا وغيرها، الأمر الذي دعاه إلى التأكيد على الحرية والديمقراطية في كتابه الأشهر "روح القوانين" الذي كان حصيلة حوالي اربعين عاماً من حياة مونتسكيو وخبراته، وأحدث ضجة كبرى عند صدوره بين مؤيد ومعارض خاصة من رجال الدين الذين هاجموا مونتسكيو وطالبوا عدم تداول الكتاب .

في هذا الكتاب يشرح مونتسكيو أنظمة الحكم المختلفة وطبيعة القوانين حسب الأوضاع الحياتية والمناخية في الحضارات والدول، كما قدم دراسة لمجمل القوانين السائدة في ذلك العصر في أوروبا وغيرها.

أما أفضل تصور عنده للحكم أو الدولة الحديثة، فهو–كما يضيف يوسف حسين-"النظام الجمهوري القائم على الدستور المدني الديمقراطي، وفصل السلطات، وفصل الدين عن الدولة، لضمان نظام سياسي مدني اجتماعي جمهوري يستمد شرعيته من الشعب لضمان تكريس مبدأ المساواه، باعتبار الشعب عنده هو مصدر السلطات الثلاث: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذيه والسلطة القضائية، وهي التي يتكون منها النظام الجمهوري الديمقراطي الذي يفصل كل سلطة عن الأخرى منعاً للاستبداد والفساد والطغيان وسوء استعمال الصلاحيات، ذلك أن مبدأ فصل السلطات هو من أهم المبادئ التي استند إليها مونتسكيو ، ولذلك أكد على ضرورة وجود سلطة رقابيه نقديه من الصحفيين والمثقفين (السلطة الرابعة) التي تتابع وتراقب وتنتقد الاوضاع السياسية في الدولة وسلامة تطبيق القانون وحماية حرية المواطن وعدالة الدولة، فلا يصح لأحد أن يكون فوق القانون عند مونتسكيو، فالقانون مثل الموت عنده، لا يجب أن يستثني أحداً مهما علا شأنه"([12]).

كما أكد مونتسكيو في كتابه الشهير "روح القوانين"، على"ثنائية تتعلق بالقانون، الأولى تتعلق بالحقوق الطبيعية،وتفيد أن القوانين المختلفة هي صياغات القانون الواحد نفسه، والثانية أطروحة سوسيولوجية تفيد أن تلك الصياغات المختلفة للقانون تحددها أنواع مختلفة من البيئات المحيطة، الاجتماعية والطبيعية،مع ذلك، لم تكن هذه الفكرة جديدة بكاملها، فقد سبق أن أوصى بها كل من أرسطو وميكافيلي"([13]).

وفضلاً عن ذلك، وضع مونتسكيو عرضاً تصنيفياً لثلاثة أشكال من الحكم (الجمهوري والملكي والاستبدادي) وثلاثة مبادئ مقابلة (الفضيلة والشرف والخوف)، وقد تكون القسمة الثلاثية الأخيرة (التي تذكرنا بأرسطو) محددة بالمصالح السياسية في زمن مونتسيكو:

فالجمهورية هي الصورة المثالية لروما القديمة، والاستبداد هو الصورة المرعبة لما يمكن أن تصبح عليه فرنسا، والملكية تعكس وجهة نظر مونتسكيو عن الحكم البريطاني كمثال أعلى لفرنسا.

ورغم أن مونتسكيو لم ينجح نجاحاً كاملاً في تطبيق الشروط التي وضعها هو للبحث العلمي، فإنه كان مدافعاً مُهمَّاً عن الحرية وعن الواقعية السياسية والموقف العلمي"([14]).

ففي "جميع أشكال الحكم يدرس مونتسكيو الشروط، التي تكفل له تأدية المهمة المناطة به، مهمة ضمان حرية الفرد، كما يبحث في الظروف، التي يتحول فيها الحكم إلى طغيان، فهو يرى الضمانة الاساسية للحرية في المؤسسات، التي تحد من التعسف، وتكبحه، كما يرى في التفاني، أي حب الجمهورية، واخلاص كل فرد وتضحيته من اجل المصلحة العامة – القوة المحركة في النظام الديمقراطي، وأساس ازدهاره وتقدمه"([15]).

ففي "الديمقراطية التي تؤسس بصورة صحيحة، سوف يعهد الشعب صاحب السيادة بالسلطة إلى من يقوم بعمل ما لا يستطيع هو ان يقوم به، فهو يحتاج إلى توجيه في الشئون الخارجية، وإعداد التشريع عن طريق مجلس شورى، أو مجلس شيوخ، ولا يمكن أن تكون لديهم ثقة فيه إلا إذا اختاروه من خلال النظام الديمقراطي، ذلك إن مبدأ الديمقراطية عند مونتسكيو، هو الفضيلة، فحيثما يشارك الجميع في صنع القوانين التي يجب عليهم أن يطيعوها، ويشاركوا في اختيار حكامهم من بينهم، فإن ثمة حاجة إلى درجة عالية من الشهامة العامة، أو الاهتمام بالخير العام، فالفضيلة هي، باختصار، الوطنية، أي حب الوطن، والقوانين، وتنشأ منها فضائل المواطن الخاصة مثل: الاستقامة، والعفة، والشجاعة، والطموح الوطني.

إن "خاصية الديمقراطية الاكثر جاذبية هي العظمة الأخلاقية لمواطنيها، كما تكفل الديمقراطية لمواطنيها درجة عليا من الحرية، والأمن، في ظل القانون، فالاستبداد يوجد عندما يكون هناك رجل واحد هو الذي يحكم طبقاً لرغباته بغير قانون"([16]).

ومن أهم آرائه، رأيه في الحكم المطلق الذي يعتبره شكلاً مناقضاً للطبيعة الإنسانية، ومناقضاً للحقوق الشخصية وحصانتها وأمنها، وفي مجال العقوبات يضع مونتسكيو حداً فاصلاً بين الفعل وبين نمط التفكير، فالعقاب يستحق على الأفعال التي يقترفها الإنسان لا على أفكاره أو آراءه؛ إن عقاب الإنسان على أفكاره هو امتهان فاضح للحرية، كان أيضاً من المعادين للتعصب الديني([17]) ورفض كافة أساليب التعذيب ودافع عن الزنوج وإلغاء الرق في أميركا.

تأثير كتاب "روح القوانين":
ما أسرع ما اعترف الناس "بروح القوانين" حدثاً ضخماً في الأدب الفرنسي، ولكن النقاد تلقفوه عن اليمين وعن الشمال، فالجانسنيون واليسوعيون، وهم على طرفي نقيض عادة، اتفقوا على مهاجمته على أنه رفض ماكر خبيث للمسيحية، واتهم اليسوعيون مونتسكيو باتباعه فلسفة سبينوزا، بافتراضه وجود قوانين في التاريخ مثلما هي في العلوم الطبيعية، ولم يترك مجالاً لحرية الإرادة، ودافع "الأب برتييه" في صحيفة "تريفو" اليسوعية عن أن الحق والعدل مطلقان، وليسا نسبيين تبعاً للمكان والزمان، وإن القوانين يجب أن ترتكز على مبادئ عامة من الله، لا على تنوعات المناخ والتربة والعرف والخلق القومي"([18]).

على أي حال، ان كتاب "روح القوانين" كما قال عنه فولتير يعرض وجهات نظر أو آراء عظيمة ويهاجم الطغيان والخرافة والضرائب الفادحة.. وإن أوربا مدينة لمونتسكيو بالشكر والامتنان على الدوام. وأضاف في موضوع آخر: "إن الإنسانية كانت قد ضيعت أعمالها المجيدة (من أجل الحرية) واستردها مونتسكيو، كما إن بيرك أطلق على مونتسكيو "اعظم عبقرية نَوَّرَتْ هذا العصر".

أما "في أمريكا، فقد استعان واضعو مسودة الدستور الأمريكي بنظرية مونتسكيو عن فصل السلطات وتضمنت كتاباتهم كثيراً من الاقتباسات من كتاب "روح القوانين"، كما أصبح "روح القوانين" الكتاب المقدس عند الزعماء المعتدلين في الثورة الفرنسية تقريباً، ويقول "فاجيه" إن كل الأفكار الحديثة العظيمة بدأت بمونتسكيو وعلى مدى جيل من الزمان كان مونتسكيو، لا فولتير هو صوت العقل وبطله في فرنسا"([19]).

إن الحرية السياسية –كما يؤكد مونتسكيو- "ستتحقق يوم ستقوم السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضاء) المستقلة أتم الاستقلال واحدتها عن الأخرى، بممانعة بعضها بعضاً، وإذا ارتهن أمر هذه السلطات بإرادة واحدة، سواء أكانت هذه الإرادة إرادة فرد واحد أم إرادة هيئة من النبلاء أم إرادة الشعب، فإن كل حرية تتلاشى وتزول في هذه الحال"([20]).

" لقد كان الشاغل الأول لمونتسكيو تحقيق الحد الأقصىى من الحرية بما لا يتنافى مع الوضع التاريخي في فرنسا.

أخيراً، إن الديموقراطية –عند مونتسكيو- "حُكْم لا يعرف فيه الشعب من إرادة أخرى غير إرادته، ولا يكون له فيه من سَنَدْ سوى الفضيلة وحدها (المقصود بالفضيلة هنا الفضيلة السياسية، أي التعلق العفوي بالوطن)، ومن ثم فهي تتنافي كامل التنافي مع الاستبدادية التي تتطلب طاعة سلبية ولا تقوم لها قائمة إلا بالخوف"([21]).

وفاته:
في سنيه الأخيرة كاد مونتسكيو أن يصاب بالعمى، وكان يقول "يبدو لي أن الأثر الخفيف من البصر الذي بقى لى ليس إلا فجر اليوم الذي تغلق فيه عيناى إلى الأبد، وقضى نحبه في 10 فبراير 1755 وهو في السادسة والستين، وكان الأديب الوحيد الذي شيع جنازته هو ديدرو وهو من اتباع مذهب اللاإدارية وذاع صيته وامتد أثره على مر القرون"([22]).

كان لمونتسكيو – كما لفولتير وروسو وديدرو- دوراً رئيساً في التمهيد للثورة الفرنسية، من خلال تأكيده على حرية المواطن والديمقراطية، فكان –حسب ول ديورانت- هو صوت العقل وبطله في فرنسا طوال عصر التنوير.

قالوا عنه([23]):

· "فضائله شَرَّفَت الطبيعة البشرية، وكتاباته شَرَّفَت التشريع" (لورد شسترفيلد)

· "لقد احترم مونتسكيو دواماً الآراء التي تُؤَمِّن سلامة المجتمع، ولم يهاجم قط إلا الأحكام المسبقة الضارة، لكنه كيما يطهر الأرض منها، لم يتخذ قط نبرة المصلح الوثوقية" (مارا).

· "يبقى مونتسكيو المعلم الأثير للعقول المتبصرة التي تحبذ، مثله، الاعتدال بالاضافة إلى التقدم، وتحب الصالح العام وتمقت كل ظلم، ولو كان جزئياً، وتستفظع الفوضى، وتعشق الحرية" (بتي دي جولفيل).

· "كان مونتسكيو يرغب في توطيد الحريات البورجوازية لا عن طريق سحق الطبقة السائدة في المجتمع الاقطاعي، وإنما عن طريق تفاهم يلحق أقل ضرر بمصالحها، إن نظريته تحمل علائم نفور أي أرستقراطي من احتمال حرمانه من امتيازات طبقته، لكن على الرغم من روح المساومة هذه، فإن نظرية مونتسكيو عَبرَّتْ عن مرحلة محددة من تطور العقلية السياسية للبرجوازية الفرنسية" (ف. فولغين).






([1]) جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987 – ص652

([2])غنارسكيربك و نلز غيلجي– مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 521

([3])جورج طرابيشي – مرجع سبق ذكره - معجم الفلاسفة– ص652

([4])ول ديورانت – مرجع سبق ذكره – قصة الحضارة – المجلد الثامن عشر (35/36)- ص 159

([5]) المرجع نفسه –ص 165

([6]) ريناس بنافي – السؤال السياسي الاستبداد وكيفية معالجته عند مونتيسكيو في متنه "روح القوانين" – المركز الديمقراطي العربي – 26ديسمبر 2016.

([7])ول ديورانت – مرجع سبق ذكره – قصة الحضارة "عصر فولتير" – المجلد الثامن عشر (35/36) -ص 166

([8]) المرجع نفسه –ص 167

([9]) المرجع نفسه –ص 169

([10]) يوسف حسين – محاضرة في اليوتيوب – الانترنت.

([11])ول ديورانت – مرجع سبق ذكره – قصة الحضارة – المجلد الثامن عشر -ص 168

([12]) يوسف حسين – محاضرة في اليوتيوب – الانترنت.

([13]) غنارسكيربك و نلز غيلجي- مرجع سبق ذكره – تاريخ الفكر الغربي - ص 521

([14]) المرجع نفسه - ص 521

([15])موجز تاريخ الفلسفة – جماعة من الأساتذة السوفيات – تعريب: توفيق ابراهيم سلوم – دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) – ص 297

([16]) ديفيد لوونتال- مقال بعنوان: مونتسكيو - تاريخ الفلسفة السياسية (مجموعة مؤلفين)– تحرير: ليوشتراوس وجوزيف كروبسي – ترجمة: محمود سيد احمد – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة – الجزء الثاني– 2005 – ص77

([17]) بالنسبة للتعصب الديني والموقف من الديانة المسيحية والديانة الاسلاميةً، نشير إلى أن الفلاسفة أمثال مونتسكيو، او فولتير، او ديدرو، او جان جاك روسو لم يُعَدوا مسيحيين بالمعنى التقليدي، وخاضوا حرباً ضروساً ضد الأصولية المسيحية ذاتها. وبالتالي فما عاد بإمكانهم ان ينظروا إلى الإسلام من وجهة نظر مسيحية، والأنكى من ذلك هو أنهم استخدموا الإسلام كوسيلة للنيل من المسيحية! وهذا ما فعله فولتير في مسرحيته عن «محمد» فظاهرياً يبدو وكأنه يهاجم الإسلام، ولكنه في الواقع كان يهاجم التعصب المسيحي من خلال الإسلام. فبما انه لا يتجرأ على خوض المعركة مع «الاخوان المسيحيين» راح ينتقم منهم بشكل غير مباشر، أما بالنسبة للموقف من الدين الإسلامي فقد كانت لمونتسكيو أطروحة عن الإسلام تستحق الاهتمام. لا ريب في أنه كان يحارب التعصب الديني والاستبداد السياسي المرتبط به كباقي فلاسفة التنوير، كما كان مونتسكيو يعتقد بأن سبب تخلف الشعوب الإسلامية يعود إلى البيئة والمناخ. فهي بيئة جافة وصحراوية أو شبه صحراوية ولا تساعد بالتالي على التفتح العقلي أو التسامح الديني أو الاستنارة الفكرية وإنما هي بيئة مناسبة تماما لانتشار الأفكار الأصولية المتعصبة والاستبداد السياسي، أما البيئة الأوروبية فهي معتدلة، باردة، ذات أمطار غزيرة وتربة جيدة صالحة للزراعة. وبالتالي فهي مناسبة للحكم الديمقراطي والتسامح الديني والتقدم المادي والعلمي، وهكذا فسر مونتسكيو سبب تقدم الأوروبيين وتخلف المسلمين عن طريق عوامل البيئة والمناخ. (هاشم صالح – ما رأي فلاسفة التنوير بالإسلام؟ - موقع: البيان – 17 نوفمبر 2006.)

([18]) ول ديورانت - ترجمة: فؤاد أندراوس و محمد علي أبو درة – قصة الحضارة "عصر فولتير" – المجلد الثامن عشر (35/36)- ص 170

([19]) المرجع نفسه – ص 175 / 176

([20]) اميل برهييه – تاريخ الفلسفة – الجزء الخامس: القرن الثامن عشر – ترجمة: جورج طرابيشي – دار الطليعة – بيروت – ص 83

([21]) المرجع نفسه - ص 84

([22]) ول ديورانت- مرجع سبق ذكره – المجلد الثامن عشر- ص 175

([23]) جورج طرابيشي – مرجع سبق ذكره – معجم الفلاسفة – ص 652



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جورج بركلي (1685 – 1753)
- عصر الحداثة
- عصر التنوير – العقل والتقدم
- جوتفريد فيلهلم لايبنتز ( 1646م.  – 1716م. )
- اسحاق نيوتن (1642 – 1727)
- جون لوك ( 1632م. – 1704م. ).. عصر التنوير والمساواة
-   كتاب :  عواصف الحرب وعواصف السلام  [1]
- باروخ سبينوزا([1]) (1632م. – 1677م. )
- بليز باسكال (1623 - 1662)([1])
- رينيه ديكارت ( 1596 م. _ 1650 م. )
- كتاب :الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية
- توماس هوبز (1588 – 1679 )
- المسألة اليهودية والصراع العربي الصهيوني
- كلام في السياسة
- جاليليو ( 1564 م. _ 1642 م. )
- عن انتشار الاسلام السياسي و دور جماعة الاخوان المسلمين......
- فرنسيس بيكون ( 1561 م _ 1626 م )
- ليوناردو دافنشي ( 1452 م. - 1519 م.)
- جوردانو برونو ( 1548 م. _ 1600 م. )
- جان كالفن (1509 - 1564)


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - شارل مونتسكيو ( 1689م. – 1755م. )