|
لم يكتفي بملامستها بل كانت لصيقة حذائه ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6748 - 2020 / 11 / 30 - 19:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ تابعت ببالغ الاهتمام أغلب التعليقات الكونية حول وفاة دييغو ارماندو مارادونا 1960م-2020م ، إستوقفتني تلك التغريدات والبوستات التى كتبت على وجه الخصوص من جيل لم يشهد المعجزات الكروية التى صنعها في الملاعب عندما كان يقرأ خصمه أو خصومه بطريقة خاصة ، لم يسبق لأحد أن قرائها على هذا النحو ، بل بصراحة أوضح ، أثناء وجوده في الملعب ، يتحول جميع من في الملعب إلى متفرجين وبالتالي ، يفقدون الفعل تماماً في حضور الفاعل ، وهذا ايضاً جعله وبالرغم من الأزمات التى تعرض لها أو مرحلة اعتزاله المبكر ، أن يخرج من هذه الدنيا من باب الكِبار ، وقد تكون مقولة علي بن ابي طالب لعمر بن الخطاب ، لقد أتعبت من سيأتي بعدك ، تصلح مع أمثال مارادونا ، لأن بالفعل من الصعب لشخص غيره ، أن يخيط كرة القدم بحذائه .
بدايةً ، شخصياً أسجل إعتراف أولي ، إن خبرتي في أرض الملاعب لابأس بها ، لكنها ليست كافية في خباباً تلك المجماعات الكبيرة التى تدار بها سياسات الأندية والتى يكثر بها الغلط حول المنافع أو الكسب غير مشروع والفساد ، لكن من فينا لا يذكر تلك الواقعة الكروية التى ابتكرها ذات يوم مارادونا عندما تجاوز حارس مرمى ريال مدريد اجوستين الشهير ، والذي عُرف الأخير برصانته بين العمودين وقدرته الفائقة على مواجهة المهاجم والتصدي للكرات البعيدة أو القريبة ، لقد تجاوزه بتجاوز فريد ومن ثم وقف ينتظر المدافع خوان خوسيه ، لكي يقول للعالم ، سأسجل هدفي بعد مراوغة الدفاع ، ولكي لا أترك للمحليين الرياضيين أن يقولون ، بأنه استفرد بالحارس ، بل كيف للمرء نسيان تلك الرفسة التاريخية التى رفسها في مبارايات كأس العالم التى تسببت بطرده ، أو ايضاً رقصته في روسيا عندما تأهلت الأرجنتين أو هدفه الخرافي مع إنجلترا عندما راوغ نصف المنتخب وسجل الهدف ، أعتبر آنذاك وحتى الآن أفضل الأهداف التى دخلت شباك المرمى ، وهذا فتح باب ثقيل عليه ، منذ تلك اللحظة تحركت نزعة الانتقام لدى اللاعبين ، التى حولته إلى هدف للضربات العنيفة وعكست الإصابات سلباً على نفسيته ، بل كانت الدافع في وراء انتقاله من إسبانيا إلى إيطالي ليلتحق مع نادي نابولي ، ولأن مارادونا حقق ما لا يحققه غيره ، أخذت إدارة نابولي قرار تاريخي هو الأول من نوعه ، لقد حذفت رقم عشرة (10) من قمصان فريقها ، تقديراً على ما قدمه لكرة القدم ، بل كل من لعب معهم وفي مقدمتهم نادي برشلونة ، عضوا لاحقاً على أصابهم ندماً كونهم تخلوا عنه ، وبالفعل مع نادي نابولي ظهرت موهبته وبات لا يكترث إلى هم النجومية بل تحول العالم محتار بماذا يصنفه ، يركضون وراءه وهو كالصاروخ يخترق السماء ، وهذا جعل من الجماهير نابولي أو المنتخب الأرجنتيني أو البشرية جمعاء ، تتسامح وتتناسى سريعاً لإخفاقاته مع المخدرات أو السمنة أو الغرسطة ، ولأن ايضاً كرة القدم هي كرة القدم ، كما أشار الشاعر درويش عن أمه ، أمي هي أمي التى تربينا عليها منذ الطفولة ، أمام الشاشات أو في الحواري ، الخاطفة والمتفردة والقادرة على صنع الجنون الفردي والجماعي معاً ، مُنقطة النظير ، متجاوزة الحدود ، عابرة الهويات ، فهي جنون كوني ، وهذا شهده المراقب في كل مرة يعود ببطولة على المستوى الأندية أو العالم ، تتقاطر الجماهير إلى الشوارع والميادين الكبرى ، احتفالاً بالنصر الذي حققه دون التوقف أو مراجعة إخفاقاته ، فالعفو معه دائماً جائزً وممكنً ، لكن في المجال السياسي أو العسكري غير ممكن ، لهذا كان من الصعب لسياسي أو عسكري أو اقتصادي أو فنان أن ينافسه ، ابداً .
بالتأكيد ، لكي يصل إلى ذلك الموقع الكوني الذي حظيى به ، كان لابد لكرة القدم أن تكون شيء هستيري له ، وهذا دونته سجلات دفاتر الأرجنتين ، عندما أُستبعد أول مرة من نهائيات كأس العالم عام 1978م ، لصغر سنه أياماتها ، بكى مارادونا بكاءً شديداً ، كالأطفال ، لهذا لم يكن اعتزاله أو تركه لأضواء الكاميرات وجلجلة المدرجات أمر عادي ، يمكن التنازل عنهما بهذه سهولة ، ولأن شخصيته مركبة ، بدأ على الفور كما تبدأ أي شخصية أخرى ،تطرح تساؤل على ذاتها ، كيف يمكن البقاء ، ولهذا كما اثار الصخب في الملاعب ، بدأ بطرح آراءه السياسة ومواقفه التى تدلل انحيازه للمربع الشيوعي اللاتيني ، ضد مخطط وعملية النمس الشهيرة( الامريكية ) ، أو من خلال مقاومته للإدمان في كوبا التى جميعها جعلته حاضر بين العدسات والسجالات الصحافيين ، فكرة القدم بالنسبة لأمريكا اللاتينية تعتبر من الأشياء المقدسة التى سهلت له اولاً التعرف على الرئيس الكوبي كاسترو وثانياً ، تحول مارادونا إلى مذهب اعتناقي من قبل مجموعات منتشرة ، بل انتشرت الكنائس التى تتبع مذهبه ، ولأن ايضاً كاسترو امتاز بعلاقته مع العديد من المبدعين ، لم تقتصر علاقته على مارادونا . بل قبل ذلك ، كانت نشأت بينه وبين الكاتب الأمريكي ارنست هيمينجواي علاقة دافئة وصلت لدرجة الثقة العميقة ، فارنست بات لا يحلو له النشر الكتاب قبل أن يمرره لكاسترو ، ايضاً هذا حصل مع الكاتب غابرييل ماركيز ، بعد عدة مقالات كتبها عن كوبا وأبدى إعجابه بالنموذج الشيوعي الكوبي ، ومن ثم طالب بضرورة نشر التجربة الكوبية في كافة أراضي امريكا اللاتينية ، بدأ يلفت الكاتب انتباه كاسترو ، على الرغم أن الحركة الثقافية التى سميت بالرومانسية كانت قد بدأت تبتعد عن كوبا بسبب اعتقال كاسترو للشاعر هييرتو باديلا عام 1968م ، وبالتالي كل من أنسجم مع كاسترو لاحقاً ، أتفق مع ديكتاتوريته ، وهذا ظهر بشكل فاضح عندما صفع مارادونا أحد الصحفين على وجهه أمام الناس ، بل في تاريخ حكم كاسترو لكوبا ، لم يتحمل أي معارض حقيقي حتى رفيقه الأقرب أرنيستو تشي شكل فرار منه ، مثله كمثل أي زعيم أخر في العالم الثالث ، لهذا وجد في مارادونا بالابن المطيع ، الذي عزز مجده ، كما ووصفه الابن عند مماته بالاب الثاني ، ووفاته كانت ضربة تنس في الصدر .
لا ينفع فقط أن يكون المبدع مبدعاً ، أو لديه القدرة على مراوغة نصف الملعب أو قدرته على التشقلب كما كان دييغو قصير القامة ( 165 م) ، يصنع بعد كل هدف يحققه في شباك الآخر ، وهذا هو الفارق بين الديكتاتور الاب العارف والديكتاتور الصديق الجاهل ، لقد صادق اسكوبار الكولومبي مارادونا ، فكانت النتيجة رميه في وحل الكوكائين ، وتبنى كاسترو الكوبي الأرجنتيني مارادونا ، فنشله جسدياً من سموم الكوكائين ، لكن أخفق في إعادة تكوينه بنيوياً كما فعل اسكوبار بتدميره .
إذن ، من باطن الجوهري الفكري الذي يدعوننا له العقل ، نقول ، هؤلاء الذين يغرقون بالمخدرات ، بالإضافة لإصابتهم بالإدمان ، يصابون بالأعراض الاشتباك الذواتي ( التوحد ) فهو صحيح يُبدع في مجال ، لكنه يفشل في تكرار الإبداع في أماكن أخرى ، لأنه حبيس الأولى ، تماماً كالذي يخفق في ادارة عائلته أو إقامة علاقة متوازنة ، ندية ، مع الآخر ، باستثناء علاقته مع الضعيف التى تختصر على قمعها أو علاقته بالقوي التى تسلبه الندية ، وهذا في المحصلة ، لا يبطل حقيقة ختامية ، لقد أبدع في الملاعب وأسعد الناس قاطبةً ، وتعاطى المخدرات بأنواعها وبشتى الوسائل سواء بالشم أو الحقن أو التدخين ، ونجهل تماماً إذ وصلت الأمور إلى تعاطيها كتحاميل ، وربما المدهش أكثر ، وبالرغم من معرفة الجميع لإدمانه وتعاطيه المخدرات ، ولكي تتحول الفضيحة بجلاجل بعد ما كانت الفضيحة على المستوى الناس العاديين ، كانوا الرؤساء والمشاهير يتدافعون بالجلوس معه من أجل إلتقاط صورة . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كما الماء حق للجميع ، ايضاً من حق الجميع بناء دولة قوية ...
-
في أمريكا الجميع حبساء الدستور ...
-
المماطلة ستأتي بعقوبات أوسع وربما أبشع ...
-
المسكوت عنه ، الإدمان الأقدم في التاريخ ...
-
نظرية مطاردة الأرنب في المضمار البيضي ، الأمريكي يراهن على إ
...
-
كن معي وأصنع ما تشاء ...
-
أربعة مناسبات لا تقترب منهم ، تماماً كأيام الحظر الوبائي ...
-
إبليس والموت والسد بين مواريث آدم وذي القرنين / أمريكا الحدث
...
-
قيمة العملة من قيمة الإنتاج ...
-
هل المشكلة بجيرمي كوربين أو بحزب العمال / انصهار الاشتراكية
...
-
أرض الصحراء الغربية بقيت دائماً تحت الرماد ...
-
ترتيب بيت المسلمين في فرنسا ضرورة عبر مؤتمر جامع ...
-
القذافي من الصحراء إلى المدينة / زنقة زنقة على ايقاع قرية قر
...
-
مهمة الدولة تتجاوز التدابير الأمنية ...
-
موقع المناظرات الأمريكية / جامع المدينة أول جامعة شاملة ومجا
...
-
هستيريا المذهبية والاستخفاف بالفيروس وجدانيات ترمب ...
-
رسائل هيلاري الافتراضية أسقطت أنظمة افتراضية ، فكيف لو إستخد
...
-
الهدف واحد والاختلاف بالمعجم / درويش والمتنبي .
-
أهم واحة للتكنولوجيا في العالم / الثورة الهبيزية أنتجت الثور
...
-
المطلوب الانتقال من التشابك إلى التضامن ، أما الخطب الديماغو
...
المزيد.....
-
تحذير أمريكي للصين بعد مناورات عسكرية حول تايوان
-
مرشح ترامب لرئاسة أركان الجيش الأمريكي: على واشنطن الاستمرار
...
-
مقتل بلوغر عراقية شهيرة في العاصمة بغداد
-
ترامب يزور السعودية في مايو المقبل
-
مصر: السيسي بحث مع ترامب استعادة الهدوء في الشرق الأوسط
-
الداخلية الكويتية تكشف ملابسات جريمة بشعة وقعت صباح يوم العي
...
-
البيت الأبيض: نفذنا حتى الآن أكثر من 200 ضربة ناجحة على أهدا
...
-
-حزب الله- ينعى القيادي في صفوفه حسن بدير ويدعو جمهوره لتشيي
...
-
نصائح حول كيفية استعادة الدافع
-
العلماء الروس يرصدون توهجات قوية على الشمس
المزيد.....
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
المزيد.....
|