|
دعوة لإقصاء الإسلام السياسي
عادل العمري
كاتب وباحث غير متخصص
(Adil Elemary)
الحوار المتمدن-العدد: 6748 - 2020 / 11 / 30 - 17:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(هذه الدعوة ليست موجهة للأنظمة، بل إلى المعارضة الثورية في البلدان العربية والإسلامية، التي تتطلع إلى التحديث الجذري وتحقيق الحرية والرفاهية والتقدم لشعوبها)
1- الإسلام السياسي:
مجموعات متنوعة من التنظيمات و التجمعات والأفراد تنادي بإعادة بناء الدولة والمجتمع وفقًا لفهمهم المتباين للديانة الإسلامية، وعلى أساس أن الإسلام دين ودولة في زعمهم، وأنه الهوية الدائمة للأمة، وأنه واجب على كل المسلمين اتباعه وجوبًا عقائديًا. كما يشمل أيضًا ممارسات ممتدة في أنحاء العالم تهدف إلى إخضاع المجتمع والدولة في شتى البلدان([1]) لما تسمى بالشريعة الإسلامية (= عمليًا: الفقه الإسلامي). والقوة الضاربة لهذه التوجهات يتمثل في جماعة الإخوان المسلمين المصرية وامتداداتها في بلدان أخرى. وبعض هذه التيارات يمارس الأعمال المسلحة متبعًا نهجًا انقلابيًا عنيفًا، مثل تنظيمات الجهاد والقاعدة وطالبان وداعش... إلخ. كما يشمل الإسلام السياسي جمهورًا عريضًا يؤمن بفكرة تطبيق الشريعة بتنويعاتها، بعضه يتعاطف مع المنظمات المعتدلة، وبعضه سلفي الهوى، وآخر يمثل حاضنة لجماعات العنف المختلفة.
سوف نركز في هذا المقال على التيارات المعتدلة (غير المسلحة) وجمهورها.
يتم بالخطأ تصنيف اتجاهات أخرى ضمن الإسلام السياسي على سبيل الظن. من هذه حزب العدالة والتنمية التركي الذي لم يقدم نفسه كحزب إسلامي ولا يتبنى هدف تطبيق الشريعة الإسلامية، بل يعتمد العلمانية غير المعادية للدين، ويقدم نفسه كحزب نصف ليبرالي، وإسلامي معتدل، ولكنه ديموقراطي بالكامل، وباختصار ديموقراطي محافظ([2]). وهو يشبه الأحزاب المسيحية الأوروبية، التي تستلهم منظومة الأخلاق المسيحية دون الزعم بأنها تطبق شريعة مسيحية. فالإسلام بالنسبة له ملهم وليس هدفًا سياسيًا. ومن المفيد أن نلاحظ أن النظام التركي وضغوط الاتحاد الأوروبي قد تمكنا من تدجين الكتلة الرئيسية من الإسلام السياسي في تركيا، فانتهى بها الحال إلى حزب العدالة والتنمية.
وتتفق كافة فرق الإسلام السياسي سواء المتشددة أو المعتدلة أو التي تنعت نفسها بالتنويرية أو الحضارية في أساس واحد، هو سلطة النص المقدس، وبالتالي مبدأ: لا اجتهاد مع النص، أو ما يسمى بمبدأ الحاكمية، أيْ حكم الله، من خلال النص المقدس؛ بالطبع كما يفهمه هذا الفريق أو ذاك. وطرق الفهم هذه متاهة تكتظ بها كتب الشروحات والتفاسير. وخلاصة الأمر أن سلطة النص ما هي - عمليًا - إلا سلطة مفسِّر النص، أيْ في حالتنا تنظيم الإسلام السياسي ومنظريه. بذلك تحمل كل تلك الفرق سيفًا مقدسًا ترهب به كل من يتجرأ ويفكر بحرية خارج أيِّ أطر وموروثات. ويستوي في هذا مشايخ السلفية وكثير ممن يستخدمون لغة الحداثة من الإسلاميين. ومن الأطروحات الشائعة لإرهاب الخصوم ادعاء كثير من قادة الإسلام السياسي أن آراءهم ما هي إلا أوامر الله. ومن ذلك القول المتكرر والمعتاد من حازم صلاح أبو إسماعيل: "مش أنا الذي أقول بل الله هو الذي يقول". فقد صار الفقه جزءًا من الدين، وصار كبار السلف مراجع لا يأتيها الباطل. وهذا ما كان الفقهاء القدامى يحرصون على نفيه. هكذا تتم تنحية العقل عن إنتاج الفكر وحصره في فهم النص المقدس. بل يضاف إلى المقدس الأصلي مفاهيم أخرى، من ذلك ما يسمى بالمعلوم من الدين بالضرورة، ثوابت الأمة، هوية حضارتنا..إلخ. كما تمت صناعة القداسة لأشخاص بعينهم لا يُسمح لا بنقدهم ولا حتى بتمثيل شخصياتهم في أعمال فنية.
ولا شك أن فكر ومنظمات الإسلام السياسي يشكلان عقبة – مع عقبات أخرى بالتأكيد - أمام تحديث بلدان كثيرة، بل وحتى القراءة السائدة للإسلام كدين تلعب الدور نفسه. هذا إذا اتفقنا على اعتبار أن ما يُقصد بالتحديث عادة هو الانتقال من التنظيم الاجتماعي قبل الرأسمالي إلى التنظيم الذي أقامته الرأسمالية في أوروبا الغربية ثم امتد إلى مناطق أخرى، من تصنيع وميكنة، ومؤسسات اقتصادية واجتماعية وسياسية، ومنظومة حقوقية تلتزم بالقانون الذي يتم وضعه انطلاقًا من مصالح الناس لا من نصوص مقدسة أو تعليمات السلف، وبالتالي يتم التشريع بواسطة الناس أنفسهم حسب الطريقة التي يرتضونها... أما إذا أردنا أن نقدم تعريفًا واضحًا ومبسطًا للحداثة نقول بكل اختصار إنها = العقلنة، بمعنى اعتماد العقل حكمًا على قرارات البشر واعتبار أيِّ شيء وكل شيء قابلًا للبحث وللنقد والتحليل العقلي. وهذا يتضمن العلمنة، بمعنى جعل الدين مسألة شخصية تخص الفرد. وبالتالي يتم اللجوء إلى البحث في كافة جوانب الحياة استنادًا إلى المناهج العلمية (التجريبي، والرياضي، بالاستقراء والاستنتاج...). هذا بعكس ما قبل الحداثة: الإقرار بقصور العقل وحاجته إلى توجيه من خارجه ومن ثم الانصياع لاعتقادات دوجمائية.
أما الفكر الإسلامي في ذهن دعاة الإسلام السياسي فهو أيديولوجيا مقدسة، تحمل الحقيقة المطلقة والمعيار الأوحد للقيم والأخلاق والسلوك “الصحيح”؛ هكذا مؤسسين لمشروع السلطة المطلقة والنظام الشمولي. وتدعو هذه الأيديولوجيا المسلمين إلى قهر المختلف وإلى إقامة دولة قمعية مستبدة، تضع للناس حدودًا للتصرفات الشخصية، وتجعل المسلم هو المواطن من الدرجة الأولى والباقين أهل ذمة يعيشون في كنف المسلمين. وهي كثيرًا ما تدعو لكل هذا بلغة خلابة تستخدم كلمات الحرية والعدل وغيرها بمعنى معاكس، فالشيطان يكون في التفاصيل كما يقال. وضمن آليات تحقيق ذلك ما يسمونه زرع القيم والأخلاق الحميدة في النفوس! فهل يمكن ذلك إلا بالقمع والتسلط على الناس حتى في حياتهم الشخصية؟([3]) كما تدعو إلى حظر نقد الدين (الإسلام فقط والذي ينتقد الأديان الأخرى)، وحظر تحرير المرأة ومنع تعيينها في المناصب الرفيعة مثل القضاء، وتقييد الحريات الشخصية شاملة حرية الفرد في جسده وفي عقله، أيْ حرية الاعتقاد والتعبير، تضع قيودًا على الملابس وعلى الأدب والفن والموسيقى وغيرها من أشكال التعبير عن النفس والاستمتاع، تحت عنوان أسلمة الأدب والفن والثقافة وعلم الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس...([4]) وتمتد سلطة النص المقدس من زاوية رؤية معينة إلى أصحاب الرؤية أنفسهم؛ القادة والزعماء؛ مثل المرشد ورؤساء المنظمات المختلفة. ومن هنا يأتي مبدأ السمع والطاعة الذي يسود في المنظمات الإسلامية([5]). وإذا أخذنا بالمبدأ القائل إن الحزب أوالتنظيم هو صورة للمجتمع الذي ينشده، سنجد أن التنظيمات الإسلامية تؤسس لمجتمع شمولي وللحكم المطلق.
وهذه البنية الفكرية تؤدي إلى معاداة التفكير النقدي إلا في حدود النص المؤسس حسب شروحات القادة والمرشدين، وما يسمى بالمعلوم من الدين بالضرورة، وأحيانًا أقوال السلف. أيْ تؤسس لعقلية جامدة وخاملة وخائفة من أيِّ نقد أو أيِّ تفكير حر.
كما يؤمنون ويروجون لنظرية المؤامرة التاريخية التي يشارك فيها – حسب توهماتهم – كل غير المسلمين؛ الكفار. ولذلك كثيرًا ما نقرأ لهم خيالات وأوهامًا، منها – مثلًا – أن اليهود قد صنعوا المذهب الشيعي بواسطة أحدهم وهو عبد الله بن سبأ، وأن الغرب الكافر قد زرع محمد علي الكبير، وجمال عبد الناصر، وأن الحاكم الفلاني يهودي متخفٍ، وأن دارون وماركس وفرويد قد دبر كل منهم مؤامرة يهودية على الدين.. إلخ. لذلك يتعاملون مع الآخر المختلف مهما كان على أنه عدو ومتآمر وشرير بالضرورة، يستحق أيَّ نوع من العقاب. ومن هنا تأتي خياناتهم وغدرهم بحلفائهم والتآمر والانقلاب عليهم. كلما تمكنوا.
وكثيرًا ما يقدم الإسلاميون تفسيرًا غيبيًا لأحداث التاريخ أو لمسار الصراع الاجتماعي والسياسي، بل وكثيرًا ما يفسرون الكوارث الطبيعية وموت بعض أعدائهم بنفس المنطق. من ذلك تفسير الهزائم والانتصارات بتدخل السماء أو بكفر أو إيمان هذا الطرف أو ذاك. لذلك يظنون أن انتصارهم في النهاية مؤكد بحكم إيمانهم بالدين وبزعم تأييد الله لهم. وفي أحيان كثيرة يفسرون الصراعات الدولية وسياسات الدول تفسيرًا دينيًا. فيبدون التعاطف مع البلد الذي تسكنه أغلبية من المسلمين ضد البلد الذي أهله غير مسلمين؛ مثلًا باكستان ضد الهند، أذربيجان ضد أرمينيا، وكأن العالم كله يفكر كما يتصورون في إطار المؤامرة على الإسلام. بل وفي تفسير التاريخ نجد تبريرهم ومدحهم في الغزو العربي الإسلامي للعالم وكأنه رسالة مقدسة. ومن هنا أيضًا يأتي دفاع غالبيتهم عن الاحتلال العثماني رغم جرائمه البشعة، بحجة أنه حافظ على الإسلام، وحتى عن سياسة الدولة التركية الحالية رغم علمانيتها؛ فحزب العدالة والتنمية يمثل لهم شبح الخلافة الإسلامية. ووجدناهم – مدعومين من حكومات مجرمة – يساندون الغرب "المسيحي" – زعمًا – ضد السوفيت بحجة أنهم الملحدون، أثناء الحرب الباردة وفي حرب أفغانستان. ففكر يعتمد الأساطير والخرافات لابد أن يلجأ إلى التهيؤات في تفسير حركة المجتمع والتاريخ.
هؤلاء الناس ليسوا من دعاة الحرية ولا المساواة بين البشر، وتقتصر ديموقراطيتهم على صناديق الاقتراع، فقط حين يضمنون الأغلبية، وإذا انقلب الحال يعلنون بلا خجل أن الديموقراطية من الكفر لأن الشريعة مقررة من السماء وليس للبشر حق التشريع واختيار نظام الحكم، فيتحولون إلى العنف. بل وحين أمسكوا بسلطة الدولة أعلنوا أنها الانتخابات الأخيرة (الجزائر) أو أنهم سيبقون في الحكم 500 سنة (مصر).
كما أنهم يتخفون خلف شعار "الدولة المدنية" للتضليل، قاصدين من هذا التعبير دولة تحتكم إلى الشريعة لكن يقودها أفراد ليسوا من رجال الدين. لكنها مغالطة مفضوحة. فدولة تستند إلى النص المقدس أو لرؤية معينة له لابد أولًا أن تحتاج إلى مفسرين ومؤولين متخصصين كمراجع للنصوص، أيْ تستند – عمليًا - إلى شبه كهنوت، عكسما يزعم الخطاب الإسلامي عمومًا، فتوجيه النقد لهؤلاء عادة ما يواجهونه بقسوة. وثانيًا ليس المهم شخصيات الحكم بقدر أن أساس الحكم يكون هو النص المقدس أو رؤية معينة له. فهذه دولة دينية بلا شك.
وكثيرًا ما رأينا زعماء إسلاميين وحتى رجال دين غير مسيسين يروجون لختان الإناث ولاعتبار عمل المرأة الأساسي هو شؤون المنزل، ويحرمون التبرع بالأعضاء وزراعتها، بل دعا أحدهم (الشيخ الشعراوي) إلى عدم معالجة الفشل الكلوي. وطبعًا تتلقى نظرية التطور أكبر قدر من العداء والهجوم.
كما نراهم يطلقون الفتاوى التي تشغل الرأي العام، مثل ما يخص حجاب المرأة وكونها عورة، وحول رضاعة الكبير، والفصل بين الجنسين، وعدم الاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة، وحديث الذبابة الشهير([6])، وحول تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.. إلخ. مما يشغل الناس عن همومهم الحقيقية ويبعدهم عن الصراع ضد الأنظمة الفاسدة لصالح مسائل تافهة ومشاكل وهمية. وتعتبر ملابس النساء بالنسبة لهم قضية القضايا؛ بل يعاملون غطاء رأس المرأة على أنه شيء مقدس، يقود إلى الرخاء والنصر على الأعداء. إنه رمز الإسلام في عرفهم. فمن الشعارات المستخدمة حول هذا الشيء: حجابك عنوان عفافك - حجابك زينتك وللجنة وسيلتك - يزداد الغلاء ما لم تتحجب النساء - امرأة بلا حجاب مدينة بلا أسوار، وعشرات غيرها. إنه علاوة على كونه يقوم بدور الصليب المعقوف عند النازيين؛ رمز التميز، فإنه يُعامل كتعويذة تجلب الخير وتضمن النصر.
وقد سبق أن نشرنا مقالًا بعنوان: لماذا نكره الإسلام السياسي([7])، خلاصته أن هذه التيارات تقدم مشروعًا معاديًا للحداثة والديموقراطية وحقوق الإنسان، وهو مشروع لإقامة نظام شمولي قمعي. وخلاصة هذا المشروع هو إعادة دولة الخلافة الإسلامية وتطبيق ما يسمى بالشريعة الإسلامية الفضفاضة وغير المحددة والتي لا تقدم شيئًا يحقق الحرية. وبالإضافة إلى استحالة تنفيذه. هذا المشروع غير المحدد والمستند للدين يتسم بنزعة فاشية؛ فأصحابه لا يعترفون بحقوق الشعوب، ولا بحقوق الإنسان، ويحملون أيديولوجيا هوياتية، ومشاعر شوفينية شديدة العداء للآخر، وخصوصًا الغرب، ومشروع نظام شمولي إقصائي، بجانب الميل للعنف. وهذا ما جعل من الإسلام السياسي أحد مشاكل المجتمع دون أن يقدم حلًا ما يمكن للناس فهمه. إنه نتاج لأزمة المجتمع بلا شك لكنه أضاف لها ولم يقدم لها مخرجًا. كما لعبت وتلعب الجماعات الإسلامية دورًا معاديًا لليسار وللديموقرطية، ودائمًا ما كانت في خدمة الاستعمار والأنظمة الرجعية والعميلة.
تتلخص المشكلة التي يخلقها الإسلام السياسي في أنه يقدم للجماهير شعارات قادرة على خداع البسطاء الذين مازالوا يتيهون في أيديولوجيات العصور الوسطى، ويمتص الصراع الطبقي لصالح صراع أيديولوجي أو طائفي مفتعل. فهو في النهاية يخدم النظم الرجعية التي تعمل على طمس الصراع الاجتماعي وتبديد طاقة الرفض الشعبي في صراع قيمي وأيديولوجي. من ذلك المعارك التي تنخرط فيها الجماهير المغيبة حول ملابس النساء وحول حرية الاعتقاد وحول حرية الإنسان في جسده. وقد أصبح المسلم المتدين - تحت تأثير الإسلام السياسي - يتحسس مسدسه فور تعرض الإسلام أو رموزه للنقد؛ فيطالب الدولة بقمع المنتقدين وسلخهم، لكنه لا ينتفض إزاء الظلم الاجتماعي إلا نادرًا.
2- كيف ولماذا ظهر الإسلام السياسي:
شهدت بعض البلدان الإسلامية في العصر الحديث تغيرات هامة، في اتجاه تبني الحداثة والعلمانية جزئيًّا، ولكن لم تنجح التوجهات العلمانية في تحقيق تحديث ناجز ومجز لكل الطبقات، لأسباب لا تخص علمانيتها على الإطلاق. بل ربما ساهم موقفها الربع أو النصف علماني في فشلها؛ فاستفادت الطبقات الثرية، بل أكثر العناصر طفيلية وأقربها للعمالة للاستعمار الأوروبي. كما كان التحديث مرتبطًا باستعمار تلك البلاد، وقهر شعوبها من قبل الغرب، وفي النهاية خرج الاستعمار العسكري، ولكن استمرت أشكال الاستغلال والقهر قائمة بين الطرفين. كما صارت الفجوة الحضارية بين الغرب والشرق العربي الإسلامي متزايدة الاتساع.
لقد كان - بوجه عام – معدل هدم النظم القديمة أسرع بكثير من معدل بناء نظم حديثة. هذا هو المحتوى الجوهري للتحديث الناقص، والذي يسمى: نمو التخلف([8]). وهو نمط من النمو المتفاوت والمركب. وهو نمو غير متوازن لمختلف مكونات المجتمع، وتنتمي مكوناته لأكثر من عصر تاريخي، مما يضعه في أزمة دائمة. فبجانب قطاع اقتصادي بالغ النمو توجد قطاعات بدائية، ومع انتشار التعليم العصري مازالت الأمية واسعة الانتشار، وبجانب الثقافة العقلانية الحديثة توجد ثقافة بدائية تعتمد على النقل والتلقين، بل وتنتشر الخرافات على نطاق واسع. ونجد برامج لأحدث تكنولوجيا رقمية تستخدم بعضها في نشر التعاويذ والأدعية وأوهام الإسلام السياسي. ومن أهم مكونات النمو المركب والمتفاوت دخول عصر الصناعة الحديثة بدون عمالة مؤهلة للتعامل معها. والآن تنتشر الخدمات الإلكترونية دون كفاية العنصر البشري القادر لا على الإشراف عليها ولا على استخدامها، مما ينتج ظاهرة سقوط السيستم مثلًا أو عدم استجابته، ومشاكل أخرى عديدة. وهناك ظاهرة إنشاء بنية أساسية ضخمة لا تخدم قطاعات إنتاجية، أو العكس؛ إنشاء مشاريع بلا بنية أساسية مناسبة. هذا التفاوت ينتج عنه ارتفاع تكاليف الإنتاج والخدمات ورداءتها. كذلك انخفضت معدلات وفيات الأطفال دون أن ينخفض معدل المواليد تحت تأثير الثقافة الدينية التواكلية، مما أدى إلى الانفجار السكاني دون ما يقابل ذلك من معدل تصنيع ونمو، فقاد إلى بطالة واسعة. كما يتم إنشاء صناعات متقدمة دون إنفاق على البحث العلمي وتطوير التكنولوجيا، وهذا يؤدي إلى خراب هذه الصناعات بعد فترة قصيرة، بعد توقف إنتاج قطع الغيار المناسبة لها في الغرب، وبعد أن تصبح عاجزة عن منافسة مثيلتها الأحدث في السوق العالمي. وضمن أبرز مظاهر التحديث الناقص بقاء الأعراف بجانب منظومة القانون الوضعي، وازدواج تلك المنظومة نفسها إلى قانون وضعي وقانون مستمد من الشريعة. ومازالت بنية المجتمع تشمل قبائل وعشائر وطوائف دينية..إلخ.
ومن أهم سمات نمو التخلف هو تبعية البلدان المتخلفة للغرب الإمبريالي، وبالأخص البلدان العربية والأفريقية. فهذه مجرد توابع للسوق العالمية، لا تساهم بشيء يذكر في صنع الحضارة الإنسانية الحديثة، ومجرد مستهلك لمنتجاتها.
ويمكننا رصد مضاعفات هذا التحديث الناقص في بلد كمصر كمثال:
- ازدادت السخرة بشاعة مع إدخال زراعة القطن في القرن التاسع عشر؛ المحصول الذي دخلت به البلاد للسوق العالمية، وكانت مصحوبة بالضرب والإهانة، وبالتالي تضاعفت معاناة الفلاحين كثيرًا.
- النمو السكاني الكبير بفضل انخفاض معدل وفيات الأطفال مع عجز النظام عن استيعاب العمالة الجديدة بسبب ضعف نمو الصناعة الحديثة. وهذا أدى لتفاقم البطالة والتهميش وظهور عمال التراحيل بأعداد ضخمة ثم استفحال ظاهرة العشوائيات. وقد اتسعت ظاهرة التهميشن فبلغ عدد المهمشين في أحد التقديرات نحو 32 مليون شخص قبل 2011 ([9]).
- قمع تمردات الفلاحين الذين سحقتهم السخرة والتجنيد الإجباري والفقر بقسوة مفرطة، خاصة أثناء موجات التصنيع الأولي، في عصر محمد علي والخديو إسماعيل، إلى حد قصف القرى بالمدافع.
- نمو الإنتاج السلعي وتمليك الأرض منح التجار والمرابين الأجانب فرصة اكتساح السوق واعتصار الفلاحين ونهب أراضيهم بأبخس الأثمان عن طريق الرهونات ذات الشروط المجحفة.
- الطبقة العاملة الصناعية عانت بشدة ولم تتحسن أحوالها إلا بعد مدة طويلة، ثم ظهرت العمالة المؤقتة وتنامت بشدة.
- نمو البطالة والطبقة الوسطى في نفس الوقت. وقد تم استيعاب الأخيرة في الفترة الناصرية جزئيًا ومؤقتًا ثم عادت من جديد تعاني الفقر وحتى التهميش.
- الهجرات من الريف تحت وطأة الفقر، خلقت صدمة حضارية للفلاحين دون أن تقدم لمعظم المهاجرين العمل والحياة الكريمة. فتم ترييف المدن وظهرت العشوائيات في محيطها. إذ ظل معدل طرد السكان من الريف أعلى بكثير من قدرة المدن على استيعاب المهاجرين.
- بلغ التحديث الناقص قمة فشله تحت شعارات القومية والاشتراكية في هزيمة 1967 التي كشفت كل عورات النظام الناصري والقومية العربية ككل. إذ رفع النظام الناصري شعارات تفوق قدراته، ووضع أمام الجمهور آمالًا وأحلامًا يعجز عن تحقيقها، وقدم وعودًا تفوق قدرته على الوفاء بها. وقد تلا الهزيمة تراجع الأنظمة العربية بقبول قرارات الأمم المتحدة التي تتضمن الاعتراف بإسرائيل واعتبار القضية الفلسطينية مجرد مشكلة لاجئين([10])، وبالتالي التخلي عن الشعارات القومية الرنانة، كما صار وئامٌ بين الناصرية والدول الخليجية، ثم استمر تراجع الأنظمة القومية والاشتراكية العربية.
لذلك راحت الجماهير تخرج من حظيرة النظام المصري، وبلغت هذه الظاهرة أوجها قبيل انقلاب 1952 الذي تمكنت الحكومة الناجمة عنه من امتصاص الصراع الاجتماعي وتجميد الإسلام السياسي مؤقتًا. إلا أن تلك العملية قد توقفت بعد ذلك بسبب عجز النظام وهزيمته في النهاية، فعادت غالبية الجماهير تنفض من حوله دون أن تجد بديلًا إلا العودة إلى تراثها الذي أحياه الإسلام السياسي بعد أن بلغ التحديث أوجه وفشله. فقد أثبتت الليبرالية فشلها في تحقيق آمال الطبقات الفقيرة، كما لطخ النظام الناصري سمعتها في الوحل، لكنه فشل في تطبيق الاشتراكية، وعجز عن تحقيق مشروعه القومي.
هذا السيناريو المصري تكرر بأشكال ودرجات مختلفة في كثير من البلدان الإسلامية (باستثناء دول الخليج، المغطاة حتى عهد قريب بعوائد النفط الضخمة)، وخصوصًا إيران. مما دفع شعوب تلك البلدان إلى “الارتداد“ إلى ثقافتها القديمة، فراحت تستخرج من تراثها ما تتصور أنه يتجاوز أزماتها المتنامية. لقد أدى التحديث إلى تغيرات قيمية عميقة، دون أن تصاحبها أو تترتب عليها مكاسب هامة للطبقات الدنيا، التي هُمشت من أفرادها أعداد كبيرة، ففقدت قيمها وأمنها، ولم تكسب شيئًا، بينما قام الاستعمار بقهر تلك الشعوب والسيطرة على مقدراتها. كما سقطت مكاسب الاستقلال في فم نخب صغيرة من السياسيين أو العسكريين، إلى درجة أن صارت مقارنة الجماهير حكم المستعمرين بحكم الوطنيين لصالح الطرف الأول.
وكان من الواضح أن مظاهر “الصحوة الإسلامية” قد راحت تنمو بسرعة بعد هزيمة الاشتراكية القومية في 1967، حتى في فلسطين. وتصاعدت بعد انتصار الملالي في إيران. ثم جاءت موجة أعلى بعد هزيمة مشروع حزب البعث في سوريا والعراق. ومن المرجح أنه بعد انخفاض عوائد النفط سوف تنفجر موجة جديدة في دول الخليج، حيث ستنكشف حدود التحديث الذي ظل شكليًا إلى حد كبير واعتمد على غطاء الرشاوى الضخمة للجماهير.
لقد كان ظهور وانتشار الإسلام السياسي من أبرز مضاعفات التحديث الناقص وأبرز العقبات أمام التغيير الذي ندعو إليه: التحديث الكامل. فهو يمتص طاقة جماهير هائلة ويبددها في معارك عقيمة، ويحرفها عن الصراع الطبقي. هكذا يقدم خدمة جليلة للأنظمة القائمة رغم صداماته المتكررة معها. وهو تجسيد واضح لظاهرة النمو المركب: فالتحديث أنتج توجهات أيديولوجية قبل حداثية ومعادية له، إذ فشلت الأيديولوجيات التي عبرت عنه وعن القوى التي قامت به.
3- عما وعمن يعبر الإسلام السياسي:
لقد عبر الإسلام السياسي في مختلف البلدان العربية والإسلامية عن رد فعل فئات اجتماعية محبطة ومهزومة تشكل ركائزه الأساسية. تلك هي القطاعات ذات الأصول الريفية من الطبقتين الوسطى والدنيا من تجار صغار وموظفين وعمال وأصحاب ورش والتي عانت أكثر من فشل التحديث، أو المتأثرة أكثر بالتراث الديني لعوامل مختلفة ولم تتمكن من تمثل الحداثة، ولم تجن من التحديث ما يرضيها. وهي لا تعاني لأنها خسرت فقط، بل يضاف أنها تنظر إلى حضارة الغرب وما تعتبرها امتدادًا لها في الداخل من الطبقات المترفة بعين الحسد والحقد. فهذه الحضارة وهذه الطبقات تذكِّرها بعجزها وضعفها، علاوة على أن أصحاب تلك الحضارة وامتدادها ينظرون إلى هذه الجماهير بتعالٍ واحتقار. وإذا كان الاستعمار العسكري قد زال، فالسيطرة الاقتصادية والسياسية مستمرة من خلال فئات اجتماعية منعمة وفاسدة ومستفزة. ويضاف إلى هؤلاء رأسماليين غير مندمجين في السوق العالمية وغير مندمجين مع الرأسمالية الغربية، صاروا مددًا للأحزاب الإسلامية، وكان هذا واضحًا في تركيا ([11]). وفي مصر كانت جماعة الإخوان تحصل على تبرعات من مستثمرين ليسوا من أعضائها لكنهم رأوا فيها حاجزًا أمام الشيوعية، ثم صارت مولِّدًا لرجال الأعمال أكثر بكثير من أن تكون ممولة منهم. فهي تتلقى أموالًا ضخمة عن طريق سيطرتها على مؤسسات الإغاثة الإسلامية، والجمعيات الخيرية، واشتراكات أعضائها، ومصادر أخرى متنوعة، لكن توجد قاعدتها الشعبية أساسًا في البلدات والأرياف سواء في الدلتا والصعيد. أما المنظمات المصرية المسلحة فهي جذابة للمهمشين وأشباه المهمشين ومنهم خريجو مدارس وجامعات.
وهذا لا ينفي أن الطبقات المالكة أو بعض أجنحتها قد تمكنت من استخدام الدين عمومًا والإسلام السياسي خصوصًا لصالحها (رجال أعمال – مؤسسات إعلامية - موردو وسماسرة سلاح، وغيرهم). كما استطاعت جهات أجنبية، مثل أجهزة المخابرات، اختراق منظمات الإسلام السياسي فاستخدمتها في تنفيذ أغراضها. أما الملالي في إيران فقد تمكنوا من تجييش كتل شعبية هائلة متطلعة للخلاص لحسابهم. إذ طرحوا أيديولوجيا وشعارات صادفت هوى في نفوس فقراء الفلاحين وصغار التجار وفئات فقيرة أخرى كانت متضررة من برنامج التحديث الذي اتبعه نظام الشاه. وكانت تلك الفئات تتطلع لإلغاء سياسة الشاه التغريبية والعودة إلى الجذور الإسلامية، وهو الوتر الذي لعب عليه قطاع من الملالي على رأسهم الخميني. وقد تمكن الملالي من ركوب الثورة الإيرانية رغم الدور الضخم للعلمانيين من شيوعيين وليبراليين ومسلحي مجاهدي خلق. فكتل ضخمة من الجمهور كانت تميل للإسلام السياسي.
ورغم هذه القاعدة الشعبية الضخمة لا يعبر الإسلام السياسي – في رأينا – تعبيرًا مباشرًا عن مصالح طبقية، بل هو حالة عصابية لحقت بالفئات الاجتماعية التي أصابها التحديث الجزئي في قيمها ولم يحقق لها طموحاتها، والتي أمَلَت في اقتناص الفرص من التحديث لكنها لم تحصل إلا على القهر والظلم. وإنها تشبه إلى حد كبير من الناحية النفسية الطبقة الوسطى في ألمانيا النازية، والتي حللها إريك فروم ([12]). فهي تتشكل من شخصيات مقهورة، تتسم بالغلظة والقسوة، تحقد على العالم المحيط، وتسعي إلى آلية تعويضية للتسلط على الآخرين أو الانتماء إلى جماعة تمنحها الوهم؛ وهم القوة، وتجد ضالتها في الموروث المقدس. وهذا لا ينفي انضمام أفراد ومجموعات أخرى للمسيرة الفاشية لاقتناص المصالح وتحقيق النفوذ على حساب الجمهور المصاب بحالة عصاب، والذي يدفعه هؤلاء مع بقية القادة والزعماء للموت انتحارًا في سبيل الوهم، ثم المتاجرة بدمائه. مثل الملالي أو عناصر من المثقفين، ويضاف أفراد أو مجموعات صغيرة ممن انتهجوا خط الثورة الاشتراكية تحت راية الماركسية أو الناصرية لكنهم واجهوا الفشل المحبِط في تحقيق آمالهم في الاستيلاء على السلطة ومن ثم تحقيق الزعامة والنفوذ، فولوا ظهورهم لهذا الفكر وراحوا يركبون موجة الصحوة الإسلامية عسى أن يصلوا إلى بعض غاياتهم على ظهور جماهيرها المستلبة. وهناك من الحكام من قرر امتطاء الإسلام السياسي للمحافظة على عرشه (مثل آل سعود والسادات والنميري). وهناك جماعات من المهاجرين إلى بلدان الغرب ممن لم يتم استيعابهم في تلك المجتمعات وظلوا على الهامش، فوجدوا لهم سندًا في أيديولوجيا ومنظمات الإسلام السياسي. فالأصل في الظاهرة الفاشية الإسلامية هو ركائزها الاجتماعية، ثم تأتي جماعات المصالح التي تستفيد من الصحوة إياها. وبشكل أوضح نقول إن الإسلام السياسي بوجه عام يعبر عن الطبقات التي عانت من مضاعفات التحديث الناقص دون أن يمثل مصالحها؛ بل إنه زفرة غضب وسلاح للتمرد على النظام. وفي نفس الوقت استخدمته قوى مختلفة لتحقيق مصالحها بركوب موجات التمرد الشعبي.
وتتحول مشاعر الجماعات الإسلامية وجماهيرها العريضة من الانسحاق واليأس – عبر الأيديولوجيا المقدسة – إلى شعور الجماعة المؤمنة والفرقة الناجية وأستاذة العالم وحاملة لواء المقدس؛ حزب الله نفسه، فتصير – في نظر نفسها - من لاشيء إلى قوة مطلقة. وتضج أدبيات الإسلام السياسي بعبارات التعبير عن هذه الحالة([13]). ومع ذلك يظل هذا الشعور بالقوة شعورًا زائفًا؛ فكلما اشتم هؤلاء رائحة نقد لشيء من مقدساتهم، نصًا أو أشخاصًا أو تاريخًا انتفضوا فزعًا، مرعوبين من التهديد الموجه للإسلام حسب تخيلاتهم. فمجرد نشر رسوم كاريكاتورية أو رواية أدبية ركيكة تمس مرجعيتهم ولو بالتلميح، وحتى أحيانًا مجرد عرض جزء من تراثهم كما هو، نجدهم ينتفضون ويظهرون أنيابهم ويمارسون الإرهاب. وإن منظر ركائز الإسلام السياسي؛ الجماهير الغاضبة في مظاهرات هستيرية في طهران ولندن وغيرها بعد نشر رواية "آيات شيطانية"، ومشاهد اعتدائهم الوحشي على المسيحيين في مصر حين يصلُّون بدون تصريح، ليفصح عن نوبات جنون مطبق، لا يدل أبدًا على الشعور بالقوة، بل بالعكس. وهم دائمًا ما يطالبون الدولة بحماية الإسلام، مقدمين بذلك اعترافًا ضمنيًا بضعف حججهم وتهافت خطابهم. ومن الغريب أنهم طالبوا الدولة الدانماركية والدولة الفرنسية بمنع عرض رسوم كاريكاتورية ساخرة من النبي محمد، فيريدون حتى تحويل دول بها قدر كبير من حرية التعبير (ليست مطلقة بالتأكيد) إلى دول متسلطة.
هذا الشعور بالضعف الداخلي والخواء والاستلاب والظلم يفسر لنا كمية الغل والكره الذي يظهره دعاة الإسلام السياسي وركائزهم الشعبية إزاء مخالفيهم، ويعلل القسوة المرعبة في تعاملهم مع الآخر. ولنتذكر فقط مذابح وإرهاب طالبان وداعش وجبهة الإنقاذ في الجزائر، وتعالِي الإخوان واستقوائهم بالجيش ضد الثوار في مصر، ووحشية ميليشياتهم وهي تسحق المعتصمين أمام القصر الجمهوري، والشماتة الظاهرة فيما تعرضوا له من مذابح على أيدي الأمن والجيش، قبل أن ينقلب السحر على الساحر ويخونهم حلفاؤهم.
ويقدم الإسلاميون حلًا لمضاعفات التحديث غير الناجز هو العودة إلى الماضي؛ الخلافة والحكم بالشريعة، ويرصدون فشل الأنظمة العربية وغيرها، شبه العلمانية؛ القومية والاشتراكية. كما يفسرون هذا الفشل في البعد عن الدين واللجوء للحداثة. بل يقدمون مشروعات تجمع بين التقدم العلمي الحديث ومنظومة القيم الدينية القديمة، وبالتالي جعل العلم والصناعة في خدمة شعاراتهم الماضوية أو السلفية.
وتستغل المنظمات الإسلامية وحتى الدول أحيانًا حنين الجماهير التي سحقها التحديث الناقص إلى تراثها القديم في طمس الصراع الاجتماعي لصالح شعارات براقة لا تقدم لها سوى المزيد من المشاكل. وعندنا مثال فاضح هو نظام الرئيس المصري أنور السادات الذي شجع المنظمات الإسلامية لاستخدامها في ضرب المعارضة الناصرية، وكانت النتيجة اغتياله هو شخصيًا وسيطرة الإسلاميين على كثير من مؤسسات المجتمع المدني، ونظام الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري الذي حين ضاق عليه خناق المعارضة الشعبية أعلن تبنيه للشريعة الإسلامية، مما أدى إلى المزيد من تدهور أحوال السودان وانقسامه.
4- دور الوهابية:
- ظهرت الوهابية مترافقة مع ثورة آل سعود ضد العثمانيين، ثم صارت بمثابة الغطاء الأيديولوجي للعائلة السعودية. وهي أيديولوجيا سلفية محافظة. كانت مدن نجد تعاني من الفقر بجانب الحرب والإغارات المتبادلة. فكانت الدعوة الوهابية لتوحيد العبادة ورغبة ابن سعود في توحيد الجزيرة العربية تحت حكمه حلًا لهذه المعاناة. وقد التقت العناصر الثلاث في تأسيس الدولة السعودية الوهابية.
- ومع انتصار السعوديين أصبحت مملكتهم مصدرًا لتمويل ودعم الحركات الإسلامية السلفية في أنحاء العالم، مما شد من أذر الإسلام السياسي. وقد ساهمت السعودية في حرف نضال الشعوب الإسلامية، فوجهته للعمل ضد الشيوعية والاتحاد السوفيتي والأنظمة التي تتناقض معها مصالح آل سعود، مثل الناصرية والنظم البعثية. كما لعبت دورًا في محاربة الفكر الحداثي عمومًا من خلال دعمها للإسلام السياسي، وخاصة للجماعات السلفية المتعصبة. لكنها لم تدعم الحركات التي تعادي الغرب والاستعمار؛ حليفهم المقدس. بل فرض آل سعود تحديثًا جزئيًا لمملكتهم رغم أنف الوهابيين، الذين كانوا ضد التحديث والحداثة كليهما.
- سواء اعتبرنا الوهابية دعوة ذات هدف سياسي أم لا، فقد وجدت في آل سعود ومشروعهم لتوحيد الجزيرة ضالتها؛ الحماية المسلحة لمشروعها الأيديولوجي، وبذلك صارت أيديولوجيا الدولة الرسمية. لكنها لم تكن نظرية متسقة، بل كالت بمكيالين، فتغاضت عن مخالفات آل سعود للشريعة. وبالتالي كانت سلاحًا فكريًا للدولة أكثر مما كانت الدولة هي سلاحها المادي. وفي حالات حدوث الاختلاف كانت الدولة تنتصر في غالبية الحالات، حتى تمت تصفيتها كمؤسسة – تقريبًا - مؤخرًا.
- يكثر الخلط بين انتشار الإسلام السياسي والوهابية. فأساس فكرة الوهابية كان في قضايا مثل التوحيد والنذور والقبور... إلخ، في الواقع لم تكن الوهابية مصدرًا فكريًا لحركات الإسلام السياسي، بل لم ينكر مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الصوفية؛ العدو الأول للوهابية، بل كان يتقبلها. وقد قدم تعريف جماعة الإخوان بأنها دعوة سلفية.. وطريقة سنّية.. وحقيقة صوفية.. وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية.. وشركة اقتصادية.. وفكرة اجتماعية([14]). وكان بعض قيادييها يواظبون على حضور بعض الموالد (منهم عصام العريان، وجمال حشمت). كما لم تعادِ جماعة الإخوان في السودان الصوفية بل أقامت جبهة مشتركة ضمت الطريقة التيجانية الصوفية والسلفيين خلال أعوام 1969-1979 (جبهة الميثاق الإسلامي). كذلك حركة طالبان لا علاقة لها بالوهابية، هي حركة حنفية ولا تنكر الصوفية ولديها أضرحة. كما لا توجد صلة بين تنظيم الجهاد في مصر وبين الوهابية، وكل ما أخذه من ابن تيمية هو فتوى الجهاد ضد حكم التتار المسلمين. كما أن الإسلام السياسي التركي قد استند إلى قاعدة صوفية عريضة (الطريقة النقشبندبة خصوصًا)، وحتى المؤسس هو شاعر صوفي اسمه نجيب فاضل. لذلك نرى في فكرة “الغزو الوهابي” مجرد وهم. من المؤكد أن السعودية الغنية قد أثرت في ثقافة العاملين الأجانب فيها، لكن انتشار ما يسمى بالصحوة الإسلامية كان رد فعل على مضاعفات التحديث، وقد انتشرت مظاهر التدين في البلدان العربية بعد انهيار الناصرية في حرب 1967، حيث كانت هزيمة للنظام وفلسفته الاشتراكية القومية العربية.
5- دور الغرب وحكومات البلدان الإسلامية:
لعبت سياسات الغرب دورًا لا ينكر في حفز الإسلام السياسي:
* ومن أهم الآليات تأييد ودعم أنظمة متخلفة ورجعية واستبدادية أعاقت تطور البلاد، مما ساهم في تأجيج ظاهرة نمو التخلف.
* كما أيدت القوى الاستعمارية على نحو مباشر المنظمات الإسلامية، لمواجهة الشيوعية سواء على الصعيد المحلي في البلدان العربية والإسلامية أو على الصعيد العالمي في مواجهة المعسكر الاشتراكي في السابق. ومن أمثلة هذا الدعم تزويد جماعة الإخوان المسلمين في مصر بدفعة من المال على الأقل، هي التي اعترف بها حسن البنا، من قبل شركة قناة السويس([15])، وتشجيع بريطانيا لأمين الحسيني في فلسطين في نفس الفترة. ولا يخفى دعمها لآل سعود الذين دعموا الإسلام السياسي لعقود، وتشجيعها للإسلاميين في الهند مما أدى إلى انفصال باكستان.
*ومن المعروف جيدًا ما قدمته السعودية للعناصر الهاربة من الإخوان من دعم كبير خلال الفترة الناصرية، ودورها في إنشاء رابطة العالم الإسلامي عام 1962 ومنظمة المؤتمر الإسلامي في العام 1969.
* وقصة تمويل وتسليح المجاهدين الأفغان من قبل الولايات المتحدة وأصدقائها العرب معروفة. وكذلك داعش وغيرها.
* أعاد نظام السادات في مصر إحياء جماعة الإخوان ومنحها الضوء الأخضر للعمل بحرية مقابل تصفية المعارضة اليسارية والناصرية.
* تساهلت إسرائيل مع نشاط الإخوان المسلمين في الأراضي المحتلة عام 1967، ثم منحت حماس تصريحًا بالعمل قبل أن تعتبرها إرهابية عام 1988، بجانب تمويل السعودية لها، لمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية (التي رفضت قيادات الإخوان الانضمام إليها). وفي النهاية تم الانشقاق الفلسطيني العميق وتمزقت القضية الفلسطينية.
* وفي إيران ركز نظام الشاه القمع على المعارضة العلمانية، وتهاون مع الإسلاميين لدورهم في محاربة الشيوعية، وكان هذا أحد عوامل انتصار الملالي.
* في تركيا سمحت الحكومة العلمانية طوال فترة الحرب الباردة للتيار الإسلامي بالتمدد في طول وعرض البلاد مع حرمانه من استلام الحكم، لمواجهة الشيوعية.
* تم منح كثير من الإسلاميين حق اللجوء والإقامات في الغرب كما سمح لهم بالعمل بحرية لفترة طويلة.
* فشلت مجتمعات أوروبية في استيعاب جزء من المهاجرين المسلمين، مما أنتج تجمعات مهمشة في ضواحي مدن مثل باريس وغيرها. هذه الجماعات المحبطة عانت مثل نظيرتها في البلدان العربية: فلا هي اندمجت في العالم الحديث ولا هي احتفظت بعالمها القديم. وقد أدى هذا لظهور الإسلام السياسي في أوروبا، ومعه الإرهاب.
* وتأتي الجريمة الأكبر؛ إنشاء إسرائيل وتدعيمها وتركها تهدد ما حولها من دول، وعدم ممارسة الضغوط اللازمة لحل القضية الفلسطينية، كعامل أجج شعور الظلم والقهر لدى الشعوب العربية. فإسرائيل العدو، المتقدمة علميًا وصناعيًا ومؤسساتيًا وعسكريًا تضع العرب أمام أنفسهم، بتخلفهم وضعفهم وفشلهم.
6- الاستقطاب العلماني الإسلامي:
هذا الفخ ينصبه الإسلام السياسي – ربما عمدًا بواسطة قياداته – لتشويه القوى الثورية بوضعها في معسكر واحد مع النظم القائمة سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب. وكثيرًا ما يصور العلمانية كنظام للحكم وأحيانًا كنظام اجتماعي. بل أحيانًا ما نصادف في كتابات الإسلاميين وصف النظم الرجعية والرأسمالية بالشيوعية لمجرد أنها نصف علمانية، وكأن العلمانية هي الشيوعية. ويحاول خطابهم تصوير اليسار والليبراليين كحلفاء للأنظمة الشمولية التي تتناقض مع الإسلام السياسي، معتبرًا الجميع علمانيين شيوعيين قوميين ليبراليين... في تجاهل للفروق وتجاهل للعداء القائم بين الأنظمة التسلطية وبقية أعداء الإسلاميين. ويساعدهم في خلق هذا التصور خضوع أو تحالف بعض جماعات اليسار والليبراليين مع الأنظمة التسلطية القائمة. فهو فخ تقع فيه بعض الفرق اليسار والقومية بالفعل. فتحت تأثير الرعب من الإسلاميين، أو بدوافع انتهازية، يجلس بعض هؤلاء في حجر النظام، كما تلعب الأنظمة العربية بورقة الدين لمواجهة المعارضة الثورية متهمة إياها بالكفر، وبذلك تدخل في منافسة مع الإسلاميين على من يمثل الإسلام “الحقيقي”. كما يصور الإسلاميون كافة أصحاب التوجهات العلمانية كعملاء للغرب والاستعمار وخونة للأمة. نجد هذا في كتبهم ومقالاتهم وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي. كما نجد التحريض عليهم بما في ذلك الفتاوى بقتلهم. وهذا الاستقطاب المصطنع يخدم كلًا من الأنظمة القائمة والإسلام السياسي، لأنه يصور الصراع الاجتماعي كصراع أيديولوجي بين الإسلام والكفر.
لكن الواقع والتاريخ يبينان أن الإسلام السياسي هو احتياطي استراتيجي للأنظمة الرجعية، وطالما تحالف مع الحكومات العسكرية الفاسدة (أمثلة في باكستان والسودان ومصر في فترات معينة)، بل وكثيرًا ما تم استخدامه من جانب الدول الغربية لمناهضة الشيوعية كما أوضحنا من قبل.
وفي أيديولوجيا هذا التيار نجد تركيزًا على تقسيم العالم على أساس أيديولوجي: مسلم – كافر. فتم مثلًا التحالف مع المعسكر الغربي ضد المعسكر الشيوعي بحجة إلحاده! وكأن الصراعات العالمية والمحلية تدور حول الدين. بل يتم تقسيم الدول على أساس ديني، فيقال – كمثال – الغرب المسيحي.
يتطلب الأمر من الجماعات الثورية أن تتجنب الوقوع في فخ الاستقطاب الإسلامي العلماني، وأن تظل البوصلة متجهة إلى تغيير النظم القائمة بهدف التحديث والتقدم.
وبدلًا من الاستقطاب الإسلامي – العلماني في العالم العربي الإسلامي تستلزم مصالح الحركات الثورية استقطابًا من نوع آخر: ثوري – رجعي. يضم المعسكر الأول القوى التي تسعى إلى استكمال تحديث البلاد بما يتضمنه هذا من حفز العلم والتكنولوجيا، العقلنة والتنوير، العلمنة والديموقراطية، تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية إلى أقصى حد ممكن، المواطنة على أساس نبذ كل مظاهر العنصرية والتمييز: بين الرجل والمرأة – على أساس الدين واللون واللغة... إلخ. أما المعسكر الآخر فيضم الأنظمة الحاكمة والطبقات التي تستند إليها، والتوجهات الفاشية والاستبدادية والشمولية، سواء دينية أو علمانية.
من المؤكد أن الجماعات الثورية والتقدمية عمومًا في البلدان العربية والإسلامية مشتتة وضعيفة، لكنها ليست عاجزة عن التأثير، وقد تبين هذا في دورها الفعال في انتفاضات تونس ومصر 2011 والانتفاضة السودانية مؤخرًا. وعلى العموم هذا الضعف يستلزم المزيد من الجهد وليس السير وراء الإسلاميين الفاشست.
7- الخروج من المأزق:
الآن تعاني معظم الشعوب الإسلامية، خاصة العربية، من مضاعفات التحديث الجزئي وفي نفس الوقت من أحد مضاعفاته؛ ونقصد الإسلام السياسي. والواضح انه ليس هناك من مخرج من هذه المعضلة سوى استكمال عملية تحديث البلدان الإسلامية لامتصاص أزمات عملية التحديث الناقصة. وإذا لم تنعم الجماهير بمكاسب مرضية ستستمر الأزمة: مضاعفات التحديث الناقص. ونقصد باستكمال التحديث إعادة بناء وتنظيم المجتمعات العربية والإسلامية كخطوة في اتجاه تحقيق الحرية والرفاهية والتقدم لأبناء هذه البلدان:
* تصفية الأنظمة الشمولية والعائلية وإقامة أنظمة حكم ديموقراطية حديثة تعتمد على المؤسسات ومساواة المواطنين أمام القانون والفصل بين السلطات.
* العلمنة الكاملة: التي تعني إقصاء الدين عن الشأن العام تمامًا: السياسة – العلم - التعليم – التشريع – الزواج - الفن، واعتباره مسألة شخصية. وهذا يتطلب حكومة تضمن حرية الاعتقاد المطلقة وفرض العلمانية بقوة القانون، وحماية جميع المواطنين من محاولات فرض اعتقاد معين عليهم. باختصار العلمانية شأن عام، أما شأن الأفراد فيخضع للختيار الحر. وبخصوص الدعوة لتغيير الخطاب الديني أو الإصلاح الديني فلا طائل من ورائها. فقد طرحت في ساحة الإسلام كل أشكال الإصلاح الديني وعشرات المشاريع النظرية التي لم تحقق شيئًا ولم تنتشر وسط الجماهير. فعوامل التشدد الديني قائمة كما أشرنا، كما أنه ليس من الممكن فرض تصور معين للإسلام على الجماهير، وبالتالي لا يكفي تقديم وصفات نظرية لتجاوزه. فالقضية هي كيفية إقصاء الدين من الشأن العام، وهذه مسألة عملية بحتة: بالقوة؛ نقصد قوة القانون. بل إن القوة لا تكفي أيضًا، فيستلزم الأمر حرق الأرض التي يقف عليها الإسلام السياسي: مضاعفات التحديث الناقص.
* التصدي للصهيونية والإصرار على تحقيق حل للقضية الفلسطينية يرضي الشعب الفلسطيني. فمن المؤكد أن فشل الأنظمة العربية القومية والاشتراكية في إلحاق هزيمة بالمشروع الصهيوني كان مخفزًا لانتشار الإسلام السياسي.
* نقد الدين والتراث: فتغيير الواقع المادي (استكمال التحديث) لا يكفي أيضًا لتغيير الأيدولوجيا الدينية السائدة، بل من الضروري كذلك نقد أيديولوجيا الإسلام السياسي بالإضافة إلى نقد الدين نفسه، كآلية للضغط لكي تراجع المؤسسات الدينية عمومًا نفسها ويتراجع الخطاب المتشدد وسط الجماهير ويتراجع أئمة الإسلام، والمسيحية كذلك. أما حجة أن الإسلام دين ودولة فلا تلزمنا ولن تختفي من الخطاب الديني بمجرد النقاش، بل بالنقد بجانب فرض العلمنة واستكمال التحديث. وقد ساهم نقد الدين بالفعل في تراجعات واسعة للكنيسة في أوروبا من قبل. أما في منطقتنا فنجد أن هذا النقد قد أجبر الإسلام السياسي أيضًا على تغيير خطابه في بعض المناطق. ولنا أسوة في حزب العدالة والتنمية التركي الذي لا يقدم أيَّ خطاب ديني ويتبنى العلمانية، حيث جمعت عوامل عدة منها نقد الدين بقسوة وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية في عهد أتاتورك بجانب انتصارات جذرية على المستعمرين، ثم تحقيق تقدم اقتصادي كبير في عهد حكومة تورجوت أوزال (1983 - 1989). ومن المهم أيضًا كسر تابوه التراث. فتحليل التراث بمناهج علمية يكشف عورات كثيرة وجرائم لا تحصي بجانب إنجازات وفضائل. المهم أن يصبح التراث قابلًا للتحليل والنقد من منظور عقلاني حتى يتم حفز التفكير النقدي والعلمي.
* هذا الإقصاء بالقوة ليس اعتداءً على الحرية بل حماية لها ولمنع الاعتداء عليها. فالإسلام السياسي عدواني وتسلطي. فليس من المعقول الترحيب وحماية من يريد سفك دمائنا نحن العلمانيين والتقدميين والديموقراطيين، وإكراه الشعوب على اتباع نمط حياة بعينه، بل يجب منعه من العدوان.
وكثيرًا ما نسمع الإرهابيين يصرخون لدي صدور أيِّ قرارات لتحجيم عدوانهم في أيِّ مكان في العالم: أين ليبراليتكم وأين مبادئكم عن الحرية! هكذا متغافلين عمدًا عن كونهم مجرمين وفاشست. فهل يمكن ترك المجرمين والفاشست يمارسون تسلطهم على الناس وقمع حرياتهم الشخصية أو السياسية؟
وهؤلاء يستخدون منطقًا وهميًا محتواه أن يلتزم الجميع بمبادئهم؛ فيريدون استغلال الليبرالية على أساس أنها تسمح لهم بفعل ما يشاءون، بينما تسمح لهم عقيدتهم بقهر الآخر. في الواقع الليبرالية (وهي علمانية بالضرورة) تكون لمن يؤمن بها وليس لمن يريد قتل أنصارها. وهي بالتأكيد تتضمن حماية الحرية الشخصية والدينية لكل الناس، بمن فيهم المتدينين. فلا تفرض ملابس معينة ولا تمنع أحدًا من ارتداء زي معين أو ممارسة طقوسه الدينية، وتضمن الحقوق السياسية للجميع دون السماح لأحد بالاعتداء على حريات الآخرين... إلخ. فماذا يضايق الإسلاميين من ممارسة الناس لحريتهم في أجسادهم وأفكارهم وفي التعبير عما يجيش في صدورهم؟ ليس هناك سوى دافع الرغبة في التسلط والعدوان باسم الشريعة. ففي الماضي كانت تلك الرغبة تبرر الغزو والنهب وقهر الشعوب، والآن هي حالة عصاب حقيقية.
* إعادة توزيع الثروة القومية لصالح الطبقات الأدنى.
* الاستثمار الواسع بهدف امتصاص البطالة وإنهاء ظاهرة الفقر.
لكن تكمن المشكلة في آلية تنفيذ هذا الحل وفيمن يقوم بتحقيق كل هذا. فالواضح أن الأنظمة العربية والإسلامية القائمة تعجز وتقاوم تحقيق ما ذكرناه. لذلك فتحقيقه منوط بمشروع ثورات جذرية في هذه المنطقة تتولى أمر التحديث.
8- إن الدعوات لإدماج الإسلاميين في العملية الديموقراطية تغفل أو تتغافل عن:
* الطابع الفاشي لتلك المنظمات.
* وكذلك تتغافل عن طابعها الطائفي. فمنظمات الإسلام السياسي تشكل معظمها طوائف دينية وليس مجرد جماعات سياسية. فهي تقيم مجتمعًا موازيًا لأعضائها، وتوظف خلاياها ومندوبيها في مختلف المؤسسات كأذرع لجماعاتها الطائفية، وتخضع موارد وأنشطة ما تسيطر عليه من نقابات وجمعيات أهلية لصالح الطائفة. وهذا الأمر بارز تمامًا بالنسبة لجماعات الإخوان المسلمين وداعش والجهاد، وأكثر بروزًا في العراق ولبنان. وقد رأينا في السودان نموذجًا عمليًا كاملًا لهذا المنطق.
* إصرار هذه التوجهات على إقامة حكومة تسير وفقًا للشريعة الإسلامية. وعلى ذلك فليس من الممكن للقوى الثورية – العلمانية بالضرورة – أن تشكل جبهة مع هذه الطوائف التي لا تخفي عداءها للعلمانية وللحداثة.
* فلا يوجد شيء اسمه إدماج الإسلاميين في الحياة السياسية إلا بشرط أن تتحول منظماتهم إلى أحزاب سياسية تقبل اللعبة الديموقراطية والعلمانية، لا طوائف دينية مغلقة؛ أيْ تتخلى عن الإسلام السياسي، أيْ استخدام الدين في السياسة. فهل هذا متوقع؟ لا نتوقع حدوث هذا إلا تحت ضغط شديد. فأي ديموقراطية يمكن أن تشمل جماعات فاشية تسعي لإقامة أنظمة شمولية قمعية؟!
* ويجب أن نلاحظ أن البرامج السياسية الجميلة في الأسلوب والخلابة في الشعارات لا تتحول إلى ممارسة. بل تقبع الأيديولوجيا والدعاية في الخلفية وتحكم تصرفات أصحابها. فمدلول شعارات عظيمة مثل الحرية والعدالة و"لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، وتكريم المرأة.. إلخ لا تحمل الدلالة المتعارف عليها من جانب الليبراليين واليساريين، بل قد تحمل دلالة عكسية لدى الفاشست. من الأمثلة ما نص عليه برنامج حزب الحرية والعدالة الإخواني المصري: "تمكين المرأة من كافة حقوقها بما لا يتعارض مع القيم الأساسية للمجتمع، وبما يحقق التوازن بين واجبات وحقوق المرأة" – التشديد من عندنا. كما تتضمن شعارات مثل نشر الأخلاق والقيم الفاضلة لديهم عكس معناها المفهوم لدى عموم البشر. ولنتذكر أن أخذ الجزية صغارًا من أهل الذمة قد اعتبر في الشريعة الإسلامية قمة العدل! فهذه التيارات تستخدم معسول الكلام بغير معناه المتعارف عليه، أو تدس السم في العسل([16]). من ذلك مثلًا دعوة “المعتدل” منها إلى الحرية، التي سرعان ما تعتبرها حرية الإسلام السياسي، مع الرفض القاطع لحرية الناس في الاعتقاد وتغيير دينها وفي الزواج بمن تحب، وطبعًا ترفض الحرية الجنسية. يقول برنامج حزب الحرية والعدالة: "التأكيد على التعددية والتنوع فى إطار القيم الإنسانية والمجتمعية والوطنية" – التشديد من عندنا- فأين هو التنوع إذن؟! وحين تعلن تبنيها لفكرة المواطنة تخدعنا، لأنها بعد ذلك تعلن أن المواطنة هي الجنسية الإسلامية وما الآخرين إلا ذميين يعيشون في كنف المسلمين، وليس لهم ولا للمرأة حق الولاية العامة (يقصدون بهذا التعبير قبل الحداثي: المناصب العامة). وفي برنامج حزب الحرية والعدالة نجد تعبيرات مثل: القيم الأساسية للمجتمع، الهوية الحضارية..إلخ، وهي مفاهيم تمهد لنظام شمولي([17]).
ومع ذلك لا نغفل أحزابًا إسلامية تخلت عن كونها طوائف مغلقة، وبدأت تتخلى عن مشروع تطبيق الشريعة وتنهج بالتدريج وعلى استحياء نهجًا علمانيًا، مثل حركة النهضة في تونس، وحزب مصر القوية.
كما يزعم أصحاب الإسلام السياسي أنهم يدعون إلى القيم الإنسانية والفضائل واستخدام الأخلاق الرفيعة في السياسة، وفي الواقع وما رأيناه هو استخدامهم لأحط الأساليب لفرض سطوتهم وإقصاء الآخر، من الكذب وتشويه الخصوم واستخدام العنف والإرهاب، وحتى الإبادة الجماعية (دارفور مثال ساطع). ويستمدون تبرير هذه المواقف من نظرية المؤامرة كما أسلفنا. ولا يتورعون إما عمدًا أو جهلًا أو ترفعًا عن تشويه خصومهم وتصويرهم كشياطين حاقدين على الإسلام وعملاء للغرب..إلخ. ومن أكثر المفاهيم تعرضًا للتشويه هو مفهوم العلمانية، لسبب بسيط؛ أنها تسحب البساط من تحت أقدامهم وتحرمهم من سلاح الإرهاب الفكري؛ حاكمية النص المقدس حسب هذه الفهم أو ذاك([18]). فإنهم لا يتصورون أو لا يريدون أن يتصوروا أن المرء يمكن أن يكون علمانيًا وصاحب مبادئ سامية، أو حتى علمانيًا ومؤمنًا بالدين في نفس الوقت. ومن التشويهات التي استخدمت ضد العلمانية ومؤيديها ادعاء أنها دعوة "للكفر" و "التعري" و "الزنا"، وأنها تتضمن السماح بزواج الرجل من ابنته أو الابن من أمه، وأنها تدعو للتحلل من كل القيم الإنسانية. ومن التشويهات الشهيرة اختزال الماركسية إلى مجرد دعوة للإلحاد، تغطيةً وإخفاءً لدعوتها إلى محاربة الاستغلال والرأسمالية وتحرير الطبقة العاملة (وهي ملحدة بالتأكيد). أما الليبرالية فيحاول كثير منهم تصويرها كدعوة تستهدف تحديدًا تنحية العقيدة الإسلامية أو القضاء عليها وعلى مبادئها وقيمها، ودفع الأفراد إلى التحرر من القواعد الأخلاقية والتعاليم الدينية. هكذا يشوه الإسلاميون خصومهم الذين يدعو بعضهم اليوم إلى الاصطفاف معهم. أما عن الوعود الانتخابية الكاذبة فحدث ولا حرج: مثل وعد بضخ 200 مليار دولار فورًا لتمويل مشروع لنهضة مصر في حالة نجاح مرشح الإخوان للرئاسة في مصر، ووعد القرضاوي بضخ قطر 20 مليار دولار في مصر إذا وافق الشعب على دستور الإسلاميين 2012، ولم يحدث شيء من هذا. والآن وبعد نجاح تحديث تركيا، يروج الإسلاميون كذبًا أن هذا التحديث الناجح قد تم على أيدي حزب إسلامي إخواني، لجذب الجمهور في البلدان الأخرى لأحزابهم. والحقيقة أن حزب أردوغان قد نجح لأنه نبذ الإسلام السياسي منذ إنشائه والتزم المبادئ العلمانية، ولأنه قد ضم ليبراليين وقوميين إلى صفوفه. كما أنه قد انتهج نهجًا براجماتيًا في سياسته الخارجية والداخلية، واضعًا عينيه على هدف تحديث تركيا بأي ثمن.
إن الدعوة للاصطفاف مع الإسلاميين تمهد الطريق أمامهم للانتصار ثم سحق القوى الثورية. فهم يشكلون قوة ذات بال وتتمتع بجذور عميقة في الثقافة الشعبية. وبالتالي فمجرد اصطفاف القوى الثورية معهم يعطيهم مزيدًا من المصداقية ويمنحهم الاعتراف من قبلها، ومن ثم يزيد قوتهم. ولنتذكر سيناريو الثورة الإيرانية، حيث تحالف اليسار والليبراليون مع الخميني وأنصاره، متصورين أنه مجرد رمز للثورة، فانتهى الحال بذبحهم.
وأخيرًا نقول إن إقصاء الإسلام السياسي، وإقصاء الدين من الشأن العام لن ينجح بتحالف القوى التقدمية مع أنظمة فاشية أو شمولية. فهذا التحالف أولًا: ينزع المصداقية عن المعارضة الثورية، وثانيا: كافة هذه الأنظمة القائمة حاليًا في العالم العربي والإسلامي تقاوم استكمال التحديث ومعالجة مضاعفاته، فتعيد إنتاج الأرض الخصبة للإسلام السياسي، وثالثًا: هذه الأنظمة القمعية لا تسمح في الوقت الراهن بوجود حلفاء، بل توابع وعملاء لها، خشية أن تفلت الأمور من أيديها. كما أن العلمانية ليست كيانًا ولا مبدأ واحدًا ولا معسكرًا واحدًا. فهناك علمانية شوفينية وأخرى استبدادية وغيرها ليبرالية أو يسارية..إلخ. أما العلمانية التي تتبنى مبادئ الحرية والعدالة والتقدم فهي علمانية قوى الثورة والتي مازالت ضعيفة للأسف. لذلك لا يمكن أن تصطف مع الأنظمة الاستبدادية القائمة، فهذا “الاصطفاف” ما هو إلا تذيل وخضوع للأنظمة.
([1]) جاء في برنامج حزب الحرية والعدالة الإخواني المصري عام 2012: "تعزيز الأمن القومي ببناء وتطوير القوة الشاملة للدولة في النواحي السياسية والاقتصادية، والعسكرية والاجتماعية والثقافية، بما يؤهلها للقيام بأدوار فاعلة على المستويين الإقليمي والدولي، وفق هويتنا الحضارية، واستجابة لما تفرضه التطورات الدولية من تحديات". التشديد من عندنا.
[2] )) تناول الحزب بالدراسة محمد إلهامي وأربعة باحثين آخرين في كتاب "حزب العدالة والتنمية التركي"،
https://www.4shared.com/office/GpjzdVwqiq/---.html
([3]) نص برنامج حزب الإخوان في مصر على: "ولذلك فالجانب الأول فى برنامج حزبنا يعتمد على تزكية النفوس وتطهير القلوب وترقية المشاعر وتهذيب الطباع بالدعوة إلى الالتزام بالعبادة ومكارم الأخلاق وحسن المعاشرة والمعاملة والتذكير بالله واليوم الآخر حتى تستيقظ الضمائر وتتكون المراقبة الذاتية، وتستقر قيم الخير فى النفوس وتنفر من الشر ودواعيه، إضافة لتكوين المناخ الصالح الذى يحض على الاستقامة والصلاح، وتقديم القدوة الحسنة، وتوظيف المدرسة والبيت والمسجد والكنيسة وأجهزة الإعلام فى ذلك".
([4]) على سبيل المثال كتاب أنور الجندي: أسلمة المناهج والعلوم والقضايا والمصطلحات المعاصرة، https://www.alarabimag.com/download/28401-pdf
[5])) نص بيعة الولاء في جماعة الإخوان المصرية، الذي يقدمه العضو إلى المرشد أو من ينوبه: "أعاهد الله العلي العظيم على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها، والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها والسمع والطاعة في المنشط والمكره. وأقسم بالله العظيم على ذلك، وأبايع عليه والله على ما أقول وكيل". التشديد من عندنا. ريتشارد ميتشل، أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، ترجمة منى أنيس وعبد السلام رضوان، مكتبة مدبولي، القاهرة، الجزء الثاني، ص 15.
ويتشابه نص البيعة في الفروع المختلفة للتنظيم الدولي، وحتى يقترب نص البيعة في التنظيمات المسلحة من هذه الصيغة، خاصة ما يتعلق بالسمع والطاعة.
([6]) هو حديث للنبي محمد يقول بوجود داء في أحد جناحي الذبابة ودواء في الجناح الآخر. وقد ذكر زغلول النجار أنَّ مجموعات من المسلمين قامت بإجراء أبحاث على أنواع مختلفة من الأشربة وغمست الذباب في بعضها ولم يغمس في الباقي، وعند الفحص المجهري اتضح أنَّ الأشربة التي غمس فيها الذباب خالية من كل الجراثيم المسببة للمرض، مثبتين صحة حديث الذبابة، ولكن لم يذكر أين نشر هذا البحث وكيف نحصل عليه (صحيفة الأهرام 11 نوفمبر 2003). وزعم أحدهم في كذب صريح يُحسد عليه، حيث لم يشر إلى أيِّ مصدر أنه: “الآن هناك عدد كبير من مزارع الذباب في ألمانيا... حيث يتم تحضير بعض الأدوية التي تستعمل كمضاد للجراثيم والتي أثبتت فعالية كبيرة، وهيَ تباع بأسعار مرتفعة في ألمانيا”. موسوعة الإعجاز العلمي في الكتاب والسُّنَّة، إعداد: أخوكم الفلوجة، إعجاز القرآن في الذباب، أعده: فراس نور الحق،
http://www.4shared.com/zip/wY3F7EFlce/.html
([7]) https://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=443545
([8]) وهو تعبير ابتكره أندريه جوندر فرانك،
http://www.druckversion.studien-von-zeitfragen.net/The%20Underdevelopment%20of%20Development.htm
([9]) نبيل القط: 32 مليون مصري يعانون التهميش بسبب الفقر،
https://elbashayer.com/259653/2011/06/22/143280/
([10]) نص القرار: “إن مجلس الأمن يعرب عن قلقه المستمر إزاء الأوضاع الخطيرة في الشرق الأوسط. ويؤكد أنه لا يجوز اكتساب الأراضي بالحرب، كما يؤكد على الحاجة للعمل من أجل سلام عادل ودائم يسمح لكل دولة في المنطقة بالعيش بأمن. ويؤكد كذلك أن كل الدول الأعضاء قد التزمت بموافقتها على ميثاق الأمم المتحدة، بالعمل وفق المادة الثانية من الميثاق. 1ـ يؤكد أن تنفيذ مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يجب أن يشمل تطبيق المبادئ التالية:
أ ـ انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراضٍ احتُلت في النزاع الأخير (هكذا في النسخة الإنجليزية،
بينما كتب في الفرنسية: ‘عن الأراضي‘ des territories).
ب ـ إنهاء كل حالات الحرب والمطالب المتعلقة بها، واحترام السيادة ووحدة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة والاعتراف بها، بالإضافة إلى حقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها دون تهديدات او استخدام القوة.
2ـ ويؤكد على ضرورة:
أ ـ ضمان حرية الملاحة عبر الممرات المائية الدولية في المنطقة.
ب ـ التوصل إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
ج ـ ضمان عدم انتهاك حرمة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق اتخاذ إجراءات من بينها إقامة مناطق منزوعة السلاح.
3ـ يطلب من السكرتير العام تعيين ممثل خاص للتوجه إلى الشرق الأوسط من أجل إقامة اتصالات بالدول المعنية ومواصلة هذه الاتصالات من أجل دعم الجهود الرامية ألى تحقيق تسوية سلمية ومقبولة وفق نصوص ومبادئ هذا القرار.
4ـ يطلب من السكرتير العام تقديم تقرير إلى مجلس الأمن بصدد سير مهمة ممثله الخاص في أقرب وقت ممكن".
https://unispal.un.org/unispal.nsf/5ba47a5c6cef541b802563e000493b8c/7d35e1f729df491c85256ee700686136/-$-FILE/French%20Text.pdf
) [11]) محمد إلهامي وآخرون، المرجع السابق، ص 28.
([12]) الخوف من الحرية، الفصل السادس.
([13]) قال سيد قطب صاحب المانيفستو الإسلامي؛ معالم في الطريق: "إن هذه الأمة لا تملك الآن - وليس مطلوبًا منها - أن تقدم للبشرية تفوقًا خارقًا في الإبداع المادي، يحنى لها الرقاب، ويفرض قيادتها العالمية من هذه الزاوية.. فالعبقرية الأوروبية قد سبقته في هذا المضمار سبقًا واسعًا. وليس من المنتظر - خلال عدة قرون على الأقل - التفوق المادي عليها! فلابد إذن من مؤهل آخر! المؤهل الذي تفتقده هذه الحضارة! إن هذا لا بعني أن نهمل الإبداع المادي. فمن واجبنا أن نحاول فيه جهدنا. ولكن لا بوصفه ‘المؤهل‘ الذي نتقدم به لقيادة البشرية في المرحلة الراهنة. إنما بوصفه ضرورة ذاتية لوجودنا. كذلك بوصفه واجبًا يفرضه علينا ‘التصور الإسلامي‘ الذي ينوط بالإنسان خلافة الأرض، ويجعلها - تحت شروط خاصة - عبادة لله، وتحقيقًا لغاية الوجود الإنساني. لابد إذن من مؤهل آخر لقيادة البشرية - غير الإبداع المادي - ولن يكون هذا المؤهل سوى ‘العقيدة‘ و ‘المنهج‘ الذي يسمح للبشرية أن تحتفظ بنجاج العبقرية المادية، تحت إشراف تصور آخر يلبي حاجة الفطرة كما يلبيها الإبداع المادي، وأن تتمثل العقيدة والمنهج في تجمع إنساني أيْ في مجتمع مسلم".
[14])) رسائل الإمام حسن البنا، الإخوان فكرة إصلاحية شاملة.
[15])) مذكرات الدعوة والداعية، تحت عنوان: هبة شركة القنال،
http://saaid.net/book/open.php?cat=8&book=1689
([16] ) ذكر حزب الحرية والعدالة الإخواني المصري في برنامجه: "نشر وتعميق الأخلاق والقيم والمفاهيم الحقيقية لمبادئ الشريعة الإسلامية كمنهج تعامل في حياة الفرد والمجتمع، والتى قررتها أيضا سائر الأديان السماوية."
([17]) يتضمن هذا البرنامج الكثير من هذه التعبيرات الدينية والهوياتية قبل الحداثية: والقيم الأساسية للمجتمع وقواعد النظام العام - والحفاظ علي الذات والهوية الحضارية - وفق هويتنا الحضارية الإسلامية - تحقيقا للأمن المصري والعربي والإسلامي - قضية فلسطين … لكونها قضية عربية وإسلامية - منظومة تعليمية متطورة، وتعليم متميز منافس يعمق الهوية العربية والإسلامية - مراجعة مناهج وخطط التعليم الأزهري والارتقاء به وتحسين جودته وربطه باحتياجات الدولة والعالمين العربي والإسلامي من دعاة وعلماء وهيئة تدريس - يستمد الحزب رؤيته الاقتصادية من مرجعية النظام الاقتصادي الإسلامي، والذي تتمثل غايته في عبادة الخالق تبارك وتعالى، عبادة بالمعنى الواسع، التي تتضمن كل تصرفات الفرد، وعلى رأسها تعمير الأرض تحقيقًا لطيب الحياة، وتوفيرًا لتمام الكفاية لكل فرد يعيش في المجتمع، مسلمًا كان أم غير مسلم - وحرية اقتصادية مقيدة، تحكم إنتاج "الطيبات"..إلخ.
([18]) ومن أمثلة هذا التشويه ما قاله عبد الوهاب المسيري، الإسلامي "المستنير"، الذي خلط العلمانية الشاملة حسب تسميته بانعدام القيم value free وتسليع البشر والاكتفاء باللذة والشهوة الجسدية مع نبذ كل القيم الإنسانية. وهو يربط ربطًا مطلقًا بين القيم والأخلاق الإنسانية والدين، نافيًا – ضمنًا – لقدرة الإنسان على إنتاج قيم فاضلة ومعنى لحياته خارج إطار الدين، أيْ في إطار العلمانية. حول التدين والتفسير العلماني.. حوار مع الدكتور عبد الوهاب المسيري، https://tammam.org/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA/324-2010-04-01-17-00-32.html
#عادل_العمري (هاشتاغ)
Adil_Elemary#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحليل باكونين للبيروقراطية كطبقة اجتماعية خاصة - عرض نقدي
-
قراءة في -الوثائق السرية لثورة يوليو-
-
الماركسية هي فلسفة الدولة لا البروليتاريا
-
التهميش والبروليتاريا الجديدة
-
مسألة الدين: فصل من كتاب -الثورة المستمرة- - قيد الإعداد
-
الطبيعة البشرية
-
شخصية جمال عبد الناصر
-
عرض لكتاب: ساعة عدل واحدة
-
حول البونابرتية
-
عادل العمري - باحث وكاتب مصري - في حوار مفتوح مع القارئات وا
...
-
النزعة المركزية الإسلامية رؤية الإسلام للآخر
-
السيسي ورجاله - نقد الثورة المصرية (3)
-
نقد مقترحات حزب التحالف الشعبي لتحسين الاقتصاد
-
بحث في الإشكاليات اللغوية في القرآن
-
لماذا نكره الإسلام السياسي
-
ثورة الدولة - نقد الثورة المصرية(2)
-
جذور العنصرية العربية
-
إعادة نقد الثورة المصرية
-
كلمتان حول الصراع السياسى الحالى فى مصر
-
هل يمكن إنقاذ الثورة المصرية؟؟
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|