|
تلك هي هزائمي!
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 6748 - 2020 / 11 / 30 - 01:30
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
شهد قلمي في العقود الأربعة الفائتة هزائمَ مريرة ومُرّة في معارك دخلتُها مفعما بالأمل والإيمان وانتهيت إلى تكسير جزئي لأحلام عشت بها من منطلق أمانة الكتابة وصراحتها وشفافيتها.
هزمتني القوى الدينية التي غسلتْ العقول، وعمّمت الجهل، وقدّست الخرافات، وصنعت الاستعلاء اللا فكري في جماجم هجرتْ العصر الحديث وتوجهتْ إلى العصور الوسطى.
هزمني كارهو القراءة، والعناونة( أي الذين يقرؤون عنوانَ المقال أو البوست فقط) فيدخلون مُسلحين بدعم جماهيري ونتّي يضيف إلى جهلهم شروحات وتفسيرات عن موضوعات لم يقرأوا ثم يخرجون بنصر مبين.
هزمني عابدو الطغاة في كل مكان، وليس في مصر فقط، لأن خلطتهم العجيبة تتكون من الخوف والوشاية والوصولية والبحث عن الأمان في مواجهة أجهزة أمن تجعل الواحد منها يتبول في سرواله إذا أتيتَ على ذِكـْر معبوده في القصر، فينهالون عليك نقدا واعتراضا وتهكُّما لتصل الرسالة إلى أسيادهم.
هزمتني كل التيارات الدينية النتنة والعفنة والمتخلفة فهي تمسك المقدس وتلوّح به ولو كان في غرزة مخدرات، وهي مدعومة من سلطة كهنوتية فوق المنبر وفي الشاشة الصغيرة قادرة على اقناع البلهاء أن شفاعة النبي أهم من ( كلمة الله هي العليا)، وأن الديكتاتور أحق بالعبادة مادام يقيم فيهم الجمعة والعيدين ويبني لله معابد بأموالهم.
هزمتني كل قوى الصمت المُفزع التي لم تكترث، أو تتحرك، أو تُبدي أضعف الإيمان، أي أسفها على أبناء الوطن المعتقلين ظُلما، والمُغيبين في جحور كالفئران وهم محرومون من أحضان أمهاتهم، لمجرد أنهم فتحوا أفواههم في حضرة الديكتاتور محاولين المشاركة في الرأي الجماهيري.
هزمتني بلادة وسفاهة ووقاحة وجهل وتخلف الإعلام، خاصة في مصر، فهو ممهور بتوقيع السلطة التنفيذية، وقفا كل إعلامي تحت كفِّ الرئيس، وهي تزداد سطوة، ماليا، ونفاقا، وتملقا، وغثيانا.
هزمتني قلوب فئرانية لمصريين مهاجرين ومغتربين على استعداد للعمل كمتعاونين ووشاة ومرشدين ضد أصدقائهم وأبناء وطنهم في الغُرْبة وكل من تسوّل له نفسه الاقتراب من محظورات في الوطن مثل الحقوق الإنسانية وظـُلم القضاء وحق التظاهر وقداسة الاعتراض ونتن قائمة المترقب وصولهم لأرض الوطن، والممنوع مغادرتهم قبل رضا أجهزة الأمن.
هزمتني ذاكرة سمكية ضعيفة نسيتْ، وتناستْ مئات الشباب الشهداء الذين قُــُـتــِـلوا غدرا، ومئات مثلهم فقأ الأوغادُ عيونهم الجميلة، فرئيسُ الدولة أقسم أن الاحتجاج لن يتكرر، وأن المجرم واللص والديكتاتور الذي مكث ثلاثين عاما فوق رؤوس المصريين يستحق أن يسير رئيس الدولة في جنازته، ويجعل أسرته تحتفظ بكل ما نهبه المخلوع الراحل.
هزمتني معركة اقناع المظلوم أن يقرأ سطورًا وصفحات عن أوجاعه وآلامه وظالميه ومخادعيه، فالمصري يقرأ عنوانا وسطرين ويبني رأيَه الذي لا يشم فيه سيدُ القصر رائحة تمرد.
هزمتني معركة اقناع المصريين أن مصر بلدهم ووطنهم وحبهم وأهلهم وتاريخهم؛ لكنهم تركوها للصوص وأجهزة الأمن والسجّانين والمنافقين والإعلاميين بحجة أن يدَ الرئيس طويلة وستصل إليهم ولو اختبأوا في عُمق المحيط.
هزمتني معركة الحديث عن الكرامة والعلاج والمستشفيات والحقوق وظلــُم الأحكام القضائية لأن المصريين سلــّـحهم الإعلام الأحمق بفرحة إنشاء طُرق وشوارع ومبانٍ وكباري، ربح منها اللواءات ثرواتٍ طائلةً، فخرجتْ كأنها الانجاز الحضاري رغم أن كثيرا منها مقاولات عسكرية.
هزمتني معركة المساواة المواطــَنية بين المسلمين وشركاء وطنهم الأقباط، ولا يزال أباطرة الظلم يرفضون أهم مراكز ومناصب مؤسسات الدولة لأقباطنا، بفضل الفكر السلفي الذي صبغ جماجم المحافظين اللواءات.
هزمتني معركة حجم مصر التي كانت كبيرة حتى في هزائمها، فأصبحتْ سخرية أمام دول العالم، ورئيسها يناصب الجيران العداء ولا تستعين دول عربية متحاربة بأم الدنيا لكي تُصلح بينها، وإنما تمدّ كل منها يدها بالمال لسياسيين وإعلاميين متسولين، فيتم تقزيم مصر كل يوم.
هزمتني معركة الحق المصري في تيران وصنافير، لكن الرئيس تنازل عنها رغم أنف الجميع ، وخرسنا جميعا أمام رجل واحد، أضعف بمفرده من خيط العنكبوت.
هزمتني معركة الاستنارة الدينية فقد سمح الرئيس لدعاة وشيوخ دواعش القلب بالاستيلاء على قلب وعقل المصري طوال سبع سنوات فانطبقتْ السماء على الأرض، وأصبح القصر مقدسا، ورجال الدينين، الإسلامي والمسيحي، في خدمة الديكتاتور ولو كان ضد الله.
أحدث هزيمة لي عندما حاولت أن أقنع المسلمين بأن اللهَ أكبر من النبي، وأن كلمة الله هي العليا، وأن الأنبياء والرُسل سيُعْرَضون على رب العزة مثل كل البشر، لكن المسلمين، أعني أكثرهم، ليسوا مقتنعين بأن اللهَ أكبر من النبي، وأن عدالته، جل جلاله، هي الرحمة والمغفرة وعلم الغيب منذ بدء الخليقة حتى يوم الحشر، والبشر ليسوا في حاجة لشفيع أو شاهد زور لا يعرف من جاءوا بعده بمئات وآلاف الأعوام، لكنه يرجو الله أن يرحمهم وهو، صلى الله عليه وسلم، لا يعلم الغيب ولم يقل بأنه مــَـلــَـك، ولا يعرف ما سيحدث بعد دقائق و.. ليس فقط بعد آلاف السنين.
وهزمتني أهم معاركي وهي أن بطن أي أم لا يسقط منه من هو أفضل من بطن أمٍّ أخرى، ولا خانة ديانة تملكها النطفة فتتفتح لها أبواب الجنة، والمسلمون يُصرّون أنْ لو ارتكبوا ذنوبَ الأرض كلها فسيأتي رجلٌ لا يعرفهم ولا يعرفونهم( عليه الصلاة والسلام) يتوسط لهم عند مالك المُلك، وليس لغيرهم من غير المسلمين.
وهزمتني محاولاتي اقناع المؤمنين بكتاباتي أن إسرائيل هي سرطان في قلب عالمنا العربي، وأن مقاطعتها واجبة على كل إنسان، فأنا مقاطع لها منذ مولدي وحتى مماتي وسط تهكم الذين يظنون أن المباديء لا تُطعم البشر، وأن الاحتلال يصنع سلاما!
بعدد أيام حَمْلي للقلم في معارك أربعة عقود أو يزيد، كانت معاركي المهزوم أنا فيها، منذ أن بكيت عندما هبطت طائرة السادات في فلسطين المحتلة، ومرورا بأحد أهم لصوص العصر لثلاثين عاما، ثم المُحلل لمحاكمات ظالمة وتهريب أموال وسرقة ثورة يناير، المشير طنطاوي، ثم وصول جماعة الاخوان المسلمين وصبغ مصر الحضارية بالتخلف والدروشة والمزايدة الدينية الزائفة وكراهية شركاء الوطن الأقباط، ثم وصول عسكري جديد للحُكم حوّلها لجمهورية الخوف من الخيال.
هذا ملخص لكشف حساب هزائم قلمي لأربعين أو خمسين عاما، فضلا عن المعارك العصبية والفكرية لردِّ تهكم، ومعارضة الوشاة، والجبناء، والمتعاونين مع كل ديكتاتور أو احتلال.
يقولون لي: لماذا لا تمارس حياتك النرويجية المسالمة وتترك الآخرين في غيّهم وسجونهم وصمتهم وانتهاك كرامتهم وموافقتهم على كل كـَـفٍّ فوق القفا؟
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لكنهم لا يصدّقون أنَّ اللهَ أكبر!
-
بورتـُريه للمسلم الحديث!
-
أمراض.. أمراض.. أمراض!
-
ماذا نكتب إذا فقد القاريءُ دهشة المعرفة؟
-
معذرة، فليس لديَ وقتٌ أنْ أتعلم!
-
التراشق بالمواعظ!
-
عشر خطوات للدفاع عن رسول الله!
-
لماذا ترفض أن يغتصب أو يختطف المنتقب طفلك؟
-
استعلاء الداخل على الخارج!
-
مفاهيم ليست من إسلامي!
-
لماذا تهاجم الإسلام؟
-
لهذا أكره تغطية وجه المرأة!
-
هل من حق الكاتبِ أنْ يتملكه اليأس؟
-
المُلحدون قادمون!
-
لذة العبودية الطوعية!
-
شعوبٌ في الوقت الضائع!
-
حماية الفساد في ظل صحافة لا تُخيف!
-
الديكتاتور يشكر الساخرين منه!
-
الجمهورية الفرنسية الإسلامية!
-
البحث عمن يحب لبنان!
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|