أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبيحة شبر - من يوميات عظم : قصة قصيرة














المزيد.....


من يوميات عظم : قصة قصيرة


صبيحة شبر

الحوار المتمدن-العدد: 1612 - 2006 / 7 / 15 - 10:31
المحور: الادب والفن
    



عظام متكسرة ، بارزة ،، ولحم آيل للنفاد ،، وجه يكسوه التعب ،، وتحيطه الكآبة ،، سنوات عجاف من الهم والكمد ،، ألمت بصاحبة هذا الوجه الجميل ، وقضت على ما فيه من نضارة ، وما بثته في الناس من بهجة تبعثها تقاسيمه الرقيقة ،الهادئة ،شعر وخطه المشيب على عجل ،، وعلى حين غرة من صاحبته ، أتت السيدة على غير انتظار ، باحثة في العظام المتجمعة التي رميت هنا بغير اهتمام
نادت السيدة التي اعرفها تمام المعرفة :
- أكل هذه العظام جاء ذووها ؟
الصوت اعرفه تمام المعرفة ، طالما هدهدني ، وأنا طفل صغير ، اعتنى بي ، صبر عند مهدي باشا ، متحدثا باعذب الحكايات ، عل النوم يأتي الى عيوني التي تأبى مفارقة التدليل
سيدة تدل ملامحها ، على جمال أخاذ ، كان يثير الإعجاب ، في المشاهدين ، كنت انا انظر اليها ، مبهور برباطة جأشها ، وتحملها الصعاب ، وصرخاتي المتواصلة ، التي أصر على إطلاقها ، دون توقف ، ليأتيني ذلك الوجه الآسر ، الذي يرغمني على الصمت
تقلب السيدة ، ذات الجمال الآفل ، العظام بيدها ، تبحث عن عظام كانت ، تسعى الى إيجادها في هذه الكومة ، التي وضعت هنا ، بلا اهتمام ، أشفق لمرأى السيدة العزيزة ، وهي تحاول ان ، تجمع العظام على بعضها ، لتكون مخلوقا ، كان عزيزا على قلبها ، أثيرا على نفسها ،تسأل الرجل الواقف بالتياع :
- الا يوجد عظام غير هذه في مكان قريب ؟
يثيرني صوت السيدة ، الذي يبدو الرعب ، عليه واضحا ، وان حاولت جاهدة أن ، تخفي معالمه ، في نفسها المرهقة منذ زمان
صوت أخاذ جميل ، ينشد أغاني فيروز ، محاولا ان يحسن التقليد ، بنبرات مطمئنة ،عشقت ذلك الصوت ، كنت اصرخ باستمرار ، طالبا ان تأتيني ، صاحبته ، لتسمعني : تلك الأغاني الرائعة ، بعذوبة متناهية ،، يأخذني جمال الصوت ، الى عوالم من البهجة ، أتمنى معه ان يبقى ، محيطا بي ، لا يفارقني
تعود السيدة لتقلب العظام ، والتساؤل ، ينبعث قويا من نبرات صوتها ، الآخذة بالارتفاع
- أين وضعوا العظام الأخرى ؟
يرعبني الصوت المأسور بضعف ووهن ، لم أكن اعهده ، بتلك المرأة ، التي كنت واثقا ثقة تامة ، أنها قوية ، لا تعرف الخنوع ، ولكن الأيام تفعل فعلها ، في النفوس ، قبل الأجساد ، وتأتي بتغيرات لم نكن نظن انها تحدث بمثل هذه السرعة ، ويهذا الشكل العجيب
يعود صوت المرأة ، التي طالما أسرتني بحضورها الجميل ، الى التساؤل من جديد :
- الا تدري ، أخي ، اين وضعوا العظام الباقية ، لرفات الأجساد الأخرى ؟
اندهش للسؤال ، الا تدري السيدة العزيزة ، ماذا جرى ؟ عظام متفرقة ، لأجساد كثيرة ، تجمع أكواما أكواما ، على غير ترتيب ، في أماكن متفرقة ، استطاعت ان تعرف ذراعي ، من كم قميص ، كانت قد أخاطته لي ، بيديها الرقيقتين
يعود صوت السيدة ، التي كثيرا ما بهرتني ، بجمالها ، الى السؤال بلهفة المحتار ، من جديد
- هل يمكنك ان تدلني على الذراع اليمنى ، وعلى الساق اليسرى ؟
لقد نحرونا أيتها العزيزة ، ولم أكن اعلم ، أنني سأكون شاهدا على حيرتك سيدتي العزيزة ، تعبك ذهب سدى كما في كل مرة
الطفل يبكي بإصرار عجيب ، يبحث عن سيدة جميلة ، ذات منظر أخاذ ، تنشد له أغاني فيروز ، بابتسام ، وتحرص على ان يأتي صوتها جميلا ، كجمال صوت فيروز
تمسك السيدة العظام ، بيديها ، تحاول ان تجمعها بهيئة واحدة ، تدرك انها تفقد عظمين اثنين ، من العسير عليها ، ان تعيد تشكيل الجسد بدونهما ،، تسأل برغبة شديدة الا يأتيها الجواب الذي تحرص على تأخيره
- دلني ، أخي ، أين وضعوا العظام الأخرى ؟
عظامنا سيدتي دقوها ، نثروها ، مزقوها ، ثم جمعوها بغير عناية ، ولا انتباه ، في أماكن متفرقة
الطفل تغمره البهجة ، شرب حتى ارتوى ، لعبت وإياه السيدة ، لاطفته ، أسمعته حلو الأناشيد وعذب الأغاني ، بصوتها الجميل ، حتى اطمأن وعرف انه ملاك بهيج ، يغني للسماء مع الشحرور
تعود السيدة الى سؤالها الغريب ، ويبدو ان الرجل يأبى ، إشفاقا ،أن يطلعها ، على جوابه الصحيح
- قل لي ، أخي ، أين وضعوا العظام ؟ أريد الذراع اليمنى ، والساق اليسرى من جسد عزيز ، لأجمعها مع بعضها البعض ، ثم أدفئه في بيتي
الطفل يضحك ، تأخذه السيدة ، بيديها ، تأرجحه يمينا وشمالا ، وهو يكركر ، بصوت سعيد ، طالبا المزيد ، من اللعب مع السيدة الرقيقة
يسمع صوت السيدة ، ينبعث بهلع مكبوت :
لطفا ، أخي ، أريد الذراع اليمنى والساق اليسرى ، انه ولدي ، لقد عرفت أخيرا أنهم أعدموه ، وكنت أظن انه ما زال حيا يرزق
نفذوا حكم الموت بالآلاف سيدتي الحبيبة ، لم يتبق مني الا عظام نخرة ، أمي ، كيف يمكنك ان تجمعي العظام وهي رميم ؟
تهم السيدة بطرح السؤال مرة أخرى ، فلم يعد الرجل قادرا على الاحتمال ، بعد زخات من الأسئلة المتدفقة ، التي تلقيها على عاتقه ، تلك السيدة العزيزة ، يجيبها بانفعال :
- سيدتي ، لم تبق فينا عظام ، تهرأ كل شيء فينا ، أصبحنا رمادا تذروه الرياح

1-5 - 2006



#صبيحة_شبر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القناعة كنز لايفنى
- من أطفأ شعلة تموز ؟؟
- تاثير الهجران الزوجي على الاولاد
- لنبتسم
- جاذبية الكتاب المطبوع
- اشتياق
- يوم لك ويوم علينا
- مناجاة
- المراة في سورة البقرة
- ضاع عمري : قصة قصيرة
- لماذا تنتحر النساء؟
- المراة العربية في وسائل الاعلام
- عمل المراة وازدواج المعايير
- لن ادمن انتظارك
- بدء الخليقة والمراة
- رنين الهاتف
- الخطافة : قصة قصيرة
- تشابك مهن : قصة قصيرة
- تراجع يهيمن على احوالنا
- الطبقة العاملة وتغيرات العصر


المزيد.....




- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...
- الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس ...
- تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
- فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
- جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبيحة شبر - من يوميات عظم : قصة قصيرة