أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 3














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6733 - 2020 / 11 / 15 - 22:21
المحور: الادب والفن
    


بقيَ شبحُ الموت يخيّم على الزقاق، ليخطفَ هذه المرة روحَ الرجل الطيبّ، حوطيش. عانى مطولاً من المرض، ما اضطره لتسليم عدّة العمل لابن شقيقته الأصغر. قبيل وفاته، التفت إلى امرأته فاتي، ليقول بنبرة مَن يتنبّأ بالمستقبل: " كل خوفي على ابننا، لأنه وحيدٌ في هذه الدنيا ". وكان بالطبع يقصد ذلك الطفل، الذي تبنّاه، وصار الآنَ في الثامنة من عُمره. الربيبُ، صُدم ذات مرة بطريقة أليمة، لما عيّره أحد الأولاد بأنه لقيط. اندفع الطفل وقتئذٍ إلى داخل المنزل، باكياً مُروّعاً، ليرمي بنفسه في حضن فاتي: " ماما، يقولون في الزقاق أنكم لستم أهلي ". هدّأته بصعوبة، ومن ثم خرجت إلى أولئك الأولاد لتوبّخهم وتهددهم بالشكوى لآبائهم. سرعانَ ما نسيَ ربيبها الحكاية، ولو أنه سيعود ويتذكّرها فيما بعد.
تحققت مخاوفُ حوطيش، وذلك مباشرةً بعد رحيله عن الدنيا. أرملته، طُلبت للزواج من أحد أقاربها، المقيمين في مسقط رأسها ببلدة برزة. لكن الرجل، وكان بدَوره أرمل، اشترط على فاتي التخلي عن الغلام. أرادت هذه الأخيرة أن يعيشَ ربيبها في كنف زينو، شقيقة زوجها، فقوبل طلبها بالاعتذار: " طليقي المغضوب، بالكاد ما يمنحني من نفقة يكفي لمعيشتي مع أولاده ". عند ذلك، اتخذت فاتي قراراً كان صعباً عليها ولا غرو. في اليوم التالي، طلبت من الغلام ألا يذهب إلى مدرسته، قائلةً أنها ستأخذه معها إلى السوق. شاءت أن ترافقها زينو، لمحاولة التخفيف من عبء المهمة. أخذوا سيارة أجرة رأساً إلى دار الأيتام، الكائنة في مركز المدينة. نزلوا هناك أمام مدخل البناء الكئيب، الأشبه ببوابة السجن. لم يفهم الغلام ما يُراد به، إلى وقت انتهاء المقابلة مع المشرفة الإدارية. إذاك، قالت له فاتي وهيَ تنهض من مكانها: " ستعيش أنتَ هنا، وأنا أبقى أزورك بين وقت وآخر ". ردة فعله، كانت شديدة وبالكاد تمكنوا من فصل يده عن يد مَن اعتقدَ دوماً أنها والدته. بعد نحو عشرة أيام، وبناء على طلب فاتي، ذهبت زينو لزيارة الميتم للاطمئنان على وضع الغلام المسكين. قالت لها المشرفة: " ظل طوال ثلاثة أيام يرفض الطعام، وكان يردد باكياً اسمَ تلك المرأة. لكنه هدأ الآنَ، ولو أنه يبقى طوال الوقت شارداً زائغَ البصر ".

***
تجربة على ذلك القدر من القسوة والألم، عاشها أربعةُ أطفال طوال بضعة أعوام. إنهم أولاد رودا الراحلة، الذين انطبق على حالتهم المثل المعروف: " كالأيتام على مائدة اللئام ". بيد أن رحلة عذابهم آذنت على الاختتام، وذلك بخروج الأب من السجن. حظيَ فيّو بتخفيف الحكم، عقبَ إعلان الوحدة بين سورية ومصر. برغم ما عُرف عنه من خفّة العقل، فإنه آثرَ أن يترك الحارة كي يبتعد عن ذكرياته المشئومة. كان يبحث عن منزل إيجار في غرب الحي، عندما ساعده الحظ بالاهتداء أيضاً إلى شريكة حياة.
أمّو، شقيقة فيّو الكبيرة، كانت قد اقترنت من رجل أرمل من الحارة الأيوبية. الرجل، سبقَ أن أعطى ابنته لمستو، ابن ديبو. ثم تعززت القرابة بزواج سلطانة، ابنة ديبو، بابن الرجل الأرمل. وإنها أمّو، مَن كانت واسطة تعارف شقيقها بامرأة مطلقة بلا أولاد، تملك بيتاً في تلك المنطقة. انتقل فيّو إلى بيت امرأته، ولم يعُد يظهر في الحارة إلا في مناسبات الأعياد. كان هذا من حظ أولاده، الذين علمنا ما لاقوه من عسف وإذلال في خلال فترة سجنه. في المقابل، عانى الرجلُ من البطالة لفترة؛ وكان يعتمد في معيشته على إيجار منزله بالحارة. إلى أن انتقل ديبو إلى دمشق، مع انتهاء خدمته في الدرك بالتقاعد، فاستولى ببساطة على منزل شقيقه وضمّه إلى منزله.

***
في فترة مكوثه بالسجن، التقى فيّو برجلين من أبناء الزقاق. أحدهما كان عزّو، ابن علكي، الذي أخذ بثأر شقيقه المقتول في ليلة زفافه. الآخر كان قريب عزّو، وهوَ بَدو ابن حج عبده، وقد دخل السجن لقتله شقيقه الأصغر. عمل بَدو في فترة حجزه بمشغل خياطة، وكان ايراده من السِعَة أن يوفر نقوداً ويسلمها لامرأته في أوقات الزيارات. ثم استفاد كلا القريبين من العفو، المعقّب إعلان الوحدة، وما لبث السجنُ أن لفظهما إلى حياة الحريّة. عاد عزّو إلى مشغل النول، وما عتم أن أشتراه من ابن سلو بعيد وفاته، ليصبح شريكاً لشقيقه بَهو. غيرَ أنّ طالبي الثأر لم يدَعوه في سلام، واستمروا بمحاولة قنصه المرة تلو المرة.
بَدو، تابع عمله في مشغل خياطة، امتلكه داخل المدينة. لكنه كان بَدوره مثقلاً بالذكريات المشئومة. فما هيَ إلا أشهر قليلة حتى سافر إلى بغداد كي يجرب حظه بالعمل هناك. ابنه الكبير، كان قد سبقه في الحلول بالعراق واقترن هناك بامرأة أرملة بلا أولاد. نجوى، وكانت بيان قد أضحت صديقتها الوحيدة في الزقاق، كانت تبثها همومها في كل مرة. قالت لها غبَّ سفر رجلها إلى بغداد: " لقد ربيتُ أولاده في سنوات سجنه، وها هو يتركني ويرحل من جديد. أجزم أنه سيقترن بامرأة عراقية، لأن عينه فارغة كما تعلمين! ". مع ذلك، لم يبقَ الرجل في الغربة أكثر من عامين، عاد بعدها متخففاً قليلاً من ذكرياته.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل التاسع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثامن عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السادس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل السادس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الخامس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس عشر/ 1


المزيد.....




- كيف ألهم عالم الموضة والأزياء الأفلام السينمائية؟
- عــرض مسلسل حكاية ليلة الحلقة 5 مترجمة قصة عشق وقناة الفجر
- مغامرات القط والفار 24 ساعة.. تردد قناة توم وجيري TOM and JE ...
- عمّان.. الشاعر الكتالوني جوان مارغريت مترجما إلى العربية
- -الرياض تقرأ-.. هيئة الأدب تطلق المعرض الدولي للكتاب وقطر ضي ...
- -الرياض تقرأ-.. انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 202 ...
- الأردن يرشح -حلوة يا أرضي- للمنافسة على أوسكار أفضل فيلم دول ...
- على المسرح.. مغنية شهيرة تتعرض لجلطة دماغية
- “القط والفار 24 ساعة”.. إليك تردد قناة توم وجيري TOM/JERRY 2 ...
- روسيا.. مهرجان الأطفال الدولي يقدم مسرحية عن الفيزيائي الشهي ...


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 3