|
توقفوا عن تدوير هذه الزبالة السياسية
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6731 - 2020 / 11 / 13 - 09:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يعد للانتخابات رائحة زكية تعطر الجو ، وتملأ جوانح الانسان بالشعور العظيم بأنه يمارس حريته ويؤكد ذاته حين يمارس حرية اختيار : حكامه ...
ذلك لأننا في العراق : مارسنا حرية الاختيار كجزء من واجب ديني لا واجب وطني ، حين ادخلت الاحزاب الاسلامية : التصويت في دائرة الثواب والعقاب ، وأوحت للعراقيين : بأن الله سيحاسب الناس الذين لا يصوتون على اساس طائفي : لابن الطائفة السنية ، او لابن الطائفة الشيعية ، او لابن القومية الكردية او لابن الاقليات القومية او الدينية الأخرى . لقد حولت هذه الاحزاب ممارسة حرية اختيار الحاكم : من فعل دنيوي محض : يشير الى حق المواطن في المشاركة السياسية عن طريق الاختيار الحر بين المرشحين ، الى طقس ديني : يجب على المواطن فيه ان يصوت لصالح قائمة مغلقة لا يعرف أفرادها . فالانتخابات في عرف الاحزاب الدينية : ليست مناسبة لان يثبت فيها الفرد حريته وإرادته الذاتية ، بل هي مناسبة لأن يضع يديه مجدداً في قيود اشد إيلاماً من قيود الماضي اللاانتخابي ، حتى اصبحت الانتخابات : مناسبة يتطوع فيها العراقيون الى العمل ضد حريتهم ، والذهاب طائعين الى عبوديتهم ...
وهكذا تحولت الدورة الانتخابية الى مناسبة : يتعاقد فيها العراقيون من السنة والشيعة مع احزابهم الاسلامية على تجديد عبوديتهم لها ، مثلما يتعاقد فيها الكرد مع : احزابهم القومية على تجديد عبوديتهم لزعامات هذه الاحزاب ، ولمن يرثهم من الابناء والأحفاد . ومع ان القن في مجتمعات العبودية القديمة لا يراوده أمل بالتحرر من نظام العبودية هذا ، كما لو كان قدراً مقدراً ، كذلك اصبحت جموع العراقيين تؤمن : بأن لا مفر لها من طاعة هذا القدر ، وانها ستسقط في ممارسة جماعية للأثم : لو انها فكرت بوجود امكانية للتحرر من هذه العبودية المفروضة عليهم : اكثر حرية وأعمق تعبيراً عن حرية الاختيار ...
لقد أصيب العراقي من خلال هذه الممارسة بمرض : الخوف من التجريب . كانت طلائعه الثقافية والسياسية قبل اكثر من نصف قرن اجرأ منه : أسست احزاباً سياسية حديثة من غير ان يتآكلها الخوف من الشعور بالإثم من اوامر الموروث الديني ، واجترحت معجزة كسر قيود الوزن الشعري الموروث منذ اكثر من 15 قرناً ، وحررت الذائقة الشعرية من الاعتماد الكلي على خاصية السماع الشفاهية ، ومنحتها بعداً جمالياً جديداً متمثلاً بتأمل النص ، بل ان تلك الطلائع الثقافية حررت نفسها من ثقافة كتابة الهوامش ، وهوامش الهوامش على متون نصوص دينية وأدبية ثابتة ، ودخلت معترك الحراك الثقافي الحديث بالرسم : اذ بدأ الرسام العراقي يمارس رؤيته الفنية بتصوير : ذوات النفس ، التي حرم عليه الموروث تصويرها . وهكذا جاء الجديد في الفنون الأخرى ، كفن المسرح الذي يتطلب الاختلاط ضداً على عزل الجنسين والتحجب . وفن الموسيقى والرياضة اللذان لم يعد التجمع فيهما مبنياً على اساس ديني بل على اساس دنيوي بحت . الخوف من التجريب المصحوب بالشكوى صفات جديدة اكتسبها العراقي خلال هذه السبع عشرة سنة التي تلت الغزو الأمريكي والتي ارتقى فيها الاسلام السياسي الى سدة الحكم ، مع نواهيه الكثيرة التي صنعت لنا عراقياً خائفاً متذبذب المواقف : يقدم رجلاً ويؤخر اخرى ، وأعظم مثال على ذلك التردد يتمثل بثورة اكتوبر من العام الماضي التي لم يحسم فيها العراقي موقفه من التيارات والاحزاب الحاكمة : فانتهى الى تنفيذ ما قررته : وأرضت غروره بالقول : بأن حكومة الكاظمي جاءت تنفيذاً لمطالبه . أصبحت الشكوى ، في بحر السنوات ( الديمقراطية ) هذه : جزء من طبيعتنا ، فمنذ 17 عاماً ونحن نشكوا من عودة الوجوه التي كلما تهيأنا لان نغيبها عن الحضور السياسي : تعود أقوى سياسياً وهي ترفع عالياً الآلاف من الاصوات التي حصلت عليها ، ومنها أصواتنا : لا نعرف كيف !! فأول سمة من سمات هذا اللون من الوان الديمقراطية البرلمانية او النيابية هو : الكذب والتزوير ...
تطالبك الديمقراطية البرلمانية او النيابية : بالتنازل عن حقك في المشاركة السياسية في ادارة الشأن العام لبلادك لمدة اربع سنوات : للسيد النائب ، لشخص موجود في قائمة انتخابية مغلقة لا تعرف عنه شيئاً : تفرضه الاحزاب ممثلاً لك : اي يقرر بالنيابة عنك لفترة زمنية طويلة مستوى معيشتك ونمط حياتك . في التطبيق العملي أوصلتنا هذه الكذبة التي يسمونها ديمقراطية الى الشعور بخواء حياتنا الروحية والمادية في آن معاً ، والإحساس بالعجز ، ونحن نشاهد سياسيينا بلا إنجاز ، همهم الوحيد هو المزيد من نهب المال العام بأساليب مبتكرة شتى . فثاني سمة من سمات هذه اللون من ألوان ( الديمقراطية ) : يتمثل بسحق كرامة المواطن عن طريق مصادرة حريته واستثمارها في الغيبيات والخرافات ... ، انه ابشع عنف نمارسه ضد أنفسنا والحق ان النظام البرلماني كان عنيفاً منذ البدء : حاصر البعد الإنساني في الثورة الفرنسية 1789 ، وقدم طريقاً سهلاً لتفتح الميول الدكتاتورية والإمبراطورية بزعامة نابليون الذي عسكر المجتمع الفرنسي ، وباشر حروبه الاستعمارية في اوربا ، وفي الشرق باحتلاله لمصر عام 1798. وقام البرلمان بثورته العنيفة في بريطانيا عام 1688 ، ومنح السلطة في امريكا بعد نجاح الثورة لأصحاب العبيد ، ممن حصلوا على ملكيات كبيرة من الارض . صحيح انه ارقى سياسياً واخلاقياً من أنظمة الطغاة الأفراد ولكنه يظل في التحليل الاخير : نظاماً اقلوياً يمثل مصالح الأقلية من اصحاب البنوك ومعامل انتاج السلاح . ولم يثبت هذا النظام اي حيوية وابتكارية في العراق او في سواه من البلدان المتخلفة في تطويرها وتحديثها ، وظل النظام البرلماني مصنعاً لإنتاج آرستقراطية . انه نظام لا يمثل عموم الشعب ، بل هو يستخدم اصوات العوام لصالح منح شرعية انتخابية لمن رشحهم هذا النظام ليكونوا من الأقلية الحاكمة والثرية ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة الانتخابات الأمريكية
-
في الفضائية العراقية
-
حكومة الكاظمي ومنطق مستشارها السياسي
-
في الذكرى الاولى للثورة
-
صدام حسين ، حيدر العبادي
-
قصيدتنا
-
وجها العرب في عالم اليوم
-
انه عاشوراء
-
تبيح السلطة الفلسطينية لنفسها ما لا تسمح به لغيرها
-
الاتفاق الصعب
-
عن بعض قناعاتي الشخصية
-
انبعاث فيروس الطائفية مجدداً
-
بيروت
-
طاحض هيچ وحدة وطنية
-
ألعاب الطفولة في العراق
-
قيمة الأوطان من قيمة بنيها
-
كل شيء جميل هذا اليوم
-
ليبيا - تركيا
-
هل الكاظمي في الطريق الى وعي دوره التاريخي ؟
-
ما زلت احتفظ بها ككنز ثمين
المزيد.....
-
-هراء عبثي-.. شاهد رد فعل مؤرخ أمريكي على الديمقراطيين الذين
...
-
عدد مشاهدات مناظرة CNN الرئاسية بين بايدن وترامب.. إليكم كم
...
-
إيران تعلن أحدث نتائج انتخابات الرئاسة لاختيار خليفة إبراهيم
...
-
ميقاتي: حدة الحرب النفسية تتصاعد ولكننا سنتجاوز هذه المرحلة
...
-
ما حجم تأثير أصوات المسلمين والعرب على نتائج الانتخابات البر
...
-
انتقادات لترامب بعد وصفه بايدن بـ-فلسطيني سيء-
-
وزيرة خارجية ألمانيا: بدون مكياج سأبدو مثل حفار القبور!
-
كشف أسباب غير واضحة للعقم
-
علماء: فراشات أوروبية تقطع مسافة 4200 كم لتصل إلى أمريكا الج
...
-
البيت الأبيض والسلام في أوكرانيا
المزيد.....
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
المزيد.....
|