أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - ضحايا وجلادون














المزيد.....

ضحايا وجلادون


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 8 - 16:48
المحور: الادب والفن
    


لكي يرتاح المعتقل قليلاً من آلام تعذيب لا تطاق، وافق على أن يقود الجلاد إلى موعد مختلق له مع رفيق. اختار موقف باص في منطقة ركن الدين، وفي الحال تشكلت الدورية وانطلقت إلى الهدف. هناك ربضت السيارة في مكان قريب من الموقف مثل وحش يستعد للافتراس. بغريزة الهروب من الألم أو تأجيله على الأقل، قرر المعتقل أن يشير إلى أحد منتظري الباص على أنه الرفيق المقصود. قال في نفسه المعذَّبة، ليكن في هذا نوع من توزيع العبء على الشعب، سوف يتعرض من سأختاره لبعض التعذيب، ولكنهم سيكتشفون سريعاً أنه شخص لا علاقة له بالأمر، فيتركونه وشأنه، فيما أبقى أنا بلا تعذيب طوال هذا الوقت الثمين على قصره. اعتذر بقلبه سلفاً من ضحيته الوشيكة، وأشار إلى شاب ببنطلون جينز وحذاء رياضي وهيئة تشبه هيئة الرفاق التي صار لها في ذهن رجال الأمن أثر خاص.
فوجئ الشاب الذي كان يتكئ باسترخاء على عارضة الموقف، بشخصين يشبكانه من الجانبين ويسيران به باتجاه سيارة قريبة من الموقف. شعر كل من على الموقف بسعادة الناجين من كارثة، كشعور من توقف انهدام الأرض قبل أن يصل إلى تحت قدميه فلم تبتلعه الهاوية، أو كغبطة من تجاوزته الرصاصة فلم يعد يكترث بمن اختارت من بعده. وقبل أن يستيقظ الشاب المختار من الدهشة وجد نفسه أمام الجلاد.
بدل أن يكتشف الجلاد أنه ليس لهذا الشخص المنحوس أي علاقة بالموضوع، اكتشف أنه رفيق عنيد ومبدئي إلى درجة أن كل وسائل التعذيب لا تكسره، وأن كل الألم الذي أنزله به لم يجعله يتلفظ ولو باسم واحد من التنظيم، مصراً على الإنكار وعلى تكرار إنه لا يعرف شيئاً مما يسألونه عنه (تنظيم، رفاق، مواعيد، مطبعة ..الخ). ظل الشاب يسأل بطريقة مؤثرة (كان يمكن لنبرته وبراءة عينيه أن تؤثر بالجلاد نفسه لولا خبرته الواسعة في القسوة وهدر الأعمار) عن سبب اعتقاله، في حين أنه لم يفعل شيئاً سوى أنه كان بانتظار الباص لزيارة خالته المريضة. "يا لك من كلب عاهر، تريد أن تخدعني لكي تتفاخر أمام رفاقك بصمودك وقدرتك على الإفلات، ثم تسخرون معاً وتضحكون من غباء أجهزة الأمن. اطمئن، لن أبخل عليك في إرسالك إلى بيت خالتك أيها البطل"، قال الجلاد بسخرية المحبَط الغاضب.
"سيدي أنا في الحقيقة لا أعرف هذا الشخص أبداً، وقد اخترته بشكل عشوائي من بين منتظري الباص لكي تتوقفوا قليلاً عن تعذيبي". قال المعتقل الأول حين طلبوه مجدداً، وقد أدرك أن الأمور مع الشاب بدأت تتخذ طريقاً كارثياً لم يتوقعه. "سيدي أقسم لك أنه لا علاقة لهذا الشاب بالموضوع البتة، إنه مجرد شخص من الشارع، من موقف باص، شخص لا على التعيين، لا أعرفه ولا علاقة لي به من أي نوع، أقسم لك يا سيدي بكل الأنبياء والرسل، أقسم لك"، ألح المعتقل الأول.
قال الجلاد في نفسه، يضعفون تحت التعذيب ويعترفون، ثم ينكرون اعترافاتهم حين يستردون أنفاسهم، يجب أن لا يرفع الكرباج عن هذا النوع من البشر لكي تبقى الحقيقة جارية على ألسنتهم فلا يخفون شيئاً. على من تضحكون يا عرصات؟ قال الجلاد في نفسه وأطلق ضحكة مبتورة، ثم أردف بثقة: "سأجعلك تعرف هذا الرفيق خلال دقائق، دقائق قليلة فقط". وفى الجلاد بوعده، وفي غضون دقائق كان صوت المعتقل الأول يعلو فوق صوت الكرابيج التي تتسابق على التهام باطن قدميه، ليقول مخنوقاً بما يشبه البكاء: أعرفه، أعرفه يا سيدي، أعرفه.
"وأنا أعرف أنكم لا تقولون الحقيقة إلا إذا استخرجتها منكم الكرابيج"، وحين راحت الكرابيج تضخ الألم مجدداً في دماء المعتقل الأول قصاصاً منه على محاولة تضليل الجلاد، كان الكاتب يسجل اسم الشاب المنحوس على قائمة التنظيم الذي اختاره له القدر.
لسنوات طويلة ظل الجلاد يتحدث عن شاب لم يعترف بكلمة واحدة رغم كل صنوف التعذيب، ولكنه مع ذلك لم يستطع خداعه فألحقه برفاقه إلى السجن. وفي السجن صار الشاب المنحوس يشعر بالانتماء لهؤلاء الشباب الذين تعرف عليهم هنا، وقد أحبهم، وأحب من بينهم بوجه خاص ذلك المعتقل الذي كان السبب في نكبته.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تتحول الهوية إلى وثن
- مشكلة الفرنسيين مع الإسلام
- هل العلة في الطريق أم في -الهرولة-؟
- عن رهينة فرنسية اعتنقت الاسلام
- سورية بعد موجة التطرف الإسلامي
- لا حقوق وطنية بدون حقوق يومية
- سورية المدمنة على النقصان
- حضورنا المباشر في السياسة
- العدو الصديق وأزمة مياه الحسكة السورية
- الحرية والاختيار
- مسؤوليتنا عن انفجار بيروت
- توحيد الروايات الذاتية للجماعات السورية
- مناهج تعليم غير وطنية في سورية
- نجوم لسماء، أقحوان لمرج
- خفايا انتخابات مجلس الشعب السوري 2020
- مجلس نواب للنظام في الشعب السوري
- قصة صباح السالم وضرورة العمل المدني
- هوس اللامركزية في سورية
- جواب بسيط لأسئلة قلقة
- لكم أحلامكم ولنا الواقع


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - ضحايا وجلادون