|
آلام غسان … ! ( قصة قصيرة )
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 6711 - 2020 / 10 / 22 - 09:25
المحور:
الادب والفن
جميلة … اسم على مسمى … فتاة بارعة الحسن … قادمة من الريف مع اهلها الى المدينة … تمتلك اسلحة المرأة التقليدية الفتاكة ، والتي فتحت بها نساء من التاريخ امم ، وانشئن ممالك … الشباب … الجمال الخارق ، والذكاء الفطري ، ودهاء المرأة التي ان ارادت امرا لا يمكن ان يقف في طريقها شئ … انف صغير ، وفم دقيق ، وعينان واسعتان … بشرة بيضاء مشرئبة بالحمرة … شعر فاحم انعم من الحرير ، واكثر لمعانا من الماء الرقراق الصافي … ممشوقة القوام … صدر عامر بامارات الانوثة ، وكأنه يريد تمزيق البلوزة لينط خارجا مستنشقا عبير الحرية ! ذهب اهلها يشقون طريقهم لكسب ما يستطيعون من رزق يعينهم على البقاء احياء في احشاء هذه المدينة المزدحمة ، والتي لم يعتادوا بعد على ضجيجها ، وهواءها الفاسد … اما جميلة تلك الشرنقة المتفتحة ، والمنطلقة نحو النضج النهائي … فكانت كالفرس البري … هائجا وسط المدينة … يكتسح كل من هو امامه … هكذا كانت جميلة تسير في السوق ، وهي تبيع ما تصنعه يديها مساء من قيمر ، ولبن ، وحليب ، والرقاب تستدير رغما عن اصحابها كابرة البوصلة باتجاه القطب دوما … والكل يحدقون فيها بعيون فارغة … وجهها يُشرق بابتسامة الظفر ، وهي تسمع همهمات الاعجاب … وترى الرؤوس تنحني اجلالا لعظمة جمالها ، وتضحك فرِحةً بدغدغة الدنيا لها ، ولاحلامها الشابة …! عندما هاجر اهلها الى المدينة استأجروا بيتا متواضعا من امرأة تعيش مع ابنها غسان ، وهو شاب طيب القلب نظيف السريرة لا ينقصه شئ الا الوسامة … المادة الاساسية التي تفضلها النساء في الرجل … يعمل في تطويع الاخشاب ليخلق منها مجسمات جميلة ، ويبيعها … وهي هواية ، وقتل للوقت اكثر منها مصدر رزق … فهو لم يكن بحاجة الى الدراهم القليلة التي تاتي من هذا العمل … اما الام فيقال بانها قد ورثت ثروة من زوجها المتوفي ، واخرى من اهلها … يمكن القول بانها امرأة ثرية ، ولكنها كانت من النوع الحريص على كل ما تملك حتى التافه منه ، ولا تثق باحد … تمشيا مع طبيعتها التي تسئ الظن بالناس جميعا … واكثر حرصها منصب على ولدها غسان لما تعرفه عنه من طيبة قلب ، وبساطة قد تصل الى السذاجة … فهي تتدخل في كل شئ يهمه ، وتسعى دائما الى ان تفتح عينيه في هذه الحياة ، وتهيئه للتعامل مع الناس ، وثروته المقبلة التي سيرثها من بعدها ! وعندما جاءت عائلة جميلة ، وسكنت في واحد من املاكهم بدء الشاب ينظر اليها … تداعبه الامال ، والخيالات … يناجي احلاما لا تزال في احضان الغيب متطلعا الى تحويلها الى حقيقة ، ويداعب قلبه قليل من الامل في ان تكون هذه الجميلة من نصيبه … ينام ، وشبحها بين ذراعيه … ومن سوء حظ هذا المسكين ان وقع في غرامها حتى النخاع … فاخذ يأن في ليله ، ونهاره محتضناً آلامه بعيدا عن نظر والدته خوفا منها … فهي اكيد لن توافق على هكذا زواج … اما جميلة التي استقر بها المقام امام احد الدكاكين الذي سمح لها صاحبه ان تترزق من امام دكانه ، وهو يلتهمها بعينيه … لا انسانيةً منه ، وانما طمعا بهذه الفاتنة … ومنذ اللحظة الاولى بدء يخطط لاسقاطها في شباكه لتنظم الى جوقة النساء اللواتي عرفهن ، وكان له معهن صولات ، وجولات طوال مشواره في هذا السوق … وتمر الايام ، وتتوثق عرى العلاقة بينها ، وبين حسن صاحب الدكان هذا ، ويبدء بدعوتها الى الدخول الى الدكان للاستمتاع ببرودة التكييف في فصل الصيف اللاهب … وهكذا الدرجة الاولى تقود الى ما بعدها حتى وصلوا الى الدرجة الاخيرة في علاقتهم … تلقفت الدعوة ، وكأنها كانت تتمنى ذلك … تدخل الى عرين الاسد متصورة انه نائم ، او مخدوعة بدعته بان لا يفترسها كما يفترس اي مخلوق تناله مخالبه … وتحدث تلك العملية او ما نسميها تلطفا بالرغبة الازلية للانسان … وهكذا امتص رحيق الحياة منها … وتركها جسدا تكسوه برودة الموت … تعيش تراتيل الحيرة ، والقلق … وبعثت رهبة الموقف فيها شعورا مبعثرا من الخوف والضياع …! … وتتسارع الايام حتى شعرت يوما بانها تسمع وجيب قلب آخر في جنباتها … تاتيه مستغيثة بعد احساسها بالحبل فيقول لها الوغد تصرفي ، ولمي اذيال الفضيحة … ! اما غسان فلا يزال يعيش انفاس ذلك الحلم السعيد خائفا عليه من ان يلتهمه الواقع ، ويتحول الى سراب … كيف له باقناع امه بان تخطبها له … يكاد يموت حسرة ، والما … كيف السبيل الى جميلة … حبيبة القلب ، والروح … والحب بطبعه مهذب لا يعرف طبقات ، ولا غنى ، ولا فقر … الحب هو الحب هذا الشعور الرطيب الجدير بالتذوق من كل انسان صاحب قلب رقيق كقلب غسان … يمرض غسان لوعة ، وحسرة … تجن امه ، وهي تعرف بغريزة المرأة ماذا يريد ، وماذا يحتاج عزيزها … ولم تجد بدا من ان تخطب له جميلة من وراء ضرسها … متعشمة بان تعامل هذه الجميلة ولدها بخير … ولن تغفل هي عن متابعته ، ومتابعتها … اما جميلة … عندما جاءتهم الام خاطبة لم تصدق ان السماء قد فتحت لها بابا تسللت منه نسمة امل … تسرع الى حبيبها ، وابو جنينها حسن ، وتزف له الخبر فيشجعها … وكأن ابوابا من الطمع قد تفتحت له بعد ان عرف ثراء الام ، ووريثها غسان … وتزوج غسان من جميلة … ومضت سيطرتها تزحف عليه منذ البداية كما بقيت على علاقتها مع حسن … فكانت تذهب اليه لتطفئ ضمأها الذي كما يبدو ان غسان قد فشل في اشباع هذه الفرس الجموح … اما الام ، وجميلة فكانتا تتبادلان كراهيةً صامته … ثم تظهر علامات الحمل على بطن جميلة … يفرح غسان ايما فرح … ثملا بوهم الابوة … اما الام فقد راودها احساس من الشك ، ولكنها لا تستطيع اجهاض فرحة ولدها المسكين … ! تخطط جميلة لقتل زوجها … وعيناها تعكسان شر النوايا … طمعا في الثروة ، وحنينا الى العودة الى احضان حسن زوجةً بعد ان عشمها بذلك … فتضع خطة جهنمية لم تخطر على بال بشر … تعطيه منوم ، وعندما ينام المسكين تفتح الشباك فيندفع هواء الشتاء البارد منقضاً على المكان … مكتسحا الغرفة ، ومن فيها … ثم تترك الغرفة لتنام في مكان آخر بدعوى ان غسان يشخر … فيصاب غسان بالتهاب رئوي … تاتيه والدته بالطبيب ، ويعطيه علاجا لكن العلاج يفشل في ايقاف المرض لان المسبب موجود … فاللعينة تكرر العملية كل ليلة … تسوء حالته … ويقف الاطباء عاجزين عن ايقاف التدهور في صحته … وها هي الأيام تمر ، وغسان على حالته من الاعياء ، والضعف والهزال …. فيموت غسان متاثرا بمرضه … امه تجن ، وتمرض هي الاخرى من الحزن على وحيدها … ثم بعد اشهر قليلة تموت بحسرتها … وفي النهاية تعود كل الثروة الى جميلة ، وولدها ابن غسان على الورق ، وابن الوغد حسن في الحقيقة … !
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاعلام المصري .vs الاعلام الاخواني … !
-
اشجان الماضي … ! ( قصة قصيرة )
-
الرسالة المجهولة … ! ( قصة قصيرة )
-
الصعود الى الجنة … ! ( قصة قصيرة )
-
السكران لا يكذب ابدا … ! ( قصة قصيرة )
-
قادتنا … هم من ضيعونا !
-
ويعود الحب الى وصاله … ! ( قصة قصيرة )
-
قف ايها الزمن ، ما اتعسك … !! ( قصة قصيرة )
-
هل يمكن ان يدخل حصان طروادة الاخواني الى مصر عن طريق المصالح
...
-
حسن الختام … !! ( قصة قصيرة )
-
الحاجة سندس … ! ( قصة قصيرة )
-
ومن الجمال ما قتل … ! ( قصة قصيرة )
-
الاخوان … وبداية الانهيار !
-
حسون … ! ( قصة قصيرة )
-
غدر الصديق … ! ( قصة قصيرة )
-
قرينة الشيطان … ! ( قصة قصيرة )
-
اسماء تستحق التبديل … ! ( حكاية … من الواقع العراقي المعاصر
...
-
وجهة نظر حول التطبيع … !
-
الاخوان … وتوالي الاحباطات !
-
موهوب ، ولكن بطريقته الخاصة … ! ( قصة قصيرة )
المزيد.....
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
-الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ
...
-
عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع
...
-
تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر
...
-
المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
-
عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو
...
-
الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|