|
بلا كرامة
محمد الدرقاوي
كاتب وباحث
(Derkaoui Mohamed)
الحوار المتمدن-العدد: 6708 - 2020 / 10 / 19 - 20:24
المحور:
الادب والفن
كان في مقهى المحطة حيث تعود أن يجلس كل مساء ،يحتسي قهوته قريبا من بيته ، بعيدا عن ضوضاء المقاهي الكبيرة ، فماعاد فيها غير كلام يجتر الفراغ ، ونميمة لبوس من جمرات ،شراراتها تلحق المارة ، كما تصيب الغياب ،فبعد أن كانت هذه المقاهي ملتقى حوارات ثقافية ،ونشاط سياسي و استرجاع لموروث التاريخ الثقافي ، صارت مقرا لتبادل لحظات عاطفية مع فتيات جعلن من المقاهي الكبيرة مكانا لرصد المتعة المجانية ، والبحث عن ضحية، او لحظات قصيرة يمارسن فيها الحب الكاذب .. لا يستغرق زمن جلوسه أكثر من وقت يشرب فيه قهوته ،ثم يعود لبيته بعد أن يقوم بجولة في الأسواق القريبة سالكا أطول طريق للعودة كوسيلة للمشي والراحة من عناء القراءة والكتابة وهندسة أفكار لما يخطط من كتابات .. ذاك دأبه اليومي مذ غادر الوظيفة بعد تقاعد نسبي ، وقد أدرك ان بيئة العمل ما عادت مريحة ، ولن يستطيع أمام كثرة المطالب ،والإضرابات والمزايدات النقابية ،والوقفات الاحتجاجية ، وتلاميذ يحضرون الثانوية مخدرين أو مدججين بأسلحة بيضاء تنمية قدراته الأدبية والابداعية ، فولعه بالقراءة وقناعته بما توفره له كتاباته جعله يبادر الى مغادرة الاستاذية والانضمام الى أكثر من منتدى أدبي ..بعيدا عن ضغوطات العمل اليومي ومحاولة لاستعادة ذاته وقدراته .. حتى الزواج عزف عنه فهو من الرجال الذين يحبون المرأة بمؤهلات علمية تشاركه فكره وكتبه وكتاباته كما تشاركه قناعته ، وتحيي صورة في مخيلته عن تلميذة كانت تخطف قلبه بخفة روحها وتبهره بأناقة مظهرها ،انبهاره بذكائها واجتهادها وثقافتها . كان في حديث هاتفي مع أحد الناشرين حين فاجأته أنثى وقفت تمسح وجهه في تمل منبهر باسم ، كانت وهي تنتظر ان ينهي مكالمته وكأنها تسافر على خريطة عمره من خلال ابتسامة ، تحمل مفاجأة تركب على محياها لهفة .. بادرته بتحية وقد انصرف خياله الى تلميذة كان لها أستاذا في السنة الاولى ثانوي ، صورة راسخة عنها لن تغيب ،وهي اليوم أكمل أنوثة واوفر جمالا ،شرع يتسلق وجهها بارتباك بيِّن وانبهار لايخفى ، وقد زاد ارتباكه حين بادرته السلام بعناق و قبلتين على خديه وكأنها أطلقت زورق شوق مخر وجنتيه بلهيب .. أحس كان ضحكاتها تأكل كل سنوات عمره الماضية .. بادرته : هل عرفتني ؟ رد وقد احتار كيف يدعوها للجلوس في مقهى صغير: ـ كيف لا اعرف تلميذتي حتى وهي قد تحدَّت الزمان، وامتطت صهوة الفتنة بطغيان أنوثة ؟ارتاحت لكلماته كأنه يبادرها بأشواقه وخفاياه القديمة حيث كان يكتفي بنظرات مسروقات من حيائه ومسؤولياته .. بكل تلقائية جرت كرسيا وجلست ،وقد وقف محاولا ان يعترض بدعوتها الى مقهى آخر .. قالت : لا، المقاهي الكبيرة كلها عيون تلتهم غيرها اما العيون هنا فهي تهرول للخروج او اللحاق بالقطار ،ولا أحد يهتم بغير نفسه وهي تتطلع الى صبي يعرض عليها منادل ورقية قالت : ـ عشر سنوات انطفأت من عمرنا لم أرك فيها ..هل مازلت في نفس الثانوية ؟ تبسم في وجهها وهو مبهور بجمال كم رسم من دوائر ونقطا كان يقاوم جموحه وطغيانه ، فيغض عنه الطرف ،وها هو اليوم أقوى وأعنف يجالسه دارسا بيادر نفسه بطول أكثر مما كانت عليه وسمنة خفيفة جعلتها أشبه بآلهة الجمال الاغريقية : قال وعيناه تتمسح بشعرها الطويل المسترسل على كتفيها : لا.. غادرت المهنة كلية ،وقد صارت لي انشغالات أخرى.. أشرق وجهها وقد افتر ثغرها عن ابتسامة: ـ الكتابة أليس كذلك ؟ أتاه ردها مفاجئا : - كيف عرفت ؟ صبت عيونها قلب عيونه، ثم أجابت بتنهيدة وكأنها تستعيد ماض قريب : كلنا كتلميذات كان يبهرنا ما تكتب ، وكنت أكثرهن انبهارا وحفظا لكلماتك ، " ياإلهي من أين يأتي هذا الرجل بكل هذا الجمال،وكيف يستطيع ان يوفق بين عمله وقدرة الإبداع لديه ً" ؟ !!..مالت برأسها قليلا، ركزت عينيها في عينيه ثم شرعت تردد بصوت رخيم ساحر " اليها لا تكتبوا.. قد تكون لها روابط مانعة فيسمع همساتكم وشاة المطر ولحرفكم ينتبه حفيف الشجر كلماتي سارت اليها قوافل.. فلم يتحرك منها أثر !! .. أليست هذه كلماتك ؟ تفاجأ بما قرأت ، وكأنها تكسر اللحظات المتسارعة ،معناه تركب قطار رحلته الأدبية ،بعد عشر سنوات ها هي تستظهر كلماته كما كانت تسير حذوه وهو خارج من بوابة الثانوية ، كان لايدري لماذا تتعمد ذلك ؟ هل تقربا منه ام احتماء به ؟ كان حياؤه يمنعه أن يكلمها والعيون سهام مصوبة اليه .. تابعت وهي تضحك : ـ فعلا انت لم تكتب لي، بل لم تحاول ان تكتب ، رغم ادعاء بذلك ؛كنت تتجاهلني لكن كنت لسانا يعبر عن غيرك ممن كان يكتب ؛ كم بعثوا من رسالة ،حتى مدير الثانوية حاول فأرسل من يغريني.. استغرب لقولها ،كيف يجرؤ مدير أو أستاذ ان يتطاول على تلميذة هو عنها مسؤول ؟ لم يصدق مايسمع، ربما ادعاؤها مجرد امتطاء وهم من شدة الإحساس بجمالها ان الكل ينظر الى فتنة قوامها بعيون الطمع في جسدها ..حاول ان يغير الحديث فقال: اعتذر ماذا تشربين ؟ قالت: ليس ضروريا لكن اذا أصررت أفضل حليبا بالشوكولاتة.. كلامها عن الأساتذة والمدير جعله يتحرج في النظر اليها، او متابعة الحديث معها خوفا من ان يصير حديثا لرواج الريح بعد ان تغادر المحطة..خصلة سوء الظن بغيرها أو مركب الغرور بجمالها لم تكن له بها معرفة من قبل.. وكأنها بذكائها وقراءة سحنات وجهه قد ادركت ما نبش عقله فقالت : مابك استاذي ؟انا لم ابح لك بسر أصدقائك للتشهير،او لتخيلات وهمية حاشا، كلهم كانوا أساتذتي أكن لهم الاحترام والتقدير ،انا فقط ضربت مقارنة وحتى أطمأنك، فأستاذ الرياضيات هو طليقي.. بسرعة بادرها بلا تعليق عن عبارتها وكأنه اراد ان يبعدها عن استنتاجها : من فيهم ؟ قالت : عبد الصمد.. مايعرفه عن عبد الصمد أنه أستاذ كفء لكن نزق متقلب ،وطغيان المادة على عقله ونفسه جعله لا يتوقف عن الساعات الإضافية في البيوت وعن الاشتغال بالسياحة في العطل المدرسية ، اناقته وتفكيره العصري كثيرا ما استغله في اغراء فتيات بجدوى العمل السياحي مقابل عمولات يتسلمها من شركات سياحية ، وكم أثار بمظهره وأناقته من فتاة تريد أن تعيش الحياة خصوصا والتي أمامه جمال طاغ ، وهو ما كان يثير عبد الصمد .. قال وكأنه يتأسف لكلمة طلاق : وهل بسرعة تم الزواج والطلاق ؟ ردت وقد نفرت من عيونها علامات من كراهية تسبح في بركة دمع متحجرة : لم يكن رجلا ،كان لئيما يستطيع أن يبيع نفسه مقابل دولار أو أورو ، وقد حاول أن يبيعني لخليجي فلقنته الدرس الذي كان يلزمه.. اهتز لما تقول ، وقد أغمض عينيه خوفا من ان تتسلل لهما صورة من مروياتها .. انثى تركب بساط الريح .. خيالا يطويها، كيف لرجل ان يتاجر أو يقايض بزوجته ؟ ..لم يحاول ان يسألها كيف ولماذا ؟ فما تتفوه به يبعث على الغثيان .. لا يقبله دين ولا ضمير إنساني ، سيان كان من قبل من يبيع أومن يشتري .كان يتفرس فيها مشدوها ، وكأنه لا يصدق ما تقول .. وكانت واعية بشكه في أقوالها .. معذور فهو ليس من بيئة عبد الصمد ولا يحمل أدنى ذرة من اهتماماته .. أمام صمته الذي طال استرسلت متحدية دمعة غلبتها : كنا في لندن حين تعرف عبد الصمد على أحد الخليجيين ، أو كان يعرفه من قبل ، وفي لندن كان اللقاء مدبرا ، وقد ادركت من غياباته وابتعاده عني كل ما التقينا بالخليجي انهما يدبران صفقة تجارية أو يحيكان مؤامرة ما، وما تصورت أن أكون أنا عملة الصفقة ، إضافة الى أنه صار لا يفارق امرأة أنجليزية يفوق عمرها الستين ، وجدناها في الانتظار لحظة وصولنا مطار لندن ، كانت غنية ، معجبة به ، فصارت لنا ظلا ، تتحداني بحضور يومي الى الفندق الذي كنا ننزل فيه ، تقبله أمامي بلا حرج وما غابت الا وغاب معها ، فيعوضه الخليجي بحضور رابني واقلقني ،وضاقت له نفسي كلما ألح في دعوة الى رحلة او نزهة سياحية.. قمطني خوف على نفسي من ان اضعف كأنثى، ضغوط من زوج حقير يتغاضى عما يمارسه دحداح دنيء على زوجته وفي حضوره ، ولا يحرك ساكنا ، وسلوكات عجوز انجليزية وجدت في شخص زوجي رجلا حقيرا يتملكه حب المال فيبيع كرامته بلا اعتبار لزوجته..و صار يلزمني أن أتصرف بذكاء فانا في دولة أجنبية بعيدة عن أهلي ولا اعرف أحدا فيها .. فقد يتم قتلي بمؤامرة محبوكة لا تثير زوبعة من بعد موتي .. هاتفت أمي وطلبت منها ان تخبره هاتفيا ان والدي مريض في حالة حرجة ، انفجرت أمي كبالون من وراء هاتفها : لماذا؟ فوعدتها بالتفاصيل حين أعود.. كان منتبها اليها يصغي وكأنه يجذف في أعماقها ، ويدقق في كل عبارة تتلفظها شفاهها ، فما يسمعه معاناة حقيقية قد أخرسته بقدر اعجابه بالسير في الاتجاه المضاد لما أريد بها وبقدرتها على التحمل والصبر تلفظ وكأنه يهمس : وبعد ... تابعت وهي تتنفس بعمق : صحوت ذات صباح على رنين هاتف زوجي يطلبني للنزول لتناول الفطور في مطعم الفندق ، لم أدر كيف تسلل من سريري ولا متى خرج .. لم أجد زوجي في المطعم فجلست في مكان أستطيع رؤيته منه اذا اقبل ؛تفاجأت بالخليجي يقتحم مائدتي بجرأة ووقاحة ولا استئذان .. صار يتغزل في وجهي وعيوني وانا صامتة أتصنع الغباء والبلادة .. قال وكأنه يطمئنني بعدم عودة عبد الصمد : ـ لا تخشي زوجك فلن يعود ، اتسلي وفرفشي وأمري يا ملكتي ، فخديمك الهران طوع بنانك !! .. سألته بجفاء :وأين غاب عبد الصمد ؟ رد بلهجة شماتة : راح مع عشيقته الإنجليزية ، هو أنت لا تدرين !! ..زوجك شاطر ... لم يكد يكمل عبارته حتى رأيت عبد الصمد مقبلا و خلف عينيه غضب متطاير انعقد على أسارير وجهه كشرر ناري ،قال بلهجة آمرة : يلزم أن نعود عاجلا للمغرب .. تلبست قلقا وهميا وأنا أستفسره عن سبب هذه العودة المفاجئة ، فاخبرني بلهجة حاقدة والغضب يقبض صدره أن والدي مريض .. بسرعة قفزت من مكاني وأنا أتعمد دلق كوب عصير على الخليجي وكموجة قوية ركضت الى الغرفة لالملم حقائبنا ومن حسن حظي أننا وجدنا طائرة ستقلع مساء الى المغرب .. كان مأخوذا بما تحكي ، كل الاضاءات النورانية التي كانت ترسلها بسماتها عند اول لقائهما صارت عتمات لعينين قد زادهما الحزن جمالا لكن اهتزازات يدها وانفعالها قد حوله الى قلق ، فتباغثه الذاكرة بسلوكات ماضية كم مارسها عبد الصمد بلا حياء من أحد ، وما تحكيه ليس غريبا عن رجل لا يملك أدنى مقاومة أمام رنة النقد حتى ولو كان درهما ، يتخفى وراء عبوديته للمال بمظهر عصري وطلاقة لسان وجمال صورة من عطاء الرحمن .. صار يتحرق لمعرفة النهاية ، وقد شرع شكه السابق في اقوالها يتفتت ،تغسله صرة الغيم التي تفجرت في عيونها ،وصدرها الصاعد النازل ،واهتزازات يديها وهي تمسح دمعات تدحرجت على خديها ثم قالت. تفاجأت وانا في مطار لندن بالخليجي يلحق بنا ، حين سالت عبد الصمد عن سبب وجوده قال : أراد أن يصاحبنا الى المغرب..هو حر ،هل عندك مانع ؟ ازددت يقينا بما يدبره زوجي الديوت ، بعد أن انفجر في وجهي بكراهية ما انتبهت لها من قبل ، وكأنه ما تزوجني ورحل بي بعيدا عن أسرتي بحجة شهر العسل الا صفقة أخذ ثمنها مقدما ، فجعلت من نفسي كرة ثلجية أتحمل نيران الإهانة الى حين الوصول الى وطني.. تفاجأ عبد الصمد حين وجد والدي في انتظارنا، ارغى وأزبد وانا لا ابالي ،أعانق والدي ببرودة دم ، فأنا الآن اشد قوة مماكنته خارج وطني محمية بأسرتي .. تقدمنا الخليجي وقد لحق به عبد الصمد وكلاهما يتساءل عما وراء ادعاء مرض والدي و حضور ه الآن في المطار... في بيتنا حاول عبد الصمد أن يتلبس رجولة يفتقدها وشرفا لايملكه ، فكان تعليلي الظاهر أن لاحظت علاقته بالانجليزية ففضلت العودة الى وطني دون أن أثير مشكلة الخليجي .. كم أقسم كذبا ، وكم حاول تبرير مواقفه لوالدتي والتي اخرسته بعبارة ارتاح لها : لاشيء وقع ،هو سوء تفاهم يقع بين كل العرسان الجدد.. ثم صمم على أن نروح للمبيت في بيتنا ، لكني اصررت على الرفض ، فغضب وهدد وخرج للمبيت عند أمه .. اختليت بوالدي وحكيت له بالتفصيل ما يدفعني اليه عبد الصمد .. نصحني أن أظل على علاقة عادية به ، مع الاحتراس من اللئيم الذي تبعنا الى المغرب والذي يعد الدليل على سوء نية عبد الصمد و هو ما يدحض تبريراته .. حين عاد ابي مساء طلب مني ان اجد وسيلة لزيارة صديقه الوكيل العام دون ان يشعر زوجي ..كانت الخطة أن أقوم باغراء الخليجي خلال عشاء يقيمه والدي ، ويحضره الخليجي ،ثم أحاول جره الى احدى غرف النوم .. مثلت دوري باقتدار، فكان لزاما ان أخرج من مجرة زوجي بشرفي وشرف عائلتي منتقمة لكرامتي التي حاول أن يدوسها شبه رجل ديوت ،وبدوي سافل نجس ما تعلم من دنياه غير الفسق والدوس على شرف الغير ونشر رذاذ النجاسة في كل بقعة حل بها .. كراهيتي لهما قسم ان ارميهما معا في أتون يحترقان قبل أن اسقط عبد الصمد من سجل ذاكرتي .. الكل لاحظ حقارة عبد الصمد من خلال السعادة التي كانت تغمره بعد معارضة صورية ثم إدعان لرغبته باستدعاء الخليجي الى بيتنا ،كما لاحظ الكل ليلة العشاء انه كلما تقرب مني الخليجي ابتعد عبد الصمد وترك له فرصة للتحرش بي.. في احدى زوايا بهو بيتنا الكبير انحنيت على الخليجي وهمست له : - انك تحرجني بالتقرب مني والكل صار ينتبه لنا بادرني بقول : عاشق ورب الكعبة عاشق - لكن انا متزوجة كيف تجرؤ على ذلك وزوجي يحبني رد وقد اهتز من مكانه كثعلب يتربص بفريسة : والله ما يحبك ، هو يحب المال ، وقد عقدت معه صفقة تسلم نصفها ،يطلقك وانا اتزوجك.. غلى الدم في راسي ، وصرت ارتجف ، اية دناءة ارتبط بها مصيري وانا لا ادري ؟ ماكان ابي رجل سوء أبدا ولا كانت أمي بغيا، فكيف وقعت في رجل لايعرف معنى للكرامة الانسانية، خطبني وهو يدعي هيامه بي، ومن صاحبوه لخطبتي كانوا من أشهر كبار البلد وأعيانها ،فكيف يبيعني؟ ولمن ؟لرجل نجس !!... يتاجر في اللحم البشري بلا رقابة دين ولا ضمير .. تجلدت ، لابد أن اتحمل ما اسمع و يلزم أن اؤدي مهمتي كما اتفقت مع الوكيل العام.. والله لن أترك أيا منهما يخرج سالما بلا جزاء يشفي غليلي وما عانيته من خوف وألم وغبن وتحقير .. همست لابن الكلب الذي يلازمني كظلي بلاحياء ولا اعتبار لأفراد اسرتي و الذي كان ينتفخ بينهم كطاووس مريض يركبه غرور يوهمه أن بماله قادر على اخضاع كل الرقاب تحت قدميه ،هو غرور من لا اصل له ، غرور الناقص حين يتوهم نفسه بلغ كمالا لا يستحقه .. همست له : ـ انتبه انا ساتجه الى السلم المقابل لك ،بعد ان أغيب الحق بي وكانك تريد الحمام .. تململ الغبي الضُّحكة في مكانه كدحداح يزهو بقصره ،وكانه بلغ سدرة المنتهى ، تركته وقصدت غرفة نوم ماما .. كان مستعجلا فلحق بي في اقل من دقيقة ، ارتمى علي ليقبلني فكانت يدي لخده سخاء بلطمة قوية أطارت الشرر من عينيه ،وانتزعت منه صيحة ألم شرع يترنح بعدها ويدور حول نفسه ، وقبل ان يستعيد توازنه وجد شرطيتان .. من خلف ستارة تخرجان ، تطوقانه ، لحقت بي أمي وأبي الذي تقدم منه وبصق على وجهه ..ساقته الشرطيتان الى مركز الشرطة وقد سبقنا شرطيان آخران يقبضان على عبد الصمد ... كان يستمع اليها وقد أحس ان نفسه تنشطر بين تصديق وتكذيب لما ترويه بحرقة تأكل صدرها ، زوج يحتال على زوجته بمظاهر الخداع والكذب ،يشتريها بمهر ثم يقايضها بكرامته فيبيعها سلعة أحط من سلع اسواق النخاسة ، وكائن نجس لئيم يتمظهر بالدِّين والتشدد الديني في وطنه ويرتدي حلله مظاهر وطقوسا، وهو خارج الوطن مشدود الى غرائزه الحيوانية ينفق عليها بلا رقابة ضمير .. أي عالم صرناه ؟ واي خواء صاره مثل هذا الخنزير، الذي لم ينسلخ من سطوة التمركز حول ذاته في قطبية أحادية عليها يبني تصوره للعالم من حوله .. ماذا يستطيع ان ينتج كمساهمة في الحضارة الإنسانية وهو عقلية فارغة جوفاء لاتهتم الا بما يأكل وما يربح ومايقايض ويقامر .. أليس هذا اغترابا وفقدانا للامان حين لا يرتاح أنسان الا بين أوكار الانحراف الجنسي وزوايا الدسائس وتركيع الغير ؟.. كانت الجالسة أمامه تنتفض حينا وتهتز أخرى؛ اقترب منها أكثر ،وضع رأسها على كتفه ككتلة حزن جعلت كل من في المقهى ينتبه لحشرجتها ، قال وهو يربت على كتفها : ـ لماذا البكاء ؟ ماذا ضاع منك ؟ تجربة غيرت اسطورة الثقة بالمظاهر في نفسك ، أنت الآن اقوى وأجمل .. لم تتمرغي ضلالا أو ترتكبي معصية ، هي أوراق تناثرت وعرت حقيقة بعض الناس .. خرجا معا من المقهى وقد هدأت ، بعد أن مسحت وجهها بماء بارد ، يده على كتفها كحماية وحنو ورسالة لن يغيب عنها معناها .. سارت معه خطوات ثم افترقا على أمل اللقاء يوم غد في مقهى اتفقا عليه .... وهو يمشي مكبا على وجهه لايرى ما حوله ، كان يردد مع نفسه : كم هي قاسية هذه التفاصيل ، كيف تجني على أنثى فتسلبها أواصر السعادة وتطفيء شموع سعادتها مبكرا ؟ ذنبها انها تعلقت بصورة عصرية من الحياة كان أستاذ الرياضيات مظهرها بعقل انتفاعي حقير وكان الخليجي صورة منها عوَّض جهله و فقره المعرفي اغترابا في حيوانية مقيتة ونشر الرذائل أنى حل وارتحل من وراء قشرة دينية للاغراء والمكر والخديعة ... إن ما شفع لأنثاه بنجاة جذور اصيلة وتربية على الكرامة وعزة النفس ووعي معرفي والا بعثرتها الحياة في حرية جوفاء من التيه واللامعنى .. وهي تخطو بعيدة عنه صارت تؤنب نفسها : لو بحث بماكان يعتمل في دواخلي نحوه وانا تلميذته لربما كنت وقيت نفسي مما وقع بي .. فهل أجد لي مكانا في نفسه بعد الذي وقع ؟
#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)
Derkaoui_Mohamed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليك تابع بحقيقة وجد
-
كفى ! .. ذبت مايكفي
-
الصخرة
-
منجزات
-
لو ...
-
عقول استفحل جفافها
-
عشقك طهري
-
إنسان أنا
-
غيرة
-
وجهك وحده الباقي
-
الربيع من عرصاتك بكى ربيعه
-
في عيونك اقرأها ذكرى
-
جسدي
-
ملحمة الذبيح
-
سر الرائحة
-
اليوم بك عيدي
-
شروق من فرقان
-
أم
-
انسحاب
-
بما فيه الكفاية
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|