|
أعراس الثعالب – 10 –
ربيع نعيم مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 6706 - 2020 / 10 / 17 - 11:12
المحور:
الادب والفن
للتذكير: الأحداث من نسج الخيال ولا علاقة لها بما حصل على أرض الواقع.. (72) "ان تكتبَ عن مواجهةِ الموتِ شيء، وان تواجه الموتَ شيء آخر"، فبعيداً عن دوامة الانهيار التي تصطاد الكثيرَ في تلك اللحظات، كانت حركات الجنود ترسم للزعيم رؤى محملةً بذكرياتٍ وصور مختلفة، لأطفال يلعبون في أزقة المهدية، لطلبة يتشاجرون في ساحة الاعدادية المركزية، لتلاميذ يقلدون صوت معلمهم في قاعة الدرس، لجنودٍ كانوا برفقته عندما عزفت البنادق سمفونية الحرب، صور مختلفة كانت خاتمتها لعجوز يحمل على أكتافه دهوراً من القهر لكنه يحاول ان يبتسم. في مواجهة هذه الرؤى اعتدل عبد الكريم قاسم في جلسته واضعاً السدارة على رأسه، وكأن الرصاص الذي أُطلق لم يَكُن سوى دعوةً لحضورِ عرس غاب عنه الفرح.
(73) - غداً سيكذبون.. وسينسجُ كل واحدٍ منهم قصصاً وحكايا لم تحدث إلا في أحلامه.. وبعد غد ستُنسى.. الأيادي التي صفّقت لك في الأمس ستستمر بالتصفيق لغيرك، ربما لأنها خُلقك لذلك.. غمغمةٌ دارت كلماتها على لسان عبد السلام عارف في قاعة الموسيقى التي تحولت الى متحف زواره من قادة الانقلاب فقط، ربما لأنهم كانوا أشد الناس حاجة للتأكد من موت الزعيم ورفاقه.
(74) في الساعة الثانية مساءً – أي بعد نصف ساعة من اعدام الزعيم – أذاع رشيد مصلح بيان اعدام عبد الكريم قاسم رمياً بالرصاص، تنفيذاً لقرار المجلس العرفي العسكري، والذي شُكِّل لهذا الغرض. وبالرغم من عرض لقطاتٍ تعزز من صحة البيان إلا ان اعمال المقاومة والتمرد لم تهدأ، وهذا ما أجبر الحاكم العسكري على إلحاق بيانه بآخر للتهديد والوعيد.
(75) تلك الليلة، نزيف الدم لم يتوقف في وزارة الدفاع التي تحولت الى حانة كل زبائنها من العسكر، احدهم انزعج من توسلات الجنود المحتجزين لإطلاق سراحهم، فسار مترنحاً وبدأ بإطلاق النار. أحد الجنود صرخ - سيدي ..اتقِ الله فينا.. نحن مجرد جنود - اتقِ الله!! تساءل عبد الكريم مصطفى نصرت، "ما شأن الله في عمل العسكر ؟!".. - أيها الأحمق .. ان الله مجاز هذه الليلة
(76) بعيداً عن صخب بغداد الى شرقها البعيد الهادئ، في منطقة تدعى المعامل حيث يجلس عبد الله وصاحبه عباس قرب النار التي تؤنسهم كل ليلة، كان الحديث لا يخرج عن دائرة أخبار الانقلاب الذي حدث في المدينة، والغريب ان الاثنان يجهلان مصير الزعيم، فكل ما لديهما من أخبار هو حصاد الأفواه التي استمعت وعدّلت ما تناقله الاذاعات ونشراتها الاخبارية. عبد الله لمح عدد من السيارات وهي تنحرف عن الطريق وتبتعد عنه بلا اضواء، لتتوقف في مكانٍ لم يعرف أثراً لأي مركبة من قبل. تسلل مع صاحبه مستعينان بما يكشفه ضوء القمر، اقتربا كثيراً وتمكنا من مراقبة الجنود وهم يتناوبون على الحفر، الى ان أمر قائدهم بالتوقف، ليسارعوا بعدها الى رمي اربع جثثٍ في الحفرة، قبل ان يهيلوا التراب على عجل ويغادروا المكان. تردد عباس في مجاراة عبد الله لنبش ما دُفِن، لكنه أعان صاحبه على اتمام الحفر وابعاد التراب عن وجه الزعيم، تسمّرا في مكانهما، فهذه أولَ مرةٍ يشاهدان فيها الزعيم. - انه الزعيم!!.. حاول عباس ان يعيد التراب كما كان - ماذا تفعل؟؟ - لنتركه ونذهب - ان تركناهم ستنهش الكلاب هذه الجثث قبل حلول الفجر .. اذهب الى داري وابلغ اخوتي ليحضروا سريعاً.. واياك ان تخبر أحداً غيرهم.. ليبقى هذا الأمر سراً
(77) احتشد المئات خلال دقائق، حملوا الجثث وساروا بها الى صرائفهم، وعلى ضوء الفوانيس كُفِنت جثامين الشهداء بلا غسل، فالشهداء يدفنون بدمائهم، لتُقام بعدها صلاة الجنازة، وتُختتم مراسم الدفن مع صلاة الفجر في القبور التي أعدّها عبد الله على مقربة من الصرائف وساكنيها.
(78) تفرق الجمع وعاد كلٌ الى مكانه دون ان يعلموا ان لهم موعداً مع عناصر الحرس القومي، الذين جمعوا الاهالي وهددوهم بالإعدام إن لم يكشفوا مكان القبور. لم يتفوّه أحد بكلمة، لكن قائد المجموعة أدرك ما تحمله النظرات الخائفة من اشارات كشفت سر عبد الله، الذي ارشد جلاديه بخطى متعثرة الى المدفن الذي احتضن الزعيم لعدة أيام. طلبوا منه اخراج الجثث، ففتح في الارض جرحاً غاب عنه الدم، نفذ أوامرهم بالحرف، ساعدوه عندما انهار باكياً وهو يحشر الجثث في أكياسٍ أحضروها معهم. اعتقد عبد الله ان للموت موعداً معه، عندما اقتاده عناصر الحرس القومي وحشروه بين الجثث في إحدى المركبات، والتي سارت بهم دون ان يدري ما وجهتها. خوفه من الموت دفعه الى إطلاق النذور ومناجاة أم البنين للخلاص من محنته، المحنة التي بدأت نهايتها عندما توقف رتل العجلات على جسر نهر ديالى.. انزلوه ليكون شاهداً على الرحلة الاخيرة لجثة الزعيم، بعد ان رُبِطت بما تيسر من أثقال ورُميت في النهر. - والآن.. اذهب وأخبر الجميع بما فعلنا.. ومن يريد اللحاق بالزعيم فليفعل.. اذهب..
(الحكاية لم تنتهِ فلأعراس الثعالب بقية)
#ربيع_نعيم_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أعراس الثعالب – 9 –
-
أعراس الثعالب – 8 –
-
متظاهر إلا ربع
-
أعراس الثعالب – 7 –
-
أعراس الثعالب – 6 –
-
أعراس الثعالب – 5 –
-
أعراس الثعالب - 4 -
-
أعراس الثعالب - 3 -
-
أعراس الثعالب -2 -
-
أعراس الثعالب - 1 -
-
ايران والاقليات والثورة -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ا
...
-
ملالي في خانة المعارضة -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في اي
...
-
الاخوان والملالي -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ايران-
-
إمامٌ في حضرة الفقيه -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ايرا
...
-
اليسار والملالي -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ايران-
-
رواية العم سام -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ايران-
-
8 ساعات في معسكر الرشيد
-
قطار الموت 1963
-
آبار الدولة الاسلامية
-
بنادق الجماعة
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|