|
حسن الختام … !! ( قصة قصيرة )
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 6703 - 2020 / 10 / 14 - 11:00
المحور:
الادب والفن
كوخ متهرئ بالٍ … لا تشرق فيه شمس … وتكاد الرطوبة ان تلتهمه ، وتكتم على انفاسة ، وتخنقها … وفي الباب عربة ، وحصان هزيل … انهكه الكبر ، والكد ، والجوع ، وقد فُصل عن العربة ، وفُك قيده ، وكأنها ساعة استراحته … تتراقص على ذيلة ، وكل جسده حشود من الذباب العنيد اللحوح … بطنينه المزعج … يحاول الحصان جاهدا طردها بتحريك ذيله بحركة متكاسلة ، رتيبة … يمينا ، وشمالا … دون جدوى ، وفي احشاء الكوخ تسمع ضجيج اطفال بلا عدد … وصياح الام تطلب منهم الصمت لان الاب المكدود نائم … ! تمر سويعة الظهيرة بطيئة متثاقلة ، ويخرج عزيز من الكوخ يسعل بشكل متواصل … متأففا ضجرا متثائبا … ثم يحرك راسه المثقل بالنعاس ، والسيجارة في فمه تكاد تخنقه بدخانها … فهو لم يشبع بعد من قيلولته ، ولم يُخرج من اعضاءه تعب الليلة الماضية التي قضاها بانتظار نوم لا يجئ … فالسعال ، والحمى لايتركانه … اصبحا ضيفان ثقيلان لا يفارقانه ، ولا حتى لليلة واحدة … انه يدرك انه مريض ، وان مرضه هذا سببه اهماله لنفسه ، واستهانته بصحته ، والتدخين الشره هذا … تدمع عيناه ، وهو يرثي نفسه … ! يتحامل على نفسه ، ويقوم بما تعود ان يقوم به حتى ولو كان مغمض العينين … يسحب الحصان المتكاسل كصاحبه ، ويربطه بالعربة ، ويمضيان على ايقاع ضربات حوافره الرتيبة الى السوق … لقد اعتاد عندما كان بصحته ان يمضي سحابة يومه في العمل … يوم كانوا يركضون وراء رزقهم … كأن سياطا تلهب ظهورهم ، وياتي معه بما قُسم من زاد ، وخضار الى زوجته ، واطفاله … اما اليوم ، وقد استُلبت منه صحته ، واصبح بالكاد لا يقوى حتى على حمل جسده الهزيل … فاخذ يكتفي بسويعات قليلة … ثم ياخذ منه التعب ، وهذا السعال الملعون كل ماخذ … فيعود مكرها الى البيت بالقليل القليل الذي لا يكاد يكفي اوده ، واطفاله ! تستقبله زوجته الطيبة بصوت رطبته الدموع ، وهي ترى زوجها وابو اطفالها يكابد الالام ، والاوجاع صامتا محتسبا … بعد ان تكالب عليهم الزمن ، والجوع …فتضئ اساريره بنور ابتسامة … لتدفع بشئ من الطمأنينة الى قلبه … لتُغنيه عن هواتف الخوف … ثم تذهب لاعداد ما يمكن اعداده من طعام للعشاء … فهو يجب ان يتغذى … هكذا اوصاه الدكتور ، ولكن العين بصيرة ، واليد قصيرة … يتذكر عزيز كيف جمعا كل ما ادخراه ، وذهبا الى الطبيب بعد ان اخذ منه المرض كل ماخذ ، وبعد اجراء الفحوصات ، والتحاليل ، والاشعات … قال الدكتور : اين كنت يا رجل … تاخرت ؟ خير دكتور … ؟! قال عزيز بصوت شاحب يكاد لا يُسمع … لم يجب الدكتور ، واستمر بكتابة الوصفة … ثم اوصاه بالتغذية ، والنظافة ، والابتعاد عن الاماكن الرطبة . ثم ساله عن لون بصاقه … فاعترف عزيز بان قطرات من دم تخرج احيانا مع البصاق … عزيز كان مدركا لكل ما كان يجري له ، ولصحته ، ويعرف ان وضعه خطير ، وليس بالسهل ، وعلى الرغم من ان الطبيب كان صريحا معه في تشخيص حالته … من انها في مراحلها المتأخرة … لكنه كان يعرف ، ويقدر خطورة الوضع ، ومستعد للنهاية الحتمية ، ويؤمن بالمكتوب … لقد سأم الادوية التي ليس منها اي طائل … فهي ، وكأنها تعطى لجثة … ! انه انسان مؤمن ، ويدرك بان كل وجود الى زوال … لا محالة ، ولكن الالم يعصره على زوجته ، واطفاله … ففي الريق مرارة ، وفي القلب لوعة عليهم … ! فهو لا يريد شيئاً من هذه الدنيا … الا عندما تشتد ازمته ان يستعطف القدر ، ويكون رحيما به ، ويحسن ختامه ، ولا يثقل على زوجته الحبيبة … ففيها ما يكفيها ، ويزيد ! تقترح زوجته ان تسلق له قِدرا من الذرة ليجلس في بداية الشارع ، ويسترزق منه فهو لم يعد قادرا على تحمل اعباء عمله الاول … وهكذا يبيع عزيز الحصان ، والعربة ، والالم يعتصر قلبه … ثم يبكي ، وكأنه ينعي الأيام الخوالي ، ويباشر عمله الجديد على مضض … ! ثم تتوالى الايام متراخيةً … متكاسلة يبدو فيها كل شئ ، وكأنه غارق في الظلام ، والظلام غارق في الصمت … يبدو عزيز فيها ، وقد اتعبته الافكار ، وهي تطرق رأسه بغير انتظام … ثم تقذف به في الماضي ثم تسترده الى الحاضر ، وهو يلهث … ! واليوم يشعر بمزيد من التعب ، والاعياء ، ومع ان السماء قد امسكت عن المطر … ورغم احتمائه بستر بالكونة متهالكة تطل من احد البيوت بخجل … الا انه لا يزال يشعر بقرصات البرد اللاسعة … ! ولم تكن تغيب عن الناس حالة عزيز … فهي واضحة وضوح الشمس في خدرها لكل ذي عينين … فبدا وجهه ، وكأنه قد تحول الى مومياء لاحياة فيها … وجسده اشبه بهيكل عظمي لا يكسوه الا جلد مشفوط مصفر … فاخذ البعض الابتعاد عنه ، وتوصية اطفالهم بعدم الشراء منه … او حتى الاقتراب منه كأنه مرض يترنح فيجتنبوه … وقد صدقوا … ! وهكذا ساءت الحال اكثر مما هي سيئة … وكانت زوجته قد اعتادت ان تاتيه بالماء ، او مما يتوفر عندها من طعام ، وهو في مكانه منزويا في ركن من الشارع … وفي يوم جاءته بحملها المعتاد … فشاهدته من بعيد متكورا على نفسه … مكوما في الركن … يتلاعب به هواء الشتاء البارد ، فتصورته نائما … مدت يدها لتحركه … فندت عنها شهقة … ثم شرقت بالدمع … فهجم عليها البكاء هجمة غادرة … فاجهشت دون توقف …!!
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحاجة سندس … ! ( قصة قصيرة )
-
ومن الجمال ما قتل … ! ( قصة قصيرة )
-
الاخوان … وبداية الانهيار !
-
حسون … ! ( قصة قصيرة )
-
غدر الصديق … ! ( قصة قصيرة )
-
قرينة الشيطان … ! ( قصة قصيرة )
-
اسماء تستحق التبديل … ! ( حكاية … من الواقع العراقي المعاصر
...
-
وجهة نظر حول التطبيع … !
-
الاخوان … وتوالي الاحباطات !
-
موهوب ، ولكن بطريقته الخاصة … ! ( قصة قصيرة )
-
المصيدة جاهزة تنتظر فأرا … !!
-
هل للسعادة من باب … ؟! ( قصة قصيرة )
-
سعيد ، ولكن … ! ( قصة قصيرة )
-
ابن زنا … ! ( قصة قصيرة )
-
ما موقف الاخوان في حال وقوع صدام بين مصر وتركيا ؟!
-
ماذا بعد الضم ان حصل … ؟!
-
الاخوان … والنفخ في صورة مرسي !
-
هل العقوبات الاقتصادية تُسقط نظاما … ؟!
-
هل ( صدق الله العظيم ) بدعة … من صنع بشر ؟
-
الاسلاميون … والمتاجرة بكورونا !
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|