|
قراءة في مشروع محمد أركون
عبدالنور شرقي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 6702 - 2020 / 10 / 13 - 18:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يمثل كتاب فارح مسرحي المرجعية الفكرية لمشروع محمد اركون الحداثي -أصولها وحدودها- الصادر عن منشورات الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية سنة 2015. يمثل مرجع حفري نقدي بامتياز لا يعمل على عرض أفكار أركون فحسب بل يناقشها وينتقدها ويجعلها في مواجهة مشاريع أخرى معاصرة حتى تثبت جدواها.
كثيرا ما نغادر مراجع ونرميها جانبا وهدا ما نفعله مع عديد من الكتب التي لا تشفي الغليل، لكن أول ما تبدأ في قراءة هذا الكتاب حتى تجد نفسك تستمر في اكتشاف عوالمه التي تفنن الباحث في اخراجها، ولعل ما يزيد حماسة القارئ هو المنهجية التي اعتمدها الباحث في عرض افكاره، وهي استراتيجية مفكره بامتياز (الازاحة-الاختراق والتفكيك-التجاوز)، فما ان تكمل مبحث من مباحث الكتاب الا ويتركك تعمل على تعليق الحكم وارجائه -بالمفهوم الفينومينولوجي- وهذا راجع الى الأسئلة التي يطرحها والتي تجعلك تنتظر اجابة نهائية قد يحملها المبحث الموالي.
في مقالنا هذا سوف نركز على جزء هام من الكتاب والمتعلق بالقراءات التي ناقشت وعالجت المشروع الأركوني وكيف نظر إليها فارح مسرحي؟ وماهو الموقف الذي يبديه هو نفسه حول المشروع؟.
في جانب من جوانب هذا الكاتب وأثناء معالجته لحدود المشروع الأركوني ركز الباحث فارح مسرحي على أهم المواقف والتقييمات التي تناولت المشروع والتي تكاد تتباين إلى درجة التناقض، وقد صنفها إلى أربع مواقف أو تقييمات وكل موقفين منها يشكلان تقابلا معينا، مع استثناء تلك القراءات التي اختصت بدراسة قضية جزئية، أو تتبعت مفهوم معين مما اشتمل عليه المشروع.
1/ التقابل الأول: من حيث صراع العقل والنقل، هذه الازدواجية التي تؤطر الصراع الفكري في الثقافة العربية والاسلامية منذ انفتاحه على فكر الآخر وبحسب الموقف من هذه الثنائية كان الموقف من المشروع الأركوني، وقد تشكلت قراءتان:
أ* القراءة الأولى: تحقيرية تكفيرية يمثلها كل من خالد كبير علال الذي يرى في المشروع الاركوني أنه تغريبي استشراقي و عبد الرزاق قسوم الذي يرى في توجه أركون عقلاني الحادي، وما يميز هده القراءة أنها ركزت على التطبيقات والنتائج، وموقفها هذا ينطلق من موقف إيماني.
ب* القراءة الثانية: تبجيلية أسطورية جعلت من أركون البطل والمنقد والمخلص ويمثل هذه القراءة كل من هاشم صالح الذي يجعل من الإلتفاف حول المشروع بمثابة طريق التحرير، ونايلة أبي نادر التي ترى في المشروع أكثر جدية وأهمية من مشروع الجابري، وما يميز هده القراءة أنها ركزت على التنظيرات وخطاب المنهج.
2/ التقابل الثاني: من حيث بنية المشروع ومآلاته، جاء هذا التقابل في قراءتين
أ* القراءة الأولى: يمثلها محمد المزوغي الدي رأى أن المشروع دون جدوى علمية فهو صدى لأفكار فلاسفة العدمية النظرية والنسبوية من الفرنسيين، وأنه مشروع توفيقي، مثله مثل بقية المشاريع الفكرية العربية.
ب* القراءة الثانية: يمثلها رون هاليبر، هذه القراءة تبدو -حسب فارح مسرحي- موضوعية لأنها كانت نقدية ومن داخل النسق، فنجد أن هاليبر أشار الى هاجس التجاوز الذي يطبع أعمال أركون لكنها تبقى بعيدة عن التجسيد على أرض الواقع لهذا تبقى بمثابة آمال طوباوية، وما يميز هده القراءة أن صاحبها على اطلاع كبير على مختلف جوانب المشروع الأركوني في تجلياته الحديثة والمعاصرة.
———
قراءة فارح مسرحي
انطلاقا من القراءات السابقة ينهي الباحث هذا العرض بالإشارة إلى أن كل موقف من هذه المواقف له ما يبرره إلا أن ذلك لا يعني غلق المجال أمام مقاربات أخرى بشأن هدا المشروع، غير أن هناك بعض الأحكام القيمية التي لا سبيل إلى تجاوزها في كل قراءة تقييمية لمشروع أركون ولعل أهمها:
1/ مشروع شامل أكبر من أن ينجزه صاحبه بمفرده مهما تعددت أعماله وأبحاثه.
2/ مشروع غير ناجز وغير مكتمل بل هو في حالة انجاز يومي، ولذلك فهو يحتاج إلى جهود كثيرة ومتعددة.
3/ انصبت اغلب الرؤى على غياب النتائج والمواقف المحددة لدى أركون من مختلف القضايا التي درسها، وقد برر ذلك بالموقع الذي يتحدث منه، واختلاف الخطاب الذي ينتجه عن الخطاب المعتاد لدى هؤلاء النقاد.
4/ في عمله الأخير (نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية) نجد نوعا من العودة التأملية على مساره الفكري بداية من اشتغاله على أعمال مسكويه والتوحيد إلى غاية أمله في تحقيق تجاوز الرؤى الأيديولوجية الضيقة نحو فضاء الأنسنة الأرحب مرورا بنقد العقل الإسلامي وتطور فكره بنقد الإستشراق والحداثة الغربية.
ما يمكن التأكيد عليه -حسب فارح مسرحي- أنه يتطلب منا النظر إلى مشروع أركون كبرنامج عمل أو مخطط أولي يرسم المسارات الواجب اتباعها لتوليد فكر نقدي جديد عن ماضي المسلمين وحاضرهم … يتطلب هذا تضافر جهود الكل أفرادا وجماعات وحكومات، كما يتطلب الصبر والأناة لأنه يتحقق في المستقبل وليس بالضرورة أن يكون في القريب العاجل.
*****************
باحث بجامعة الجزائر 2
#عبدالنور_شرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حراك هيراقليد وسلطة برمنيد: الكتابة_على أطراف النهر - كتابة
...
-
محمد أركون.. المحنة والغياب المضاعف
-
الجسد مبدأ تواصل مع الآخرين
-
ميرلوبونتي ... بالمشاركة و الشفافية تتفاعل الذوات
-
الآخر بين سارتر وميرلوبونتي
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|