المهدي بوتمزين
كاتب مغربي
(Elmahdi Boutoumzine)
الحوار المتمدن-العدد: 6700 - 2020 / 10 / 11 - 22:52
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
يستمر السجال بين الأطراف المعنية مباشرة أو جانبيا حول قضية الصحراء , حيث بادرت بعضها في الاَونة الأخيرة إلى القيام بتحركات سياسية جديدة , منها الإعلان عن تأسيس هيئات للدفاع عن قضيتها من وجهة نظرها . في هذا السياق نشر الأمين العام للأمم المتحدة تقريره السنوي داعيا الأطراف الرئيسية إلى مائدة مستديرة لمقاربة الموضوع و إيجاد تسوية سياسية موضوعية و مقبولة تحت إشراف المنتظم الدولي .
بالتزامن مع انعقاد الدورة السادسة من منتدى كرانس مونتانا في مدينة الداخلة المغربية في إطار التعاون جنوب – جنوب , سارعت جهات محسوبة على الطرف الشرقي من الجدار الرملي إلى تأسيس كيان حقوقي سُمي بالهئية الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي تحت رئاسة أمينتو حيدر ما أربك الحسابات الأمنية في الجانب المغربي , حيث سارع المغرب بناء على حدس مهني إلى القيام بإجراءات استباقية للحيلولة دون قيام أركان هذه الهيئة في المناطق الجنوبية المغربية . المغرب بدوره شهد تأسيس حركة حَملت تسمية صحراوين من أجل السلام حيث اعتبرها التندوفيون بمثابة كيان موازي لجبهة البوليساريو؛ مرده إلى سياسة فرق تسد للتضييق على مجال حركة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و مؤيديها في الجنوب المغربي و إقليميا و دوليا .
المغرب من خلاله مسلسله السياسي الدائم المبني على احترام القانون الدولي و المبادئ المؤسسة للأمم المتحدة , تمكن من تبليغ رسالته الواضحة مؤكدا على موقفه الثابت و الراسخ المتمثل في سيادة المغرب على الصحراء مع تمتيع الأقاليم الجنوبية بالحكم الذاتي كحل سياسي موضوعي و مجمع عليه من الأطراف الدولية . هذه المعطيات الإيجابية ساهمت في تلطيف العلاقات بين الرباط و العديد من الدول و الأشخاص الذاتية و المنظمات التي أعادت صياغة موقفها من قضية الصحراء ,فشرعت في فتح قنصليات لها في الجنوب و القيام بزيارات إلى المغرب , كان من أبرزها مشاركة رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسي ثاباتيرو في لقاء تواصلي نظمته حركة صحراويون من أجل السلام , حيث أشاد الإشتراكي الإسباني بالمرامي و الغايات السامية للحركة في استتباب أسباب السلام و أواسي التعايش بين مختلف مكونات الشعب المغربي كما نص على ذلك دستور المملكة .
في الجهة المقابلة نجد أن التحركات السياسية و الدبلوماسية لجبهة البوليساريو ساهمت في إشعاع موقف الجبهة دوليا , حيث تظل مدعومة من قوى دولية و إقليمية , و تملك نسبة أصوات مهمة في بعض الدول الأوروبية خاصة الشرقية و الدول الإسكندنافية مثل السويد . حيث نجد التنسيقية الأوروبية للتضامن مع الشعب الصحراوي و مجموعة جنيف لدعم الصحراء و هي كيانات لها دورها البارز في دعم موقف البوليساريو .
أمام توازي المواقف التي تتراوح بين من يَعتبر قضية الصحراء مسألة تصفية استعمار و أخرى تعتبرها جزءا جغرافيا تاريخيا و سياديا للمغرب , فإن كلا الموقفين يشكل حذوة الفرس حيث على الرغم من تباعدهما ظاهريا إلا أنهما يقتربان مع بعضهما البعض في الحيثيات و الجوهر أي النومينون .
لقد سبق و أن زرت المناطق الصحراوية فوجدت كوسموبوليتية حقيقية حيث أن الرأسمال البشري الصحراوي مكون أساسي مغربي تاريخيا يدين بدين الإسلام و متشبت بمغربيته و ملكيته , و هذه المونادات و العناصر الجوهرية الروحية لا تقبل الإنقسام أو التغيير . إن المناطق الصحراوية تشهد نموا اقتصاديا منقطع النظير, كما تعد مناطق إدارية تعفي المواطن من التنقل, و هذه الإدارات في مجموعها تجاوزت البيروقراطية القديمة و تخضع اَنيا لمنطق الإداريائية كأسلوب حيوي و ديناميكي , كل هذا من خلال نهج اللامركزية و اللاتمركز و سيكون للحكم الذاتي الدور الفاصل في ضمان أمن و استقرار و نمو المناطق الصحراوية .
فيجب على المواطنيين الصحراويين أن يحافظوا على هذه المكتسبات و الإنجازات و أن لا ينجروا وراء الأطروحات الشاذة و الأجنبية التي تريد بلقنة المنطقة و إضعاف الوحدة المغاربية و العربية لتنزيل بنود اتفاقية سايكس – بيكو و مخططات برنارد لويس و أن يستفيدوا من الشواهد الحاضرة في الشرق الأوسط و المغرب العربي . إن الموقف الأجنبي لا يمكن أن ينبني على أسس موضوعية بقدر ما تكون مصالح و منافع ولو مؤقتة .
التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لا يحمل في طياته أي تصور للحل السياسي الوسط حيث أدرج موقف المغرب من جهة و موقف البوليساريو من جهة أخرى , و سيُعقد اجتماع نهاية الشهر الجاري لمجلس الأمن للنظر في ماَل القضية الصحراوية حيث يتوقع أن يتم تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام إلى المناطق الصحرواية و تمديد مهمة بعثة المينورسو .
إن المغرب شريك استراتجي للدول الأوروبية و يتبادل معها مصالح كبرى , و يمكن للرباط أن تنتظر ما ستسفر عنه المساطر الدولية في أروقة الأمم المتحدة و مجلس الأمن , كما أن كسب الوقت سيكون في صالح المغرب الذي يعزز دوره الريادي عالميا في محاربة الإرهاب و الجريمة المنظمة و التطرف الديني و يوطد علاقاته الإقتصادية و التجارية خاصة في إفريقيا؛ أمام تراجع الدور الجزائري في هذا المضمار بعد تنازل بوتفليقة عن الحكم و استمرار مسلسل انتخاب الأركون الذي يأمل الشعب الجزائري أن يكون مدنيا نظيف اليد . في المقابل سكان تندوف يعانون في المخيمات بسبب ما يعتبرونه ضريبة الكرامة أو حتمية ظروف اللجوء و يعتمدون على المساعدات الإنسانية و بعض الأنشطة الصغيرة فقط, و هذا الوضع يصعب تصور استمراره طويلا , هذا ما صرح به رئيس الجمهورية الصحراوية و الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي الذي دعا الصحراويين إلى الإستعداد للحرب في حالة نفاذ الصبر أو نفاذ الإختيارات و السبل السياسية .
فرضية الحرب بين المغرب و البوليساريو احتمال حاضر بقوة , و صورها متعددة حيث يمكن أن تكون بالوكالة مستغلة الهجرة السرية اللأفارقة و شركات المرتزقة العالمية , لكن المؤكد أن النسبة الكبيرة من الصحراويين في الأقاليم الجنوبية لا تقبل باحتمال الحرب أبدا و يمكن للمشهد الليبي أن يتكرر في الجنوب الأقصى من المغرب وليس بدءا من مدينة كلميم guelmim حيث يحتمل نشوب حرب بين القبائل .
إن الحقيقة البارزة من وراء الستار و المعلومة المؤكدة من دهاليز المكاتب المظلمة أن الموقف الدولي يتأسس على التحالف و المصالح . فلو كان المغرب دولة مشاكسة و لاعبا مخالفا للقواعد الموضوعة كما هي دول محور المقاومة كجمهورية إيران و سوريا , لكان القرار الدولي قد اتخذ من زمن بعيد لصالح الجبهة . وتبعا لذلك يصعب وضع تصور واحد لمستقبل القضية الصحرواية فالعلاقات الدولية متذبذبة و غير ثابتة و القرار الأممي هو قرار نفعي و برغماتي فقط كما ظهر من خلال القضية الكردية و السورية و العراقية و الأفغانية و غيرها .
منطقة الساحل و جنوب الصحراء تعرف نشاطا للجماعات المسلحة و الإرهابية , كما أن الوضع في ليبيا غير مستقر , بنضاف لهذا التعديل الدستوري المرتقب في الجزائر الذي يسمح للجيش الجزائري بالعمل خارج البلد , كل هذا المعطيات ترسخ حقيقة أننا أمام منحى جديد من التطور الذي تعرفه قضية الصحراء .
المغرب أخطأ في التعامل مع القضية حيث نهج المقاربة الأمنية منذ عهد الملك الحسن الثاني و الجنرال أوفقير ثم وزير الداخلية إدريس البصري , لكنها تظل عقيمة أمام طرف اَخر يملك جناحا عسكريا و سياسيا و تحالفا مع دول قوية كروسيا و كوبا , و كان من الأفضل إنشاء خيمة كبيرة لإحتواء كل الكيانات و الأطراف ضمن الأحزاب السياسية و الجمعيات المدنية و الجامعات الطلابية و نهج الهندسة الإجتماعية لصهر كل الأفكار و المواقف ضمن قِدر الوطن و المجتمع .
الحقيقة الأخرى التي يجب أن ينتبه لها المغرب , أن الصحراويين يلاحظون تعامل الحكومة و الإدارات مع باقي المدن و الجهات , ففي الظرفية التي وقع فيها حراك الريف كانت القضية الصحراوية تمر بمراحل و تطورات جد هامة , فرأى الصحراويون الإعتقالات التي طالت فئات كان همها الوحيد المطالبة بالمستشفى و السكن و الحق في الشغل . كما يلاحظون ازدواجية معايير التعامل القضائي مع الملفات و النوازل و القضايا حيث يجثم الفساد و الإستبداد و النهب و الترهيب على كل نقطة من المغرب . فكيف تشجع الصحراويين على الحكم الذاتي و هم لا يأمنون شر العقيدة المخزنية – السلطوية- المتجذرة في أذهان المسؤوليين الحاليين .
إني لا يهمني ما ستؤول إليه الأوضاع فاللعبة السياسية في المغرب تجري في نطاق ضيق غير منفتح على الأفاق و لا يفسح المجال للطوباوية و التفاءل . إن المغرب على غرار دول عربية و إسلامية أخرى يسير في الطريق الصحيح نحو الهاوية و الخطأ , و لتفادي هذا الماَل وجب القطع مع الفساد المالي و توزيع عادل للثروة و تطوير قطاع التربية و التعليم و وضح حد لسياسة الإلهاء و التسويف و التخويف و التمييع .
#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)
Elmahdi_Boutoumzine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟