أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عبد المجيد - الديكتاتور يشكر الساخرين منه!














المزيد.....


الديكتاتور يشكر الساخرين منه!


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 6699 - 2020 / 10 / 10 - 16:07
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


إذا أردت أن تطيل عُمْرَ ديكتاتور في الحُكـْم فاجعل الفواجعَ كوميديا، وحَرِّض الرعيةَ المُضْطـهَــَدة علىَ استخراجِ الضحك من البكاء، واجعل المُعَذَبين يرشقون القصرَ بالنُكـَتِ، وحوِّل الدموعَ إلىَ قهقهاتِ حشّاشين؛ حينئذٍ تضمن حذاءَ الطاغيةِ فوق رأسِك سنينَ عددا!
الكوميديا لادخال البهجة إلىَ النفسِ؛ أما الشعوب التي يختبيء الألمُ خلف خوفــِـها فيجعلها تحارب طاغيتــَها بالسخريةِ منه لن تحرّك ساكناً، بل لديَّ شبه يقين أنها تهدي قفاها أو ظـَهْرَها لمن يركبه!
لم تهتز أوتادُ خيمة طوال 42 عاما من حُكم العقيد مُعمر القذافي لأنَّ سيفَ النُكــْـتة اللاذعة لا يذبح دجاجة، ومئات الآلاف من الحكايات الحقيقية أو المُفبرَكة عن قائد الجماهيرية العظمىَ جعلته أكثر ثباتاً في الأرض و.. في الصدر.
السخريةُ تنفيسٌ ليس نفيساً، وزفيرٌ بدون شهيقٍ، وطواحين هواء لا تُحَرّكها أنفاسُ الغاضبين المُسالمين!
والتهكمُ علىَ تنصيبِ جان بيدل بوكاسا نفسه إمبراطوراً علىَ الفقراءِ من أموال قرضٍ فرنسي لم يمنع بابا الفاتيكان من استقبالــِــه استقبالَ الأبطال، وهو المُتهَم بأكل لحوم تلاميذ المدارس الثانوية الذين احتجوا على ديكتاتوريته في بانجي عاصمة أفقر بلاد القارة السمراء.. جمهورية أفريقيا الوسطى!
عبقرية الرعب في حشــْر التهريج في ألسنة مُعارضي الديكتاتور ، ويمكن جمع ما يملأ موسوعاتٍ من السُخرية عن دراكيولا أيّ وطن، لكن أنيابــَه تظل مُتعطشةً لأعناق رعيته، فالسادات اعتبر سخرية شعبه منه مركز قوة له، فاستمر رغم السخرية حتى قُتــِلَ في احتفال العبور و.. هو بين جنوده وفي حمايتهم.
كان عيدي أمين دادا يجابه التهكم عليه بمثله، وكان عاشقا للتقليل من شأن الرجل الأبيض فيرسل لمَلــِكَة بريطانيا عارضاً طعاماً على البريطانيين الجائعين، ويحمله على أكتافهم بريطانيون في كامبالا، ويطرد عشرات الآلاف من الآسيويين المقيمين في أوغندا، ويطلب من الرئيس السادات الموافقة أن يأتيه عيدي أمين سابحا في النيل بين التماسيح! أسقطته قوىَ خارجية واكتفىَ الأوغنديون بمناهضته بالنُكتة!
الديكتاتور يبحث دائما عن الذي يضحك عليه، وعن انشغال شعبه بالسهر وهم يقُصّون حكاياتٍ كوميديةً عنه، فلا يطيل في عُمْر أيّ طاغية أكثر من شيئين: انشغال رعيته بالحوارات الدينية، ومحاربته الوهمية بالسخرية.
كانوا يقولون عن حسني مبارك أنه البقرة الضاحكة، فاقنعهم أنه قائدُ الضربة الجوية الأولى؛ فظل بها ثلاثين عاما صانعاً الفشل في كل شيء، وشاغلاً الشعب بالسخرية الخفيـّة منه.
لم يضحك شعبٌ على زعيم كما ضحك الايطاليون على موسوليني، وظل متربعاً بغطرسته على عرش روما، ومتحدياً قوة الكنيسة الكاثوليكية:( كم دبــّــابة يملك البابا، كما قال ساخرًا؟)، وسقط فقط حين هُزِمَتْ ايطاليا في الحرب العالمية الثانية.
السخرية من المستبد والديكتاتور والطاغية لا تجعله يُفرج عن المعتقلين الأبرياء، ولا يضع نهاية للتعذيب، ولا يتوقف عن نهب خيرات الشعب، فالغضب فقط هو المقدمة الأولى لحرية أي شعب، والشعب الذي يستبدل بالغضب ضحكاً، وبالاحتجاج همساتٍ لاذعةً من وراءِ ظهرِ سُكّان قَصْر الحُكــْم، لن يُحَرّك شَعْرة غير مرئية من رأس رجل أمن مريض يقف بسلاح قديم عاطل يخيف به العبيد.
طوال أكثر من مئتي عام كان الأمريكيون من أصولٍ أفريقية يسخرون من أسيادِهم الاقطاعيين القُساة، وكانوا ينتصرون من وراء الظــَهْر وهم يرتعشون، إلى أنْ جاء الوقتُ الذي تغيـّرتْ الظروفُ العالميةُ وانتفضتْ حركات مناهضةٌ للعبودية وللتمييز العنصري وصرخ حُلـْم مارتن لوثر كينج .
الاستخفاف الهامس بعيدًا عن عيون الحاكم الديكتاتور لا يضرّه في شيء، ويمكن للرعيته برُمتها أنْ تبصق علىَ أيّ طاغيةٍ فور مغادرتــِه المكان، لكنه لن يتأثر، بل إنَّ هذا ما يطلبه تماماً، أيّ امتصاص غضبٍ لم يتكوّر ويتكوّن ويضغط علىَ أعصاب المهضومة حقوقُهم قبل أنْ ينفجروا.
الآن يمكنك أنْ تدير مؤشرَ التلفزيون أو فارة الكمبيوتر فيأتيك اليوتيوب بما يبهجك من كل صور الاستهزاء بأي إرهابي أو طاغية أو سجّان أو ديكتاتور، لكن آلافــاً من البرامج والحوارات الشديدة التهكم والسخرية والاستخفاف لا تحرّك مُجرما إرهابياً وطاغيةً من مكانه شبراً واحداً، إنما الغضب الثائر والهادر والجماعي هو القادر على اختصار عبوديتك وخوفك ثم اخراجك من زنزانة الوطن إلى أرض الله الواسعة.
برامج وأفلام وحوارات تسخر من ديكتاتور هي حرْبُ الضعفاء أمام مرآة ضخمة يرىَ كلُ ساخر فيها نفسه ضاحكــاً في موضع البكاء.
لا تفرحوا كثيراً فالحاكم القاسي والغليظ والسفّاح والديكتاتور مستعدٌ ليسمع أحدث نُكتــة عنه؛ ويضحك عليها!

طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 10 أكتوبر 2020



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجمهورية الفرنسية الإسلامية!
- البحث عمن يحب لبنان!
- لماذا نتشاتم على مواقع التواصل الاجتماعي؟
- لن أكتب عن جمال خاشقجي!
- مشاعر استعمارية تتجدد في داخلك!
- من قال إنَّ عبدَ الناصر مات!
- هل يُصاب شعبٌ بمرضٍ نفسي جَمْعي؟
- خرافة احترام القوانين!
- شجاعةُ الدينِ ليست دينَ الشجاعة!
- لماذا تتأخر بعض الشعوب؟
- خطورة الاكتفاء بالضمير الديني!
- رسالة من مصري لابنه شهيد ثورة يناير!
- عبقرية الديكتاتور الفاشي!
- قاطعوا إسرائيل و.. لا تقاطعوا الإمارات!
- الإنصات لأنفاس الأرانب!
- هل تريد أنْ تربح رضا الرئيس؟
- كورونا والسجناء وأوهام الأمل الكاذب!
- معاناة الجيل الأول مع وطن غادروه!
- فيروس كورونا يرفع الحصار عن قطر!
- رؤيتي للرئيس السيسي!


المزيد.....




- مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-. ...
- إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
- صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق ...
- الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف ...
- سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
- ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي ...
- مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا ...
- أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
- كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين ...


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عبد المجيد - الديكتاتور يشكر الساخرين منه!