|
غدر الصديق … ! ( قصة قصيرة )
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 6697 - 2020 / 10 / 8 - 08:48
المحور:
الادب والفن
انهمكت مجموعة من العمال ، وبعض الموظفين في عمل تطوعي على نصب حلبة خاصة ، للملاكمة في النادي الصيفي للمدينة … وكان الاقتراح مقدما من الهيئة الرياضية ، وبمباركة ، وتأييد من المدير العام … ان تقام مباراة في الملاكمة ليست للمحترفين هذه المرة ، وانما للهواة من الموظفين ، والعمال دون استثناء … على سبيل التسلية ، وكنوع من التجديد ، وطرد الملل … وان يختار كل موظف ، او عامل خصمه بنفسه بعد الاتفاق بين الطرفين ، ولا يهم الوزن هنا لان الغرض هو التسلية ، وليس تحديد البطولات ، وتقام المسابقة بحضور المدير العام ، وكبار الموظفين ، وعوائلهم … ووعد المدير العام بجوائز مجزية ، ومفاجِئة للفائزين … وتواصلت الاستعدادات ليوم الحفل … بداية من ارسال الدعوات للشخصيات الرياضية ، والعامة … المحلية منها ، والقادمة من اماكن اخرى من داخل المدينة ، وخارجها ، ومن ثم تجهيز المرطبات ، واعداد العشاء الذي سيقدم في ختام المباراة . ومن ضمن المتسابقين اثنين من الاصدقاء من سائقي الشاحنات الخاصة بنقل البضائع من ، والى الميناء الرئيسي للمدينة ، الاول كاظم … طويل القامة ضخم الجثة يتقدمه كرش منتفخ الى امام … قوي البنية شرس الطباع ، والثاني … حامد وهو عكس الاول متوسط القامة ، وسيم الشكل جميل التقاطيع ممتلئ الجسم كحال اكثر السواق بسبب كثرة جلوسهم في سياراتهم لمسافات طويلة دون حركة . لقد كان حامد يدرك الفرق في القوة البدنية بينه ، وبين صديقه كاظم ، لذلك رفض الاشتراك في المنازلة منذ البداية مبررا ذلك بانه ليس مهتما بهذا النوع من الرياضة ، وليس له فيها اي خبرة لذلك سيكون بالتأكيد غير قادر على الدفاع عن نفسه بوجه صديقه كاظم المعروف عنه قوته ، وشراسته ، وانه سيكون من الخاسرين . ولكن كاظم بذل جهدا كبيرة من اجل اقناعه مؤكدا له بان الامر لن يكون فيه اي اذى لاحد ، وانها مجرد ملاكمة رمزية الهدف منها التسلية … على طريقة مهرجي السيرك … كتحريك الكروش ، والقفز بالهواء الى اخر الحركات البهلوانية لامتاع الجمهور ، ونيل رضا المدير العام ، والحصول على الجائزة … لا اكثر . وعلى هذا الاساس تم الاتفاق بين الصديقين ! وفي يوم الاحتفال جلس الحضور يمرحون ، ويتجاذبون اطراف الحديث ، ويتبادلون النكات ، والتعليقات … ثم بدء عريف الحفل يذيع اسماء المشتركين ، وبعد ان تنافست مجاميع منهم … جاء دور كاظم وحامد ، فاعلن عريف الحفل عن اسميهما ، ودعاهما الى الصعود الى الحلبة … لبسا القفازات ، وصعدا الى الحلبة ، وسط تشجيع ، وصياح ، وصافرات الجمهور ، وتعليقات من هنا ، وهناك … ثم حيا الاثنان الجمهور ، وانحنيا امام المدير العام … ثم اخذا يتقافزان كالقردة ، وكاظم يحرك كرشه ، ويضرب عليه ، وكان حامد في منتهى الفرح والسعادة … وبعد لحظات اعطى الحكم اشارة البدء … بدء النزال … ويا ليته لم يبدء …! وكانت المفاجئة المؤلمة ، والغير متوقعة تماما … لا من المسكين حامد ، ولا من الجمهور … فبدلا من ان يكون النزال مجرد حركات بهلوانية مضحكة متفق عليها تحول فجاة الى نزال حقيقي جدي بدئه كاظم … فقد هاجم خصمه ، وصديقه بشكل مفاجئ ، وانهال عليه ضربا ، ولكما حتى حصره على الحبل … ثم انهال عليه بكل انواع اللكمات ، وسط ذهول الجمهور ، ودهشة حامد الذي لم يكن يدري ماذا يفعل ، وكيف يتصرف ، ليحمي نفسه من سيل اللكمات التي انهالت عليه من صديق عمره الذي يبدو انه قد … بيّت الغدر ! اخذ الدم يسيل مدرارا من فمه ، وتورمت عيناه ، وتشققت شفتاه ، وتهدلتا ، واصبح في وضع مُفجع … والجمهور يصرخ ، ويطلب من المشرف على النزال ان يلقي بالمنشفة … وهي اشارة الى الاستسلام لحماية الملاكم المهزوم من المزيد من الاذى ، ولم تكن هناك لا منشفة ، ولا غيرها فالنزال اعتباطي ، وليس احترافي كما اسلفنا … نظرات ناطقة بغير لسان … كان حامد يوجهها من خلال الغبش الذي منع عنه رؤية من كان يوما صديقا … اما كاظم فقد استمر في ضربه غير مبالٍ … ضربات متتابعة ، ولم يعطه فرصة لالتقاط الانفاس ، وكأنه يضرب كيسا من رمل … نافخا كل أبخرة الغيظ ، والغضب … حتى نال منه كل منال … وحامد مستسلم له كما يستسلم الفأر للقطة …! وهكذا استمر الضرب طيلة الثلاث دقائق المخصصة لكل جولة … كان كاظم فيهن ، وكأنه ذئب يختلي بنعجة ليفترسها … اصيب حامد بالاعياء ثم ترنح ، وتراجع رأسه إلى الوراء بعد تلقيه لكمة ثقيلة … ندت عنه آهة ذبيحة محشرجة … ثم تهاوى ، وسقط متمرغا بهزيمته تحت اقدام كاظم مغمى عليه ، وانتهى النزال بفوز كاظم بالقاضية ، ورفع الحكم يده اعلانا بالنصر … وبعد نزوله من الحلبة … مضى مشيعاً بصرخات الاستهجان ، والاستنكار … فقد ترك سلوكه هذا في نفس الجمهور أثراً دامياً … اما حامد فاخرجوه بحمالة الى سيارة الاسعاف ! توقع الكثيرون ممن حضروا المأساة ان يكون انتهاء النزال ايذانا بانتهاء صداقة العمر ، وربما الى الابد بسبب الغدر الغير متوقع من كاظم الذي كان موضع انتقاد ، وازدراء … والبعض من المقربين اوسعوه عتاباً … ثم توالت التفسيرات ، والتعليقات ، وتطايرت الاقاويل حول الدافع من وراء سلوك كاظم تجاه صديق عمره حامد ، وعمت غشاوة قاتمة من سوء الظن … هل يعقل ان يكون الطمع بالجائزة مثلا هو السبب ؟ يجوز … ! ربما كانت هناك اسباب اخرى لايعرفها احد ، وطُرح اكثر من رأي في ذلك … ولكن النتيجة واحدة : نَعيٌ للايام الماضية ، ولصداقة السنين الطويلة …! اما الدرس الذي يمكن استخلاصه من هذه القصة ، وهي بالمناسبة حقيقية ، وليست من صنع الخيال … الآتي : اصبحت الصداقة كالغيب … لا أمان لها !!
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قرينة الشيطان … ! ( قصة قصيرة )
-
اسماء تستحق التبديل … ! ( حكاية … من الواقع العراقي المعاصر
...
-
وجهة نظر حول التطبيع … !
-
الاخوان … وتوالي الاحباطات !
-
موهوب ، ولكن بطريقته الخاصة … ! ( قصة قصيرة )
-
المصيدة جاهزة تنتظر فأرا … !!
-
هل للسعادة من باب … ؟! ( قصة قصيرة )
-
سعيد ، ولكن … ! ( قصة قصيرة )
-
ابن زنا … ! ( قصة قصيرة )
-
ما موقف الاخوان في حال وقوع صدام بين مصر وتركيا ؟!
-
ماذا بعد الضم ان حصل … ؟!
-
الاخوان … والنفخ في صورة مرسي !
-
هل العقوبات الاقتصادية تُسقط نظاما … ؟!
-
هل ( صدق الله العظيم ) بدعة … من صنع بشر ؟
-
الاسلاميون … والمتاجرة بكورونا !
-
هل يستطيع الاردن مواجهة اسرائيل عسكريا ؟!
-
الاخوان … اعداء الاوطان !
-
امريكا : الجوهرة … المدفونة في العفن !
-
امريكا … نار تحت الرماد !
-
الاخوان عصا في الدولاب … الغنوشي نموذج !
المزيد.....
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
-
حبس فنانة مصرية 3 سنوات
-
راسل كرو.. لماذا انطفأ نجم صاحب الأوسكار وأصبح يعيش في الماض
...
-
أحداث مليئة بالإثارة والتشويق في الحلقة 178 من مسلسل المؤسس
...
-
الكاتبة الروائية (ماجدة جادو) ضيفة صالون الفنان -مصطفى فضل ا
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|