|
قرينة الشيطان … ! ( قصة قصيرة )
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 6697 - 2020 / 10 / 7 - 09:27
المحور:
الادب والفن
لا ادري لماذا اسماه والده رحيم ، وهو الى الوحش الكاسر اقرب … شرس ، قاسي ، متحجر القلب ، حتى على الاقربين من اهله … فهو لا يتورع ان يضرب شقيقه الاصغر نبيل بقسوة اذا تماهل ، ولم ينظف سيارته الخاصة جيدا ، وعند خروج هذا الرحيم عصرا ، وقبل ان يقود سيارته يتفحصها ، ويلتف حولها ، وكأنه مجوسي عابد حول نار مقدسة ، واذا وجد بقعة حتى ، وان كانت صغيرة ، وتافهه لم تمر عليها فوطة التنظيف … او غفل نبيل عن تنظيفها بدون قصد منه طبعا … يصفعه امام الاشهاد ، وهذا اقل عقاب عنده … ! كان الاخ الاصغر يعيش رعبا حقيقيا من اخيه رحيم يمتد على طول تواجد الاخير في البيت ، وحتى خارج البيت ، ولم يكن نبيل الوحيد الذي يخاف فتك رحيم بل الكل في البيت ، وحتى انا صديق نبيل كنت اخاف الاقتراب من بيتهم اذا شاهدت سيارة رحيم لا تزال واقفة امام الباب … كان يوزع رعبه على الكل … ! وتمر الايام مسرعةً ، وياتي اليوم الذي اقتنع فيه رحيم اخيرا بالزواج ، وهو خبر اثلج صدور الاهل جميعا خاصة ممن ذاقوا منه الامرين كصديقي نبيل … فهم يعتقدون بان الزواج سيعدّل الحال ، ويكون ربما العلاج الشافي له ، ولوحشيته خاصة اذا نجحت الزوجة في تهدئته ، وترويضه حتى يمكن له ان يعود ليكون انسانا طبيعيا مثل بقية اشقائه الاربعة … ويضربون امثلة بالكثيرين في المحلة الذين كانوا اسوء من رحيم ، واصلحهم الزواج بعد ذلك ، وتحولوا الى اناس طبيعيين . ويتم الاتفاق بين النساء على اختيار فتاة اسمها سحر ، وما ادراك ما سحر …! الشابة التي اوصتهم بها احدى الخاطبات في المحلة لتكون زوجة للغول رحيم … وتتم الخطبة ، ويحدد موعد الزواج في اول يوم خميس بعد الخطبة مباشرةً لاعتقادهم بان خير البر عاجله … ويقام السرادق ، وتجهز الحلوى والشرابت والطعام ، وياتي العازفون ، والراقصون ، وتكون ليلة ليلاء … فرح بها الجميع ، وخاصة نبيل لانه ايضا يعول على زواج شقيقه لا حبا به ، وانما للخلاص من اذاه … ! لم نرى العروس بعد … فهي في كوشتها مع النساء ، والبعض من الرجال المقربين جدا من العائلتين … يناديني نبيل ، ويدعوني الى مصاحبته لكي نتسلل الى الداخل حتى يُريني العروس … واقامر مرعوبا خوفا من ان يرانا رحيم … وادخل معه ، وهناك رايتها … جميلة بل ساحرة الجمال … صهباء ببشرة بيضاء ناصعة ، وشعر احمر مقصوص الى منتصف العنق ، وملامح دقيقة متناسقة ، وخاصة انفها المنحوت بدقة متناهية … اما شفتها السفلى فتنحدر متثاقلةً باغراء لا يقاوم … اما جسدها السخي بالانوثة فقد كان من اروع ما يكون … باختصار انها امرأة ، ويالها من امرأة !! قلت في سري … انها ستضع رحيم خاتما في اصبعها ، وتمسح به الارض ، وهو ما كنت اتمناه ، وصدقت نبوئتي … اضافة الى تأملي لجمالها الأخاذ فقد لاحظت من ركني البعيد الذي انزويت فيه انها تقلب النظر دون خجل ، ولا حذر بين الحاضرين ، وخاصة الرجال منهم ، وراودني احساس غريب بان حركاتها ليست بالانضباط المطلوب في مثل هذا اليوم ، وفي مثل هذه الساعة ، والتي يفترض بها ان تكون خجلة مطرقة الراس شانها شان بقية العرائس اللواتي رايتهن من قبل … وقلت في سري انها ستشبع ضربا ، ورفسا من الحمش رحيم ، وربما سيذبحها على مجرد التفاتة بسيطة مثل التي تفعلها الان لانه اكيد لن يقبل بمثل هذه الحركات ، والتصرفات … ! ويدخل رحيم بها ، وسط زفة لم يشهد لها الحي مثيلا ، ويصبح الزواج حقيقةً واقعة … ثم يهل الصباح الاول ، والعروسان يسبحان في الشهد ، والعسل الى مالا نهاية … انسحبت الايام والاشهر تدريجيا الى منتهاها ، واذا برحيم يهمل سيارته ، وعمله ، وحتى نفسه ، وينشغل عنهم بمناجاة زوجته اللعوب التي كشفت عن انيابها ، وعن شبقها الغريب ، واللامحدود فاخذت بعد ذلك بفترة ، وهي لا تزال عروسا في اشهرها الأولى تخرج بموافقة رحيم ، او دونها الى حيث لا يدري احد … واحيانا تخرج ، وهي تغطي وجهها بخمار ( بوشية ) ولا احد يدري اين تذهب ، ولم تكن تهتم بما يتقول به الناس … ولم يتخذ رحيم منها موقفا حازما كأن يطلقها مثلا ، او بالقليل القليل معاقبتها بما هو معروف عنه من شراسة ، ولكن شيئاً من كل ذلك لم يحدث ، وانما انقاد اليها انقيادا اعمى … لا احد يعلم سره حتى الان …كما تنقاد البهيمة الى مذبحها … ! وبمرور الايام ، والاشهر ، وحتى السنين انكسر رحيم ، واخذ يمشي جنب الحائط ، وهو مطرق الراس جامد الوجه ذليل النفس منطوي القسمات ذاهلا منهزما من الخجل والاحراج … لان الكثير من اصحاب الوجوه العكرة من رجال محلتنا … اخذوا ينظرون اليه نظرة احتقار ، واشمئزاز … بعد ان كُشف المستور … لانه لم يتمكن من شكم زوجته اللعوب من البداية ، والبداية دائما تكون هي الاهم ليس في الزواج وحده بل في كل شئ … ! ولم تسكن ثورة هذه المرأة الفوارة ابدا ، ولم تترك زيادة لمستزيدة غيرها … فقالوا لعلها بعد الولادة الاولى تعقل ، وجاءت الولادة الاولى ، والثانية ، وحتى الثالثة ، واخيرا الرابعة ، ولكن دون جدوى فلم يتسلل العقل والهدوء الى غريزتها الجامحة … ولم تبقى سحر في نفس واحد من شباب المنطقة الوسيمين ، والباحثين عن المغامرة واللذة … فهي تخرج من مستنقع آسن وتدخل آخر غير مبالية … اما خارج المنطقة فقد علمت عندما كبرت من بعض الاصدقاء بانها لم تكن تشبع ابدا حتى اطلقوا عليها لقب ( آكلت الرجال ) … ! اكيد سمعتم ببيت الشعر للمتنبي الذي يقول فيه : ( لا تربط الجرباء حول صحيحة … خوفا على الصحيحة ان تجربِ ) اصبح مغزى هذا البيت من الشعر حقيقةً واقعة في منطقتنا … فقد التفت الشيطانة سحر على كل الجميلات في محلتنا ، وحولتهن من زوجات شريفات عفيفات الى نسخة طبق الاصل منها بل اسوء … فانتشر الخلاف ، وحدثت مشاكل بين الازواج … لكنهم لم يكونوا كلهم مثل رحيم … فانتشر الطلاق عندنا بالجملة الا سحر ، والطلي رحيم ! يدعي الديوث رحيم بان الاطفال يكبلونه ، ويقفون بينه وبين الطلاق من هذه الفاجرة الجميلة ! انفصل رحيم عن اهله … بعد ما لم تعد الغرفة التي اعطوها له ، ولزوجته ، والحقوا بها ركنا صغيرا للاطفال تكفي … اضطر ان يستقل في بيت لوحده مع زوجته واطفاله ، ومن هناك اخذت سحر حريتها اكثر فاخذت تستضيف رجالا اغراب في بيتها ، ولا ادري على اي اساس ، ورحيم لا يفتح فمه ، وتحول الى شبه قواد ، او قواد بدوام كامل … ! يبدو انه تعود الذل ، والمهانة كما يتعود الانف الرائحة النتنه … ! ثم اخذت تسافر وحدها الى مدن اخرى ، وتغيب عن البيت اياما ، وليالي … ثم سافرت الى الكويت بداعي العمل والحاجة ، ورحيم في البيت مع الاطفال ، وتغيب شهورا ، وشهور ثم تعود ، وتسافر ثانية … وهكذا . فاصبح رحيم كالحصان تمتطية سحر ، وهي من تقرر اي اتجاه ياخذ ! اذكر اليوم المشهود الذي توفي فيه والد رحيم ، والذي لا يزال محفورا في الذاكرة كوشم لا يزول … جاءت سحر بملابس متهتكة ، وهي تصرخ ، وتولول ، وتضرب الخدود … دون دموع ، وكأنها قد فُجعت … متظاهرةً بحزن لا أساس له … اتدرون ماذا فعلت كتعبير عن حزنها ، وفاجعتها الكاذبة ، والمصطنعة ؟! امر عجب عجاب … لا اعتقد ان احدا منكم سيصدق ما سيقرأ … وقفت وسط الرجال من ابناء المحلة المتجمهرين في الشارع امام بيت المتوفي ، حتى باتت على قيد ذراعين ، او اكثر … ثم تراجعت قليلا كأنها تريد ان تفسح مجالا لاكثر عدد منهم لمشاهدة المنظر الآتي … الذي خططت له كما يبدو … ! وشقت زيقها من الطول الى الطول ، وهي تصرخ بدون دموع ، وسط دهشة ، وذهول الكل … فالحدث على قسوته لا يستوجب هكذا رد فعل ، ومن من ؟! … من زوجة ابن المتوفي … معقول ؟! وانا متاكد بانها قد فعلت ذلك عن عمد ، وسابق تخطيط ، ولم يكن دافعها الحزن بالطبع فهي بعيدة عن هكذا اجواء ، والحجي المسكين لا يعنيها في شئ ، ولكن دافعها حسب ما اعتقد كان الشبق المرضي المسيطر على سلوكها ، وحياتها … او ربما استجابة لدواعي البذرة الشيطانية الكامنة في اعماقها … فهي تحول كل شئ الى غريزة ، وكأنها هاجسها الوحيد في هذه الحياة ، ولا ترى غيرها ! ولم استطع ان اشخص حالتها الا بعد ان كبرت ، وتوسعت مداركي ، وانا اليوم استطيع ان اصنفها على انها ليست اكثر ، ولا اقل من ( انسانة مريضة ) ! الم اقل لكم انها شيطان بهيئة امرأة ؟ نكمل المشهد : لم تكن تلبس حمالة صدر في وقتها … اكيد عن قصد ايضا … استكمالا لتنفيذ المخطط الغريب … فرأى الجميع بما فيهم انا نهداها ، وقد قفزا من محجريهما نافرين … ما اجملهما ! وكأنها تقول : انظروا ايها الجياع الحمقى … هل رايتم اجمل من هذين النهدين في حياتكم ؟ ثم عم الغمز ، واللمز من الرجال ، وغاصت نظراتهم مثل ذئاب جائعة في كل جسدها تنهش شحمها ، ولحمها في اكبر وليمة جنسية باغراء من خيالهم لا يمكن نسيانها ، وهم من السرور ، والنشوة في نهاية … حتى غليت مراجلهم ، ولم الاحظ ان احدا قد غض الطرف عن هذا المشهد الفريد ، والرائع … الذي ربما لن يتكرر امام المحرومين من بعض رجال حينا ثانيةً … ! اما انا فقد تنازعتني العواطف ، وربما غيري ايضا ، واستحوذ علي انفعال جنسي من وحي جسدها الناضج ، والمثير ، ومنظر نهديها الرائعين ، وانا في بداية المراهقة ، وفتوة الشباب …! فلم ارى اجمل من نهديها بعد ذلك ! والصورة لاتزال شاخصةً امامي حتى الان … تصوروا ! اما رحيم بطل ملحمتنا هذه ، وديوثها … فاصبح وديعا مسالما عاجزا … لا تربطه اية صلة بصفات الرجال التي خدعنا بها عندما كان في مرحلة ما قبل سحر ، وبعد سنين لا ادري عددها بالضبط سمعت بان رحيم قد مات … ربما كمدا ، وهو لا يزال في منتصف العقد الخامس ربما … لا اذكر ، وذهبتُ بعد ذلك الى تعزية صديقي نبيل بوفاة شقيقه الشرس على الورق فقط … رحيم ! دعوني اهمس في اذانكم … بانني لم ارى امرأة في حياتي مثل سحر ، وسقوطها في وحل الخطيئة … فانا لم اتطرق الى الكثير مما يعف قلمي من الخوض فيه … ! ولا اخفيكم سرا اذا قلت لكم ان هذه المرأة بقيت تلبس ذاكرتي لفترة طويلة … حتى تكفل الزمن مشكورا بمسحها منها ، والى الابد … ! ملاحظة : القصة بين قليل جدا من الحقيقة ، وكثير جدا من الخيال … !
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسماء تستحق التبديل … ! ( حكاية … من الواقع العراقي المعاصر
...
-
وجهة نظر حول التطبيع … !
-
الاخوان … وتوالي الاحباطات !
-
موهوب ، ولكن بطريقته الخاصة … ! ( قصة قصيرة )
-
المصيدة جاهزة تنتظر فأرا … !!
-
هل للسعادة من باب … ؟! ( قصة قصيرة )
-
سعيد ، ولكن … ! ( قصة قصيرة )
-
ابن زنا … ! ( قصة قصيرة )
-
ما موقف الاخوان في حال وقوع صدام بين مصر وتركيا ؟!
-
ماذا بعد الضم ان حصل … ؟!
-
الاخوان … والنفخ في صورة مرسي !
-
هل العقوبات الاقتصادية تُسقط نظاما … ؟!
-
هل ( صدق الله العظيم ) بدعة … من صنع بشر ؟
-
الاسلاميون … والمتاجرة بكورونا !
-
هل يستطيع الاردن مواجهة اسرائيل عسكريا ؟!
-
الاخوان … اعداء الاوطان !
-
امريكا : الجوهرة … المدفونة في العفن !
-
امريكا … نار تحت الرماد !
-
الاخوان عصا في الدولاب … الغنوشي نموذج !
-
القضية الفلسطينية … وقبلة الحياة !
المزيد.....
-
وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض
...
-
الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس
...
-
رابطة المؤلفين الأميركية تطلق مبادرة لحماية الأصالة الأدبية
...
-
توجه حكومي لإطلاق مشروع المدينة الثقافية في عكركوف التاريخية
...
-
السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
-
ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|