أياد الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 6690 - 2020 / 9 / 28 - 19:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أذا كان للخرافه ما يبررها في الماضي السحيق بسبب بدائية الأنسان العلميه والمعرفيه , حيث ليس بيده ما يعينه على تفسير الكثير من الظواهر الكونيه , التي وقع أمامها عاجزاً عن فهم كنهها , ولكن بعد التطور الهائل في المجال العلمي , وما وصلت اليه الأنسانيه من المعارف العلميه التي فكت ألغاز الكثير من الظواهر والتي بددت الكثير من الخرافات والأوهام التي أعتقد بها البشر لفتره طويله جدأ , فبات اليوم من غير اللائق الأيمان بالخرافه والتعلق بالأوهام , فالخرافه تمثل عجز فكري , والوهم يمثل عجز نفسي . من الملاحظ أن الأنسان المصاب بالوهم يكون أقرب للتصديق بالخرافه , لأن الخرافه هي في كثير من طبيعتها عباره عن وهم , فالأثنين يعبرون عن شيء غير واقعي , وليس له وجود خارجي , ولكن الوهم أقرب للحاله المرضيه , وهو عباره عن أضطراب ذهني , يقوم على أعتقاد خاطيء , مبني على أساس غير واقعي , حيث يتلبس الواهم بفكره فتدخله في نفق مظلم , يعيش خلاله في حاله من الهوس والأضطراب , يسبح في حاله من الخيال , مما يدفعه الى كثير من المتاهات والتي يتبعها العديد من السقطات , فترى الواهم , أنسان خائف مرتعب , شكاك , مصدق بشكل كبير للأشاعه ,بل ويبحث عن الأشاعه أملاً بالحصول على خبر يطمئن عليه هلعه المزمن, فالأشاعه لا تقوم على أسس واقعيه كما هي الخرافه, لذلك فالواهمون والخرافيون يشكلون أفضل وسط للأشاعه.
أن الخرافه والأسطوره والوهم أمور مرت بها كل شعوب الأرض , ولكن هناك من الشعوب ما أستطاعت أن تنتقل منها الى أطوار أخرى تتسم بالعلم والمعرفه , وهذا تم بواسطة نهضه علميه ومعرفيه كبيره , فعاشت مرحله من النهضه والتنوير , وغادرت الخرافه والأسطوره الى غير رجعه , وأخذت هذه الشعوب فرصتها من التقدم والرقي في حين بقيت مجتمعات ولازالت تعيش مرحلة الخرافه والوهم معاً , وخاصه شعوبنا العربيه .
أن أهمية تناول هذا الموضوع يأتي من خلال ما تركته هذه الأعتقادات الخاطئه من أثار مدمره على مستوى الفرد والمجتمع والبلدان , فلطالما تلبس الكثير من الأشخاص في هذا اللون من الأعتقادات وحولتهم الى كائنات مشوهه , مريضه , قلقه , غير منسجمه مع المجتمع , بل متخاصمه معه , بسبب مما تحمله من أوهام وأعتقادات خاطئه عن الأخر, والأخطر عندما يكون هذا الشخص في موقع عام خطير كرئيس دوله أو رئيس حزب أو طائفه , حيث رأينا كيف عملت خرافة الجنس الراقي عند هتلر الى عقيده جعلته يشعل حرب عالميه على أساسها راحت ضحية هذا الوهم ملايين البشر , وتدمرت بلدان بكاملها , والأمر نفسه مع موسليني , وصدام حسين وقع كذلك بهذا الوهم وتخيل أنه القائد الأوحد لهذه الأمه , وتوهم بخرافة الخصوصيه الفريده التي تتمتع بها الأمه العربيه , وما دخله من حروب , وما مارس من قسوه , كانت تحت هذا المبرر الوهمي والخرافي , هذا الأمر نفسه ينطبق على أديان آمنت بخرافة أنهم شعب الله المختار , وما الشعوب الأخرى الا عباره عن خدم خلقهم الله لأجل خدمتهم , وهذه الخرافه هي السبب الرئيس لأضطهاد الشعب الفلسطيني من قِبل اليهود الصهاينه , وطرده عن أرضه بحجة أن اليهود شعب الله المختار ,وأيمانهم بأوهام مملكة داوود التي تمتد من النيل الى الفرات , حتى أن كل ما تعانيه منطقتنا العربيه من أضطرابات وحروب , وما شهدته من مأساة كان ولا يزال السبب هو سعي أسرائيل الى تحقيق هذه الأوهام بقيام هذه المملكه الخرافيه . كما من الملاحظ هناك أنظمه وتنظيمات تستخدم الخرافه لأغراض تعبويه , فمثلأ الرئيس التركي أردوغان يمتلك وهم أسترجاع الأمبراطوريه العثمانيه , والعوده الى عهد السلطنه العثمانيه التي أمتدت الى مناطق واسعه في آسيا وأفريقيا وأوربا , وقد دفعه هذا الوهم الى تشجيع ودعم حركات متطرفه أرهابيه ذات صبغه طائفيه بالقيام بحروب طائفيه بسوريا والعراق , كما هناك تنظيمات , مثل الأخوان المسلمين والقاعده وداعش تحلم ببناء دوله الخلافه, هذا الحلم الذي حملته هذه التنظيمات هو بفعل وهم أن دولة الخلافه هي النموذج المثالي للحكم , وأن الذين شيدوها أناس مقدسين , لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم , فقد سمحوا لأنفسهم بتقطيع الرقاب , وأزهاق الأنفس , وتدمير البلدان من أجل الوصول الى دولة الخرافه الداعشيه , في حين أن قيام الدوله وأختيار نوع النظام السياسي ليس من أركان الدين , وأنما هو نموذح حكم أجتهد في أقامته مجموعه من المسلمين وأنطلاقاً من أجتهادهم , ووفق ما أجادت به أفكارهم , وما سمحت به ثقافة ذلك العصر , وهو شكل متغير وليس ثابت فللزمن بصماته وللتطور آثاره في شكل النظام السياسي .
نحن لو دققنا لرأينا أن ما أَكتب في تاريخ كان له الأثر الكبير في بروز ظاهرة (حمى التاريخ) , هذه الحمى التي كان السبب في نشؤو هو ما وضع من أوهام وخرافات كثيره بسبب الصراع السياسي بين المتخاصمين , ولا ننسى ما وضعه أصحاب الأجنده الخبيثه , فأصبح تاريخنا مصدر من مصادر الصراع الدامي , وذلك في خلق عقليه تخاصميه في المجتمع الواحد , كما أن خلق رغبه بفعل ثقافه أرتجاعيه بأن يعيش المجتمع التاريخ , ولم يستنطقه , ويأخذ العبر منه , وبما أن تاريخنا فيه الكثير من التزوير والتزيف , وهناك رغبه عارمه بتقديسه , وتقديس شخصياته التي بعضها شخصيات وهميه , لذى تحول التاريخ عندنا الى كابوس أفسد علينا حاضرنا , وسيضيع علينا مستقبلنا , فلو أخذنا على سبيل المثال الشخصيه الوهميه عبد الله بن سبأ , المبتدعه من المدعو سيف بن عمر , وهو شخص متهم بالوضع والكذب . هذا الوضاع قد أنتج هذه الشخصيه الوهميه من أجل التأسيس لفكره يشق بها عصا المسلمين , وهي فكره غايه بالذكاء , حتى ان تداعياتها لا زالت لهذا اليوم , ومن أهدافها هو أن تكفر طائفه مسلمه طائفه أخرى تحت دعوى أن هذا الرجل (عبد الله بن سبأ) رجل يهودي يناصر علي (ع) وهو من ألب على عثمان بن عفان وسبب هدر دمه , وهو من دعى الى بطلان خلافة الخلفاء الثلاثه , وأن علي ع هو أحق بها من غيره, وكأن رسول الله لم يكشف عن أمكانيات علي وأسبقيته وكفاءته . فكانت صناعة هذه الشخصيه التاريخيه أحد المفخخات التي وضعت في طريق المسلمين , وهي التي أدامت فرقتهم , وسعرت نار البغضاء والحقد بين صفوفهم , وكل ذلك كان بسبب عدم أستقراءهم وتمحيصهم للتاريخ , فوقعوا في حبائل الوضاعين وأصحاب الأستراتيجيات والأجنده المشبوه, كما هناك أمر في غاية الخطوره الا وهو التقديس المبالغ فيه الى بعض الشخصيات , وتحويلها بسبب التقادم التاريخي الى قديسين , فعلى سبيل المثال لا يمكن بأي حال من الأحوال التأشير أو أبداء الملاحظه على أي شخصيه أكتسبت صفة الصحبه لرسول الله ص , في حين بالحقيقه هناك الكثير من الملاحظات والشكوك على الكثير منهم , فعلى سبيل المثال لا الحصر أن هناك ملاحظات على سياسة أبو بكر الصديق أيام خلافته في حروب الرده وما سالت من دماء على يد قائده العسكري خالد ابن الوليد الذي قتل مالك بن نويره وأستباح شرف زوجته , كما أن سياسة عثمان بن عفان التي أتسمت بالفساد المالي والأداري وما صاحبها من ردود فعل لعامة المسلمين والتي سببت في قتله , بالأضافه لما فعله معاويه وما فعله من شق عصا المسلمين وتمرده على الخليفه الشرغي علي بن أبي طالب ع , وما أحدثه من أنحراف في تحويل النظام الشوروي الى نظام حكم ملكي وراثي . أن تاريخنا فيه الكثير من التجاوزات التي وصلت لحد الأجرام والسفه , وتحولت أحداثه بفعل نظرية التمجيد الى أحداث مقدسه وشخصياته الى قديسين, مهما كانوا موغلين بدماء الناس من أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي , وخالد بن الوليد , وزياد بن أبيه وأبو عباس السفاح وغيرهم من سفاحي الدماء , تحولوا بفعل القداسه المزيفه الى قديسين وأبطال تاريخيين , حتى تحولوا الى قدوه حسنه للأجيال القادمه مما ساهمت هذه النظره في تأسيس منظمات أرهابيه على قاعدة تقديسهم من أمثال منظمة القاعده الأرهابيه وداعش والنصره , وبوكو حرام وغيرها من المنظمات الأرهابيه . أن التاريخ لعب دوراً سلبياً بل قاتلاً في مسيرة شعوبنا العربيه , وهو أحد أهم أسباب تراجعها الحضاري , وأحد أسباب تكلسها الفكري , لذى بات من الضروري مراجعة هذا التاريخ , والعمل على أعادة كتابته , والقيام بنهضه علميه لمراجعته , وغربلته مما لصق به من أوهام , وأخضاعه لعمليه نقديه تتسم بالشجاعه لنخرج بتاريخ نستعين به في بناء حاضر مزدهر ونرسم مستقبل زاهر لأجيالنا المقبله , وأن نفكك هذه الذاكره التاريخيه المحمله بالمتفجرات الخطيره , لكي نرفع ما زرعته الأجنده الخبيثه من عبوات ناسفه في طريق مستقبل أجيالنا , وهذا يعتبر أكبر عمل يمكن أن يقوم به من يهمه أمن وسلامة المنطقه عامه وبلدنا خاصه , وكما تقول الدكتوره غريشن آدمز استاذة التاريخ في جامعة تكساس ( من أجل بناء مستقبل جديد, نحتاج الى بناء ماضي جديد).
#أياد_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟