أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 2














المزيد.....


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6686 - 2020 / 9 / 24 - 17:48
المحور: الادب والفن
    


برغم أن بيت معلّمه في الحسكة يكاد أن يكون مسكنه، فضلاً عن تمتعه بصداقات عديدة في المعسكر وخارجه على حد سواء، شعرَ جمّو بالوحدة على أثر ترك أسرة السيّد صالح للجزيرة. منذئذٍ وحتى عودته بدَوره إلى الشام، عاشَ مع ذكريات مسقط رأسه. لم يكن له ماضٍ ماجنٌ، شأنَ شقيقيه الكبيرين وكذلك العديد من أقاربه الشبان. كأنما كان معجوناً من طينة التنسّك، بجدّيته المفرطة وسلبيته إزاء اللهو والقصف والشراب. لقد أُشْبِه من هذه الناحية بوالده، الحاج حسن، الذي كان ذا تفكيرٍ ضيّق ومتزّمتاً إلى حد كبير.
لكن جمّو بقيَ مخلصاً لأفكاره الحرة، المستمدة من انفتاحه على الحركة السياسية الأكثر تقدمية في زمنه؛ وهيَ التي أرتبطت في الحارة بصعود نجم أحد أبناء آل قوطرش في سماء العاصمة. خالد أفندي هذا، رجعَ قبل نحو سبع سنين من بلاد البلاشفة، أينَ درسَ هناك الإقتصاد السياسيّ، ليتبوأ رأس هرم الحركة الشيوعية في سورية ولبنان. في حقيقة الحال، أنه لم يكن وحده في الحي مَن حقق هكذا نجاح في الصعود الحزبيّ. أحد وجهاء آل بوظو، علي بك، سيؤسس حزباً ليبرالياً في الآونة نفسها تقريباً، فتزعمه على مدى السنوات اللاحقة. هذا الأخير، التف حوله كبار الصناعيين؛ فيما ابن حارته، خالد أفندي، كان يحاربهم في دعاياته الإشتراكية بوصفهم رأسماليين يمتصون دماء العمال.

***
نادي الحي، المُكنّى باسم موطن الأسلاف، ما لبثَ أن أضحى موضعَ صراعٍ بين ذينك الخطين بشكل خاص. الأمير جلادت، مع أنه مشبعٌ بالأفكار الليبرالية، بقيَ خارج حلبة الصراع وظل محترماً من معظم الأعضاء. بينما مؤسس النادي، وكان يُدعى بصيغة إحترام، " آبو " بالباء الأعجمية، إتُهمَ مع مرور الوقت بتبنّي أفكاراً إشتراكية قومية متطرفة. كان جمّو يكن للرجلين الأخيرين تقديراً كبيراً، غاضّاً الطرفَ عن أفكارهما، الموصوفة، المتناقضة مع أفكاره. لكن علي بك، هوَ مَن أخذ على عاتقه تفنيدَ الدعاية الشيوعية، المركّزة على كون بلاد البلاشفة فردوس القوميات المتعددة من قرغيزيا إلى أستونيا. كان عضو شرف في النادي، وأظهرَ تواضعاً حين رضيَ أن يَدرس ثمة اللغةَ الأم قراءةً وكتابة. في ذلك الوقت، كان جمّو قد أصبح معلماً في النادي، فتعززت علاقته أيضاً مع البك.
كيلا يتسمم جو النادي مزيداً بالخلاف الإيديولوجي، إستغل جمّو صلته الطيبة بخالد أفندي كي يطلب منه في أحد الأيام الحضورَ لإلقاء محاضرة عما رآه في خلال دراسته بالخارج. استُقبلت المحاضرة بالحماسة من لدُن أغلب الأعضاء، وزاد المحاضرُ من ابتهاجهم حينَ أعلن نيّته الإنتساب للنادي. بيدَ أن جمّو خاب أمله لاحقاً، في هدف جلب المحاضر على أمل أن يسودَ الوفاقُ بين الأعضاء: المنتسبُ الجديد، المتّسم بالدهاء والحنكة، ما عتمَ أن بدأ بسحب الأعضاء واحداً إثر الآخر إلى حركته السياسية، بعدما نجحت دعايته بتصوير النادي كتجمّعٍ رجعيّ على رأسه شخصٌ قوميّ متطرّف.

***
عقبَ عودة جمّو إلى دمشق، التي جدّت بعد أشهر من وصول أسرة السيّد صالح إليها، قررَ ترك الخدمة العسكرية. اقتنع بما سبقَ وأكّده قائده الفرنسيّ أمامه، من أن سلطة الإنتداب ستنتهي حتماً في حال وضعت الحربُ أوزارها لتغدو سورية دولة مستقلة. على الأثر، عانى لفترة من البطالة؛ هوَ مَن لم يتعلّم سوى صنعة النول اليدويّ. ما وجد لديه رغبةً في العمل بالصنعة لدى شقيقه سلو، كون علاقتهما ليست جيدة. لكن لحُسن الحظ أن الصيفَ حلّ، لينتقل من ثم إلى قرية البيطارية، أينَ يشغل شقيقه الآخر وظيفةَ وكيل أعمال الإقطاعيّ الكبير حسين بك الإيبش. ثمة أيضاً، شأن فترة الجندية، تهيأت له ساعات فراغ كثيرة شغلها بقراءة الكتب والمجلات، العربية والكردية. مجلة " هاوار: الصرخة "، التي أصدرها الأمير جلادت في دمشق في مفتتح عقد الثلاثينات، توقفت عن الصدور في العام المنصرم، وكان جمّو مشتركاً سنوياً فيها.
هوَ ذا صاحبُ المجلة، يحل ضيفاً على صديقه البك في مركز إقطاعيته، وذلك بعد أيام من تواجد جمّو فيها. لقاء هذا الأخير مع الأمير، كان مؤثراً ولا غرو. فما لبث أن تناقشَ الرجل بحضور الآخرين حول احتمالات ما بعد الحرب بالنسبة للبلد والمنطقة بشكل عام. وجهة نظر الأمير، كانت متشائمة بخصوص التيارات القومية العربية الصاعدة، وما يمكن أن تلحقه من أذى بالحريات العامة وحقوق الأقليات الأثنية لو تسنى لها الصعود إلى السلطة عن طريق الإنتخابات؛ أو بانقلاب عسكريّ، مثلما تُبشّر به دعاياتها. جمّو، وكان أفتى الحاضرين، أكتفى بالاستماع إلى آراء مَن يعدّه بمثابة نبيّ النهضة الكردية. إلى أن وجه له هذا سؤالاً، يتعلق بوضع نادي الحي. فأجاب جمّو، بنبرة أسف: " نشاطه شبه مجمّد، ولعل الحكومة تسحب أيضاً رخصته إذا انتهت الحرب بخروج الفرنسيين من البلد ". هزّ الأميرُ رأسه، ولم يعلّق بشيء. كان معروفاً بعلاقته الوطيدة مع إدارة الإنتداب منذ لجوئه إلى سورية قبل نحو ربع قرن، وعن طريقها تمكّن من تحقيق مكاسب عديدة لبني جلدته إن كان على صعيد الثقافة أو الخدمات العامة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 2


المزيد.....




- -كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد ...
- أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون ...
- بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 2