أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - التمرد على الكلمات المتشيئة














المزيد.....

التمرد على الكلمات المتشيئة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6685 - 2020 / 9 / 23 - 16:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"للإحتفال بالآلة وتمجيد العمل، على الإنسان أن يكون خارج المصنع وليس داخله. " فيليمير خليبنيكوف.

الشاعر أو الفنان عموما، هو الإنسان الذي يرفض إستعمال اللغة، بمعنى اللغة في وظيفتها المتعلقة بالتواصل ونقل الدلالة من إنسان إلى آخر، بل يستعمل اللغة كمساحة جغرافية، كأرض أو كإقليم تدور فيه معركة الحياة. إنه يسكن اللغة ويتنفس اللغة ولا يستطيع أن ينفصل عن الكلمات. إنه كله لغة، جسدا وعقلا، لحما ودما وفكرا وخيالا. وكل تفاصيل حياته تصبح مادة لغوية وغذاء لخياله الكانيبالي، أدنى حادثة مرت به منذ بداية الحياة تتخذ أهمية في السرد العام للأسطورة التي يشيدها كبرج بابل طابقا بعد طابق، وفصلا بعد فصل. فالشاعر هو من يخلق حياته وتفاصيلها بالكلمات، ويشيد قصورا من المعاني والعلاقات، بواسطة اللغة، حيث الكلمات هي أحجار البناء، وحيث الخيال هو الخارطة الوحيدة المفتوحة أمامه على طاولة عمله. مملكة الشاعر إذا هي عالم المعنى وليس عالم الدلالة، لا يهمه وضوح الكلمات ودلالاتها المتعارف عليها. الشاعر هو أشبه بملاك ضائع هائم في فضاء اللغة وكأنه جاء إلى هذا العالم من أجل مهمة مقدسة وحيدة ألا وهي البحث عن "المعنى" الحقيقي للكلمات؛ المعنى الذي ضاع في زخم الحياة الروتينية اليومية ووجعل إستعمال اللغة حكرا للدلالة على الأشياء والكائنات المحيطة بالإنسان. وهدف الشعر والفن عموما ما هو إلا تفجير تركيب اللغة والكلمة من الداخل لكي تتحرر من القيود التي تشدها للواقع المادي - الأرضي وتصحو من غيبوبة الاستعمال والتكرار.
جوناثان سويفت Jonathan Swift، في روايته الكبيرة رحلات جوليفر Gulliver s Travels، أراد أن يسخر من العلم والعلماء وكل الذين يدعون العقلانية، فجعل جوليفر في رحلته الثالثة يجد نفسه في جزيرة صغيرة معلقة في الهواء Laputa ويسكنها نخبة من العلماء يتحكمون في أمور البلاد التي يطيرون فوقها من السماء والتي تسمى Balnibarbi. وقد ألتقى في هذه البلاد بمجموعة من الأكادميين الذين لديهم مشروع لخلق لغة عالمية يتفاهم بها الجميع ولا مجال فيها للخطأ لما تدل عليه الكلمات، فكانو يتجولون محملين بعشرات الأدوات والأشياء المختلفة من أواني وأجهزة ومستلزمات الحياة، وكانت هذه الأشياء تحل محل الكلمات، فإذا أراد شخص ما أن يقول كلمة صحن أو كأس مثلا ما عليه إلا أن يخرج من جرابه صحنا أو كأسا حقيقيا يريه للمستمع. وهذه العلاقة المباشرة والآلية بين الكلمات ودلالاتها هو ما ثار ضده الشعر والفن، بمحاولة إستكشاف عالم ماوراء العقل وما وراء الدلالة، ما يسميه الشاعر الروسي خليبنيكوف Velimir Khlebnikov بمقولة transmentale أو "زاووم - zaoum" حيث تتخذ الأصوات قوة سحرية مأثرة تأثيرا مباشرا في ذهن الشاعر والمتلقي على السواء، وهو ما نجده عند سويفت في الأسماء الغريبة التي يعطيها لشخصيات وأماكن روايته مثل بروبدنغناغ Brobdingnag، لابوتا Laputa، بالنباربي Balnibarbi وغلوبدوبدريب Glubbdubdrib أو بلاد هويهنهنمس Houyhnhnms.
العمل الفني والإبداع الشعري، يُفهم على أنه المسافة القصوى بين الوتر الأداتي للفكر وبين محور الحياة الحقيقية للمبدع، وكهروب بعيدا عن الذات المادية الغارقة في هويتها الإجتماعية والإدارية اليومية. لتمجيد الإنسان والإحتفال بالحياة، على الشاعر أن يتقشر من قوقعته البشرية ويأخذ عصا الأنبياء ويلبس أقنعة وجوه الآلهة ويتكلم بلسان الجنيات. وهذا ما حاول القيام به خليبنيكوف في عمله المسرحي الضخم زانغيزي Zanghézi، حيث الشخصية الأساسية هو Cankara Zanghézi بطل أسطوري يتكلم لغة الطيور ولغة الآلهة، لغة ما وراء الادراك ولغة النجوم. الكلمة كانت مقيدة؛ حيث كان عليها أن تتكيف وفق المعنى، وحيث الفكر كان يملي قوانينه على الكلمة وليس العكس وآن أوان ظهورلغة ماوراء الادراك الكونية ليعيد الاعتبار إلى الكلمة ككيان مكتف بذاته. ذلك أن الشعر في نظره هو تجربة لفظية والكلمة أوسع وأبعد من المعنى والشكل المادي للكلمة - رسما وصوتا - له أهمية أكثر من المعنى الذي تنقله. وقد دفع خليبنيكوف نظريته لحدودها القصوى حيث انصب اهتمامه بشكل حاد في قضية الأعداد؛ مستبدلا العلامة اللغوية بعلامة تلغرافية أو رياضية. وذروة هذا الاهتمام بالأعداد تجسدت، أواخر حياته، في عمل شعري غريب عنوانه ألواح المصير Les tables du destin محاولا فيه إستخدام الأعداد لكي تشير إلى السلوك البشري وتؤثر فيه مثلما تقوم به اللغة.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الكلمة والصورة
- وتبعثرت قشور الليل
- الجسد المكهرب
- الرنين
- كوجيتو
- قلق الزوايا
- الجريمة الأولى
- قابيل وهابيل - الإخوة الأعداء
- لقاء آدم وحواء على الأرض
- السيدة حواء
- أبجدية الخيال والعلاقة بين الدين والفن
- محكوم علينا بالحرية
- ثورة ليليث
- دفاعا عن المثلية
- الله يزور نيوتن
- داغرمان - الفنان والموت
- ستيج داجرمان .. أو الحياة المضعوطة
- بخصوص ذكرى أول مايو
- الهروب للأمس البعيد
- زمن الإختناق


المزيد.....




- رياح عاتية تقتلع سقف منزل متنقل وسط عاصفة خطيرة بأمريكا.. شا ...
- هل لا تزال أمريكا وجهة مفضلة؟ هكذا سيتنازل السياح عن أحد بلد ...
- قرب الحوثي وإيران.. تفاصيل نقل أمريكا قاذفات الشبح -بي-2- إل ...
- الغضب يمكن أن يساعد في تخطي الحزن.. فكيف ذلك؟
- نفتالي بينيت يطلق حزبا جديدا.. والاستطلاعات تظهر خطره على مق ...
- هنغاريا بصدد تعليق جنسية فئة من مواطنيها
- لوكاشينكو يهنئ بوتين بذكرى تأسيس اتحاد روسيا وبيلاروس
- زلزال ميانمار.. رجال الإنقاذ الروس مشطوا أكثر من 62 ألف متر ...
- أوكرانيا وروسيا تقدمان شكاوى للولايات المتحدة بشأن استهداف م ...
- قاضٍ أميركي يرفض نقل قضية الطالب محمود خليل إلى لويزيانا


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - التمرد على الكلمات المتشيئة