أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - كيف أسَّس ديمقريطس للفيزياء الحديثة؟















المزيد.....

كيف أسَّس ديمقريطس للفيزياء الحديثة؟


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 6681 - 2020 / 9 / 19 - 23:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الكون، في مُخْتَصَر تكوينه وبُنْيَتِه، هو "المادة (بمعناها الفيزيائي الضَّيِّق)"، و"المكان (والفضاء)"، و"الزمان"، و"القوى"، و"الحركة (في المكان)"؛ وهو، أيضاً، الصِّلة المتبادلة بين هذه المُكوِّنات جميعاً.
ديمقريطس Democritus هو أوَّل من رسَمَ "لوحة" للكون؛ فهو تَصَوَّر العالَم، في بُنْيَتِه الأوَّلية، على أنَّه اجتماع ثلاثة أشياء: "الذَّرَّات" و"الفراغ"، و"الحركة (أيْ حركة الذَّرَّات في الفراغ)".
"المادة"، وبمعناها الفيزيائي الضَّيِّق، إمَّا أنْ تكون على هيئة "جسم"، كالنَّجْم أو الكوكب أو المعدن، وإمَّا أنْ تكون على هيئة "جسيم له كتلة سكونية"، كالإلكترون والبروتون.
و"الكتلة السكونية" هي (لجهة صلتها بالحركة في المكان) ما يَمْنَع صاحبها (أكان جسيماً أم جسماً) من السَّيْر بالسرعة القصوى في الكون، ألا وهي سرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية). صاحب هذه الكتلة، ومهما زيدت سرعته، لن يسير أبداً بسرعة الضوء؛ وليس من "قوَّة" في الكون في مقدورها جَعْلِه يَبْلُغ هذه السرعة.
كل جسم، أو جسيم له كتلة سكونية، يتغيَّر في استمرار؛ في كل لحظة؛ فهو كمثل "نَهْر هيراقليطس (Heraclitus)"؛ وإنَّ بعضاً من معنى "السببية" في "التغيُّر" يُسْتَمَد من "القوى" Forces .
لِنَنْظُر الآن في عُمْق الصِّلة بين الأشياء (أو بين الأجسام).
هل الأشياء متَّصِلَة؟
هل الأشياء منفصلة؟
كيف يؤثِّر جسم في جسم؟
أُنْظروا، مثلاً، إلى "تأثير" مغناطيس في إبْرَة.
عند مسافة معيَّنة، نرى المغناطيس يَجْذِب الإبْرَة؛ لقد حرَّكها من مكانها حتى جَعَلَها تَلْتَصِق به.
كان بينهما "فراغ"؛ ومع ذلك، أَثَّر المغناطيس في الإبْرَة على هذا النحو.
كيف حَدَثَ ذلك؟
سؤالٌ حيَّرت إجابته الناس، حتى اكتشفوا "القوى".
إنَّهما جسمان (المغناطيس والإبْرَة) بينهما فراغ؛ وفي هذا الفراغ كانت "حركة" لا تُرى؛ ولا حركة في المكان، أو في هذا الفراغ، بلا مادة تتحرَّك.
وهنا، نأتي إلى "النوع الآخر" من "الجسيمات"، ألا وهو كل جسيم لا يَمْلك شيئاً من "الكتلة السكونية"، كمثل الجسيم المسمَّى "فوتون".
هذا الجسيم (أو هذا النوع من الجسيمات) هو وحده الذي يستطيع السَّيْر بسرعة الضوء؛ فإنَّ عدم امتلاكه شيئاً من "الكتلة السكونية" هو ما يُلْزِمه السَّيْر بهذه السرعة الكونية القصوى ؛ لكن عدم امتلاكه "كتلة سكونية" لا يعني أنَّه لا يمتلك "كتلة (على وجه العموم)"؛ ذلك لأنَّه يمتلك "النوع الآخر" من "الكتلة"، وهو "الكتلة الحركية"، أيْ الكتلة المتأتية من حركته في المكان؛ و"الكتلة"، أكانت "سكونية" أم "حركية"، هي شرط وجود الجسيم؛ فإذا توقَّف جسيم "الفوتون" عن الحركة تماماً، كَفَّ عن الوجود؛ أمَّا جسيم "الإلكترون" الساكِن، فيظل موجوداً؛ لأنَّه لم يَفْقِد" كتلته السكونية"، والتي تشبه "الطاقة المجمَّدة". وجسيم "الفوتون" يشبه بالوناً صغيراً، الهواء الذي في داخله هو "الطاقة"، التي يرتفع منسوبها فيه، أو ينخفض؛ وهذا الذي نسميه "طاقة خالصة"، كالطاقة المتأتية من تَصادُم "إلكترون" و"بوزيترون"، وتبادلهما "الفناء"، من ثمَّ، لا يأتي إلى الوجود إلاَّ "مُرْتدياً" فوتونَيْن متضادين (عِلْماً أنَّ الفوتون وضديده هما جسيم واحد).
الجسيم الذي لا يمتلك "كتلة سكونية"، كجسيم "الفوتون"، والذي يسير، من ثمَّ، وينبغي له أنْ يسير، بسرعة الضوء، هو جسيمٌ حامِلٌ، أو ناقِلٌ، للقوَّة، أيْ للتأثير؛ إنَّه كعَرَبَة تَحْمِل على مَتْنِها "القوَّة (أو التأثير)"؛ فإنَّ مادة تؤثِّر في مادة أخرى، على ما بينهما من "فراغ"، بواسطة جسيمات حاملة للقوَّة، أو التأثير، تنطلق منها، عابِرَةً هذا "الفراغ"، ثمَّ تَخْتَرِق المادة الأخرى، مُفْرِغةً فيها حمولتها، فيَحْدُث تأثير ما في هذه المادة المتلقية؛ لكنَّ هذا التأثير يختلف باختلاف ماهية وقابلية المادة المتأثِّرة.
الجسيمات الحاملة للقوَّة أجابت عن سؤال: "كيف تؤثِّر مادة في مادة مع أنَّ المادتين بينهما فراغ، ولم تَتَّصِلا أو تتلامسا، من ثمَّ"؛ وبإجابتها عن هذا السؤال، يتبيَّن لنا أنَّ الأشياء (والأجسام) في الكون "متَّصِلَة ـ منفصلة" في آن؛ فـ "الفراغ" نفسه يمكن أنْ نَنْظُر إليه على أنَّه "فاصِلٌ" بينها؛ كما يمكن أنْ نَنْظُر إليه على أنَّه "جسر اتِّصال" بينها؛ وكأنَّه يشبه "الفاصلة المنقوطة (؛)".
أُنْظُرْ إلى قطعتين من معدنين مختلفين (حديد ونحاس مثلاً) متلامستين، ومتَّصلتين اتِّصالاً مباشِراً (أو ملتصقتين تماماً). لو أَمْعَنْتَ النَّظر في التصاقهما (أو تلامسهما، أو اتِّصالهما المباشِر) لَرَأَيْتَ "الانفصال"؛ فالقطعتان من ذرَّات؛ وكل ذرَّة على شكل نقطة صغيرة جداً (النواة) تدور حَوْلها "غيمة من الإلكترونات". إنَّ معظم كتلة الذرَّة يتركَّز في هذا الحيِّز الصغير جداً، والمسمَّى "النواة"؛ وإنَّ معظم حجم الذرَّة تَشْغُله الإلكترونات (التي على هيئة غيوم تدور حول النواة). إنَّ التقارب بين ذرَّتين يعني التقارُب بين غيومهما الإلكترونية؛ لكنَّ هذه الغيوم متنافِرة، وليس ممكناً، من ثمَّ، أنْ تتقارب غيومهما الإلكترونية بما يلغي "الفراغ" بينها. إنَّ كل غيمة إلكترونية تتنافَر مع الغيمة الإلكترونية في الذرَّة الأقرب إليها، وتُجْذَب، في الوقت نفسه، إلى نواة هذه الذرَّة. وهذه الحال المتناقضة للغيمة الإلكترونية تَقْتَرِن دائماً ببقاء شيء من الفراغ بينها وبين سائر الغيوم الإلكترونية. وهذا "الفراغ" الفاصِل بين الغيوم الإلكترونية هو نفسه المجرى الذي فيه تجري الجسيمات حاملة القوى (بين الجسيمات؛ بين الأجسام؛ بين المواد؛ بين الأشياء).
في باطِن النجم الضخم، وفي نهاية حياته، نرى اندماجاً بين الإلكترونات والبروتونات، فيَحِل النجم النيوتروني محل هذا النجم الطبيعي الضخم (بعد، وبسبب، انفجاره، وانهياره على نفسه). وللمادة النيوترونية هذه خاصية جوهرية هي قدرتها على وَقْف انهيار مادة النجم على نفسها عند هذا الحد (أيْ عند حد تكوُّن النجم النيوتروني). أمَّا إذا كانت كتلة النجم الأصلية أكبر وأضخم فإنَّ هذه المادة (النيوترونية) تَقِف عاجزة عن وَقْف الانهيار، الذي يستمر، عندئذٍ، حتى تكوُّن "الثقب الأسود".
إنَّ "الفراغ" هو جزء لا يتجزَّأ من تكوين أيِّ شيء، وكلِّ شيء؛ فليس من مادة في الكون يمكن استنفاد فراغها؛ وتقليل حجم الفراغ بين الأشياء يؤدِّي، في آخر المطاف، إلى نشوء أشياء جديدة؛ فالشيء يظل هو نفسه ما بقي محتفظاً بأبعاده المكانية نفسها، أيْ من حيث الأساس؛ فالأبعاد المكانية للشيء تتسم بالمرونة النسبية، تزيد، أو تنقص؛ لكن إلى حدٍّ معيَّن، إنْ تجاوَزَتْه، تتغيَّر الأشياء نفسها.
وفي العودة إلى ديمقريطس، نقول إنَّ الكون يتألَّف من "مادة"، ومن "فراغ"؛ وفي هذا الفراغ تتحرَّك "المادة"، وتتحرَّك الجسيمات الحاملة للقوى، والتي تتبادلها الأجسام والجسيمات.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القول الفصل في مسألة -التسيير والتخيير-!
- رؤية كونية بعَيْن -الثلاثية الهيجلية-!
- -التَّزامُن- Simultaneity كونياً!
- سرعة الضوء ما بين -النسبية الخاصة- و-النسبية العامة-!
- تباطؤ الزمن.. ببساطة!
- الأوهام التلمودية تقود السياسة الدولية!
- عشر فرضيات لتفسير نشوء الكون!
- السوريون الجدد!
- انحناء -الزمكان- من وجهة نظر جدلية!
- في نسبية الزمن
- إبليس في رؤية مختلفة!
- الطريقة النسبية في غزو الفضاء!
- الاقتصاد السياسي للنقود
- أسرار قوَّة وحيوية الفكر المادي!
- -الإرادة- ما بين -المثالية- و-المادية- في الفهم والتفسير!
- الشعوذة الكوزمولوجية الكبرى للدكتور زغلول النجار!
- التقويم الجدلي للتناقض في الشكل الهندسي لحركة التاريخ!
- وهم الأسلمة!
- بأيِّ معنى يشمل قانون -الانتخاب الطبيعي- المجتمع؟
- يمكننا مغادرة كَوْننا لكن لا يمكننا رؤيته من -خارجه-!


المزيد.....




- رد فعل غريزي مدهش.. فيلة تشكّل -دائرة تأهب- لحظة وقوع زلزال ...
- -يشمل نزع سلاح غزة-.. مسؤول في حماس يكشف تفاصيل المقترح الإس ...
- مؤتمر دولي حول السودان في غياب طرفي الصراع، وارتفاع الانتهاك ...
- الزائر الأحمر يربك سماء العراق وأكثر من 1800 حالة اختناق
- شركة يابانية تكشف عن ذئب آلي (فيديو)
- عريضة إلى نتنياهو من وحدة السايبر الهجومي والعمليات الخاصة ب ...
- مقتل 19 مدنيا وإصابة 85 آخرين بهجمات أوكرانية على مناطق روسي ...
- غوتيريش يعرب عن قلقه البالغ إثر استهداف مستشفى الأهلي في غزة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل قصف غزة.. قتلى وجرحى وتدهور غير مسبوق ...
- الخارجية اللبنانية: المحادثات مع الرئيس السوري كانت بناءة


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - كيف أسَّس ديمقريطس للفيزياء الحديثة؟