أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا














المزيد.....

في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6678 - 2020 / 9 / 16 - 18:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عنوان فرعي:
لو كنت من مازن لم تستبح دمي بنو اللقيطة

أغار ناس من بني شيبان على رجل من بني العنبر يقال له قُريط بنُ أُنيف فأخذوا له ثلاثين بعيراً، فاستنجد قومه فلم ينجدوه، فأتى مازن تميم، فركب معه نفرٌ من أهلها، فأطردوا لبني شيبان مئة بعير فدفعوها إليه، فقال هذه الأبيات التي افتتح بها أوس بن حبيب الطائي المكني بأبي تمام ديوان حماسته الذي ألفه في محبسه أيام حصار الثلج. فقد قصد الأمير عبد الله بن طاهر في خراسان، ليمدحه، وفي طريق العودة توقف في همذان عند صديق له يدعى أبو الوفاء بن سلمة، فأنزله الرجل وأكرمه وكان عنده مكتبة ضخمة. وحين استفاق أبو تمام ذات يوم بنية متابعة طريق العودة وجد أن ثلجًا عظيمًا قد وقع فقطع الطرق ومنع السابلة من السير والخروج من البيوت فكان ديوان الحماسة الذي جمع فيه شوارد قصائد العرب ومنها قصيدة قُريط بنُ أُنيف:

لو كنت من مازن
لم تستبح إبلي
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذا لقام بنصري
معشر خشن
عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
قوم إذا الشر
أبدى ناجذيه لهم
قاموا إليه زرافات ووحدانا
لا يسألون أخاهم
حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهانا
لكن قومي
وإن كانوا ذوي حسب
ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من
ظلم أهل الظلم مغفرة
ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك
لم يخلق لخشيته
سواهم من جميع الناس إنسانا
فليت لي بهم
قوماً إذا ركبوا
شدوا الإغارة فرسانا وركبانا

أنا لا أعرف حقيقية لمَ خطرت في بالي حكاية قُريط بنُ أُنيف في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا لأضعها في بداية هذا المقال وأعود بالأيام إلى ذلك الخريف المرّ من شهر أيلول عام 1982 ولكن ما قصة شهر أيلول يتشح بالسواد مع سيرة أهل فلسطين؟ عجزت تلك الدول اللقيطة عن الوفاء بوعدها في نصرت أهلنا في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت التي صمدت في الحصار ثمانية وثمانين يوماً وقاومت بقد ما تستطيع أبواب جهنم المفتوحة براً وبحراً وجواً. وعدت أن تنصرهم ولكنها خذلتهم، يا لهذا الخذلان ما أوسع أبوابه. فكان رحيل البندقية الفلسطينية على الأبواب. نعم، رحلوا وتركوا أهلهم بلا سند وكانت البندقية مسند حملهم في حلهم وترحالهم. ويُبكيني إلى اليوم السؤال: كيف ترحل البندقية من حضن المخيم وتترك ألعاب الأطفال معلقة على حبل الغسيل؟

وكان صدى الصوت يرتد من حديد السفن التي تُغادر مرفأ بيروت: لمَ ترحلون وتتركون نساءكم في بطن ليل من حديد، وتعلقون مساءكم فوق المخيم والنشيد. وصبرا غطت صدرها العاري بأغنية الوداع، وها هي تعد كفيها وتخطأ حين لا تجد الذراع. صبرا تنام وخنجر الفاشي يحصو. صبرا تُنادي. من تنادي؟ صبرا ودعت فرسانها وزمانها واستسلمت للنوم، من تعب، ومن عرب رموها خلف ظهورهم، كما رمت قبلية بني العنبر ابنها قُريط بن أُنيف وتركته لمصيره فاستنجد بأهل الشجاعة والاقدام من مازن فأنجدوه وتقاطرت فرسانهم لنصرته وأخذ حقه مضاعفاً من بني اللقيطة الذين استباحوا إبله.

وأهل صبرا وشاتيلا يستنجدون بمن أيها العرب، بكم، وأنتم شراذم من حكام ودول مستباحة فقدت رجولتها وشجاعة الشجعان وصارت لقيطة زماننا التعبان. ومن هنا ستهاجر العرب لعقيدة أخرى وتغترب. قصبٌ هياكلنا وعروشنا قصبُ، في كل مئذنة حاوٍ، ومغتصبُ يدعو لأندلس إن حوصرت حلبُ. في صبرا وشاتيلا اختلطت شخوص المسرح الدموي، ولا قاض سوى القتلى، وكفُّ القاتل امتزجت بأقوال الشهود، وأُدخل القتلى إلى ملكوت قاتلهم. وتمَّت رشوة القاضي فأعطى وجهه للقاتل الباكي على شيء يُحيرنا، سرقت دموعنا يا ذئب، تقتلني وتدخل جثتي وتبيعها. أخرج قليلاً من دمي كي يراك الليل أكثر حلكة، واخرج لمائدة التفاوض، واضحين، كما الحقيقة: القاتل يُدلي بسكين. وقتلى يدلون بالأسماء: صبرا، كفر قاسم، دير ياسين، تل الزعتر، شاتيلا.

المجزرة هي المجزرة في كل بقعة من العالم والقاتل هو القاتل لا يختلف كثيراً من مكان لآخر. جاءت الأخبار من راديو مونتي كارلو في باريس العاصمة الفرنسية بعد أكثر من سبعين ساعة على بدء المجزرة. كان المذيع يبكي وهو ينقل تلك المشاهد المروعة التي حدثت في مخيمي صبرا وشاتيلا. وتقول صبرا: أكل هذا الليل لي، والليل ملح. يقطع الفاشي ثدييها، يرقص حول خنجره ويلعقه. يُغني لانتصار الأرز موالاً، ويمحو في هدوء لحم صبرا وشاتيلا عن عظمها، ويُجن من فرح لمشهد قتل أبناء عمومته والتمثيل بأجسادهم. صبرا وشاتيلا تقاطع شارعين على جسد، نزول الروح في حجر، صبرا وشاتيلا لا أحد، صبرا وشاتيلا هوية عصرنا حتى الأبد.

ملحوظة:
الرحمة لصديقنا الشاعر الراحل محمود درويش لاستعارتنا أجزاء من أبيات قصيدته "مديح الظل العالي" لضبط إيقاع المقال.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبدالعزيز الخيّر
- هل تُعلِّق على جدار غرفتك صورة فيدل كاسترو؟
- نزهة الأنام في محاسن الشام
- المكتوب
- مع الأديب السوري حسيب كيالي في رحلته الجدارية
- هل مازلتَ شيوعياً يا صديقي؟
- تكسير صحون
- حكاية من التراث
- على خُطى ناظم حكمت
- كراكيب فكرية
- ليس أمراً هيناً أن تكون شقيق تشي جيفارا
- زجاجة أنطون تشيخوف
- مع رسول حمزاتوف في داغستان
- أناديكم
- مع مصطفى أمين في سجنه
- المستطرف في أفكار علماء الفيزياء الفلكية
- يحرق حريشك
- النساء في حياة فرانز كافكا
- فنجان قهوة مع كارل ماركس
- في ذكرى ميلاد لينين


المزيد.....




- لِمَ انتظر هذا الرجل سن التقاعد حتى يمارس شغفه بتحويل الخردة ...
- -إن مت أريد موتا صاخبا-.. مقتل المصورة الصحفية فاطمة حسونة ب ...
- نعيم قاسم: لن نسمح لأحد بنزع سلاح حزب الله وسنواجه من يسعى ل ...
- قصة عروس في غزة فقدت عريسها قبل الزفاف بيوم
- الصحافة في عصر التزييف العميق: رؤى وتحديات من منتدى الإعلام ...
- اليمن: غارات أميركية على صنعاء والحديدة والجوف تخلف أكثر من ...
- محاكمة -التآمر-..أحكام بالسجن بين 13 و66 عاماً على قادة المع ...
- -نوفوستي-: المحتالون الذين يهاجمون الروس عبر الهاتف يعملون ت ...
- رابطة صينية تتهم واشنطن بانتهاك قواعد التجارة الدولية بشكل ص ...
- أورتاغوس -تتثاءب- ردا على أمين عام حزب الله


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا