عباس موسى الكعبي
الحوار المتمدن-العدد: 6670 - 2020 / 9 / 7 - 17:03
المحور:
الادب والفن
الرسالة عثر عليها تحت وسادته بعد وفاته في احد مستشفيات مستوطنة الخراب والجفاف الفكري،
يقول فيها:
إن مُتّ .. لا تصدقوا كل شيء ، فإن قال لكم أبي: كان يتمنى الموت ويتطلع لملاقاة ربه.. لا تصدقوه، فأنا لم أقل ذلك.. انا مثلكم احب الحياة ولا اتمنى الموت ولا ملاقاة الرب.. لكنّ المتملقين من عائلتي واصدقائي ومعارفي أقنعوه ان يقول ذلك...
اما صديقي ذلك الذي نشر صورة لي على صفحته في الفيسبوك وتباكي على مأساتي وطلب منكم الدعاء لشفائي.. فلا تصدقوه ، فهو منافق كبير لم يكلف نفسه بزيارتي ولو لمرة واحدة ولا حتى السؤال عني.. فكم من مرة طلبت منه أن يقرضني مبلغاً من المال لشراء ادويتي ودفع تكاليف علاجي، لكنه كان يتهرّب دائما، بل اقفل هاتفه ليتفادى توسلاتي..
أما طبيبي الموقر، فلا تصدقوه أبدا حينما يتباهى بقدرتي على تحمل المرض وعدم خشيتي من الموت وعن ايماني وتقواي .. أترونَ سيارته الفارهة تلك؟ لقد اشتراها من سرقة المعونات المخصصة لنا نحن المرضى المساكين.. فنحن ابناء الفقراء لم نعد بالنسبة لهم سوى هياكل بشرية لا تصلح للحياة لكنها تدر عليهم الأموال الطائلة..
اما ابناء اصحاب السياده والفخامة، فهم يتعالجون خارج البلاد ويتسكعون في الفنادق الفاخرة والملاهي الليلية الراقصة.. يالحظنا العاثر!!.
أما ممرضي الخدوم، فربما كانَ حزنه صادقاً قليلاً ، فقد خسر بِـرحيلي مبلغا كنت أعطيه إياه لقاء كل حركة كان يقوم بها من أجلي..
من هؤلاء الذين يطلقون الرصاص في الهواء لتشييع جنازتي؟ لم يسبق لي ان رأيتهم من قبل؟.. لم يسألوا عن صحتي وعن حالتي المادية المتدهورة قبيل رحيلي!! لم أكنْ تقيا كما يدعون ولم أعرف شيئا عن التقوى ولا عن الشعارات الزائفة في حب الوطن وليس لي قائد ولا صنم ولا تاج رأس اتعبد باقواله.. لقد صمموا صورة لي وانا اقف عند باب أحد الأضرحة، مع اني لم ازر في حياتي ذلك الضريح..!
العالم كله مزيف، لا تصدقوا أحدا سوى تنهيدةَ أمي حينما تكون وحيدة، وانكسارَ حبيبتي التي طالما وعدتُها أنْ أتغلب على مرضي.. لكني خذلتها حينما فقدت السيطرة على حمل جسدي وحينما رفضت رئتاي استقبال المزيد من الاوكسجين..
لطالما سألت نفسي لماذا يجهد الفقراء في البحث عن مقبرة بسيطة تجمعهم مع من يحبون؟ انهم لا يملكون شيئا سوى قلوبهم.. حتى في موتهم سيدفنون كالغرباء بعيدا عن احبتهم..!!
ما هذا الوطن!!، لماذا لا يصلح حتى للدفن بصورة لائقة؟!
عباس موسى أيلول 2020
Abbas M. Mousa
#عباس_موسى_الكعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟