أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - أفلاطون (427 ق.م – 347 ق.م) (1/2)















المزيد.....



أفلاطون (427 ق.م – 347 ق.م) (1/2)


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 6666 - 2020 / 9 / 3 - 14:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



ولد أفلاطون في مدينة أثينا، وهو أرستقراطي المولد، وقد نشأ في جو من الراحة والثروة، وكان جندياً فائقاً وبارزاً، ونال الجائزة مرتين في الألعاب الرياضيه، لكن موهبته وقدراته الفكريه الفلسفيه بدأت عنده في عشرينات عمره، ولذلك يقول ديورانت: "لم تجر العادة ان ينشأ الفلاسفة في مثل هذه السن من المراهقة "ولكن روح افلاطون الداهية وَجَدَتْ بهجة جديدة في لعبة سقراط المنطقية الجدلية، ووجدت لذة لرؤية السيد سقراط يدحض البراهين والاعتقادات (السائدة) ويخترق الفرضيات باسئلته الحادة، ودخل افلاطون إلى هذه الرياضة التي كانت أشد خشونة من المصارعة، وراح تحت رعاية سقراط وارشاده ينتقل من مجرد النقاش إلى تحليلات دقيقه ومحادثات مثمرة، وأصبح مشغوفاً بالحكمة وبمعلمه سقراط، واعتاد ان يقول اشكر الله الذي خلقني يونانياً، لا بربرياً، حراً لا عبداً، رجلاً لا امرأة، ولكن فوق الجميع انني ولدت في عصر سقراط.

لقد كان في الثامنة العشرين عند موت سقراط، وترك هذا المصير المحزن أثراً على كل تفكير التلميذ، وملأه احتقاراً للديمقراطية وكراهية للجماهير والجموع التي ولدتها في نفسه نشأته الارستقراطية، وساقه إلى قرار يستدعي ضرورة القضاء على الديمقراطيه واستبدالها بحكم الأعقل والأفضل من الرجال"([1]).

وفي الوقت ذاته –كما يضيف ديورانت- "فإن جهوده في محاولة انقاذ حياة سقراط اثارت الريبة والشك حوله من جانب الزعماء الديمقراطيين، وحثه اصدقاؤه على مغادرة أثينا، وكانت هذه فرصة مناسبة له تمكنه من مشاهدة العالم، "وهكذا بعد موت سقراط بتسعة أعوام، سافر أفلاطون في عام (390 ق.م – 388 ق.م) أولاً إلى مصر، وتأثر عندما سمع من طبقة الكهنة التي كانت تحكم مصر يومئذ، ان اليونان دولة وضيعه تنقصها التقاليد الثابتة والحضارة العميقة، ثم أبحر إلى صقليه وإيطاليا، وهناك التحق لفترة من الزمن في المدرسة أو المذهب الذي انشأه فيثاغورث، ومرة ثانية تأثر عقله بذكرى جماعه صغيرة من الرجال انصرفت للعلم والحكم، ولما عاد من رحلته أسس مدرسته؛ فابتاع على مقربة من قرية كولونا قطعة أرض أَطلق عليها إسم: الأكاديمية"([2]).

لقد تجول اثنتي عشرة سنة مرتشفاً الحكمة من كل نبع ومنهل، وجالساً في كل كعبة ومزار، متذوقاً كل شريعة وقانون، وقد ذكر البعض انه ذهب إلى فلسطين وانعجن فترة من الوقت في طينة الأنبياء الذين كان معظمهم من الاشتراكيين، وعاد إلى أثينا في عام (387 قبل الميلاد). انه الآن رجل في الأربعين من عمره، وقد اكتملت رجولته ونضجه باختلاطه بشعوب مختلفة، وامتصاصه الحكمة من اقطار كثيرة"([3]).

تابع أفلاطون مسعى سقراط الرامي إلى دحض نسبية السفسطائيين التي اعتبرها أفلاطون جزءاً من الانحطاط السياسي، كذلك تأثر –أثناء سفره- بأفكار الفلاسفة الفيثاغورثين الذين قابلهم في جنوب ايطاليا، ويبدو أنهم أثروا عليه، في ما يلي نذكر بعض النقاط الرئيسية التي شارك بها أفلاطون الفيثاغورثين([4]):

1. اعتبار الرياضيات جوهر الأشياء جميعها.

2. نظرة ثنائية إلى الكون – عالم الوجود الفعلي (المثُل) وعالم الظلال المادي.

3. هجرة الروح وخلودها.

4. التصوف الديني والأخلاق النسكية.

"وحوالي عام 388 ق.م. أسس أفلاطون مدرسة في مدينة أثينا وسماها الأكاديمية، وقد أعطاها ذلك الاسم لأن موقعها كان في بستان حمل اسم نصف الإله أكاديموس (Academus).

لم تُدَرِّس الأكاديمية في أثينا الفلسفة وحدها، بل الهندسة والفلك والجغرافيا وعلم الحيوان وعلم النبات أيضاً، وفضلاً عن ذلك، كانت التربية السياسية ذات قيمة مركزية، وكانت هناك تمارين رياضية بدنية يومية، أيضاً. وتميز التعليم بالمحاضرات والمناقشات، واستمرت الأكاديمية لأكثر من 900 سنة، إلى عام 529، عندما أقفل جوستنيان أبوابها"([5]).

نظرية المُثُل:
"يرى أفلاطون أن عالم الاشياء الحسية ليس بالعالم الحقيقي، ذلك أن الاشياء المحسوسة في تغير وحركة دائمين، تنشأ وتفسد، ولا تحتوي على أي شيء يقيني وثابت، أما الماهية الحقيقية للاشياء الحسية، وعلتها، فصور مفارقة، بريئة من المادة، لا محسوسة، تدرك بالعقل فقط، يسميها الفيلسوف "الأفكار" أو "المثل"، ولكل صنف من المحسوسات هناك – في عالم ما فوق الحس – "فكرة" أو "مثال" يقابله وهذه "المثل" هي علة المحسوسات والنموذج Model الذي صنعت عليه، والغاية التي تنزع اليها والمفهوم الذي يعبر عن الاساس العام لأشياء كل صنف"([6]).

" ان أفلاطون، بعكس أنصار النظرية الذرية، الذين يعتبرون الذرات جسيمات مادية ويساوون بين "اللاوجود" والخلاء، يقرر أن "اللاوجود" هو "المادة" وأن الوجود الحقيقي هو "المُثُلْ" المفارقة، وهكذا نرى أن تعاليم أفلاطون هي المثالية([7]) الموضوعية بعينها، اذ أنها تعتبر المادة مشتقة من "المثل"، أو "الأفكار"، البريئة من المادة، والسابقة عليها، والموجودة خارج الوعي الانساني، وبشكل مستقل عنه.

هذا الفهم لـ"الوجود" و"اللاوجود" يكمن في أساس النظرة الافلاطونية إلى عالم الحس، الذي يشغل مكانا وسطا بين مملكة "المثل" ومملكة "اللاوجود"، أو "المادة"، وإن كل ما في الأشياء من وجود يأتيها من المُثُلْ، كونها علتها وصورتها، ولكن تغير الاشياء المحسوسة، وفسادها دليل على ارتباطها بـ"اللاوجود"، بـ"المادة"، حيث "تشكل "المثل"، أو "الأفكار"، أهراما، على قمته "فكرة" الخير وهذه "الفكرة" هي علة وجود الاشياء، وشرط معرفتها، وهي التي تمنحها ماهيتها، هنا تكتسب مثالية أفلاطون طابعا غائيا، ذلك أن الخير ليس العلة الاسمى للوجود، فحسب، بل وغايته أيضاً. و"المثل" خالدة، لا تتكون ولا تفسد، ولا تتغير، ولا تتعلق بالشروط المكانية والزمانية، وبالمقابل فإن عالم الاشياء المحسوسة هو عالم الصيرورة والفناء الدائمين، عالم الحركة والتغير؛ والاشياء المحسوسة كلها، وكذلك خصائصها النسبية، عابرة، مؤقتة، محدودة بشروط المكان والزمان، يقابل هذه التفرقة بين عالمي الوجود، عالم "المُثُلْ"، وعالم الاشياء الحسية، تمايز في أشكال المعرفة، فقبل أن تحل الروح في الجسم طافت في عالم "المثل"، وتعرفت هناك على الوجود الحقيقي الاصيل، وعندما تتحد بالجسم تنسى ما كانت قد عرفته قبل أن تهبط إلى الأرض، ولكن الروح لا تزال تحتفظ في اعماقها بذكرى عما شهدته هناك، وعندما تدرك الروح الموجودات، "أشباح المُثُلْ"، تعود بها الذاكرة إلى المعرفة المنسية، إلى "المُثُلْ" "([8])، كما هو الحال في "الكهف الأفلاطوني"([9]).

"لم يَعْنِ أفلاطون أن عالم المُثُلْ وعالم الإدراك الحسي متساويان. ويعتقد أن الأفكار ذات قيمة أكبر، أي أن الأفكار مثالية. وكانت هذه النظرة مهمة للإلهام الروحي الذي قدمته فلسفة أفلاطون مثلاً لشعراء الحقبة الرومانسية. وبما أن الأفكار مثالية، علينا أن نكافح لها. وكما يعتقد أفلاطون فإن التوق إلى تلك المثل العليا مزروع فينا، وهذا هو الحب (eros) الأفلاطوني: التوق إلى رؤية الجميل والخير والصحيح متزايدة أبداً.

لذلك، "لا يوجد بالنسبة إلى البشر حاجز ثابت، ولا يمكن القفز فوقه، بين عالم الإدراك الحسي وعالم المثل. والناس يعيشون في توتر ديناميكي بين هذين العالمين: ففي عالم الإدراك الحسي يدركون أن بعض الأعمال أفضل من أعمال أخرى"([10]).

" ان افلاطون يقول بوجود حقيقة أخرى وراء عالم الحواس.. هذه الحقيقة هي ما أسماه، الأفكار، وهناك توجد "المثل" الأبدية والثابتة، القائمة في أساس الظواهر الطبيعية، ويشكل هذا المفهوم الخاص نظرية الأفكار"([11]).

كان "أفلاطون يقسم الواقع إلى قسمين: الأول مُشَكَّل من عالم الحس الذي يعطينا معرفة تقريبية، وغير كاملة، أما القسم الثاني، فهو مكون من عالم الأفكار الذي يسمح لنا بالوصول إلى المعرفة الحقيقية، عن طريق استعمال العقل، لأن عالم الأفكار هذا، هو عالم مُسَتعْصِ على الحواس، وبالتالي فإن الأفكار– أو المثل- هي أزلية وثابتة، فكل الظواهر الطبيعية عند أفلاطون ليست إلى ظلال الأشكال أو الأفكار الابدية"([12]).

وبهذه الطريقة تصبح الفلسفة كلية – لأنها تتعلق بالمُثل الخالدة- ومادية- لأنها تتعلق بوضعنا الحياتي. والفلسفة معرفة وتربية، في الوقت ذاته. وهذه العملية التربوية رحلة لا تتوقف، صعوداً إلى المُثل (النور). ونزولاً إلى الأشياء المدركة حسياً (عالم الظلال).

لذلك، "لا نستطيع، ومن دون تحفظ، أن نزعم أن أفلاطون كان يبحث عن الحقيقة لذاتها، كما كان الزعم في معظم الأحيان. فالحقيقة تتحصل جزئياً بالحركة بين رؤية المُثُلْ ورؤية الوضع الحياتي هنا والآن، ومن يحقق رؤية كافية للمُثُل سيعود بغية تنوير العالم بهذه الرؤية. ولا يفترض بالفلاسفة أن يتأملوا تأملاً سلبياً في هذه المُثل مثل النساك في صومعة، فمن واجبهم أيضاً أن يرشدوا المجتمع بفعل تلك البصيرة"([13]).

نظرية المُثُل ودور الإنسان :
يمكننا شرح نظرية أفلاطون في المعرفة بالنظر إلى مركز البشر بالنسبة إلى عالم المُثُل وعالم الحس، ويمكن أن نضع المسألة بالشكل الآتي: يقدم أفلاطون المسألة الفلسفية الخاصة بكيفية اتصال روح الفرد بالمُثُل. وقد طُرِحَتْ هذه المسألة عندما كان أفلاطون (وبأسلوب الاستعارة) يتكلم على أن للكائنات البشرية وجوداً قبلياً ووجوداً بعدياً.

والنفس، عند افلاطون "هي الشخص الحقيقي وُجِدَتْ قبل الميلاد وستبقى بعد الوفاة، عندما يفني الجسد الفيزيائي، والكائن البشري هو مخلوق يقع بين عالم المثل وعالم الإدراك الحسي، أي: النفس تنتمي إلى عالم المثل، والجسد الفيزيائي ينتمي إلى عالم الإدراك الحسي. وهكذا، فإن الكائنات البشرية التي لها نفوس وأجسام فيزيائية هي في وطنها في العالمين.

غير ان الجزء الحقيقي للشخص هو النفس، وفقاً لأفلاطون، وما ندعوه حياة هو الفترة الزمنية لوجود النفس عندما تتقمص في الجسد الفيزيائي، وبمعنى من المعاني نقول إن النفس "تغوص" في عالم الإدراك الحسي، وهو ما نسميه الولادة، وهنا تلبس جسداً فيزيائياً، ولكن بعد فترة تعود ثانية إلى عالم المُثُلْ بانعتاقها من الجسد الفيزيائي، وهو ما نسميه الموت. والوقت الذي تكون فيه النفس "تحت الماء" هو ما يدعي الحياة. ويمكن القول إن نظرية أفلاطون في المعرفة تقوم على تلك النظرة إلى الكائنات البشرية، أي: خلال فترة وجودها السابق، عندما كانت النفس تعيش في عالم المُثُلْ، كانت قادرة على النظر إلى المُثُلْ مباشرة. وعندما لبست النفس جسداً فيزيائياً (وقت الميلاد)، نسيت النفس كل ما عرفته سابقاً"([14]).

جمهورية أفلاطون:
إعتقد أفلاطون أن السلطة في دولة مدينية صحيحة يجب أن توضع في أيدي المقتدرين من نخبة المفكرين أو الفلاسفة، وليس في أيدي الشعب، وليس في أيدي حاكم مطلق عاجز ظالم، "ذلك إن ايمانه واقتناعه العميق بدور الفلاسفة في إدارة الدولة المثلى أو النموذجية أو الدولة اليوتوبية، جاء انعكاساً لقناعته بصحة رأيه المرتبط بتحليله للجسد الانساني، "فهو يعتبر أن الجسم البشري مقسم إلى ثلاثة أقسام: الرأس، الجذع، وأسفل الجسد، ويقابل كل من هذه الأجزاء، صفة من صفات النفس: الرأس هو مقر العقل، الجذع مقر الإرادة، وأسفل الجسد، مقر الرغبات والشهوات، ويقابل كل صفة من صفات النفس هذه، مثال أو فضيلة، فهدف العقل يجب أن يكون الحكمة، والإرادة يجب أن تقدم الدليل على الشجاعة، وأخيرا يجب أن يضبط الإنسان شهواته ليدلل على اعتداله، ولا يمكن أن نحصل على انسان متناغم متوازن إلا عندما تعمل أقسامه الثلاثة معا لتشكل كلا واحدا، يجب أن يتعلم الأطفال في المدرسة كيف يضبطون رغباتهم، ثم كيف ينمون شجاعتهم، وأخيرا يجب أن يقودهم العقل إلى الحكمة، انطلاقا من هذا، يتصور أفلاطون دولة تبنى على مثال الإنسان، وصورة الأجزاء الثلاثة، فكما الرأس والقلب والبطن، للدولة حراسها، مقاتلوها (أو جنودها)، وعمالها (كالفلاحين مثلا)"([15]).

بناءً على هذا التصور، يمكن اقامة الدولة حسب أفلاطون، بواسطة نظام تربوي كلي، يكون فيه لكلِّ واحدٍ الفرص ذاتها، ويحتل الجميع مراكز في دولة المدينة طبقاً لقدراتهم، وقد كرس أفلاطون القسم الكبير من محاورة الجمهورية لشرح نظامه التربوي المثالي.

أما النقاط الرئيسية لهذا النظام فهي: التربية محكومة بقوانين الدولة، والصغار جميعهم يعاملون معاملة متساوية، بمعزل عن الأصل العائلي والجنس، "وفي هذا النظام، يتلقى جميع الطلاب التربية ذاتها من سن العاشرة إلى العشرين، وتكون المواد المهمة شاملة الرياضة البدنية والموسيقى والدين. وتتألف أهداف الشباب من مجموعة قوية ومتناسقة، وتشمل تقديراً للجمال والتربية على الطاعة والتضحية بالنفس والولاء.

ثم يجري اختيار أفضل الطلاب في سن العشرين، وهؤلاء يدرسون مواد أخرى (وبخاصة الرياضيات) إلى أن يبلغوا سن الثلاثين، وعندئذ تجري عملية انتقاء أخرى، فيبدأ أفضل الطلاب بدرس الفلسفة لخمس سنوات إلى أن يبلغوا سن الخامسة والثلاثين، بعدها ينطلقون إلى العالم ليتعلموا إدارة شؤون الحياة العملية لمدة خمس عشرة سنة، وعندما يبلغون سن الخمسين – بعد أربعين سنة من التعليم الكامل والتدريب والخبرة – تصبح هذه النخبة المنتقاة بعناية قادة الدولة، إذ يكونون عندئذ قد تمكنوا من اكتساب رؤية متبصرة لمثال الخير وللمعرفة الواقعية وللخبرة العملية، ويتميز هؤلاء، بحسب أفلاطون، بالكفاءة والفضيلة المطلقتين. وهؤلاء الأكفاء هم الذين يتسلمون السلطة في الدولة لحكم أعضاء المجتمع الآخرين، ومن بقي بعد عملية الانتقاء الأولى يصيرون حرفيين وعمالاً وتجاراً. ومن أنتقوا في المستوى التالي يصيرون موظفين إداريين تنفيذيين وجنوداً. وهكذا، نجد أن النظام التربوي ينتج ثلاث طبقات اجتماعية:

أولاً، هناك الحكام ذوو الكفاءة والسلطة، يليهم الموظفون الإداريون التنفيذيون والدفاع العسكري، وأخيراً، هناك الذين ينتجون المنتجات التي يحتاجها المجتمع، أي: (1)الحكام، (2)الإداريون / الجنود، (3)المنتجون، والافتراض هنا هو أن الناس مختلفون، ووظيفة النظام التربوي تتمثل في الفصل الدقيق بين أنماط مختلفة من الناس ووضعهم في المكان الملائم لهم في المجتمع، ويوظف أفلاطون استعارة لوصف الحالة بالقول إن بعض الناس مصنوعون من ذهب، وآخرين من فضة، وآخرين من حديد ونحاس. كما يقارن أفلاطون الطبقات الثلاث بوظائف ثلاث في المجتمع وبثلاث فضائل، كما يلي([16]):

 

 


الطبقة/المهنة

الوظيفة

الفضيلة

الحكام (الفلاسفة)

ممارسة الحكم

الحكمة

الإداريون (الحرس)

ممارسة الإدارة

الشجاعة

المنتجون (العمال)

الإنتاج

ضبط النفس



لم يعتقد أفلاطون بأن جميع الناس متساوون في الجودة، وإلا يصلح كل واحد للقيادة السياسية، بل "إعتقد بأن تعليم الدولة وتربيتها يؤِّمنان أن كل رجل وامرأة سيكون، في نهاية المطاف، في المكان الصحيح في المجتمع، وبالنتيجة يؤدون الوظائف الاجتماعية المجهزون لها أفضل تجهيز، فمَنْ يملك موهبة الحكمة سَيَحْكُم، ومن يتصف بالشجاعة سيدافع عن الدولة، والمعتدلون الذين يتمتعون بضبط النفس سينتجون الطعام والأشياء الأخرى التي يحتاجها المجتمع، وعندما يقوم كل شخص بما جُهِّزَ أفضل تجهيز للقيام به، وعندما تُؤَّدي جميع الوظائف الاجتماعية على أفضل وجه (طبقاً لأفلاطون)، سيكون المجتمع عادلاً، أي: ستحقق فضيلة العدالة عندما يكون هناك انسجام بين الفضائل الثلاث التي سبق ذكرها. فالعدالة فضيلة ذات صلة بالمجتمع، إنها في الانسجام بين الفضائل الثلاث الأخرى"([17]).

في هذا الجانب، يرى أفلاطون: ان أفضل مكان لرجال الإنتاج هو الميدان الاقتصادي، والمحارب أو العسكري يبرز ويلمع في الميدان والمعركة؛ وكلاهما لا يصلح للمنصب السياسي والوظيفة العامة، وتتحول إدارة الدولة في يدهم الخاصة إلى سياسة، لان إدارة الدول عِلم وفن، وعلى الشخص أن يخصص العمر لهذا العلم والفن، ويُعَدُّ إعداداً طويلاً لهذا العلم والفن، لذلك فلا يصلح لهداية الشعب سوى ملك فيلسوف.

ويضيف قائلاً: سوف لا تنجو المدن والجنس البشري من الشرور والفساد والمرض؛ إلا إذا أصبح الفلاسفة ملوكاً أو الملوك فلاسفة؛ واجتمعت الحكمة والزعامة السياسية في نفس الرجل. هذا هو حجر الأساس في قنطرة أفكار افلاطون"([18]).

حسناً ما العمل إذن وكيف يمكن تطبيق أفكاره ؟ يجيب أفلاطون على هذا السؤال قائلاً: "يجب أن نبدأ بإخراج جميع السكان في المدينة إلى الأرياف، من الذين تزيد أعمارهم عن العشر سنوات، ونضع يدنا على الأطفال، الذين سنحميهم بعدئذ من عادات آبائهم.
وفي العشر سنوات الأولى من حياة الطفل، ينبغي ان يكون التعليم معنياً في الدرجة الأولى بأجساد الأطفال، حيث يقام في كل مدرسة ملعب وساحة رياضية، ولكن مجرد الرياضة البدنية والتدريب الجسدي لا يكفي، اذ يجعل من الشخص متطرفاً في الخشونة. كيف السبيل إلى إيجاد طبيعة لطيفة وشجاعة كبيرة في وقت واحد؟، وهذا السبيل عند افلاطون هو الموسيقى اذ تتعلم الروح عن طريق الموسيقى، الإيقاع والانسجام والتناسب ومحبة العدل"([19]).

لكن ما هو السبب في قوة التدريب الموسيقي؟ "السبب عند افلاطون هو ان التناغم والانسجام الموسيقي يجدان طريقهما إلى خفايا الروح، ويحملان الجمال والجلال والحسن والكياسة، ويجعلان الروح رشيقة ولطيفة وظريفة، إذ أن الموسيقى تُحَلِّي الخُلُقْ وتشترك في تقرير القضايا الاجتماعية والسياسية. ان الموسيقى ثمينة ونفيسه لا لأنها تُحْدِثُ صفاء في الشعور والخلق، ولكن لأنها تحفظ وتسترد الصحة، ولكن هناك بعض الأمراض التي لا يمكن معالجتها الا عن طريق العقل، كما يجب، ان تستخدم الموسيقى في تقديم اشكال جذابة تمهيداً لعلوم لا تثير الرغبة أحيانا في نفس التلاميذ، كالتاريخ والعلوم والرياضيات، ولا ينبغي –كما يؤكد افلاطون- فرض هذه العلوم على العقول التي لا تتقبلها أو تستسيغها، فلكي تسود حرية الروح، يجب أن نقدم عناصر التعليم إلى العقل في سن الطفولة، ولكن بغير اكراه أو ارغام، لأن الرجل الحر ينبغي أن يكون حراً، أيضاً في حصوله على المعرفة، والمعرفة التي يتم الحصول عليها بالارغام لا تبقى في العقل. "وبنمو العقول بحرية كهذه، وتقوية الاجسام بالرياضة والهواء الطلق والمنتزهات، يتوفر لدولتنا المثالية قاعدة نفسانية وجسدية واسعة لدرجة تكفي لمواجهة كل إمكانية وكل تطور وينبغي ايضاً تقديم قاعدة خلقية، حيث يتم توحيد افراد المجتمع في وحدة، وتعليمهم التضامن والاتحاد"([20]).

عندما يبلغ الأفراد، العشرين من أعمارهم، هنا تبدأ عملية فرز وتنقية قاسية لا رحمة فيها بينهم، أو ما يمكن أن نطلق عليه عملية التصفية والغربلة الكبيرة بتقديمهم إلى الامتحان، وسيكون امتحاناً عملياً ونظرياً، أما أولئك اللذين يُخْفِقون ويفشلون في هذا الإمتحان يُوَجَّهون للأعمال الاقتصادية في البلد، ويصبحون رجال أعمال وكتبة في الدوائر وعمالاً في المصانع ومزارعين، واؤلئك الذين ينجحون في هذا الفحص الأول يتلقون عشر سنوات أخرى من التعليم والتدريب الجسدي والعقلي والخلقي، وبعدئذ يواجهون امتحاناً آخر أشد صعوبة من الأول، وأؤلئك الذين يفشلون في هذا الامتحان الثاني يصبحون مساعدين أو مساعدين تنفيذيين أو ضباطاً عسكريين في الدولة، وهنا في هذه التصفية والفرز أثناء الإمتحان نحتاج إلى استخدام كل وسائل الاقتناع، لاقتناع الذين سقطوا في الامتحان على قبول مصيرهم بسلام وروح طيبة"([21]).

السؤال الآن –كما يطرح ديورانت- ما هو مصير البقية السعيدة التي نجحت في جميع مراحل هذا الاختيار المتعاقب؟ يقول أفلاطون : سنقوم بتعليمهم الفلسفة، لقد بلغوا الآن سن الثلاثين، وليس من الحكمة أن نَدَعْهُم يتذوقون لذة الفلسفة في سن مبكرة، لان صغار الرجال عندما يبدأون في تذوق طعم الفلسفة في أفواههم، يناقشون ويتحدثون للتسلية، وفي الأغلب يعارضون ويدحضون، وهذه الفلسفة العزيزة السارة تعني شيئين، أولاً ان نفكر بوضوح وصفاء وهي الميتافيزيقا أو "البحث عن الحقيقة النهائية الأساسية" وان نحكم بحكمة وهي السياسة.

لذلك يجب ان يتعلم صفوة الشباب، التفكير بوضوح، ومن أجل هذا الغرض يجب أن يدرسوا مبدأ المُثُلْ، وبعد خمس سنوات من التدريب في مبدأ المثُلْ العويصة الغامضة، وتطبيق هذا المبدأ على سلوك الإنسان وسير الدول، بعد هذا الإعداد الطويل من سن الطفولة والشباب حتى بلوغ سن النضوج في الخامسة والثلاثين، يصبح الآن هؤلاء الرجال المتصفين بالكمال على استعداد للقيام بأعظم أعمال الحياة العامة؟ وقد وصلوا أخيرا إلى مرتبة الفيلسوف الذي سيتولى الحكم ويحرر الجنس البشري؟

ولكن يا للأسف –يقول ديورانت- لم يتم إعدادهم بعد، وتعليمهم لازال ناقصا لم ينته بعد، اذ أنه بعد كل هذا التعليم، تستدعي الضرورة إضافة شيء آخر على تعليمهم النظري، او بعبارة أوضح ترك حملة شهادة الدكتوراه في الفلسفة ينزلون الآن من أعلى قمة الفلسفة إلى كهف عالم الناس والاشياء، ولنترك طلابنا يدخلون ذلك العالم بدون رحمة او شفقة أو تفضيل، ليتنافسوا مع رجال الاعمال من ذوي الرؤوس الفردية اليابسة، ومع رجال النحاس والحديد الدُّهاة"([22]).

وفي هذا السوق من المنافسة –يضيف ديورانت- "سيتعلمون من كتاب الحياة نفسها، وسيقومون بكسب خبزهم وزبدتهم بعرق جباههم، وهذا الامتحان الأشد قسوة سيستمر دون رحمة أو شفقة مدة خمسة عشر عاماً أخرى، وسينهار بعض إنتاجنا الكامل هذا تحت وطأة هذا الضغط القاسي، وأولئك الذين ينجون وقد بلغوا سن الخمسين وامتازوا بالرشد والاعتماد على النفس بعد أن جردتهم قسوة الحياة من الزهو والخيلاء، وقد تسلحوا الآن بكل الحكمة التي قدمتها له التجارب والتقاليد والحضارة والثقافة، يصبح هؤلاء بطريقة آلية حكام الدولة"([23]).

في توضيح "ول ديورانت" لرؤية أفلاطون وموقفه المعادي للديمقراطية دفاعاً عن الارستقراطية، يقول: "ان الديمقراطية آلياً – بغير نفاق التصويت والانتخاب، تعني مساواة تامة في الفرص، أمام الجميع، ولكن اولئك الذين اثبتوا أفضليتهم وصلابة معدنهم ونجحوا في جميع الامتحانات بوسامات البراعة، يحق لهم أن يحكموا البلاد، بحيث يتم اختيار موظفي الدولة الكبار لا على أساس التصويت والانتخابات، ولكن باختيارهم على أساس مقدرتهم التي ثبتت في الديمقراطية الأساسية لجنس تسود المساواة بين افراده، كما لا يجب أن يشغل أي رجل منصبا من غير أن يكون مُعَدَّاً او مُدَرباً تدريباً خاصاً، او يشغل منصباً كبيراً قبل أن يكون قد شَغَلَ منصباً أصغر واثبت جدارته".

هل هذه ارستقراطية ؟ حسنا –يجيب ديورانت قائلاً-: "يجب ان لا نخشى القول اذا كانت الحقيقة التي تشير اليها حسنة، نريد ان يحكمنا أفضل الرجال الذين تعنيهم كلمة ارستقراطية، لكن هذه الارستقراطية الافلاطونية ليست من هذا النوع الوراثي، وهي أرستقراطية حَرِيٌ بالمرء أن يسميها أرستقراطية ديمقراطية، لأن الشعب بدلاً من ان ينتخب بطريقة عمياء أقل الشرين من المرشحين الذين تقدمهم الأحزاب السياسية بطريقة التعيين أو الترشيح، يكون كل واحد من الشعب مرشحاً في أرستقراطية، ويتلقى فرصة متساوية في التعليم، وهو تعليم يؤهله بطريق الانتخاب الطبيعي إلى المركز أو المنصب.

في هذا الجانب، يضيف ول ديورانت قائلاً: "لا يوجد نظام طبقي هنا في ارستقراطية افلاطون الديمقراطية، ولا وراثة للمناصب أو المميزات، أو عقبات امام المواهب بسبب فقر التلاميذ وعدم مقدرتهم على مواصلة دراستهم، حيث يبدأ ابن الحاكم دراسته على قدم المساواة والمعاملة مع ابن ماسح الأحذية وغاسل الصحون، فإذا كان ابن الحاكم غبياً فإنه يسقط في دراسته في الامتحان الأول واذا أثبت ابن ماسح الأحذية أو غاسل الصحون مقدرة، فإن الطريق مفتوح أمامه ليصبح حاكماً في الدولة، فالوظائف مفتوحة أمام المواهب أينما وجدت وولدت، هذه هي ديمقراطية المدارس والتعليم وهي اشرف مئة مرة، وأكثر تأثيراً من ديمقراطية صناديق الانتخابات"([24]).

إن افلاطون يعني بالفلسفة –كما يشرح ديورانت- تثقيفاً فعالاً وحكمة ممزوجة بأعمال الحياة، ولا يعني بها خيالاً ميتافيزيقياً مغلقاً أو محبوساً غير عملي. وهكذا "بالنسبة إلى العجز وعدم المقدرة أو الاحتيال والغش نقوم بحمايتهم وتحصينهم بإقامة نظام شيوعي بين حكام الدولة وحُماتها، فلا يقتنون املاكاً وراء الضروري جداً، ولا يملكون بيوتا خاصة بهم ذات قضبان حديدية ومزاليج مغلقة في وجه من يفكر في دخولها، وتُقَدَّم لهم أقواتهم بما فيه الكفاية فقط، بالنسبة إلى محاربين مدربين ذوي شجاعة واعتدال ويوافقون على ان يتلقوا من بقية المواطنين دفعة محدودة تكفي لمواجهة نفقاتهم ومصاريفهم طيلة السنة فقط وليس اكثر، وسيتناولون الطعام في وجبات مشتركة، ويعيشون عيشة مشتركة مع بعضهم كالجنود في معسكر، وسنخبرهم انهم سيتلقون الذهب والفضة من الله، وأن المعدن الأكثر قداسة موجود فيهم، وبذلك فَهُمْ ليسوا في حاجة إلى ذلك المعدن الأرضي الذي يتداوله الناس باسم الذهب وأن لا يدنسوا الإلهي المقدس بذلك الخليط الأرضي لان هذا الذهب أصبح مصدر أعمال كثيرة غير مقدسة، لإن هؤلاء الفلاسفة / الحكام لو امتلكوا البيوت أو الأراضي أو أموال خاصة بهم، فانهم بذلك يتحولون إلى مدبري منازل ومزارعين وليس حراساً للدولة وحكاماً لها، ويصبحون أعداء وطغاة بدلاً من ان يكونوا حلفاء مع بقية المواطنين فيصبحون، كارهين ومكروهين، متآمرين ومعرضين للتآمر عليهم، ويتعرضون في حياتهم إلى رعب وإرهاب أعدائهم في الداخل أكثر من اعدائهم في الخارج، وتكون ساعة الدمار لهم وللدولة أقرب اليهم من أيديهم"([25]).

وبوجود هؤلاء الفلاسفة الذين هيأهم افلاطون لحكم الدولة وحمايتها ينتهي الصراع والمنافسة بين الأحزاب السياسية الذي تعاني منه الكثير من الدول في يومنا هذا، ولكن ما هو موقف زوجات هؤلاء الفلاسفة منهم؟ هل سيقنعن بالابتعاد عن ترف الحياة وبذخها، وزخارفها ومتعها وزينتها؟ كما يسأل ديورانت، ويجيب: "سوف لا يكون لهؤلاء الحُماة والحكام والولاة زوجات، وستكون شيوعيتهم خالية من الزوجات كما هي خالية من المتاع، بحيث لا تحرر نفوسهم من أثرة النفس فحسب، بل ومن أثرة العائلة أيضاً. وتكون حياتهم خالية من قلق ومتاعب الكسب التي تنخس الزوج، فلا تكون حياتهم للزوجات بل للشعب بأسره، وحتى أطفالهم لن يكونوا لهم على وجه التعيين والتخصيص، حيث يؤخذ أطفالهم من أمهاتهم، عند ولادتهم لتربيتهم تربية مشتركة بعيدة عن العائلة، وبذلك تضيع أبويتهم، غير أن الشركة في الزوجات لا تعني التزويج والتوليف بغير تمييز، اذ سيقوم إشراف دقيق على جميع أنواع التناسل وتحسينه، لأنه لا يكفي تعليم الطفل تعليماً حسناً، وينبغي توليده توليداً حسناً، من أبوين قويين صحيحين، يجب أن يبدأ التعليم قبل الولادة. فلا يتناسل رجل وامرأة ما لم يكونا في صحة جيدة"([26]). "وقبل وبعد السن المخصصة للتناسل يباح الاتصال الجسدي، ويكون حراً، شريطة إسقاط الجنين واجهاضه. كما ان تزاوج الأقارب محظور لأنه يضعف النسل، ويتزاوج أفضل الرجال مع أفضل النساء كثيراً بقدر الإمكان، وضعاف الرجال مع ضعاف النساء، ويباح لأشجع شبابنا وأفضلهم بالإضافة إلى ألقاب الشرف والجوائز الإتصال بعدد أكثر من النساء، لأن مثل هؤلاء الآباء ينبغي أن ينجبوا أكثر عدد ممكن من الأولاد"([27]).

"وفي هذا المجتمع النموذجي، الذي سيكون طبعاً مجتمعاً مسالماً، لأنه سيحدد عدد السكان ضمن حدود موارد البلاد وامكانياتها، ولكن الدول المجاورة ستطمع في نظامنا، وفي الرخاء المنظم في دولتنا المثالية، ويدفعها هذا الرخاء إلى غزونا ونهبنا، لذلك، يجب –كما يقول افلاطون- أن نجند من طبقتنا المتوسطة عددا كافياً من الجنود المدربين تدريباً حسناً، ويعيشون عيشة خشنة وبسيطة مثل حماتنا وحكامنا، وهكذا فإن بنائنا السياسي تعلوه طبقة صغيرة من الولاة والحكام، وتحميه طبقة كبيرة من الجنود "والمساعدين" ويقوم على القاعدة الواسعة من الشعب وهي طبقة التجار والعمال والفلاحين([28]).

ان هذه الطبقة الأخيرة من الشعب تحتفظ بالملكية الفردية، او بعبارة أوضح يحق لهما اقتناء الأملاك الخاصة والزوجات الخاصة والعائلات والاسر الخاصة، ولكن يقوم الحكام بتنظيم التجارة والصناعة لمنع الافراط في الثروة والفقر، وكل شخص يملك أكثر من أربعة اضعاف الحد المتوسط لما يملكه المواطنون يجب أن يترك هذه الزيادة إلى الدولة، وقد نعمل على منع الفائدة على الأموال (الربا) وتحديد الأرباح.

"ان شيوعية الحكام لن تكون عملية بالنسبة إلى الطبقة الاقتصادية في الشعب، لان الصفات المميزة لهذه الطبقة هي غريزتها القوية إلى الكسب والربح والاقتناء والمنافسة، فقد يوجد بين أفراد هذه الطبقة الاقتصادية بعض النفوس النبيلة الحرة من حُمَّى الصراع على الامتلاك، ولكن أكثرية افراد هذه الطبقة تملكهم رغبة التملك والاقتناء، وليست بهم رغبة قوية في بلوغ التقوى والصلاح والشرف، ولكن لمضاعفة التملك والكسب والاقتناء بلا نهاية، كما أن الذين يشغلهم جمع المال والسعي وراء الثروة لا يصلحون لحكم الدولة، وكل الخطة –حسب أفلاطون- تقوم على أمل أنه لو قام الحكام بالحكم جيداً، وعاشوا ببساطة كما ذكرنا، فسيقوم رجال الاقتصاد طوعاً بتركهم يحتكرون الحكم وإدارة البلاد، اذا سمحوا لهم باحتكار الرخاء والثروة"([29]).









([1]) ول ديورانت– قصة الفلسفة – ترجمة: د.فتح الله محمد المشعشع - مكتبة المعارف – بيروت – الطبعة الخامسة 1985م – ص 20

([2]) سميت بهذا الاسم لأنها كانت تطل على بستان البطل اكاديموس.

([3]) ول ديورانت – مرجع سبق ذكره – قصة الفلسفة – ص 20

([4]) غنارسكيربك ونلز غيلجي – تاريخ الفكر الغربي .. من اليونان القديمة إلى القرن العشرين – ترجمة: د.حيدر حاج إسماعيل – مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الأولى، بيروت، نيسان (ابريل) 2012-ص115.

([5]) المرجع نفسه – ص 116

([6]) موجز تاريخ الفلسفة – جماعة من الأساتذة السوفيات – تعريب: توفيق ابراهيم سلوم – دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) – ص96

([7]) المثالية :معناها في اليونانية ( الصورة او المفهوم ) وهو اتجاه فلسفي يتعارض بشكل قاطع مع المادية في حل المسألة الاساسية في الفلسفة. والمثالية تبدأ من المبدأ القائل بأن الروحي أي اللامادي أولي ، وأن المادي ثانوي، وهو ما يجعلها اقرب الى الافكار الدينية حول تناهي العالم في الزمان والمكان وحول خلق الله له . وتنظر المثالية للوعي منعزلا عن الطبيعة ، ولهذا فهي قد تضلل الوعي الانساني والعملية المعرفية ، وهي تدافع _ كقاعدة عامة _ عن النزعة الشكية واللاأدرية ، وتضع المثالية في موضع النقيض للحتمية ( المادية ) ووجهة النظر الغائية .( م. روزنتال و ب. يودين - الموسوعة الفلسفية–دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص453)

([8]) جماعة من الأساتذة السوفيات– مرجع سبق ذكره – موجز تاريخ الفلسفة – ص97

([9]) تجدر الاشارة هنا إلى "الكهف الافلاطوني" يُشَبِّه أفلاطون وجودنا في العالم الواقعي بقوم وضُعِوا في كهف منذ الطفولة، وأُوثِقوا بسلاسل ثقيلة، وأديرت وجوههم إلى داخل الكهف، بحيث يعجزون عن التلفت إلى الضوء، وهناك مارة يعبرون أمام الكهف، يحملون آنية ذات أشكال مختلفة، تسقط عليها أشعة الشمس، فتشكل على جدار الكهف المقابل ظلالا لها. ان الناس الموثقين لا يستطيعون أن يروا الا الظلال، أو الاشباح، لا الاواني نفسها، ولا المارة، ولا أشعة الشمس، ولا ما يجري خارج الكهف، وهكذا فليست الاشياء الحسية سوى "ظلال" لـ"المثل"، وليس بوسع الناس أن يعرفوا الا هذه "الظلال"؛ أما الحقيقة –ضوء الشمس- فلا تدركها الحواس أبدا. وللوصول اليها يجب على الانسان أن يتخلى عن كل ما هو جسمي ، حسي، وأن "يسد أذنيه ويغمض عينيه"، وينكفئ على عالمه الباطني، ويحاول أن "يتذكر" ما عرفته روحه الخالدة في عالم "المثل". (المرجع نفسه - موجز تاريخ الفلسفة – ص98)

([10]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 126

([11]) جوستاين غاردر – كتاب: عالم صوفي– دار المنى – الطبعة الثانية – لا يوجد سنة – ص 95

([12]) المرجع نفسه – ص 97

([13]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 126

([14]) المرجع نفسه - ص 133

([15]) جوستاين غاردر – كتاب: عالم صوفي – دار المنى – الطبعة الثانية – لا يوجد سنة – ص 101

([16]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 135 / 136

([17]) المرجع نفسه - ص 137

([18]) ول ديورانت – مرجع سبق ذكره - قصة الفلسفة - ص33

([19]) المرجع نفسه – ص35

([20]) المرجع نفسه – ص37

([21]) المرجع نفسه – ص38

([22]) المرجع نفسه - ص40

([23]) المرجع نفسه - ص42-43

([24]) المرجع نفسه – ص45

([25]) المرجع نفسه - ص47

([26]) المرجع نفسه – ص49

([27]) المرجع نفسه – ص50

([28]) المرجع نفسه - ص50 /51

([29]) المرجع نفسه - ص51/ 52



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقراط (470 ق.م – 399 ق.م): رائد الفلسفة اليونانيه النخبويه ا ...
- السفسطائيون
- الفلسفة اليونانية
- بدايات الفكر الفلسفي في بابل ومصر القديمة
- الفلسفة الطاويه في الصين
- الكونفوشيه
- فلسفة الصين القديمة
- الفلسفة البوذية
- الفلسفة الهندية
- مدخل إلى الفلسفة ( 3 / 3 )
- مدخل إلى الفلسفة ( 2 / 3 )
- مدخل إلى الفلسفة ( 1 / 3 ) ما هي الفلسفة ؟
- مقالات ودراسات ومحاضرات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع ...
- قبسات ثقافية وسياسية فيسبوكية 2019 - الجزء الثامن
- اقتصاد قطاع غزة تحت الحصار والانقسام الحلقة العاشرة والأخيرة ...
- في ذكراه الثانية عشر ...الرفيق القائد المؤسس الحكيم جورج حبش ...
- المتغيرات الفلسطينية ما بعد أوسلو
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...


المزيد.....




- من الصين إلى تشيلي والمكسيك.. بعض البلدان تعاني حرارة شديدة ...
- مقتل إسرائيلي بالرصاص بالضفة الغربية والجيش يعلن فتح تحقيق
- -اليونيفيل-: استهداف المواقع الأممية في لبنان أمر مرفوض 
- باتروشيف: مسؤولو الغرب يروّجون الأكاذيب حول روسيا للبقاء في ...
- هجوم محتمل للحوثيين في اليمن يستهدف سفينة في خليج عدن
- مقتل إسرائيلي في إطلاق نار في قلقيلية بالضفة الغربية المحتلة ...
- كشف سبب الموت الجماعي للفقمات في مقاطعة مورمانسك
- دعوة روسية للحيلولة دون انهيار الاتفاق النووي مع إيران
- عالم سياسة أميركي: حماس تنتصر وإستراتيجية إسرائيل فاشلة
- فيديو يرصد الحادثة.. السلطات الأردنية توضح طبيعة -انفجار عمّ ...


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - أفلاطون (427 ق.م – 347 ق.م) (1/2)