أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - فرنسا ووهم الاستعمار المستدام














المزيد.....

فرنسا ووهم الاستعمار المستدام


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6665 - 2020 / 9 / 2 - 09:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من المفارقة بمكان أن يحتفل بلدٌ ما بذكرى استعماره أكثر مما يحتفل باستقلاله، وأن يدعو للمناسبة رئيس الدولة المستعمِرة جاعلاً منه نجم الاحتفال. لا بل تتفاقم المفارقة عندما يتصرّف ضيف الاحتفال وكأنه هو الذي يستضيف أفراد «النخبة» السياسية المحلّية، مستعيداً الدور الاستعماري الذي لعبته بلاده حتى جلاء قواتها عن البلد المستعمَر قبل ما يقارب 75 عاماً. والحقيقة أننا ألفنا مثل هذا السلوك الاستعماري المستدام من قِبَل الدولة الفرنسية التي لم تهضم حتى الآن أن عصر الاستعمار الأوروبي قد ولّى، وهي لا تزال تحكم جزراً بالغة البُعد عن شواطئها في شتى المحيطات وتتصرّف إزاء أفقر الدول الأفريقية «المستقلة» التي خرّبتها بنهبها الاستعماري وكأنها لا تزال وصيّة عليها بموجب انتداب أبدي، حيث لا تستقوي الدولة الفرنسية استعمارياً سوى على الفقراء والضعفاء.
فبعدما انهار الاقتصاد اللبناني في العام الماضي، وتصدّع ما تبقّى من أعمدة النظام السياسي اللبناني بمفعول الانفجار المريع الذي خضّ بيروت قبل ما يناهز الشهر، والذي ضاعف مفعول الانفجار السياسي الذي أحدثته «ثورة 17 تشرين» في العام الماضي، أخذت الدولة الفرنسية تلعب من جديد لعبتها الاستعمارية المفضّلة. فأسرع رئيسها إلى زيارة بيروت وهو يعلم أن ذلك سوف يحسّن صورته في وقت تشير الاستطلاعات إلى رفض أغلبية الرأي العام الفرنسي له. وتَعامل مع الوضع اللبناني بعجرفة باتت معتادة لدى حكّام فرنسا، وكأنه وصيّ على البلد، يوزّع إرشاداته على أفراد طبقتها الحاكمة الذين التقى بهم، كما وعلى شعبها بواسطة أجهزة الإعلام.
وقد عاد إلى بيروت ليشرف يوم أمس الثلاثاء على حفل تخليد قيام الانتداب الاستعماري الفرنسي قبل مئة عام بخلق «دولة لبنان الكبير» ضمن حدود مصطنعة كسواها من الحدود التي رسمها الاستعماران البريطاني والفرنسي في ما بقي من أراضٍ عربية خاضعة للحكم العثماني حتى الحرب العالمية الأولى. فإن الاحتفال بخلق هذه الدولة كالاحتفال بتقسيم سوريا الذي ترافق معها، والحال أن «لبنان الكبير» ضمّ إلى ولاية بيروت العثمانية أراضي كانت تابعة لولاية الشام، فيما انتزع منها أراضي ألحِقت بالساحل السوري شمالاً والفلسطيني جنوباً. ومن المعلوم أن المنطق الذي أشرف على رسم حدود «لبنان الكبير» في أراضي سوريا ولبنان التي اتفق البريطانيون مع الفرنسيين على وضعها تحت وصاية باريس، بينما جرى ضم بعضها إلى فلسطين الانتداب البريطاني، ذلك المنطق كان طائفياً بامتياز حيث إن فرنسا سعت إلى خلق أكبر دولة ممكنة تكون فيها الغلبة السكانية للمسيحيين، ولاسيما الموارنة، توخّيا منها أن هؤلاء سوف يكونون أوفياء للدولة الاستعمارية التي رأى بعضهم فيها «الأم الحنون».

هكذا فإن الاحتفال بتخليد خلق الاستعمار الفرنسي لدولة «لبنان الكبير» يساوي عملياً الاحتفال بتقسيم سائر الأراضي السورية إلى «دولة دمشق» و«دولة حلب» و«دولة جبل العلويين» التي أسّسها المستعمِر جميعاً في نفس الوقت قبل مئة عام، ومن ثمّ «دولة جبل الدروز» التي أسّسها في العام التالي 1921، ومعظمها كيانات يحكمها المنطق الطائفي. وكم تزداد الأمور سوءاً عندما يجري هذا الاحتفال تحت إشراف رئيس الدولة الاستعمارية التي هي أصل البلاء، إذ أرست الطائفية أساساً للسياسة في منطقة كانت قد بدأت يتطوّر فيها وعيٌ وطني لا طائفي في مواجهة الاضطهاد العثماني.
وما هو أنكى بعد من ذلك، إنما هو الدور الذي أناطه بنفسه ممثّل الإرث الاستعماري وزكّاه أركان النظام اللبناني «كلّن» بلا استثناء، بمن فيهم «الممانعون» الذين غدوا بسحر ساحر يرحّبون بالوصاية الاستعمارية الغربية المجدّدة، وهم يرون فيها خشبة خلاص قد تنقذهم من الإحراج العظيم الذي أصابهم منذ «ثورة 17 تشرين» وبلغ ذروته إثر انفجار مرفأ بيروت. والحال أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جاء ليُخرج من الورطة النظام السياسي اللبناني العفن برمّته، ذلك أن هذا النظام كان قد بدأ ينهار على غرار العمارات العديدة التي انهارت بمفعول انفجار نترات الأمونيوم. فقد استقال رئيس الوزراء الذي انفردت بتكليفه جماعة الوصاية الإيرانية بعدما نفضت جماعة الوصاية السعودية – الأمريكية عن نفسها مسؤولية تسوية الخراب الاقتصادي الذي شاركت في صنعه وبامتياز، استقال حسّان دياب وهو يدعو إلى «انتخابات نيابية مبكرة» في حين أخذ بعض النوّاب يقدّمون استقالتهم لتحفيز هذا المطلب الشعبي الذي كان في صدارة مطالب «ثورة 17 تشرين» (بشرط إنجازه على أساس قانون انتخابي جديد، لا يكون مفّصلاً لإعادة إنتاج الطاقم السياسي الحاكم)، بالإضافة إلى مطلب حكومة تكون مستقلة حقاً عن هذا الطاقم بكل مكوّناته.
وإذ توهّم العديد من اللبنانيات واللبنانيين عند زيارة ماكرون الأولى أنه سوف يدعم هذين المطلبين وينظّم ضغطاً دولياً في سبيلهما بما يُبطل مفعول ضغط الطبقة الحاكمة المحلّية، تبيّن لهم سريعاً أنه جاء لينقذ تلك الطبقة من ورطتها ويضغط في سبيل إعادة التوفيق بين جناحيها الرئيسيين والوصايتين اللتين يمثلانهما، متوخّياً أن تسمح وساطته بين الطرفين أن يستعيد الحكم الفرنسي انتدابه على لبنان بمباركة الوصايتين الأخريين.
والحقيقة أن ماكرون موهوم، طغت عليه أحلام «عظمة فرنسا» التي لا زالت تسيّر الحكّام الفرنسيين. أما في الواقع فيدرك الجميع أن لا حول ولا قوة لفرنسا إزاء الولايات المتحدة، صاحبة النفوذ الحاسم على مصادر التمويل الخليجي والدولي، ناهيكم من هيمنتها العسكرية الإقليمية. لذا يتظاهر أعضاء الطبقة الحكمة اللبنانية بمسايرة ماكرون وقد اتفقوا على رئيس وزراء ثانٍ بلا رصيد، هو مصطفى أديب، وأعينهم على الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة بعد شهرين والتي يتوقّف عليها مصير العلاقات بين العرّابين الرئيسيين الراهنين للنظام اللبناني.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نتنياهو وبن زايد يشاركان في حملة ترامب مرة ثانية
- «حزب الله» من التحرير إلى الطغيان
- «كلّن يعني كلّن»!
- الاستبداد وتلفيق التهم: عمر الراضي نموذجاً
- إجماع سعودي إيراني على حساب المسلمين!
- مأساة لبنان والوطنية الحقّة
- تحية للعالمات المشاركات في مشروع «الأمل»
- الجدوى من العدوى: عن دلالة الخيال الكارثي
- الموقف الوطني المصري السليم من ليبيا
- شهادة بولتون عن ترامب وبوتين وسوريا
- سفينة لبنان تغرق ولا من يعوّمها
- العنصرية والطائفية والرُكبات على الرَقبات
- الصهيونية بنت العنصرية الاستعلائية البيضاء
- فلسطين: من تقسيم إلى آخر
- رثاء الأمة العربية وشرط نهضتها
- الإدمان على النفط ومعالجته الملحّة
- رامي مخلوف المسكين…
- لبنان: عادت حليمة إلى عادتها القديمة
- هبوط أسعار النفط ومصيرنا
- أكباش الفداء أو عندما تسود اللاعقلانية


المزيد.....




- تأجيل النطق بالحكم على ترامب في قضية جنائية حتى سبتمبر
- العشائر والمخاتير أم السلطة الفلسطينية.. من يحكم غزة بعد حما ...
- بايدن: منح ترامب الحصانة سابقة خطيرة
- غزة تدخل على خط الانتخابات البريطانية
- هل تهدد هزيمة ماكرون استقرار أوروبا؟
- نائب نصر الله يمنح تل أبيب سبيلا وحيدا يضمن وقف حزب الله عمل ...
- بن غفير: الشاباك والمدعي العام يحاولان القيام بضربات تستهدفن ...
- هيئة البث الإسرائيلية: التحقيق مع بن غفير يهدف لإرضاء الجنائ ...
- أول تعليق من مختار جمعة بعد رحيله عن حقيبة الأوقاف في الحكوم ...
- لوكاشينكو: الغرب يسعى للتصعيد في أوكرانيا


المزيد.....

- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - فرنسا ووهم الاستعمار المستدام