أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - سيد صديق - تشيلي 1970: لماذا تحطَّم الأمل؟















المزيد.....


تشيلي 1970: لماذا تحطَّم الأمل؟


سيد صديق

الحوار المتمدن-العدد: 6664 - 2020 / 9 / 1 - 21:48
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ترجمة سيد صديق

في هذا الشهر منذ خمسين عامًا، فاز المُرشَّح الاشتراكي سيلفادور آيندي بالانتخابات الرئاسية في تشيلي في ظلِّ موجةٍ من النضال العمالي. لكن في غضون ثلاث سنوات، جاء انقلابٌ عسكري مدعوم أمريكيًا لينصِّب الجنرال أوجستو بينوشيه في السلطة ويُغرِق آمال الجماهير في الدماء.

لعلَّ قصة إطاحة سيلفادور آيندي من السلطة بمثابة تذكارٍ لمعارضة الإمبريالية ورأس المال محاولات التحدي الجذري لمصالحهما. إنه أيضًا درسٌ مهم في أن التراخي في كسر سلطة رجال الأعمال ودولتهم لا يسفر إلا عن الكوارث لأولئك الذين يريدون تغيير المجتمع.

وضعت الانتخابات الرئاسية في تشيلي، في سبتمبر 1970، المُرشَّح الاشتراكي آيندي ضد المصرفي اليميني خورخي أليساندري. وكان المُرشَّح الثالث، رادوميرو توميتش من الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم آنذاك، قد وَعَدَ بإصلاحاتٍ محدودة لإرضاء مطالب العمال والفلاحين من أجل التغيير. كان آيندي مُرشَّحًا عن جبهة الوحدة الشعبية، وهو تحالفٌ بين الحزبين الاشتراكي والشيوعي وغيرهما من الأحزاب اليسارية الأصغر.

آيندي يفوز بالرئاسة
وَعَدَ برنامج جبهة الوحدة الشعبية بقطيعةٍ جذرية مع الماضي، ونصَّ على أن البنوك والشركات سوف “تؤمَّم”، حيث ستنتقل إلى الملكية العامة دون أيِّ تعويضٍ لرجال الأعمال والمصرفيين، وأن ينطبق ذلك أيضًا على الملكيات الكبيرة للأرض.

كان الحزب الديمقراطي المسيحي في السلطة لستة أعوام قبل انتخابات 1970. في العام 1964، كان الرئيس إدواردو فري مونتالبا قد وَعَدَ بـ”ثورةٍ في الحرية”، وعلى أمل تطوير الرأسمالية التشيلية تعهَّدَ بإصلاحاتٍ زراعية وغيرها من التغييرات لرفع الفقر عن كاهل الشعب وإنهاء التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة.

لكن حتى تلك السياسات المعتدلة كانت ثقيلةً للغاية على الأغنياء. شرع الحزب الوطني والجمعية الوطنية للزراعة التابعة لكبار مُلَّاك الأرض -والتي دَعمَت خورخي أليساندري- في تنظيم صفوفهما من أجل التصدي لهذه الإصلاحات. ورغم كلِّ ما وَعَدَ به مونتالبا، لم يتغيَّر شيءٌ بالنسبة للناس العاديين، فقد ظلَّت البطالة في ارتفاع، ودَخَلَ الاقتصاد في حالةٍ من الركود، ولم تنه تشيلي اعتمادها على الأموال الأمريكية لتجنُّب الانهيار.

هذا ما دَفَعَ الطبقة العاملة والفقراء إلى أخذ زمام الأمور بين أيديهم بموجةٍ من الإضرابات والاستحواذ على الأراضي. وبحلول العام 1970، نظَّم العمال 5,295 إضراب شارك فيهم مئات الآلاف من العمال. وفي هذا السياق من التجذير، وجَّه العمال أنظارهم إلى آيندي أملًا في التغيير.

تصدَّر آيندي الانتخابات بـ37% من الأصوات، فيما جاء أليساندري تاليًا بـ35%. ومن أجل التماشي مع الغضب المتصاعد ضد الحكومة، اختار الحزب الديمقراطي المسيحي المُرشَّح “اليساري” توميتش، الذي حَصَلَ على 28% من الأصوات. ولأن آيندي لم يفز بالانتخابات فوزًا حاسمًا، كان على نواب البرلمان التشيلي أن يُصدِّقوا على انتخابه في تصويتٍ برلماني.

تم التوصُّل حينها إلى حلٍّ وسيط. فمن أجل أن يصبح رئيسًا، كان آيندي بحاجةٍ إلى أصوات الديمقراطيين المسيحيين، ووقَّع “وثيقة ضمانات” لهم. وافَقَ آيندي على أن حكومةً من جبهة الوحدة الشعبية لن تتدخَّل في أيٍّ من مؤسَّسات سلطة الدولة، بما في ذلك الجيش والكنيسة، وقد أثبت هذا القرار لاحقًا أنه قرارٌ كارثي. أصبح آيندي رئيسًا، لكن أذرع الدولة التي أرادت إيقاف إصلاحاته الجذرية كان بمقدورها الاستمرار في فعل ما يحلو لها.

أوفَت حكومة آيندي ببعضٍ من وعودها، إذ أُمِمَّ 90 مصنعًا، وقُسِّمَت أكثر من ألف قطعة أرض كبيرة، وانخفضت البطالة، علاوة على زيادة أجور العمال اليدويين بنسبة 38%، والعاملين ذوي الياقات البيضاء بنسبة 120%.

عملت الولايات المتحدة من أجل تقويض جهود آيندي منذ البداية. وفي وقتٍ لاحق، أُفرِجَ عن وثائق من عملاءٍ تابعين لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أفادت بأن تلك كانت “سياسةً حازمة ومتواصلة بأن يُطاح آيندي بواسطة انقلابٍ عسكري”. وقال مستشار الأمن القومي آنذاك، هنري كيسنجر: “لا أفهم لماذا علينا أن ندع بلدًا يصبح ماركسيًا لمجرد أن شعبه مستهتر”.

لكن مشكلة آيندي كانت أعمق من الولايات المتحدة والجيش. كانت المشكلة الرئيسية هي “إصلاحية” آيندي؛ تلك الفكرة القائلة بأنه يمكن تحقيق الاشتراكية من خلال استخدام البرلمان والدولة. تتمثَّل المشكلة، كما اكتشف آيندي لاحقًا، في أن الدولة ليست محايدة. إنها دولةٌ رأسمالية، وقد عملت عناصرها المختلفة -من الجنرالات إلى الشرطة إلى الاستخبارات إلى أجهزتها البيروقراطية غير المُنتَخَبة- على إطاحته. لذا، بينما حظى آيندي بدعمٍ في البرلمان، كانت السلطة الحقيقية تكمن خارج هذا البرلمان؛ في يد الجيش ورجال الأعمال، والدولة التي حاربت من أجل مصالحهم.

لكن هناك قوةً بإمكانها كسر هذه السلطة. ولأن الرأسماليين يعتمدون على العمال لتوليد الأرباح، فإن هؤلاء العمال لديهم المقدرة على شلِّ النظام بأسره.

العمال يشنون النضال
كان العمال التشيليون على استعدادٍ للنضال، لكن رؤية آيندي للتغيير وضعته في مسارٍ تصادميٍّ مع الحركة. لقد تبنَّى نظامًا تطبِّق فيه الحكومة الاشتراكية، المدعومة من حركة العمال، التغيير من أعلى. وهذا مختلفٌ تمامًا عن الرؤية الثورية للاشتراكية، التي تستند إلى العمال الذين ينتزعون السلطة ويديرون المجتمع بأنفسهم، على خلاف مفاهيم آيندي عن ملكية الدولة. وبينما تنظر الإصلاحية الجذرية إلى البرلمان والشارع معًا، يظلُّ التركيز الرئيسي مُنصبًّا على البرلمان.

بحلول نهاية العام 1971، انتشرت الإضرابات والاستيلاءات على الأراضي بعددٍ قياسي عبر أرجاء البلاد. بدأ العمال في التجمُّع لتشكيل ما أُطلِقَ عليه “الكوردونات”. كانت تلك مجموعاتٍ من العمال من مواقع عمل مختلفة، تجمَّعوا سويًا من أجل تنظيم أنفسهم ضد رجال الأعمال ولضمان مواصلة الإنتاج في مواجهة التخريب الاقتصادي لرجال الأعمال هؤلاء.

لكن بدلًا من دعم العمال، حاوَلَت جبهة الوحدة الشعبية تهدئة الحركة. التَمَسَ آيندي من العمال ضبط النفس، وحذَّرَ اليسار الثوري بأن عليهم “إنهاء الاستيلاءات غير القانونية للأراضي والممتلكات”.

وفي حوارٍ أُذيعَ على الراديو، قال: “لابد أن يحافظ الشعب على هدوئه، وأنني على ثقةٍ كاملة بأن القوى المُخلِصة سوف تضبط توازن الموقف”.

خوفٌ وتخريب
كانت الطبقات الوسطى، مثل أصحاب الأعمال الصغيرة والموظفين الكبار، تفتقر إلى السلطة والثروة التي تمتَّع بها رجال الأعمال وكبار مُلَّاك الأرض. لكنهم خافوا من التهديد الذي سوف تشكِّله سلطة العمال على امتيازاتهم. ومن أجل إيقاف انجرافهم إلى اليمين، جادَلَ الحزب الشيوعي بأن على الحكومة أن تنتهج سياسةً صارمةً ضد العمال.

في مايو 1972، تظاهَرَ الاشتراكيون والعمال ضد مسيرةٍ نظَّمها اليمين بمدينة كونسيبسيون. وحينها، أذَنَ النائب البرلماني الشيوعي، والقيادي بالحزب الشيوعي التشيلي، فلاديمير تشافيز، للشرطة فضَّ المظاهرات بعنف. وحين أضرَبَ عمال مناجم النحاس -الصناعة الرئيسية في تشيلي- للمطالبة بأجورٍ أفضل، وَصَفَهم آيندي بـ”الخونة” و”الفاشيين”. وحين ذهبوا إلى العاصمة سانتياجو للاحتجاج، قوبِلوا بشرطة مكافحة الشغب.

واصَلَت الطبقات الوسطى تصعيد احتجاجها في وجه الحركة العمالية. قالوا إنه إذا لم تتحرَّك الحكومة لقمع العمال، فلابد من استبدالها. وفي سياقٍ متصل، تسبَّب تخريب رجال الأعمال في تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة الأسعار، وفَقَدَت جبهة الوحدة الشعبية بعض التأييد لصالح اليمين.

وفي هذا الوضع، بدلًا من أن يتَّجه آيندي إلى الحركة العمالية، وجَّه أنظاره إلى الدولة من أجل إرساء الاستقرار وتعزيز الحكومة، حتى أنه عيَّن اثنين من كبار الجنرالات في حكومته. ولكن، كما حذَّرَت صحيفة “العامل الاشتراكي” البريطانية في العام 1971، فإن “الجيش نفسه الذي كان يُستَخدَم للإجهاز على المُضرِبين لن يقف مكتوف الأيدي ويدع الطبقة الحاكمة تتخلَّى عن وجودها”.

في 11 سبتمبر 1973، دشَّنَ الجنرال أوجستو بينوشيه والجيش انقلابًا عسكريًا لإطاحة آيندي. وبدعمٍ كاملٍ من الولايات المتحدة -والطائرات المقاتلة التي اشتراها الجيش التشيلي من بريطانيا- قَصَفَ الجيش القصر الرئاسي، ولقى آيندي حتفه مُحاصَرًا بالداخل. وخلال فترة الفظائع الكبرى في أعقاب الانقلاب، قُتِلَ 30 ألف شخص، وتعرَّضَ آلافٌ آخرون للسجن والتعذيب الوحشي. واستمرَّت ديكتاتورية بينوشيه حتى العام 1990.

موجاتٌ من الصدمة
ولَّدَ الانقلاب صدمةً هائلة للحركة الاشتراكية. استنتَجَ بعض الاشتراكيين أن آيندي تمادى بعيدًا بسرعةٍ بالغة. وقد رأوا أن تشيلي أظهرت أن على الاشتراكيين والعمال أن يسعوا إلى تحالفاتٍ مع الطبقات الوسطى. لكن هذا كان من شأنه أن يؤجِّل المعركة من أجل تغييرٍ حقيقي إلى الأبد. وانتَقَدَ آخرون آيندي بشدة على تنازلاته، وقالوا إن إصلاحيةً أجرأ من ذلك تتوجَّه إلى الحركة العمالية كانت لتحقِّق نجاحًا.

لكن الأمر لا يتعلَّق بمجرد التوجُّه أكثر قليلًا صوب تحرُّكاتٍ خارج أسوار البرلمان. فلقد وَقَعَ حزب العمال في بريطانيا، وائتلاف سيريزا في اليونان، وحزب بوديموس في إسبانيا، وبيرني ساندرز في الولايات المتحدة، تحت ضغوطٍ مختلفة، لكنهم جميعًا فشلوا حين واجهوا سلطة رجال الأعمال والدولة، ومنظماتهم السياسية نفسها.

إن القوة الحقيقية من أجل تحدي الرأسمالية تكمن في الشوارع، وبشكلٍ حاسمٍ في مواقع العمل. والغاية النهائية من القوة التي يحوزها العمال بين أيديهم ليست في تعزيز هذه المشروع الانتخابي اليساري أو ذاك، وإنما أن يستحوذوا على السلطة من رجال الأعمال وأن يديروا المجتمع دونهم.

– المقال بقلم صوفي سكوير – صحيفة “العامل الاشتراكي” البريطانية



#سيد_صديق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحدة المُضطهَدين هي الطريق للتغيير
- قراءة في كتاب «النساء في الحركة العمالية»
- فيروس كورونا والأزمة الرأسمالية


المزيد.....




- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...
- محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت ...
- اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام ...
- المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - سيد صديق - تشيلي 1970: لماذا تحطَّم الأمل؟