|
فلسطين الديمقراطية العلمانية، المشروع الموؤود
جبريل محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1600 - 2006 / 7 / 3 - 05:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تعرف فلسطين في تاريخها فتنة طائفية قبل استهدافها من الحركة الصهيونية وبشكل عملي بعد مؤتمر بال في سويسرا والذي شكل نقطة الانطلاق العملية للمشروع السياسي الصهيوني في فلسطين،هذا المشروع اعلن عن نفسه وهدفه بوضوح وهو اقامة دولة يهودية على ارض فلسطين التي وسمتها دعايتهم المضلله بانها ارض بلا شعب، وبهذا الاعلان يكون المشروع الصهيوني في جوهره مشروعا رجعيا حاول تحويل الدين الى قومية سياسية تبحث عن ارض تقيم عليها دولتها اسوة بالدول الغربية بعد معاهدة وستفاليا، ورغم ان غالبية المؤتمرين في بال كانوا علمانيين واصحاب نظرة عملية في السياسة، الا انهم وجدوا ضرورة لتبرير مشروعهم بالدين والا فقد المشروع قدرته الاستقطابية لليهود وفقدت الهجرة التي شكلت عمود المشروع الفقري جوهرها. في الجانب الاخر كانت فلسطين تخضع لامبراطورية متهالكة وضعيفة، همها الوحيد جلب الريع والخراج للباب العالي، فيما شكلت مراتبية السلطة فيها نوعا من توزيع القوة من خلال مراتب اجتماعية ودينية، وحتى نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين واستعمار فلسطين وفق سايكس بيكو وسان ريمو، انتبه الفلسطينيون للمشروع الصهيوني، ولم تكن مواجهته دينية بقدر ما كانت قومية، فقد تشكلت الجمعيات والمنظمات المتعاضدة اسلاميا ومسيحيا في مواجهة المشروع، لكن امتيازات التركة العثمانية ظلت حيث قادت الحركة الوطنية آنذاك عائلة الحسيني المحسوبة على طبقة الاشراف والمتمتعين بسلطة دينية اسلامية. ورغم ذلك لم يكن الفلسطينيون مغلقين الى حد الاغلاق الغيتوي للمشروع الاستيطاني الصهيوني، بل سرعان ما تشكل في فلسطين حزبا شيوعيا ضم عربا ويهودا، صحيح انه اخطأ في تقييم الهجمة الاستيطانية على فلسطين، لكنه عبر في جوهر وجوده عن تسامح فلسطيني عربي لم يكن موجودا لدى قادة وممثلي المشروع الاستيطاني، وخلال الصراع الداخلي في هذا الحزب والذي كما يقول النقابي الشيوعي بولس فرح كان منقسما قوميا دون اعلان، خلال هذا الصراع نشأت عصبة التحرر الوطني، هذه العصبة التي رفعت شعارها الداعي لاقامة دولة فلسطين الديمقراطية والعلمانية مع وقف الهجرة الصهيونية، لكن هذه الدعوة ظلت ضعيفة، ولم تجد قوة سياسية او ظرفا اجتماعيا يسند فكرة لامعة مثل تلك، وعليه فقد انتهت الفكرة بتشريد الشعب الفلسطيني، واقامة الدولة الصهيونية،. وظل الامر كذلك دون طرق لابل اسهم المد القومي في الخمسينات في طمس الفكرة، فيما ساد شعار (التحرير وفلسطين عربية) ، على اي شعار آخر حتى انطلقت الثورة الفلسطينية المسلحة، خاصة بعد هزيمة حزيران، لتطرح الفصائل الفلسطينية شعارها الذي غيرت به بعض بنود الميثاق القومي الفلسطيني ليصبخح الميثاق الوطني الذي ركيزته الاساس بعد تحديد الثورة المسلحة كاستراتيجية للتحرير، اقامة الدولة الديمقراطية العلمانية على ارض فلسطين، يتمتع كافة مواطنيها عربا ويهودا بكافة الحقوق والواجبات، وتم تحوير هذا الشعار عند كل فصيل بناءا على رؤيته الخاصة، ففتح طرحت دولة فلسطين الديمقراطية وشطبت العلمانية خوفا من تحسس الجماهير للمفهوم، فيما طرحت الجبهة الديمقراطية شعار فلسطين الديمقراطية الموحدة، اما الجبهة الشعبية فطرحت شعار فلسطين الديمقراطية الشعبية المنتمية للوطن العربي. لكن ما انتجته حرب تشرين من ميل نحو المرحلية ازاح للخلف هذا الشعار، وظلمختفيا في الظل فيما برز على السطح شعار الدولة المستقلة والذي فهم منه ضمنيا قبول دولتين احداهما يهودية والاخرى عربية فلسطينية. خلال الصراع وحالة الدفاع الدائمة التي عاشتها الثورة الفلسطينية، غاب الشعر ليس فقط عن البرامج بل عن وعي النخبة القيادية والكادرية في الفصائل وبات التكتيك ينتهك الاستراتيجية يوميا حتى كان اوسلو الذي مسخ الصراع الى ابشع صوره. في الجانب اليهودي وخلال الصراع بين الاشكناز والسفارديم نشأت منظمات يهودية يسارية ذات طابع شرقي (عربي، مغاربة ويمنيين وعراقيين) حملت الشعار ونادت به مثل حركة الفهود السود، واخرى ذات طابع غربي اشكنازي ونخبوي مثل ماتسبين (العصبة الشيوعية الثورية والجبهة الحمراء وغيرها) نادت بهذا الشعار لكنها كانت حركة محدودة وضيقة الانتشار وتلاشت مع الزمن الى انوية صغيرة لا تستطيع الوصول حتى الى تمثيل في الكنيست. اما الشيوعيون من اصحاب الخط الرسمي فقد اعلنوا ولاءهم للدولة اليهودية/ مع نقد سياساتها، ووقفو ضد شعار العصبة المنادي بالديمقراطية العلمانية،مترسمين بذلك خطى الموقف السوفياتي الرسمي، والذي حكمته مصالح اقليمية ودولية اكثر من المباديء الايديولوجية،، وحتى في هذا الحزب فقد كانت الغالبية العظمى منه عرب، فيما صبغت هيئاته التمثيلية حالة مناصفة بين اليهود والعرب، واصبحت بعض الاماكن حكرا على شخوص يهود مثل بنيامين غونين في الهستدروت، وماير فلنر وتمار غوجانسكي في الكنيست، وامانة الحزب العامة، لدرجة علق المناضل الشيوعي المرحوم صليبا خميس على ذلك بقوله (اصبح رفاقنا اليهود يحضرون الى المؤتمر على كرسي بعجلات، فلم يعد غيرهم يهودا في الحزب وقد شاخوا. ورغم ذلك نشأت حركات عربية داخل فلسطين المحتلة عام 48 نادت بالديمقراطية العلمانية منها حركة الارض، وحركة ابناء البلد فيما بعد، وتوج ذلك بقوة سياسية هيمنت ثقافيا وليس سياسيا على الشارع العربي في مناطق 48، مستندة الى وعي شعبي وكاريزما خاصة تمتع بها الدكتور عزمي بشارة والذي صاغ من مفهوم المواطنة الليبرالي برنامج دولة كافة مواطنيها، وضرورة فصل الدين عن الدولة، وان الصراع الجاري على ارض فلسطين لا يحتمل دولتين وانما دولة واحدة اما ثنائية القومية او ديمقراطية علمانية. وعلى اثر فشل اوسلو، وطرح مشروع شارون الذي يحاول الفصل احادي الجانب، وفي ضوء تخلل الاستيطان العبثي لمسامات المجتمع الفلسطيني، بات الحديث عن وهم قيام دولة فلسطينية متواصلة قادرة على الحياة، وبالتالي برز الى السطح مشروع اعادة توحيد البلاد على اساس ديمقراطي علماني، لكنه فكرة تطير هنا وهناك ولا حامل سياسيا لها. الواقع الان انه في الجانب اليهودي بدل ان تتطور حركة الفهود السود، نمت وترعرعت بين اليهود الشرقيين حركة شاس الدينية الموغلة في التخلف الديني، وبدل ان يحافظ اليسار على مكانته في الحركة الوطنية، انتشرت حماس انتشار النار في الهشيم الذي انضجه فساد المشروع الذي قادته فتح بعد اوسلو. اننا امام حالة الدفاع عن العلمانية في كل مجتمع بحد ذاته، في المجتمع اليهودي برزت شينوي كحركة فكرتها الاساسية اعادة علمنة الدولة العبرية، وحصلت في الكنيست السابقة على تأييد عال، وفي فلسطين لا زالت الجرأة على طرح الموقف العلماني بصوت عال ضعيفة، وتهمس بها منظمات اهلية تعاني من فقدان الشعبية. لقد تم وأد الديمقراطية العلمانية كمشروع لدولة واحدة في فلسطين عبر تنكر ومحاربة الحركة الصهيونية له، وعبر تخلي الحركة الوطنية الفلسطينية عنه، فيما سد هذا الفراغ كل من حماس وشاس واخواتهما.
#جبريل_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في المشهد السوريالي الفلسطيني
-
قفص غزة
-
كي لا يضيع المنطق في غبار الدعاية الانتخابية الفلسطينية
-
التنفيرفي فن التكفير
-
اليسار العربي-، مشكلة التعريف، ومأساة الانعزال
-
أرض مستباحة، وأمة مخدرة
-
قمة الانهيار العربي
-
بعد عام على احتلال العراق استمرار شتم صدام تغطية على عجز الب
...
-
لو أن الدروب سالكة
المزيد.....
-
ترامب: تحدثت مع الرئيس المصري حول نقل الفلسطينيين من غزة
-
كوكا كولا تسحب منتجاتها من الأسواق الأوروبية بسبب مستويات ال
...
-
ترامب: سأوقع أمرا تنفيذيا لإنشاء -قبة حديدية- للدفاع الصاروخ
...
-
محادثات أولية للمرحلة الثانية من اتفاق غزة ومبعوث ترامب يتوج
...
-
الاحتلال يصعد عدوانه على الضفة ويهجر آلاف العائلات بجنين وطو
...
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|