كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 6653 - 2020 / 8 / 21 - 20:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فرضت السلطة الكولونيالية الإحتفال بشرعنة و جودها الزمني الاستعماري المعاصر بالذكرى المؤرخة للسفرة ((( النفي))) الاستجمامية لمحمد الخامس (دمية الحماية الفرنسية) الى جزيرة كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر, في يوم 20 غشت 1953, للإستمتاع مع العدد الهائل من طاقم الجواري المرافق له, بعيد عن آلام الشعب المروكي المقهور.
20 غشت 1953 في واقع الآمر كان بداية النهاية لعملية المؤامرة الإستعمارية والإمبريالية لخلق كيان عرقي إستعماري جديد في خدمة الإمبريالية, كان عملية تمهيد للإعلان عن مفاوضات إكس ليبان أو "الظهير العروبي" بين الفترة الممتدة ما بين 20 و30 غشت 1955.
السفرة (((النفي))) عملية سخيفة لصناعة الشرعنة " الوطنية" و الشعبية للمقيم العام العروبي القادم, تجاوزا للتناقض الطبيعي بين الوجود العلوي الاستعماري والشعب الامازيغي المحلي في خلق شرعنة أجنبية, وهذا ما تجلى في أن السفرة "النفي" لم تكن لها أي رد فعل في وسط الشعب الامازيغي, وما حصل في بعض المدن كان خيار فردي لم يؤثر في الاوساط المجتمعية, وهذا التجاهل الشعبي للسفرة أو النفي المزعوم, دفع بالحركة اللاوطنية بالتحالف مع فقهاء المساجد "أهل اللطيف" لنشر بين أوساط الشعبية في المدن والقرى خرافة " المعجزة" الإلهية (في مجتمع تقليدي غالبيته العظمى أميون) بظهور صورة محمد الخامس وعائلته بالقمر بهدف ترسيخ فكرة القداسة الدينية للعائلة العلوية في عقول الاميين وجلب جمهور لمتابعة المسرحية السخيفة ((النفي)), ورغم ذلك فالفكرة الخرافية لم تلبي هدف الشرعنة الزائفة, بدليل ان الشعب الامازيغي رفض سلطة المقيم العام العروبي محمد الخامس بعد رحيل دولة الحماية, ولم تترسخ هذه السلطة القهرية الا بعد الإبادة الجماعية لإيمازيغن والإستبداد الوحشي لما بعد "الاحتقلال" حسب قول محمد عبد الكريم الخطابي.
إنسحاب دولة الحماية وتمرير السلطة من استعمار الى استعمار آخر, لم يكن ممكن الا بخلق ظروف مناسبة ضرورية لخلق صورة الشرعية (( الوطنية والدينية)) للسلطة الجديدة لتمكين هذه الآخيرة بالشرعنة الوهمية لتجنب الرفض الامازيغي للحكم العروبي, وكانت سفرة 20 غشت الظرف المناسب لهذه الشرعنة, و ما سمي بالنفي لم يكن مجرد مؤامرة استعمارية أولية لتبرير تمرير السلطة السياسية للكولونيالية العروبية, وللمعلومة أن محمد الخامس لم يكن وريث عرش يوسف العلوي, وهو الابن الاصغر, إلا أن سلطة الحماية فضلته عن أخيه الأكبر وريث السلطنة, ولو كانت إرادة دولة الحماية عزله لعزلته وأتت بأخيه الاكبر بدون أي مشاكل بدعوى أحقية الوراثة, لكن مؤامرة دولة الحماية والمقيم العام العروبي القادم, كانت تستهدف منع تحرر الامازيغ وإعطاء الشرعية الخرافية للأسرة العلوية الاجنبية.
إنتهت مسرحية المؤامرة بشكل عنيف ما يؤكد اللاشرعية النظام العلوي, ويؤكد أكثر أن عمليات جيش التحرير لم تكن من أجل رجوع محمد الثائر الورقي من ((المنفى)), ( بداية المقاومة كان في اول أكتوبر 1955) لو كانت المقاومة من أجل الرجوع, لكانت تحصيل حاصل, ما دام إتفاقية (إكس ليبان) لتمرير السلطة بدأت شهرين (غشت) قبل قيام بداية المقاومة المسلحة. مسرحية (( ثورة الملك والشعب)) إنتهت على عزف ميلودية إكس ليبان الاستعمارية القائمة على تحديد المهام الجديدة والمستقبلية في العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين, الكولونيالي العروبي العميل والامبريالي الفرنسي. إكس ليبان الذي شارك فيه عملاء فرنسا (موظيفين و ضباط), فمنطقيا سيكون لصالح فرنسا وأتباعها في الدولة الكولونيالية الجديدة, وهذا ما أدركته قادة جيش التحرير وتم رفضه ولم يتنازل جيش التحرير عن حق الشعب في التحرر و تقرير المصير والعيش الكريم. و رفض للإتفاقية الاستعمارية عبر عنه محمد عبد الكريم الخطابي في رسالة نشرتها صحيفة سورية في يناير 1956 تحت عنوان "بطل الريف يحذر المتخاذلين ويدعو الشعب لمتابعة النضال" : "...وقد اقتدت جماعة الرباط بجماعة تونس المستسلمة فأبرزت اتفاقية إكس ليبان إلى حيز العمل والتنفيذ، وأخذت تناور وتدلس وتغري الشعب المغربي بالكلام المعسول. وهي سائرة في نفس طريق اتفاقية تونس وستطالب المناضلين بإلقاء السلاح, بعدما طلبت منهم الهدوء بحجة أن المفاوضة لا تكون إلا في الهدوء, والهدوء لا يكون إلا بإلقاء السلاح وتسليمه لهذه الجماعة الرباطية الجالسة على عروشها حين يتفرغ الأعداء للقضاء على الجزائر. فحذار من السقوط في الفخ المنصوب, وإننا على يقين من أن الشعب المغربي سوف يستمر في الكفاح والنضال إلى أن يخرج من بلاد المغرب بل من شمال إفريقيا كلها آخر جندي فرنسي يحمل السلاح من جماعة المستعمرين. أيها الإخوان دعاة الهزيمة موجودون في الأقطار الثلاثة من بلادنا, فلا يجوز بأي حال من الأحوال بأن يسمح لهم أن يثبطوا من عزائمنا أو يوهنوا من عقيدتنا في الكفاح الشريف, فالنصر حليف المناضلين في سبيل الحق. وإننا لا نريد أن تفوت هذه الفرصة من غير أن نلفت نظر الشعب الفرنسي إلى أن إهدار كرامة الشعوب ليس من شيم الأمم المتمدنة, ولا من خصال المؤمنين بالأديان السماوية ... وبالله التوفيق".
20 غشت ((( ثورة السلطان والشعب ))) الأكذوبة التي أريد لها أن تكون حقيقة بترسيخها في العقول كحقيقة موضوعية. فالاكذوبة تتحول الى "حقيقة" قهرية مع الزمن اذا تغلغلت في عقول الجماهير, يتوارثها جيل بعد جيل, إلا انها فقدت زخمها الدعائي الغوغائي, فالفعل الاستعماري سواء كان النفي او (((المعجزة الالهية ))) رؤية صورة محمد الخامس في القمر, كان هدفه اعطاء الشرعية النضالية و الشعبية والشرعنة الدينية للمقيم العام العروبي المستقبلي واتباعه من ابناء الليوطي, خادام المخططات الاستعمارية في المنطقة, فقضاء عطلة استجمامية بين حريم السلطان في أفخم فنادق كورسيكا و مدغشقر الى غاية إتمام شروط عملية نقل السلطة من المقيم العام الفرنسي الى المقيم العام العروبي , ونهاية إتفاقية الحماية وبداية إتفاقية اكس ليبان بتقسيم ثروات المجتمع الامازيغي بين الانظمة الاستعمارية وإنهاء سيادة الامازيغ على بلدهم واخضاعهم للمستعمر العروبي, هذا الفعل المؤامراتي أدركته القوى الامازيغية وتصدت للمشروع الاستعماري, ورغم الفشل إلا أن المشروع التحرري ما زال واقعي ولم يتغير بتغير الانظمة الاستعمارية.
الثورة المضادة و الميدانية لمحمد الخامس وجماعته الخيانية الارتزاقية بدأت بعد الظهير العروبي- الفرنسي (اكس ليبان), بالتصفية الجسدية لقيادة جيش التحرير الامازيغي وعلى رأسهم قائد منطقة الشمال عباس لمساعدي وتنظيم حملة اعتقالات واسعة في صفوف الثوار الحقيقيين في الشمال والجنوب وتمزيق صفوف جيش التحرير بضربات قاتلة خدمة لشرعنة الكولونيالية العروبية وخدمة لمصالح الامبريالية العالمية, و إرتكاب جريمة وحشية ضد القوم الامازيغي في الجنوب الشرقي, وفي منطقة الريف بالشمال إرتكب الثائر الورقي محمد الخامس وخدامه من الزمرة الخيانية و على رأسها الحسن الفاشي لأكبر مجزرة وأبشعها في حق الشعب الاصلي والاصيل من اهل منطقة الريف بالإبادة الجماعية واعتقال ألاف من المعتقلين ومن بينهم نساء وشيوخ وإحراق هيكتارات من المحاصيل الزراعية وبقر بطون الحوامل وإغتصاب البنات وهدم البيوت وتشريد سكان المنطقة, هذه هي ( ((ثورة السلطان))), رمز الاستعمار العروبي البربري وقاتل ابناء الشعب الامازيغي والمشرع للاستغلال الامبريالي لثروات وخيرات الشعب, وربط البلاد بالتبعية للاقتصاد الرأسمالي الامبريالي ومؤسساته المالية.
الثورة المضادة لمحمد الخامس العلوي و زمرته الخيانية لم تكن الا وجه للمؤامرة الاستعمارية الدنيئة لحرمان الشعب الامازيغي من سيادته و حريته وتقرير مصيره ولشرعنة نهب خيراته واخضاعه للاضطهاد القومي والاجتماعي.(( ثورة السلطان)) الزائفة لم تكن إلا حملة المؤامرات ضد الشعب الامازيغي وحركته الثورية التحررية, التمثلة في الحرب الشوفينية ضد المناطق اللسان الامازيغي, الغير المعربة والمعروفة في القاموس الاستعماري العروبي بأرض ( السيبة ) واضطهاد اهلها اجتماعيا وقوميا. فندت الحقائق التاريخية الثورية الورقية للخائن محمد الخامس, فمنذ أن نصبته فرنسا سلطانا ومستشارا عوضا عن اخيه الاكبر, لم يندد بالحرب العدوانية الفرنسية ولا بالحملات الإبادية في حق الشعب الامازيغي , ولم يعارض خطط و قرارات ومراسيم سلطة المقيم العام الفرنسي , بل كان يوافق على كل القوانين الفرنسية المختصة بالمستعمرة و مشارك في كل الجرائيم وكان الموافق على خطط الرأسمال الفرنسي في إستنزاف خيرات وثروات الشعب ونزع اراضي الفلاحين الصغار واراضي السلالات وانتهاك مقدسات الشعب.
نجاح المؤامرة الاستعمارية الفرنكو-عروبية في القضاء على المقاومة الامازيغية و فشل المشروع الامازيغي التحرري بسقوط كامل التراب الامازيغي تحت السيادة المخزنية العروبية الاسلامية, كان الهدف الإستراتيجي من الوجود فرنسي والغاية ومن أكذوبة "النفي" وهذا ما اكده خطاب استقبل به محمد الخامس بقصر المستعمرات بباريس :" يمكن لي اليوم وأنا أؤدي واجب التحية لجلالتكم وأقوم بالترحيب بمقدمكم ان اتحدث بكامل الثقة والاخلاص عن مصير مملكتكم السعيدة التي تعتبرجلالتكم الشريفة الوارثة مجد الدولة العلوية النبوية رئيسها السياسي ورئيسها الديني , ولا يمكن لسلطتكم ان تمتد اليها بسوء وهي مبسوطة على المغرب كله من طنجة الى اقصى حد في الجنوب ومن المحيط الى تخوم الاراضي الجزائرية " عن مؤرخ القصر السابق عبد الهادي بوطالب.
من محمد الى محمد, الثورة المضادة الخيانية والإستبدادية, لم تنتهي حلقاتها إلا بالثورة التحررية الامازيغية.
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟