الشرقي لبريز
اعلامي وكاتب مغربي
(Lebriz Ech-cherki)
الحوار المتمدن-العدد: 6647 - 2020 / 8 / 15 - 14:46
المحور:
الادب والفن
حل الصبح وخيم صمت على المدينة، كصمت المقابر بينما كنت أجوب شوارعها، وانا لا أحمل حينها غير قلب، تذبحه غصص مؤلمة، وانكسارات ملتهبة وتنازلات موجعة.
بدت أضواء الصبح خافتة كئيبة تلوح لي من بعيد في وطن، فقدتُ ملامحه، ونسيتُ طريق الوصول إليه، فصرت أرمق الحياة بنظرة كره وسخرية، قررت ان أجرد الآوهام الزائفة من ثيابها، أشطب كل اللافتات وأحرق كل بقايا النبوءات المتسكعة، وأصرخ أمام حضرة الموت.
وحدي أمشي بخطى متثاقلة ثيابي ملوثة لا ادكر، هل كنت انتعل حذاء اما لا؟ امشي وسط زحمة اجساد بلا أرواح، تهرول مخافة ان تتأخر عن استغلالها اليومي، لأجدني مرمي في قارعة الطريق، يبدو المكان معزولا عن عالمهم، لم أعد أدري ما لون العالم من حولي، لا أسمع إلا أصوات قوافل من أحبوا الحرية مزدحمة تتكاثف داخلي، تطوقني وتجتاحني كحبل أخطبوطي شارد يجذبني الى القوافل.
أتوقف أتأمل حولي فلا أجد غير سحب هاربة تتسابق، وطيور راحلة، وأزهار ذابلة...ذهني شارد بحكايا من رحلوا، لكن كل ما اذكره ان الوجع المستديم، كان يجعلني اضرب الأرض كل مرة، لأطرد أي فرحا كاذبا، وأخلص نفسي من رذائل كلاب ضالة...
فجأة أنتفضت مذعورا، فقررت ان أوقظ شهيدا من قبره واصحبه في شوارع المدينة، أسنده بذراعي ونتجه سويا الى الجلاد، الذي لن يجرئ على التحديق في ملامحه لانه لا يملك الشجاعة، لكونه يعي بدايته التي كانت خنوعا وطاعة، حين كان بين سياج الأعراف والقبيلة، ثم تمرد على تقاليدهم الماضوية، تمرد على دهنياتهم...رفض ان يصبح ادة طيعة بين أيدهم، أمان بحريته فاختار موته ولادة لخلوده، اكيد ان الجلد سيتجاهل حضورنا ويستمر في التزين لسهرته الليلية علَّها تنسيه ما ارتكب من جرائم.
أعي جيدا بفعلي هذا اكون قد تجاوزتُ كل الخطوط المرسومة، تجاوزت كل نقط الانطلاق، أنني أسبح عكس التيار، او كمن يركض بدون سبب وجيه يحسب نفسه يطوي المسافات لكنه لا يبارح مكانه، لكن تحاملت على نفسي، وأعلنت العصيان، بعد ان تملكتني رغبة لأن أعبر كل الصحاري والبحار... وأغرق للأبد، وانا أحمل حقيبتي ووطني، وترهات فارغة من زمن النسيان.
اية جرأة هذه هل هو آخر بداخلي؟ قتل الجبن الذي سكنني عمرا، شدني حيث لا استطيعُ التنفس، جرني إلي..، سحبني إلى أعماقي بقوة بلا هوادة، وهو يصرخ بكل قواه، ابقي على الوعد، وعلي الدّم لا تساوم ولا تكترث بالطريق الذي هم فيه ماضون...
#الشرقي_لبريز (هاشتاغ)
Lebriz_Ech-cherki#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟