معتز عجلاني
الحوار المتمدن-العدد: 6646 - 2020 / 8 / 14 - 23:31
المحور:
الادب والفن
قد تصدر عني بعض الأقوال والأفعال القبيحة، نعم، أأسف لذلك في الحقيقة. ولكنَّ ذلك، على الأقل، أقلَّ قباحةٍ من هذا الواقع البائس. بل الأسوأ من هذا هو تجميله بالزخارف التافهة والألوان الزاهية؛ لتغدو رائحته عطراً زكيّاً يشتمه أبناء الحضارة المزيّفة. رائحة ما إن تظل مشتمها حتى تتبدى رائحتها النتنة، وقذارتها الحقيقية. حقيقة تتكشّف عن ردائةٍ في أعماقها تستر نفسها برداء الخير والسلام والتقدم الحضاري وثوب الفضيلة والأخلاق الزائفة. هذه هي الحضارة الرائعة، التي تسطع بأنوارها لتعمي عيوننا ببريق ألوانها، ولتعمي عقولنا بحجابها الأسود ووشاحها الكالح. هذه هي الحضارة التي بنتها يد الغريزة البدائية والهمجية للإنسان. حضارة تقوم على أعمدة المجد والتقدم والتنوير، وتلقي بظلالها وآثارها على عقول المغفلين لينعموا، وعلى أجساد المساكين ليموتوا، وعلى مؤخرات الأرستقراطيين/الأغنياء لتزداد حجمها ولتنعم بالدفء والراحة، وعلى أجساد المضطهدين، مرةً أخرى، ليكونوا وقوداً لها. يد الغريزة الإنسانية، غريزة لا تعرف سوى المسير والتهام أي شئ في طريقها، إلى أن تلتهم ذاتها في النهاية. غريزة عمياء يجب أن تستمر في مُضيها الجنوني من دون توقف، وإلى أن تُفني الحضارة التي صنعتها. لكنَّ الأهم من هذا كله هو أن يبقى الإسم، إسم الحضارة، حتى لو فنتْ، وحتى لو فنت الغريزة نفسها، يجب أن يبقى الإسم؛ حتى لا تنكشف حقيقتها الكريهة، وكي يبقى ردائها العفن عليها، رداء الفضيلة والتقدم والتنوير. من سيعتذر لي عن الواقع إذن؟ من سيعتذر لي عن الحضارة؟ أم أنه يجب عليّ أن لا أعتذر أصلا؟! الآن علمت، عليّ أن أشتم هذا الواقع الخراء الذي يُخفي بين صفحاته الفاحمة أنواع الدعارة والمجون، وأصناف الفساد والنفاق، وهذه الحضارة الشائنة التي تتغذى على أنهار الدماء والآهات... بعد كل هذا، أعليّ أن أعتذر؟
#معتز_عجلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟