مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1597 - 2006 / 6 / 30 - 15:05
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
من الرائدات .. السيّدة هدى الشعراوي – 3
قبل الدخول في أهم الأدوار التي قامت بها رائدتنا هدى شعراوي في النضال الوطني والإنساني وفي مقدمته دور المرأة العربية في هذ النضال الواسع والمتشعب .وددت البدء بالكلمة الهامة التي ألقتها رلئدتنا في فرانسا
في دار بلدية مرسيليا في 18 اذار - 1933أختزل منها النقاط الهامة :
" إن مصر التي كانت قديما مهد أعرق الحضارات تجد نفسها في الوقت الحالي حاملة لواء التقدّم الحديث في الشرق .
ولذلك شرّفني مكتب إتحاد النساء الدولي بأن اختارني بصفتي مصرية لأمثّل هذا المساء القارّة الأفريقية .
وأنا سعيدة لذلك مرّتين :
أولا لأن البلدان التي تشكّل تلك القارة والتي تغذّت مثل بلدي بالثقافة اللاتينية يحدوها نحو فرنسا شعور واحد من الإعجاب والودّ .
ثم لأن كثيرا من هذه البلدان تجمعها بمصر روابط العرق والتاريخ وتقاليد الماضي الواحدة والمطامح المتشابهة إلى المستقبل .
إسمحوا لي إذن سادتي سيداتي , أن أوجه إليكم بإسم نساء هذه القارة أجمل تحيّات الموّدة والإخاء . في هذه البلدان التي اعتبرت فيها المرأة بسبب من الحجر عليها كائنا مضطهدا أو غرضا للترف نفذ تيّار التحرر إلى " الحريم " فجعل المرأة واعية لحقوقها وواجباتها .
وبدافع من الأفكار الحديثة للعدالة والحرية , وبتأثير إنتشار التعليم تتبع المرأة رفيق حياتها خطوة خطوة في طريق التحّرر والتقدّم في مصر , ومنذ عام 1922 , وهو التاريخ الذي اعترف فيه باستقلال بلادنا وحقهّا في حكم نفسها بنفسها ظهر تطور كبير في جميع ميادين نشاطنا الإجتماعي والسياسي .
فالمصري الذي حرم زمنا طويلا من حسنات الحرية لا يمكنه لدى حصوله عليها أن يحرم رفيقته من التمتّع بالحقوق نفسها . ولذلك لم نلق سوى الإستحسان والتشجيع من جانب النخبة والصحافة والجمهور الأعظم , عندما تأسّس منذ عشر سنوات في مثل هذا التاريخ .. الإتحاد النسائي الذي قرّر أن يتمثّل بنا في مؤتمر روما .
..... كم من إنتصار سجلّناه في تاريخ إتحادنا :
أوّلا – إلغاء الحجاب الذي كان يقصينا عن الإشتراك في الحياة العامة .
ُثانيا – تحديد السّن الأدنى لزواج الفتاة ستة عشر عاما , في حين كان يمكن لأهلها من قبل أن يزوّجوها في سن العاشرة دون موافقتها .
ثالثا – دخول الفتيات المدارس الثانوية والعالية إذا كن راغبات ...... .
رابعا – تحقّقت في التشريع إصلاحات تتعلّق بإمكان المرأة الحصول على الطلاق , وتقييد الطلاق بالنسبة إلى الرجل . وفضلا عن ذلك مدّدت فترة حراسة الولد ( الحضانة ) بالنسبة إلى الأم المطلّقة سنتين بدلا من 7 للصبي و 11 سنة بدلا من 9 إلى البنت ) .
خامسا - هناك تشريع في طور الإعداد لإلغاء دور البغاء وقمع الإتّجار بالنساء .
أما كفاءة المرأة المدنية , والأجر المتساوي للعمل المتساوي وحقوق الولد غير الشرعي , فهي مشكلات غير موجودة عندنا لأن قوانيننا لا تميّز بين الجنسين ....
ويزيد من إبتهاجنا بهذه الإنتصارات أننا مقتنعون بأثرها في جميع بلدان الشرق .
سيّداتي سادتي . إذا كنا قد استطعنا أن نحصل بسهولة على هذه الإصلاحات حيث التقاليد صارمة جدا , فليس ذلك فقط بفضل القوانين المسعفة , أو بفضل النضال النسائي العنيف , وإنما بفضل السنين المؤلمة للسيطرة الأجنبية اتي أقنعت رجالنا أن الأمة لا يمكن أن تعلن أنها حرّة ومتحضّرة ما لم ينعم بالتساوي جميع مواطنيها , رجالا ونساء بحسنات الحرية .
ثم إن أوّل نصير مصري للمرأة تجرّأ , منذ ثلاثين عاما , على المطالبة بتحرير المرأة , كان قاضيا شابّا , " كوندورسيه " المصري : قاسم أمين .
.... وفي أيامنا هذه التي لايرى فيها الرجل إعتراضا على أن تعمل رفيقته أو إبنته أو أخته بجانبه وله بالغالب , هل يجوز له أن ينكر إمكان المحافظة على مصالحها برفضه حقّها في الإنتخاب ؟
أيّها الفرنسيّون , يا من كنتم , عبر التاريخ , أوّل من أراد تحرير الشعوب المضطهدة , حررّوا اليوم نساءكم , ولا ترضوا أن يكن اّخر من يتمتّع بحقوقهن الشرعية " . ----- هدى الشعراوي -- السنة 1933 – العدد : 90 الشهر نيسان –مجلّة المصرية .
هدى .. والحياة العامة :
لقد دخلت هدى بقوة واندفاع وجرأة الساحة النسائية من بابها العريض .. وهي ما تزال إمرأة صغيرة ( نسبة لعمرها ) , وأرادت أن تلقي محاضرة على النساء بخصوص الحجاب , فاستعانت بإحدى الزائرات إلى مصر – مندوبة لشركة سياحية – وكانت هذه الأمسية أوّل محاضرة في تاريخ مصر للسيّدات . بعدها أخذت النساء يجتمعن كل نهار جمعة ليلقين المحاضرات .
الخطوة الثانية التي دشّنتها بدافع وتحريض ونضال منها ومن الجماهير المصرية كلها , هي إنشاء الجامعة الأهلية في مصر عام 1905 .
هذه الجامعة التي أخذت نقاشات وجدالات حامية و مطوّلة بين المصريين وسلطة الإحتلال البريطاني , المتمثّلة بالمعتمد البريطاني اللورد كرومر . وكان لهم ما أرادوا بتضامنهم وتبرّعاتهم وإصرارهم ملكا ( الخديوي عبّاس ) .. وشعبا وكان ذلك الإنتصار لهذا المشروع عام 1908 , 21 كانون أوّل - ديسمبر , يعدّ يوما مشهودا في تاريخ مصر .
ما أجمل التضامن والوحدة في النضال في سبيل المطالب الشعبية الوطنية .. ؟
الكاتبة السيّدة ملك حفني ناصيف التي اشتهرت بإسم ( باحثة البادية ) .. صديقة هدى والمقرّبة لها كأختها , هي أوّل من ترأست رئاسة هذه الجامعة .
وبدأ النشاط النسوي يتّسع وينمو ويكبر في كل إتجاه .. فشكّلن " مبرّة " لأوّل مرّة في تاريخ مصر لتعليم البنات واجبات الأمومة والطفولة والتدبير المنزلي . وكل ذلك بجمع التبرّعات من الأهالي ورجالات السياسة , والعمل التطوّعي في الخدمة بما فيهم الأطبّاء وغيرهم ممّن وضعوا أنفسهم تحت تصرّف الجمعيات النسائية ؟
أوّل زيارة لها إلى باريس :
أحبّت السيّدة هدى الطبيعة .. والحضارة والثقافة .. كانت شغوفة أن ترى عن قرب مدينة النور " باريس " .. وهي التي تشرّبت ثقافتها وأدمنت على تعلّم لغّتها وموسيقاها , فكان لها ما أرادت . فاطّلعت على المتاحف والأوبرا , والتقت خلال هذه الرحلة بمشاهير مفكّري ومثقّفي فرنسا ..
بعد عودتها إلى مصر أخذت تعمل لتشكيل ( جمعيّة الرقي الأدبي للسيّدات ) , وقد كانت من بين أعضائها صاحبة مجلّة ( الشرق ) السيّدة لبيبة الهاشم .
فيما بعد أخذت حياتها تتشعّب وتتسع في أكثر من مجال ومعلم رغم صغر سنّها . فرققتها لكثير من السيّدات الفرنسيّات في طفولتها المتأخّرة , وزيارتها لفرنسا , قد أصبح لديها ولع كبير بثقافة الغرب , فأرادت أن تغرف منها لخدمة بلدها .. والمرأة خاصّة ..
لقد نشأت السيّدة هدى كما ذكرت سابقا في بيت غنى وكرم وسياسة , وزوجها كذلك ( إبن عمّتها ) السيّد علي الشعراوي سياسي صعيدي , صحيح أنه لم يكن متعلّما مثلها لكنّه كانت لديه مواقف وطنيّة صلبة – رغم اعتزاله السياسة فيما بعد – لكننا لا ندري ما الذي أثّر بالاّخر الزوجة أم الزوج في المواقف الوطنية الصلبة ؟
إنهما الإثنان معا ..
إن قوّة شخصيّة هذه المناضلة المصرية وجاذبيّتها .. وثقافتها , كانت عاملا في احترام زوجها لها – ولقد تأثرت كثيرا بالمفكّر والكاتب مصطفى كامل ( صديق أخيها عمر ) واعتبرته مثالا لها كما قرأنا في مقالتها في المقدّمة , وقد تأثّرت كذلك بزعيم حزب الوفد سعد زغلول , وعبد العزيز فهمي , وعمر أخوها وقد احترمها كل الناس العامة والخاصّة .
لقد زارت السيدة هدى فرنسا أكثر من مرّة وكل مرّة كانت تطّلع على بناء المؤسّسات المدنية فيها , والمدارس الصناعية والتدبير المنزلي والمتاحف , وتحضر الإجتماعات النسائية التي كانت تطالب بمساواة المرأة بالرجل , وحقّ الإنتخاب , والنداء بالسلام لمنع الحرب العالمية الأولى .
فدور هدى النضالي لم يكن إصلاحيا فقط أو في المجال النسائي , بل حاولت أ ن تخلق حالة ووضعا جديدا لمصر ودورها والأمة العربية كافة .
فانتخبت السيّدة شعراوي رئيسة - للجنة الوفد النسائي . كما انتخبت معها : زوجة فهمي ويصا , حجازي , فكريّة حسني , أحمد أبو إصبع , , مقاري , علوي , رفيق فتحي , ثقلا , مجيب فتحي , أحمد عزّت , أحمد أفندي , ويصا واصف .
وأصدرن قانون اللجنة الوفد المركزية للنساء المصريّات . وأهم أعمال هذه اللجنة : النضال ضد الإستعمار البريطاني –
برقياّات تأييد لحزب الوفد في مواقفهم الوطنية , وبرقيّات تنديد بلجان الإنكليز التي أتت إلى مصر لتحقّق في الثورات المصرية ضدّهم تنديد بإطلاق الرصاص على المتظاهرين العزّل , واعتداء الجنود على الأهالي , وبقاء تشديد الأحكام العرفية في طنطا .. وغيرها وغيرها من المهام , وقد كانت تخاطب المندوبين البريطانيين بكل جرأة وحقّ وقوّة , وقد كانت كل هذه البرقيات توقّع بإسم .. عن سيّدات مصر : هدى شعراوي .
عندما اعتقل القائد الوطني سعد زغلول ونفي إلى جزيرة سيشل كتبت هدى تقول : " إن جزيرة سيشل قد جعلت من سعد رجلا قدّيسا , وإن اعتقاله بها لو طال سيجعل منا شعب أبطال وشهداء " .
إن الثورة عندما تشتعل فإن المدّ الثوري يحرق المسافات بين النور والظلمة ويكشف العيون والوجوه المشرقة بحبّ الوطن .
عندما نتكلّم عن هدى .. يعني أننا نتكلّم عن الشعب المصري .. عن الحقبة الوطنيّة - قبل اغتصاب العسكر 1952 – عن نساء مصر .. والمدّ الثوري والوعي التحرّري , ولا يمكن فصلها عن كل ما يجري في الساحة المصرية عامة ,
فبالرغم من أن السيّدة هدى كانت إمرأة إرستقراطيّة , لكنّها التزمت بقضايا الشعب وتحرير الوطن حتى اّخر يوم في حياتها . يتبع ------
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟