أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد كشكار - الفنّانون في المجتمع: هل يَصْلُحُونَ لِشيء؟















المزيد.....

الفنّانون في المجتمع: هل يَصْلُحُونَ لِشيء؟


محمد كشكار

الحوار المتمدن-العدد: 6645 - 2020 / 8 / 13 - 14:17
المحور: الادب والفن
    


ملاحظة: من حسن الصدف أن جريدة لوموند ديبلوماتيك الشهرية الناطقة بالفرنسية، جريديتي المفضّلة، استبقتْ الجدل الدائر حاليًّا في تونس حول الفنان لطفي العبدلّي وحرية التعبير على خشبة المسرح.

الموضوع:
منذ القرن 19م والفنانون يتساءلون بِـحيرة وجودية هل سيستطيعون العيش من مردودِ نشاطهم الفني فقط، ويتساءلون أيضًا عن دورهم في المجتمع. والمجتمع بدوره يتساءل عن دور الفنان: طفيلي مُلهَمٌ كلطفي؟ مُضيفٌ للروحانيات؟ هل للفنان خصوصية تمكّنه من أن يكون مفيدًا وصالحًا للاستعمال؟
نلاحظ اليوم تكالب السياسيين، الدساترة واليساريين والقوميين وحتى الإسلاميين، نهضة وسلفيين، على توظيف الفنانين لأغراض حزبية خاصة في حملاتهم الانتخابية.
غرّد رئيس فرنسا الحالي، ايمانويل ماكرون، مغازِلاً الفنانين: "لن يُبتكَرَ المستقبلُ إلا بفضل سلطانِ خيالِكم". أصبح الفن ضروريًّا في السياسة وأصبح الفنانون مطلوبين لخدمة السياسيين.
أصبحوا مطلوبين أيضًا في المجال التربوي ومجال التضامن الاجتماعي وحتى مجال الرعاية الصحية، ومُنحت لهم مكانة بين المهن المفيدة بل حتى بين المهن الضرورية.
هذه الضرورة الاجتماعية للفنانين، مسألة تستطيع أن تتقبّل أجوبة شديدة الاختلاف، أجوبة لم تُطرَح في السابق، لا من قِبل الفنانين أنفسهم ولا من قِبل مموّليهم ولا من قِبل الجمهور عمامًا. مسألةٌ لم تُطرَح في واقعنا العربي، لا من قِبل الفنانين أنفسهم ولا من قِبل الجمهور الفاقد للتذوّق الجمالي أصلاَ.
قبل الإسلام كان الشعراء عندنا يوظّفون إبداعَهم للتغني بنَسب القبيلة وشرفها وانتصاراتها على القبائل العربية المجاورة والمنافسة على الماء والمرعى والكلأ، وبعده أصبحوا يسترزقون من مدحِ الأمراء والسلاطين.
في عالم رأسمالي متوحش جشع أناني، عالم يفضّل المفيد والمربِح، في عالم يعاني لماذا يصلح البحث المجاني عن جمالية المعاني؟
ومن هنا تنبثق المواقف وتتطور التصورات حول الفنانين: الفنان الملعون، الفنان الانتهازي، الفنان المتطفل، الفنان المتقوقع في برجه العاجي والذي لا ينكر انعدام صلوحيته أي الفنان المحكوم عليه بالوحدة والانعزال، الفنان السكران بمبدأ الفن من أجل الفن وبس.
لكن يبدو أن موقف الفنان الانعزالي الأرستقراطي الإرادي هو موقف مشترك، موقف يَرفض فيه الفنان الانسياق وراء نزوات الجمهور والجمهور بدوره يرفضه، موقف نتج عن الوضع السياسي والاجتماعي القائم ثم وقع التنظيرُ له، موقف مبتكَر من قِبل الطرفَين (الجمهور مرآة الفنان والفنان مرآة الجمهور)، موقف ديالكتيكي مأساوي، موقف يؤبد تصورًا سيئًا عن الفنان، الفنان الملهَم المتطفل على جمهور لا يطيقه.

في أمريكا الثلاثينيات، عصر الماكّارتيزم أو "الخوف الأحمر":
الصفقة الجديدة (le New Deal): صُنِّفَ فيها الفنانون كعمال من ذوي الكفاءات الخاصة الذين يجب أن يتلقوا أجرًا. صفقةٌ انتُدِبَ فيها 13.000 ممثل، و700 كاتب، و2500 موسيقي...، انتُدبوا من أجل القيام بمهمة لفائدة الصالح العام بعيدًا عن الجرعة الإضافية من الروحانيات والفن من أجل الفن: تثقيف الشعب، تنشيط مجموعات هواة، إيصال المسرح إلى مناطق دون مسرح، تسجيل التراث الموسيقي لِسُود الجنوب الأمريكي أو تسجيل قصص معاناة العبيد من أفواه أبناء العبيد أنفسهم، تجميل الأحياء بلوحات فنية جدارية (2500 fresques). كل هذا من أجل إرساء ثقافة وطنية والنتيجة كانت رائعة حقا: 25 مليون أمريكي اكتشفوا المسرح لأول مرة. لكن المؤسسة الأمريكية المكلفة آنذاك برصد الأنشطة العدائية للأمة لم تر في كل هذا النجاح إلا انتشارًا وانتصارًا للفكر الشيوعي.

في الاتحاد السوفياتي في الثلاثينيات، عصر الستالينية أو عصر الواقعية الاشتراكية:
الفنان مطالبٌ بالالتصاق بالواقع ونقله كما هو ومطالَبٌ أيضًا بالمساهمة في التغيير الإيديولوجي وتربية العمال على الحس الاشتراكي، أي مطالَبٌ أن يكون الفنان مفيدًا على شرط أن يؤقلم فنه ويلائمه مع متطلبات المشروع الثوري.

في التجربتين، الأمريكية والسوفياتية، كان الهدف هو استلاب الفنان (aliénation de l’artiste) وتوظيفه لخدمة أغراض سياسية، أغراض لا علاقة لها بالفن والخلق والإبداع غير المقيد بالمنفعة الآجلة.

وتبقى الإشكالية معلقة لكنها مطروحة: كيف نتجنب التناقض التالي: نعترف للفنان بضرورته وأهميته في المجتمع دون أن نطلب منه، فردًا أو جماعةً، أن يساهمَ في بناء مجد بلاده ويثقف شعبه ويشارك في بناء الإرادة الجماعية، ودون أن نحدّ من خياله وتطلعاته، ودون المساس بأعز ما يملك، خصوصيته وحميميته.

المتنفّذون الجدد (les nouveaux commanditaires, 1991) يتصورون أنهم وجدوا الحل، وجدوه في "فن الديمقراطية" وغايته الاستجابة لطلبات المواطنين واعتماد سياسة ثقافية، سياسة يصممها وينفذها الفنانون بمشاركة المواطنين والمواطنات دون انتظار مشاريع الدولة. سياسة تدعو الفنان لتبنّي مواضيع الإيديولوجيا السائدة في المجتمع والمقدّسة من "المواطَنة" (des thèmes élus par l’idéologie dominante, sanctifiés par la « citoyenneté » et l’horizontalité)، سياسة أفقية تقطع مع سياسة الدولة العَمودية. علاقة أفقية مباشرة من الحريف إلى مقدم الخدمة، يصبح فيها الفنان عبارة عن مجمّل (enjoliveur) يلبّي الطلب المحلي.


خاتمة: قد يتشكّلُ في الأفقِ جوابٌ مع تأمّلات الفيلسوف أرنست بلوش (Ernst Bloch): "ويبقى في العالم جزءٌ من الحُلم لم يُستثمَر بَعْدُ، بُعْدٌ من التاريخ لم يُكتشَف بَعْدُ، رُكْنٌ من الطبيعة لم يُغتصَب بَعْدُ".
الإحساسُ والوعيُ بما ينقصنا وإذكاءُ الرغبة فيه، يبدو لي أن هنا، وليس هنالك، تكمنُ رَوْعَةُ المُفِيدِ - للجميعْ.

Source d’inspiration: Le Monde diplomatique, août 2020, extraits de l’article de Evelyne Pieiller, écrivain, « Être utile, œuvrer pour l’intérêt collectif… ou pas. Mais à quoi servent donc les artistes ?», pp. 18 & 19

إمضائي (جريدة لوموند ديبلوماتيك، ترجمة وتونسة مواطن العالَم):
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
"وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة" (جبران)
النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ، أنا لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.
لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ ما شِئتَ (La spiritualité à l`échelle individuelle).

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 13 أوت 2020.



#محمد_كشكار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية مطروحة منذ بداية التاريخ: هل نجحت الأخلاق الفلسفية أ ...
- اللغة العربية، التغيير والديمقراطية: أي علاقة؟
- الحداثة الغربية المعلّبة المعولمة غولٌ يغزونا بسهولةٍ وسيولة ...
- توضيح حول مقولة ماركس الشهيرة -الدين أفيون الشعوب- التي وظفه ...
- وددتُ لو تعددت العواصمُ في كل دولة؟
- أطلِقوا سراح جورج إبراهيم عبدالله، -مانديلا الشرق الأوسط- كم ...
- صرخة ضد التمييز حسب العائلة أو المهنة أو الشهادة العلمية (ال ...
- قبل أن ننقد الدولة على ما لم تفعله، علينا أولا أن ننقد أنفسن ...
- طوفان.. طوفان.. ولا سفينة في الأفق!
- ما هي مواصفات الفرد التونسي التي أنتجها النمط الحضاري-الرأسم ...
- ماذا أنتظر من وزير السياحة القادم؟
- حضرتُ اليوم ندوةً حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من وجهة ن ...
- الجيش المصري أصبح في عهد السيسي جيشًا شَرِهًا نَهِمًا جَشِعً ...
- خدعوكَ أيها الشعب التونسي الفقير بقولهم أنك كريمٌ!
- مَن شابَه أباه، فقد ظلم مستقبله!
- بماذا تتباهون على الصغارْ يا كبارْ؟
- -يجبُ إعادةُ أنسَنَةِ الإنسانيةِ-: صيحةٌ أطلقها الفيلسوف الف ...
- ماذا تفعل وزارة التربية؟
- وهل رأينا كبارَنا يقرؤون حتى نلومَ صغارَنا؟
- حضرت اليوم ندوة استشارية حول إعداد قانون ترتيبي للاقتصاد الا ...


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد كشكار - الفنّانون في المجتمع: هل يَصْلُحُونَ لِشيء؟