|
مقاربات في الصورة الدرامية لأعمال بتهوفن الموسيقية ..
قيس عوده قاسم الكناني
(Qays Oudah Qasim)
الحوار المتمدن-العدد: 6642 - 2020 / 8 / 10 - 02:45
المحور:
الادب والفن
كانت الموسيقى عند (بتهوفن) بمثابة صورة درامية تشكل رابطة جدلية بين الدراما والصفاء ووسيلة تعبيرية مثلى، بسيطة، بسيطة ومعقدة عن طموحات الإنسان وآماله. (بتهوفن) العظيم الذي طغى اسمه على كل رواد القرن التاسع عشر وتسنم عرش الموسيقى باتفاق الجميع وأطلق عليه لقب(الرجل الفائق وجبار الموسيقى)، فالكثير بحثوا عن هذا السر وسر تعلق الناس به، وهذا السر يكمن في جعل الإنسانية فقد عبر عن إنسانيته من خلال الجدول الذي يترقرق او رقصة فرح الفلاحين، او رياح عاتية، كذلك اخبرنا برأيه في القدر المجيد وفي البطولة، وهذا ما جعل موسيقاه أليفة وقريبة من النفس والفهم . تحتل سيمفونيات (بتهوفن) التسع المرتبة الأولى من حيث الشهرة والانتشار، مقارنه لمؤلفاته الأخرى، لان السبب يمكن في ان هذه السيمفونيات هي الأعمال الأكثر تسجيلاً في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية، حيث يقول صديق بتهوفن(انطون شيندلر) وهو يصف السيمفونية الخامس (القدر) : لقد اراد منها (بتهوفن) الصور التالية : القدر يقرع الأبواب، واذا تمعنا في الجملة او هذا العنوان البسيط نجد ان خلفه يكمن الكثير من المعاني اي قدر واي ابواب ؟( ) القدر المحتوم الذي أصاب (بتهوفن)، والأبواب التي لا يمكن غلقها عندما يصل القدر اذ لا بد من الإنسان ان يقاوم الفشل وان لا يتذرع بالقدر الذي يصيبه وان لا يقف مكتوف الأيدي فالإرادة اقوي من كل شي، وهذا بتهوفن عندما أصيب بالصمم وهو اقوى سلاح يصيب الفنان الموسيقي باعتبار ان الموسيقي أداة في الكتابة والتدوين والاستماع هي الإذن (السمع) وبالتالي فانه اذا ما فقد سمعه فانه لا يمكن ان يستشعر الموسيقى، فكيف يسمعها ؟ وكيف يتحسسها؟ وكيف يصنعها؟. كل هذه الأمور تغلب عليها العظيم (بتهوفن) ولم يشعرنا بان فقد سمعه لان نتائجه الموسيقية كانت خير دليل على ان القدر لا يوقف العزيمة التي تقودك الى الانتصار. وفي هذا المنطلق يتحدث المايسترو يوسف السيسي عن السيمفونية الخامسة فيقول" هي اول إفصاح عن عبقرية بتهوفن الناضجة..إنها الرجل الجديد أمام قدره منتصرا بقوة الخير وقوة الإله .. انها ملحمة تصور رحلة الإنسان من العذاب والمعاناة الى الحكمة والمعرفة ومن الحكمة الى الشجاعة والأمل..ثم إلى الحياة الأبدية الخالدة, وكانت هذه السيمفونية في حركتها الأخيرة، حيث المارش العظيم هي اول عمل سيمفوني في تاريخ الموسيقى تستعمل فيه آلات الترمبون"( ) وبالتالي فان موسيقى (بتهوفن) هي ذات صورة درامية تعبر عن مكنونات الإنسان الداخلية وتظهرها بصورة موسيقية في غاية التماسك والجمال. ودائما ما يلجأ المؤلفون الموسيقيون في بعض حركات السيمفونية وخصوصا في " الجزء الأول في صيغة السوناتة وهي الصيغة الدرامية الكبرى في مجال الكتابة الموسيقية لما تتضمنه من عناصر متقابلة ومقامات متنوعة وتفاعل..."( )وبالتالي فان المساحة التأليفية للمؤلف الموسيقي تمنحه القدرة على رسم صور درامية وأحداث وصفية من خلال عناصر وأجزاء السيمفونية وكذلك الحال في الحركة الثالثة او الجزء الثالث من كل سيمفونية فإنها تجبر المؤلف على ان يتحدد بإيقاع راقص (فالس) ذو الميزان الثلاثي يرسم من خلاله صورة درامية راقصة . كما رسم (بتهوفن) صوره الدرامية في آخرة سيمفونياته ومن أجمل هذه الصورة نجدها في السيمفونية التاسعة وهي آخر سيمفونياته وكأنه يحاول ان يختم مسيرته الموسيقية والحياتية بفرح غامر، لذا فإننا نتلمس في هذه السيمفونية"عاطفة المسّرة، فحركتها الأولى تجسد الصراع من اجل الفرح، الذي لم يأتي بعد، بينما يرسم في الحركة الثانية سراب نشوة، اما الحركة الثالثة فإنها تعيد ذكرى السعادة، التي مضت وانتهت غير مخلفة وراءها الا الحسرة، فيما تصور الحركة الرابعة بلوغ الغبطة الحقيقية، وهذا النصر لا يتم فعلاً الإ في الأبدية"( )،السعادة الحقيقية التي نادى بها (بتهوفن) في هذه السيمفونية فقد انتظرها بفارغ الصبر كرجل وكموسيقار طوال حياته، وجدها وعبر عنها في ختام السيمفونية التاسعة حيث تعيش النفس وتتلقى الفرح وهو غاية الإنسان والحياة وهدف الحياة الأوحد، وبالتالي رسم صورة الفرح هذه الصورة الدرامية التي تحسسناها في صورة سمعية الا انها صورة ارتبطت بمخيلة المستمع، لان (بتهوفن) لم يكن مجرد موسيقار ناجح بل انه رسام الخيال ومصور للصراعات الدرامية ومفسر الذات الإنسانية. ولو حاولنا ان نبحث عن مقاربات بين الصور الدرامية في أعمال بتهوفن الموسيقية وبين والصورة الدرامية لإحدى المسرحيات فإننا لا بد ان نجد تقارب درامي واضح المعالم بين الاثنين . في الموسيقى تتضح الذروة الدرامية عبر التصعيد الصوتي من خلال الربط بين أجزاء العمل اللحني واستنفاد العناصر التقنية وصولاً الى الشكل الخاص، هذا الشكل الذي يسعى الى رسم معالم درامية واضحة وجلية نتحسسها لحظة الاستماع والاستمتاع في الموسيقى وصولاً الى منطقة الذروة، والذروة في الدراما يتم بلوغها خلال عرض تطوير واستنفاد الموضوعات والعناصر وصولاً إلى قمة هرمية مجسدة. وكذلك إمكانات الموسيقى في التناوب بين الشدة والخفوت هذه الشدة وهذا الخفوت يخلق تنوعاً في الصورة الدرامية للموسيقى ففي الشدة نتحسس القوة وتصاعد الصراع الدرامي وكذلك تأزم الصراع ، بينما في الخفوت نرى صورة من صور المشاعر الرومانسية والهدوء والإحساس بالانسيابية، هذه الخصائص يبلغها المبدع من خلال الإيقاع فالإيقاع المؤثر في درامية البناء الفني هو عنصر من عناصر التأثير وجذب الانتباه والتشويق وعبر استخدامه المؤلف الخاص للإيقاع وإمكانياته في التعبير، هذه الإمكانيات الإيقاعية في الدراما تسهم بدورها في تجسيد بواطن العمل، حيث التفاوت في الفصول وخصوصيات الأداء، والتفاعل والتواصل والتصعيد وبلوغ الذروات وتخفيفها، حتى ان الإغريق القدماء استخدموا الموسيقى والأغاني الجماعية (كورال) لتعميق المشهد الدرامي او لعرض بغض جوانبه توصلاً مع القصد وخصوصية الصورة الدرامية . اما اللحن الأول ( الثيمة الرئيسة) في شكل السوناته يكون ذا طابع درامي من حيث تركيبته وإيقاعه وتأثيره، هذا اللحن يقابل في الدراما الموضوع الرئيسي الأول، ويكون تأثيره تواصلياً ومتميزا عبر أجزاء السيمفونية، لا سيما حركتها الأولى، كما الموضوع في الشخصية الرئيسية في الدراما او في المسرحية حيث يتواصل أثره الجمالي والفني عبر الفصول، ومن عوامل التعبير الدرامي ويمكن لنا ان نشبه هذين بالسيمفونية الخامسة لبتهوفن(القدر) ومسرحية شكسبير (عطيل) هذا التقارب هو صورة درامية من حيث الفكرة والتركيبة والخصائص، اما اللحن الثاني في السوناته يكون شاعرياً، غنائياً، ذا اثر رقيق ومتمهل، كما في دزدمونة زوجة (عطيل)، في حين تجد الحان (بتهوفن) الدرامية يرافقها ويتبعها لحن أخر رقيق وغنائي معبر عن الهدوء والشجن، وبالتالي فان اللحن الرئيس في السيمفونية لا سيما اعمال (بتهوفن) والرومانتيكيين من بعده يقابل البطل في الدراما، بينما اللحن الثاني فهو نظير الشخصية الانثوية في الدراما، لذلك في مسرحية (عطيل) يتم التقابل والتصادم بين الشخصيتين الرئيسيتين (عطيل ودزدمونة) والذروة نتيجة من نتائج الحبكة، والحبكة تقود الى تطور السيمفونية، فيما تقود في الدراما الى الذروة فالنهاية، والنهاية في الحركة الأولى من السيمفونية تعقب قسم التطور في الحركة الأولى من السيمفونية نجد وحدات الفعل: العرض والتطور والنهاية، اما أقسام الدراما هي: العرض والوسط والنهاية.
#قيس_عوده_قاسم_الكناني (هاشتاغ)
Qays_Oudah_Qasim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في فضاء استطيقيا الموسيقى...
-
هل الموسيقى في المسرح عنصر من عناصر السينوغرافيا
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|